الرسائل التي ارسلها الرئيس عمر البشير بعد دحر المتمردين من ابو كرشولا الخاصة بوقف تصدير نفط الجنوب حال ثبت ضلوع جوبا في دعم التمرد، مقرونة مع حديث وزير المالية علي محمود ووزير النفط عوض الجاز كلها تعطي انطباعا بأن الخرطوم لا تعول كثيرا على رسوم عبور نفط الجنوب من خلال الانبوب السوداني. حديث السياسة والاقتصاد حتى ان تم تفسير حديث الرئيس بانه جاء تحت تاثير حادثة تحرير ابو كرشولا، فان تصريحات عوض الجاز في برنامج مؤتمر اذاعي امس لا تحتمل ان توضع في مسار الحديث السياسي حينما اكد ان "الاتفاق النفطي جزء من 9 اتفاقيات اخرى وانه لابد من تنفيذها بالتزامن"، ما يشئ بان الخرطوم لن تجعل الذهب الاسود الجنوبي يسيل في اراضيها طالما ان جوبا تتمنع عن تنفيذ الاتفاق الامني الذي يقضي بوقف دعم وايواء الجبهة الثورية. يقول الجاز "ان مرور النفط الجنوبي باراضي السودان دون شرط تنفيذ باقي الاتفاقيات". وبالمقابل يؤكد وزير المالية علي محمود عدم الاعتماد على موارد النفط في الموزانة مرة اخرى تلافياً للإختلاف مع دولة الجنوب او انخفاض الاسعار ويمضي الى ان "دولاب الدولة سيعتمد على الموارد المستدامة المتمثلة في الضرائب والجمارك". اذاً رسوم مرور النفط الجنوبي لم تعد جذرة مغرية يسيل لها لعاب الخرطوم، وفوق ذلك فان الخطوة مرهونة بتنفيذ حزمة اتفاقية التعاون المشترك الموقعة بين رئيسي البلدين بالعاصمة الاثيوبية في سبتمر الماضي. فما هي خيارات الخرطوموجوبا حيال هذا المواقف الشائكة؟ ينحى كثيرون الى ان الخرطوم تتجه الى تثبيت بدائل عملية حديثة اسهمت في تحقيق موازنة العام الجاري 2013 في ربعها الاول، ذات الايرادات التي تحققت في الربع الاول لموزانة العام 2011م التي كانت تعتمد على نفط الجنوب قبل الانفصال. وهذا يعني ان الموزانة العامة الحالية تعافت من ما يمكن تسميه امراض الانفصال الاقتصادية، لا سيما اذا علمنا ان موازنة العام 2012م تاثرت اكثر من غيرها بذهاب نفط الجنوب.. اذن وزير مالية السودان يراهن على تعافي تدريجي للاقتصاد بعدن حقق الربع الاول من موزانة هذا العام ذات ما حققته موزانة العام الذي سبق انفصال الجنوب، لكن خطوة وزير المالية ستجابه بالسير في دروب غير محمودة النتائج والخواتيم كون الخروج من مأزق الموازنة يعني اقرار سياسات جديدة، مثل الاتجاه لرفع الدعم عن بعض السلع الاساسية، وهذا الاحتمال يدعمه حديث السيد الوزير نفسه الداعي الى فرض ضريبة القيمة المضافة على قطاع السكر المستورد، وبعض شركات النفط." خطوات استباقية تمسك الحكومة السودانية بانفاذ الاتفاق الامني في سبيل تدشين باقي حزم الاتفاقيات قد يكون صائب من منظور سياسي وعسكري، وحتى تمترس الخرطوم وراء ضرورة إثبات جوبا عمليا قطعها للروابط اللوجستية مع الجبهة الثورية مطلب مقبول من ناحية امنية، لكنه وفقا لخبراء الاقتصاد لا يبدو عمليا خاصة ان عبور النفط وتنشيط التجارة الحدودية تسهمان بصورة اسرع في ايجاد ارضية توافقية بين الطرفين، لجهة ان التجارب العملية القريبة دلت على ان انتفاء الجوار الاخوي لن يكون في صالح عافية اقتصاد البلدين. لكن الوصول الى صيغة مثلى من الاستقرار الاقتصادي دونه التزام سياسي من الطرفين بالاتفاقيات، مقرونا بمجافاة التصريحات السالبة التي يمكن ان تضر سريعا بالحالة الاقتصادية في ما يلي اسعار النقد الاجنبي في السوق الموزاي. ويرى كثير من المهتمين بالشان الاقتصادي ان تهديد الخرطوم بوقف تصدير النفط الجنوبي، كان من المفترض ان يسبقه ضخ البنك المركزي لكميات من النقد الاجنبي حتى لا تؤثر تصريحات القيادة السياسية والاقتصادية على سعر الصرف حتى لا يؤثر على كل مؤشرات الاقتصاد الاخرى، لا سيما ان معدلات التضخم شهدت تراجعا ملحوظا في شهر ابريل مقارنة مع عشرة اشهر ماضية شهد صعود متتالي لمعدلات التضخم. وحال نفذت الخرطوم سياسة ضخ كميات كبيرة من النقد الاجنبي فان اتجاهها الى وقف تصدير النفط الجنوبي لن يُلقي بظلال سالبة على مناحي الحياة او على القوة الشرائية. بارقة أمل التحقق من انتفاء الدعم الجنوبي للحركات المسلحة المعادية للخرطوم اضحى امرا مهما في تثبيت علائق اقتصادية وسياسية بين البلدين حسبما تقول الخرطوم، لكن هذا الشرط تحديدا لم يعد بعيد المنال بعدما ابلغ رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير وزير الخارجية علي كرتي ومدير جهاز الامن الوطني الفريق اول محمد عطا، انه سيتحقق بنفسه من مزاعم الخرطوم بتورط نافذين بالحركة الشعبية في دعم هجوم الجبهة الثورية على ام روابة وابو كشولا، وهذا ربما يؤسس لعلاقة راسخة، خاصة ان جوبا تعد المتضرر الاكبر من توقف جريان النفط الجنوبي الذي غاب عن رفد خزانة الدولة الوليدة لما يقارب العام ونصف العام، بعد القرار الفجائي بوقف عمليات ضخ وتصدير النفط العام الماضي. حسنا فجوبا لا ترفض الازعان لشرط الخرطوم بتجفيف مواقع امداد الجبهة الثورية لضمان انسياب النفط، لكن الى حين حدوث ذلك لابد من البحث عن خيارات خاصة ان الاقتصاد في ابسط توصيفاته يعرف بعلم البدائل فما هي مسارات تلك الحلول؟، ان الخيارات المتاحة امام وزارة المالية لتجاوز مازق الموزانة تتمحور في الاتجاه الى زيادة الايرادات الضريبية وتفعيل صادرات الذهب، وتنشيط قطاعي الزراعة والصناعة خطوة اسعافية على المدى القريب، فضلا عن استمرار المسار السياسي الباحث عن علاقة راسخة تسهل من التوصل الى جوار اخوي ينتهي الى جريان النفط الجنوبي عبر انابيب السودان، خاصة ان ثبات سعر الصرف اضحى مرتبطا بتصدير النفط الجنوبي. بجانب ذلكينصح خبارء اقتصاديون بانتهاج سياسة مرنة تسهم في نمو قطاع الاستثمار، وتعمل على جذب العملات الاجنبية من خلال تحويلات المغتربين لضمان استقرار سعر الصرف ولتفادي حدوث انفلات في هذا المنحى. فرص التسوية عمليا يمكن سد الفجوة الناتجة عن فقدان النفط، خاصة ان الاموال المتوقع دخولها من نفط الجنوب لخزينة الدولة في النصف الثاني من العام الحالي تترواح بين 900 مليون دولار الى مليار دولار وذلك بتفعيل الخيارات المار ذكرها، يسند ذلك حديث وزير المالية بعدم التعويل على رسم تصدير النفط في الربع الاول، ثم ان تنامي التحصيل الضريبي يشغل حيزا كبيرا في ايرادات الدولة للربع ، وهي تزيد عن ايرادات العام 2012م بنسبة كبيرة . اذن تفادي المترتبات السالبة لتوقف التصدير مقدور عليها، لكن هذا لا يعني ان نوصد الباب امام رسوم نقل النفط الجنوبي مستقبلا، خاصة ان تلك العائدات يمكن ان تصل في العام القادم الى (2-2,500) مليار دولار متضمنة (15) دولار كتعويض عن كل برميل لمدة ثلاث سنوات وهذا العائد بعدها يتراجع اما ان تستمر الدولتين في ذلك او تفتح ابواب أخرى. وهذا يؤكد ضرورة الوصول الى تسوية تدفع بتنفيذ الاتفاقيات. ويرى خبراء سياسيون وعسكريون ان الفرصة مواتية لتدشين علاقة قوية بين الطرفين، بالنظر الى عدم تعاطي جوبا مع حديث الرئيس البشير وتهديده بتوقف تصدير النفط، فضلا عن الخطوات المنظورة التي قام بها سلفاكير بتغيير الضباط المناط بهم حراسة حدود الدولتين حتى يتسى تجفيف مواقع امداد الجبهة الثورية جنوبا. rehab abdala [[email protected]]