منهجية يوم كان الناس أناساً وما بهم من بأس بقلم الدكتور أحمد محمّد أحمد آدم صافي الدين هذه مقالة تستهدف تصحيح مفاهيم، وتقويم اعوجاج سائد في علاقة الرجال بالنساء. فعظمة الرِّجال لا بدَّ لها من أن تروى من حنان النِّساء. فالمرأة الزّوجة عماد أمر الرّجل، وعتاد بيته، وشريكة حياته، ومستودع سرِّه، ومهبط نجواه، وسكن نفسه، وطمأنّينة قلّبه، وموضع لذَّته، وكلّ سعادته، فهي الدّافعة للهموم، المخفِّفة للانفعال، والمضمِّدة للجِّراح. والصِّراع الجاري بين صنف الرِّجال والنّساء، وإن كان واقعاً ملموساً فلا مبرِّر له، وهو وهم كبير وراءه أعداء المرأة الّذين يلبسون لبوس الأصدقاء والأنصار. ونتائج هذا الصِّراع وخيمة على الرّجال والنّساء على حد سواء. فالمجتمع الإنسانيّ خاسر بسبب إهدار طاقاته في أمر لا طائل من وراءه. ففي قصّة عاتكة بنت زيد مع زوجها الزّبير بن العوام خير مثال لتلك الرّؤية الحكيمة. فعبارتها الآسرة في ردها على عدم خروجها إلى المسجد بقولها: "كنّا نصلي يوم كان النّاس أناساً وما بهم من بأس! وأما اليوم فلا!"، هو تعبير عما حدث بالمسجد في صلاة الصّبح من موقف كان وراءه زوجها الزبير بن العوّام(رضي الله عنه). فحكمته عصمته من منعها للخروج للصّلاة، وقد امتنعت هي من جانبها طواعية بعد أن كان ما كان. واليوم ما أحوجنا إلى موقف هذه المرأة، الّتي أبانت عن عظمة قلَّ أن يجود الزَّمان بمثلها. وأما موقف الزوج فقد حقق له ما أراد في حيلته الشّرعيّة الّتي استخدمها. فلا هو رجل و لا المرأة ههنا تعسفا في التّعامل مع الموقف، الّذي كشف عن حكمة بالغة في التّعامل مع الأحداث دون الخروج عن المقاصد الشّرعيّة. إنّ الرجال يشنئون المرأة المترجلة بمقتضى الطبيعة، والمرأة تنفر من الرّجل المتأنث المترهل. ويقولون: إن المرأة ينتج عقلها حينما يعقم بطنها". فحين يتاح للمرأة أن تصبح ملكة أو وزيرة، تتعطل كامرأة انثى دات دور، فالنجاح بين أنوثتها ووظيفتها لا يقترن إلا نادراً، فلا بد من التّضحية بوظيفة على حساب الأخرى. ولعمق العلاقة بين الرّّّجال بالنّساء، فان ظهور نبيّة بمعزل عن دعوة الرّجال-كما يشير العقاد- لما آمنت بها امرأة واحدة، ولا وجدت لها في طبيعة الأنثى صدى يلهيها إذا دعت إلى التّصديق والإيمان، وإنما المرأة تؤمن بالرّجل حين تؤمن بالنبي والإله. وتبقى قضيّة تحقيق قوامة الرّجل وعدالته وفقاً للمنظور الشّرعيّ هي الحلّ المنشود، لإسكات تلك الأصوات النّاشزة.فمن يقول أنَّ المرأة مخلوق ضعيف فهو خاطئ أو واهم. إنَّ التي احتملت قديماً في العصور الخالية عنت الزَّمن، وعسف الأب، وظلم الزَّوج، وصلف الأخ، ووقر الحمل، وألم المخاض، ومرارة الرَّضاع في رضا واطمئنان ليست بالمخلوق الضَّعيف. فقد تخرج المرأة عن طوع زوجها أو أبيها أو أخيها. فالتّاريخ الإسلاميّ يشهد على ذلك؛ فامرأة لوط لم تسلم مع أن زوجها نبي، وأمُّ حبيبة أسلمت وأبوها كافر، وفاطمة بنت الخطّاب أسلمت وأخوها (عمر) لم يسلم بعد، وامرأة فرعون تحدث القرآن عن أمرها. وها هي امرأة فرعون قد أسلمت وزوجها هو من هو، وفي سير نساء فضليات مثل: مريم العذراء، وابنتي شعيب، ونساء النّبي، وسائر الصّحابيّات قدوة للمرأة المعاصرة. وعليه فإنّ دعاة تحرير المرأة الذين يرون فيها الضّعف، لا يجدون السّند الموضوعيّ لمناصرتهم. وفي خضم الصّراع، تبرز قضيّة القوامة. فإنَّ القوامة لا تعني أن الرّجل متفوق على المرأة في كلِّ شيء، فكلٌّ ميسر لما خلق له، والمرأة والرّجل كالسّالب والموجب في الكهرباء، وكالخبز والإدام. إنَّ قدرة المرأة لأن تقود الرّجل، أو أن لا تنقاد له هو ، مطلب لحركات تحرير المرأة. إنَّ المرأة الّتي تود أن تخوض غمار الحياة ومعاركها وتقود المسيرة ومن خلفها الرَّجل تواجه صعوبات جمّة لا تؤهلها بنيتها ولا قدرتها كما تشير تجارب الواقع. فنظرة المسلم إلى مشكلات الإنسانيّة الّتي هي نتيجة حتمية لسلوك الإنسان، يتوجب عليه أن يؤسس عمله على تقوى، فهو يرى برهان ربه، فعليه أن يؤوب ويعود إلى رشده. والمجتمع المسلم أراد أو لم يرد، لا سبيل إلى تقويم واقعه المعوج –سواء تعلّق بقضيّة المرأة أو بغيرها- إلا بالرُّجوع إلى المنهج الرَّبانيّ، الّذي ورد في محكم التّنزيل والسّنّة النّبويّة الشّريفة. وفي التّراث الإسلاميّ إشراقات تصلح لأن تسهم في ترقية الواقع، وانتشال المجتمع مما فيه. وربما تكمن بعض المشكلات في أن الذين يتحدثون اليوم، لا يمثلون الإسلام الحقيقي الصافي. فالفجوة البائنة بين القول والعمل، أو بين الإيديولوجية والسيكولوجية تشكل تحد تحسين أمام الصورة الذهنية للمسلمين. فحتى لا يكون الإسلام هو المشكلة بسبب سلوك المنتمين له والمنتسبين إليه، ينبغي بل يجب على الذين يتحدثون باسم الدين، ويحتكرون تمثيله، أن يكفوا عما هم فيه من وهم ، ويتراجعوا عما هم فيه من ممارسات خاطئة. فالإسلام بريء مما ينسب إليه. واليوم لما تبدل كل شيء، بسبب مخالفة الناس لسنن الله في الكون ،وقوانين الطبيعة، فلم يحصدوا سوى الهشيم. فها هي العنوسة تحاضر الفتيات والفتيان على حد سواء، وها هم الناس يشكون من غلاء المهور. إذن لا بد من النظر إلى الواقع بمنهجية تراعي مقاصد الشرع، فمن غير ذلك لن تتبدل الأحوال بين الناس. torshain Adam [[email protected]]