12 مايو 2013 ملف 20/61 د. أحمد المفتى مدير مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR) فى الوقت الذى استمر فيه برنامج "مراجعات" الذى يقدمه الاستاذ الطاهر حسن التوم مع د. سلمان ، وفى كنف العزة بالإثم ، فى البكاء على اتفاقيات مياه النيل القديمة ، على الرغم من توضيحنا ان "الأمن المائى" للسودان يعتمد على بعض تلك الاتفاقيات ، وانه ينبغى ان تكون اولويات السودان هى توفير "الأمن المائى" لكل دول حوض النيل وفقاً للصياغة التى تقدم بها السودان منذ عام 2007 والواردة ضمن اتفاقية عنتبى ، جاء فى الاخبار مصداقاً عملياً لأهمية "الأمن المائى" التى ننادى بها ان الصندوق العربى للانماء الاقتصادى والاجتماعى قد فرغ من اعداد مسودة دراسة متكاملة خاصة بالاستثمار الزراعى فى السودان لتحقيق "الأمن الغذائى العربى" ، ولا اعتقد اننا فى حاجة لشرح علاقة "الأمن المائى" ب "الأمن الغذائى" . ولقد أكدت تلك الاخبار أن مستشار الشؤون الزراعية بالصندوق د. اسعد مصطفى قد اعلن ، خلال مشاركته فى اجتماع مؤسسات العمل العربى المشترك الذى عقد مؤخراً بمقر جامعة الدول العربية برئاسة الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية د. إبراهيم التويجرى ، ان الصندوق العربى قد أعد دراسة تمثل شروطاً مرجعية لبرنامج عمل متكامل يتضمن خططاً قطاعية للتنمية الزراعية فى السودان ، وان تلك المؤسسات سوف تقدم مقترحاتها بشأن تنفيذ مبادرة الرئيس البشير التى طرحها خلال قمة الرياض التى عقدت فى يناير 2013 حول تحقيق "الأمن الغذائى العربى" . وفى ذات الاتجاه جاء فى الاخبار كذلك ان د.مصطفى عثمان اسماعيل وزير الاستثمار قد تعهد بحل كافة المشاكل والمعوقات التى تعترض الاستثمارت العربية فى السودان خاصة تلك التى تهدف الى تحقيق "الأمن الغذائى العربى" . وأكد الدكتور مصطفى أن مؤتمر الاستثمار فى "الأمن الغذائى العربى" الذى ينظمة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية مع اتحاد اصحاب العمل السودانى فى النصف الثانى من شهر مايو الجارى يعتبر نقطة اطلاق لمسيرة التعاون خاصة فيما يتعلق ب"الأمن الغذائى العربى" . ولا شك أن تلك الاخبار كانت سوف تكون مطمئنة لو كانت المياه التى سوف تروى "الأمن الغذائى العربى" المرتجى مياهاً "عربية" ، ولكن الواقع غير ذلك ، حيث ان معظم مياه السودان المطلوبة لرى التنمية الزراعية المرتجاه هى مياه "افريقية" ، ان جاز التعبير . ولان السودان يعى تلك الحقيقة جيداً فإن المفاوض السودانى قد ربط موافقته على اتفاقية عنتبى بتضمينها نص لتحقيق "الأمن المائى والمحافظة على حقوق واستخدامات كل دول حوض النيل" ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد الذى سوف يؤمن "الأمن المائى" للسودان . ومن البدهى أن "الأمن المائى" للسودان هو الذى سوف يحقق "الأمن الغذائى" لدول حوض النيل من خلال مبادئ وحدة المصالح بين دول حوض النيل Community of interests واقتسام المنافع Sharing of Benefits التى حرص السودان على تضمينها فى صلب اتفاقية عنتبى . ثم بعد تحقيق "الأمن الغذائى" لدول حوض النيل فانه يمكن الحديث عن تحقيق "الأمن الغذائى" للدول العربية ، ولكافة دول العالم . ذلك هو المنظور الذى ينبغى العمل من خلاله كلما تحدثنا عن "الأمن الغذائى العربى" ودور السودان فيه ، لأن مطلوبات الاستثمار الزراعى العربى فى السودان لا تقتصر على الاراضى ورأس المال ، على نحو ما ورد فى الاخبار أعلاه ، بل هى تعتمد اعتماداً كلياً على توفير الموارد المائية اللازمة ، والتى ينبغى أخذ التعقيدات التى تحيط بها فى الاعتبار . وبالاضافة الى ذلك ينبغى كذلك ان لا ينسى السودان أهمية التحسب للنزاعات التى سوف تحدث بين ولايات السودان حول الموارد المائية ، وأثر ذلك على الاستثمار الزراعى العربى فى السودان . ولأن السودان شديد الحرص على ذلك المنظور الشامل للأمن المائى ، فإنه يواصل تحفظه على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية التى لا تعترف بمفهوم "الأمن المائى" الواسع الذى يقترحه السودان . ولقد ظل السودان محافظاً على ذلك الموقف على أمل الوصول الى توافق حوله ، على الرغم من دعوات بعض الخبراء ، من بينهم د. سلمان محمد أحمد الذى فتح له برنامج "مراجعات" تعسفاً نافذة غير مسبوقة لترويج وجهة نظره غير السليمة ، التى تدعو للتوقيع على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية . ولكننا نلاحظ أن الترويج للتوقيع على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية فى برنامج "مراجعات" قد خفت حدته مؤخراً فى الحلقتين الاخيرتين من البرنامج بعد مقالاتنا العديدة المناهضة للتوقيع . وفى تقديرنا أنه لو أرتكب السودان ذلك الخطأ الاستراتيجيى بالتوقيع على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية ، فانه لن يكون بمقدور السودان الحديث عن "الأمن المائى" للسودان أو "الأمن الغذائى العربى" . وفى ندوة مفتوحة خلال الاسبوع المنصرم اقامها الاتحاد العام للطلاب السودانيين تحدثت فيها عن التعاون بين دول حوض النيل وعن سد الألفية ، وتحدث فيها كذلك السفير الاثيوبى بالخرطوم ، أضطر السفير الاثيوبى بعد مواجهة صريحة معى الى الاعتراف امام الجميع بان اثيوبيا قد فرغت من دراسات سد الألفية فى العام 2008/ 2009 ، إلا انها لن تعطى تلك الدراسات للسودان أو مصر لأنهما لم يطلعاها على دراسات السد العالى وخزان سنار وخزان الروصيرص . ولا شك أن ذلك الاعتراف يؤكد ما ذهبنا اليه من أن اللجنة الثلاثية لسد الألفية التى يشترك فى عضويتها السودان ومصر واثيوبيا ، والتى تشكلت اعتماداً على محضر اجتماع رئيس الوزراء المصرى مع رئيس الوزراء الاثيوبى المؤرخ مايو 2011 ، هى لجنة صورية ليس لها أى صلاحيات ، كما صرح بذلك وزير الخارجية الاثيوبى ، خاصة وان اثيوبيا والتى ليس لها علاقة مائية مع دول الهضبة الاستوائية للنيل قد قادتهم للتوقيع على اتفاقية عنتبى للضغط على السودان ومصر . كما ان موقف اثيوبيا من اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية للأغراض غير الملاحية ، التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 ، يصب فى نفس الاتجاه ، حيث ابدت اثيوبيا اربعة تحفظات وهى عدم قبولها بمبدأ عدم تسبب ضرر للآخرين وعدم قبولها بمبدأ الاخطار المسبق وعدم قبولها باى لجنة تحقيق وعدم قبولها باى اتفاقية سابقة فى مجال مياه النيل، بما فى ذلك اتفاقية 1902 التى أبرمتها اثيوبيا وهى دولة مستقلة . وفى الختام فإننى وددت لو أننى كنت متحدثاً او معقباً فى ندوة العلاقات السودانية الاثيوبية التى عقدها المركز الدولى مؤخراً بالخرطوم ، والتى توصلت الى ان العلاقات السودانية الاثيوبية "سمن على عسل" ، فى تحليل أعتقد أنه قد غلبت عليه العواطف والامنيات وما ينبغى ان يكون عليه الحال ، لأوضح بان معيار سلامة علاقة السودان مع اثيوبيا ينبغى ان يكون هو موقف البلدين من مياه النيل ولا شئ سواه ، لأن مياه النيل هى شريان الحياة بالنسبة للسودان ولاثيوبيا .