( يا ناس الحِلَّه هوووووووى أنا القُرقاب ودَّ الصُّلُب .. أنا يا ناس الحِلَّه الما بعرفو ليكم شنو ؟ أمانةًً تقدِّد عويناتكم ؛ من يومى القعدتَ جنبكم هنا ده ، شفتو عَلَىْ حاجة ؟ أنْضُموا.. قالوا البقر بعرفنَّهن التيران .! هنبولكَن آ حريم الحلَّه .. وفراغكَن ..وفراغ البلد .. وحات أخوى الفَرِدْ ويحيد ..وحاتو هو ال ما بقطعها فوقو .. عايبات لا حدَّكنْ !.. يا ما تخلَّنى أقول لكنْ .. أمُرْقَن لى لا برَّة عشان أورِّيكَن المكشَّن بلا بصله .. فرشت ليكن توبى .. وفَرَدتَ ليكَن الوسطانى .. أها .. اها أها ) . هذه الشتائم التى تلطِّخ آذانَ القريةِ كانت شيئاً طبيعيَّاً .. لا يخرق العادة ، ولا يخرُج عن المألوف ولا يغيِّر مسارَ الحياة ولا يزيد ولا ينقص مقدارُه - يومياً - وهو ينطلق من حنجرة (فوزية ) فى عين الضُّحى ؛ مثله مثلَ رائحةِ الكِسْرة .. ودُخان الحطب المحروق ، وصوت الفنادك ، ومناغاة الشياه لصغارها ، وعراك الفحول ، وسُعال العجَزة داخل الرواكيب ونبش الدجاج لعشاء البارحة ، ودبيب (المسلَّه) بين الضفائر وهرولة المراويد بين( المُكحلات ) والعيون الصافية ، تأدية (المشلعيبات ) أماناتِها ، وتقاصُر الحيطان أمام الصحون و (الكُوَر) المتبادلة ، وأغنيات (المراحيك) وأُمنيات الفرج البعيدة فى انتظار القضيب الممدَّد ...! صياحات الحُمَّى و (الهضْرَبة ) والبخور ووصفات (الشرغرغ) الحنظلية .. ونزْف الشِّفاه الزرقاوات وانحراف الدموع فى وهادِ الخدود المحفورة فى شرْخ الصبا ... وكَى الأطفال على أُمِّ الروءوس .. البصير والمصير والنار واليافوخ .. الله والعباد .. القصبة للصبية ، والموس للصبايا ، والحبل للنساء ، والفقر للرجال .. وحصة البذاءة الصباحية ل (فوزية ) ! لا تنسى ( فوزية) على تلك القلعة وهى ترغى وتزبد عندما تُلقى عليها التحية أن تقول بصوت خفيض : - أهلاً آجناى .. حبابك حبابك ثم تواصل ما كانت عليه بذات الاندفاع والهمة ، ليست آبهةً بهدنة السلام ؛ فهى مثل الهدنة بين المرحاكة والرَّحى .. وبعد أن تؤدى دورَها كعنصر من ملامح القرية الصباحية ؛ تدخل أىَّ بيتٍ شاءتْ حيث تتناول افطارها ثم تتوجه الى حلقة القهوة والودِع لتقومَ هناك مقامَ البُن نفسه ،والتمر المبلول وسنابل الذُرة الشاميَّة - المعروفة بال عيش الريف أو (القَنْقَرْ) - المشويَّة ، وفاكهة الأُنس ومصدر القهقهات النشوى والصراخ الانثوى.. وكانت كثيراً ما تفك بها - أي فوزيَّة - (الودَّاعيةُ ) طلاسمَها وتُرَّهاتها ونبوءاتها ، عندما تستعصى عليها قراءة الودع ، كأن تقول : - الودع محمِّدِك آ فوزيه وربما تشترك فوزية - إذا شاء شيطانُها - فى التأويل .. كانت الودعتان - ذات مرَّة- مترادفتين فوضعت فوزية طرف سبَّابتها عليهما ثم ضربت (حليمة) المتكئة على العنقريب على صُلبها قائلةً : - الليلة فراشك انبلَّ !! - هوى آ فوزية بطِّلى حركات ! قصدك شنو يعنى ؟ ضحكت فوزية حتى طفح فنجانها : - وحات اخوى الفَرِد ويحيد ..الليله ان طرتِ للسماء فرشك مبلول ..مبلول .. وفى الليل يأتى زوج حليمة المسافر دون سابق وعد فتبتل أريكتها ، وتصدق رؤية فوزية ...! كانت فوزية منطويةً داخل ذلك الكوخ المهترئ ..وكان الشتاء فى عنفوانه ؛ يمارس العواء تارةً ، والصفير تارةً أُخرى ... ثقوب الكوخ تُفضى الى مسام ( فوزية) حتى العظام .. والليل يكتم الشهادة وهو شاهدٌ عيان ... ثمة كلب مسعور يمتطى أنفَه يبحث عن لحمٍ طرىٍّ أو غير ذلك يصب فيه جام داءه الأعمى .. الكوخ المهترئ والليل البهيم ، والجسد المنهك ، والنوم العميق رغم الزمهرير ..والعقل الخفيف ، والفخذ الذى ما ما غطَّه فخذٌ سوى فخذ الظلام ، وأنياب الكلب المسعور ، والقفزةُ المجنونة المشفوعة بصرخة صمَّاء .. فوزية تُطلق رجليها للريح فى عتمة الليل الديّوث .. لا تلوى على شئٍ .. لا ترى معالم الطريق ..لن يمن عليها عقلها بفكرة الصياح الذى تمارسه الصباح بغية الخلاص وفجاءة تغوص قدماها فى هاوية الهواء ريثما ترتطم بالماء الآسن .. هناك فى قاع البئر المهجورة يسقط (القُرقاب ودَّ الصُّلُب ) إلى الأبد وبالتالى يسقط ملمح من ملامح القرية ؛ نتيجة ليلٍ ديّوث وكلبٍ مسعور ؛ لا يرحمان حتى من رُفع عنه القلم ..!!