بلا شك حرص الكثيرون علي متابعة ذلك اللقاء الذي قدمته فضائية الشروق مع د. علي الحاج محمد مساعد الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي مساء الخميس 28 مارس. ولعل الحرص علي متابعة ذلك الحوار يأتي من كون ان البرنامج ربما يكشف النقاب عن اول لقاء من نوعه علي الاطلاق بين قياديين بهذا المستوي في الحزبين المتشاكسين ، في اشارة الي لقاء السيد علي الحاج بالنائب الاول للرئيس السوداني في المانيا اثناء سفر الاخير للعلاج. اذ لم يحدث علي ما اعتقد ان تم لقاء بهذا المستوي منذ مفاصلة الطرفين الشهيرة اواخر العام 1999 والتي ادت فيما بعد الي ميلاد حزب المؤتمر الشعبي في مايو 2001 بقيادة ربان النظام الذي ابعده تلاميذه من قيادة سفينتهم بعدما استشعروا إحتمال غرقها (السفينة) ان هم لم يوحدوا قيادتها المزدوجة علي حد تعبيرهم. و كما هو معلوم للجميع فإن الفضائية التي إستضافت اللقاء هي واحدة من وسائط إعلام النظام التي تدار بشكل سياسي و امني من قبل السلطات او الحزب الحاكم بشكل ادق. المذيع الذي ادار الحوار يبدو انه من بلاد الشام و تحديدا الاردن علي ما نظن. بصمة العمل الامني او الاستخباري كانت تطل برأسها من حين الي اخر بين ثنايا الحوار الذي امتد لحوالي الساعة. وكان المذيع لمهارة استخباراتية يتمتع بها شخصيا او ربما يُوجه بواسطة مختصين هناك خلف الكواليس، كان ينصب فخاخ الاسئلة ذات البعد الاستخباري في غالب الاسئلة التي وجهها لضيفه. الضيف حاول كثيرا و بشكل خفي الإفلات من خُبث الاسئلة و الإمساك بدفة الحوار وربما نجح كثيرا ولكنه اخفق ايضا في بعض تلك المحاور. ادناه بعض الملاحظات علي مقتطفات مختارة من الحوار: سأل المذيع ضيفه: دكتور علي الحاج انت الان لاجئ سياسي في المانيا؟ - الأجابة في رأينا كانت غير متوقعة بهذا الشكل لرجل كان مقيما بوطنه حتي شارف السبعين من عمره – ربما تخللتها بعض فترات دراسية او غيرها في الخارج- ولكن الاقامة الدائمة للدكتور علي الحاج كانت في داخل السودان. اجاب الدكتور علي الحاج بأنه الان ليس لاجئا سياسيا ولكنه مواطن الماني و اوروبي من اصول سودانية. هل يعقل ان تختزل عقود من العمر في مجرد ( اصول سودانية) كان حريا ان يقول سيادته انني سوداني وايضا حاصل علي الجنسية الالمانية فليس جميلا ان يتباهي رجل يحاول ان يحل إشكاليات وطنه الام بالحصول علي جنسية بلد اخر اكتسبها بالاقامة لبضع سنوات مكثها هناك. ثانيا اذا كان سيادته يتباهي بأوربيته فهل تتوفر فيه شروط السياسي الوطني الذي يتبني قضايا الوطن القابع في اعماق التخلف؟ حدث هذا مع ان الدكتور المحترم برر في البدء انه ما طلب اللجوء السياسي الا بعد ما نصحه المحامي بذلك وانه واجه صعوبات في تجديد جوازه السوداني لتباطؤ العاملون بالسفارة السودانية هناك في المانيا في تخليص الاجراء علي حد تعبيره. يعني ان سيادته كان مضطرا لتقديم طلب اللجوء لتقنين اقامته و حتي يستطيع انجاز مهمته المتمثلة في العمل السياسي المعارض الذي يتطلب السفر والتجوال بين الدول والعواصم المختلفة، حسنا الا يتعارض هذا التبرير الذي هو مفهوم مع التباهي بالجنسية الالمانية والانتماء الاوروبي.هذا التباهي ايضا يتعارض تماما مع تظاهر بالتواضع شاهدناه لاحقا من الدكتور علي الحاج عندما رفض–بشكل ودي- ان يطلق عليه المذيع لقب سياسي مرموق. البعد الامني في الحوار وضح ايضا عندما حاصر المذيع ضيفه بان هذا لم يكن اللقاء الاول مع مسؤلين من الحكومة كما تفضلت سعادتك. حتي اذا نفي الضيف لقائه بمسؤولين حكوميين اخرين جبهه المذيع بعدة اسماء لمسؤلين التقاهم دكتور علي الحاج في المانيا منهم علي سبيل المثال نائب الرئيس الحاج ادم يوسف واخرين– بمعني ان مقدم الحوار تم تزويده بكل اللقاءات السابقة التي اجراها الدكتور بمسؤولين حكوميين- . وتلاحظ ان الدكتور علي الحاج نفي اعتبار النائب الثاني ممثلا حقيقيا للنظام بحجة انه كان مواليا لحزب المؤتمر الشعبي الذي يتبع له الدكتور علي الحاج نفسه وهذا تبرير لا نظنه موفق طالما ان المدعو الحاج ادم يوسف يشغل وظيفة النائب الثاني بصرف النظر عن انه صانع قرار ام لا وهذه الاخيرة –ليس من صناع القرار- ربما كانت هي النص الخفي في حديث القيادي بالمؤتمر الشعبي علي الحاج محمد عن الحاج ادم يوسف. القضية المحورية التي يعتقد الدكتور علي الحاج انها هي لب خلافهم مع النظام هي ( الحرية) هكذا قالها الدكتور علي الحاج وهذا ايضا امر غريب فالحرية هي النقيض اللغوي لكلمة (عبودية) واظنه منعا للبس فقد درج السياسيون علي استخدام كلمة (حريات) والتي هي جمع لمجموعة حريات، حرية التعبير، حرية التنظيم، حرية الصحافة، حرية التظاهر، حرية الاديان، ....الخ. وحتي اذا تجاوزنا طلاسم المصطلح فإن مشكلة الوطن لا يمكن اختزالها فقط في الحريات التي هي ليست الهم الاول للمواطن البسيط ولا نبالغ اذا قلنا ان الحريات خصوصا العامة منها تهم الاحزاب و المنظمات السياسية و لكن المواطن العادي يبحث عن الخدمات الاساسية، التعليم ، العلاج المجاني، المواصلات، فرص العمل ، .... الخ. المواطن العادي يهمه رصف الطرق و خدمات الكهرباء اكثر من حرية النشاط السياسي. فالحريات اذن واحدة من مطالب عديدة و قضايا شتي يمكن اجمالها جميعا في (نظام الحياة) الذي يضبط ايقاعه الدستور و القانون. فالدستور هو الذي يحدد كيف تمارس حرية الصحافة. والقانون و حده وليس الامن هو الذي يعاقب الصحيفة او الصحفي الذي يتعدي علي حقوق مؤسسة ما او ينشر تحقيقا غير دقيق. القانون و حده هو الذي يمنح المواطنين حق التظاهر للتعبير عن مطالبهم مشروعة كانت او غير مشروعة. لايبدو الدكتور علي الحاج قد شخص تطور المجتمعات الغربية تشخيصا دقيقا حين يختزل الامر في الحريات السياسية و لا ينتبه الي انها مجرد قليل من كثير جدا من ملامح جمالية تزين وجه الحضارة الغربية. وحتي اذا سلمنا جدلا ان الحريات هي ام القضايا فإن المذيع لم يسأل السؤال القاتل الذي من المؤكد انه كان يدور في اذهان كل من حضر الحوار، هل كانت الحريات التي تتحدث عنها يا سيدي العزيز مبسوطة للشعب ايام كنتم و شيخكم تسيطرون علي مقاليد الامور، ام انها صارت ملحة و مهمة الآن فقط بعد ان القي بكم خارج اللعبة و بعد ان زج بشيخكم في السجن قبل سنوات مضت. خلاصة الامر فإن لقاء الحزبين المتشاكسين في المانيا لم يأت بجديد يستحق تسليط كثير من الاضواء عليه. فلا الذي يدعي انه يمثل المعارضة يعبر عن اولويات المواطن البسيط طالما انه الماني و اوروبي و لا الحاكم الذي يهرول للعلاج في عواصم الاحلام و شعبه يموت بالبطيء يستحق ان يهتم الناس بمقالته فكلاهما الحاكم و المعارض يغني لليلاه. الا ليلي الوطن لا تجد من يغنيها. //////////////