كما أن الحج مؤتمر سنوي يتداعى له الحجيج من جميع أنحاء العالم، فالجمعة مؤتمر اسبوعي (مصغر) يجتمع فيه المؤمنون ويسعون الى ذكر الله امتثالا لأمر الله الوارد في الآية الكريمة ضمن سورة الجمعة، ويتركون كل ما قد يعطلهم أو يثنيهم عن أداء ذلك الواجب من لهو وتجارة وغيرها من (المستجدات) في عصرنا هذا. ومن حق الامام (الخطيب) علينا في هذا اليوم ونحن داخل المسجد أن ننصت ونحسن الاستماع للخطبة، كما علينا أن نحرص على دخول المسجد قبل وصول الامام لكي نجد مكانا مريحا يمكننا من متابعة الخطيب للاستفادة القصوى من الخطبة التي هي من الأهمية بمكان بقدر أداء الصلاة نفسها، وهناك من يتلكأ بل يتعمد الذهاب الى المسجد بعد نزول الخطيب من المنبر لأداء الصلاة، وقد قيل ان من تعمد الوصول بعد الخطبة فلا جمعة له شأنه شأن من مس الحصا (كناية عن الانشغال بأي شاغل عن الاستماع الى الخطبة). يعجبني الخطيب الحصيف (المواكب) الذي يختار موضوع وفحوى خطبته حسب مقتضيات الزمان والمكان وقضايا (الساعة)، نظرا لأن هناك بعض الخطباء يميلون الى القراءة من الكتب (الصفراء) خطبة (مسجوعة) تعمد كاتبها على استعراض عضلاته اللغوية وقدراته على السجع دون مراعاة (المعاني) والمقاصد المنشودة، يكون موضوعها بعيدا كل البعد عن زمان ومكان جمهور المصلين الذين اشتغلت عقولهم بقضايا (معاصرة) شغلت مجتمعاتهم ومجالسهم، يودون أن تكون هي (محل) اهتمام خطيبهم وبؤرة تفكيره واهتمامه. وبعضهم (أي الخطباء) يميلون الى الخوض في مسائل فقهية (انصرافيه) أو مواضيع (ميتة) قتلها الدعاة والخطباء (بحثا) وحديثا وتناولا، حتى تجد معظم من في المسجد قد داعب أجفانهم النعاس وتسرب الى نفوسهم الكلل والملل. يعجبني الامام الخطيب الذي يعرف كيف يستقطب اهتمام وانتباه مستمعيه ويأسر قلوبهم أولا بالاختيار الموفق لموضوع الخطبة الذي يكون بمثابة القاسم المشترك الأعظم الذي يتفق عليه جل المصلين، ويكون محل اهتماهم وموضع تساؤلاتهم، موضوع الساعة حيث يتناوله بالموضوعية والشكل اللائق بتناوله ومعالجته والوصول الى نتائج ملموسة و (محسوسة) تلتقي عندها خطوط وقبول ووجهات نظر جموع المصلين، ثانيا المعالجة المنطقية المعقولة لكافة عناصر الموضوع قيد البحث والحديث بشمولية وتركيز والتحكم في (أعصابه) دون الحاجة الى (التشنج) أو عصبية كما يفعل بعض الخطباء الذين (يشطحون) و (يشخطون) في جمهور المصلين و (يغضبون) في غير محل الغضب أو (التعصب) دون وجه حق أو وجود دليل (فقهي) متفق عليه. ثالثا ترتيب أفكاره وتأطيرها والاستشها بآي الذكر الحكيم ذات الصلة بموضوع الخطبة والأحاديث الصحيحة من السنة والهدي المحمدي القويم واتباع نهج المصطفي وسنته الطاهرة في مخاطبة المسلمين دون سب أو (لعن) أو المساس بتعاليم غيرنا من أهل الكتاب والملل الأخرى أو التجريح، واتباع كل ما من شأنه من أساليب الخطابة وثوابت المنطق والاقناع (وجادلهم بالتي هي أحسن) و (القول اللين) المعقول، الذي تلين له القلوب وتخضع له الأفئدة وتصدقه العقول وتستأنس له النفوس. يعجبني الخطيب الذي يعالج جميع مشاكلنا، على سبيل المثال لا الحصر الاجتماعية والانسانية والفقهية اللصيقة بكل فرد منا، وفي نهاية المطاف نجد المصلين يؤمنون على كل جمله وأدعيته وهم مجمعون على خلاصة كلامه وسلامة معالجته وصحة استنتاجاته ونتائجه، وفي الوقت نفسه تدوي ارجاء المسجد بعد الصلاة بكلمات الاستحسان والاعجاب بمنهجه وأسلوبه. alrasheed ali [[email protected]]