يبدو أن حكومات عهد الإنقاذ أبرع الحكومات الوطنية استغلالاً للنظريات الإعلامية والإدارية، في توجيه النشاط الاقتصادي والسياسي، فهي وبجدارة فائقة تحول الحروب والصراعات، إلى مكاسب سياسية، والأزمات الاقتصادية الخانقة، والضغوط المعيشية والحياتية، إلى تمكين، والضغوط الخارجية إلى تعاطف إنساني، وذلك بتطبيق نظريتي تحويل اتجاهات الرأي العام في الإعلام، والإدارة بالأزمات في الإدارة. فنظرية تحويل اتجاهات الرأي العام هي عملية تحويل الانتباه من موضوع إلى موضوع آخر، لأسباب مختلفة ولأهداف مقصودة، وتعتمد في تحقيق ذلك على الإبدال والإسقاط والتعويض، فالإبدال كأن تدخل في مشكلة أو أزمة ما وتقوم بخلق مشكلة أو أزمة تبدو أكبر من الأولى أو تمس المواطن مباشرة..وأما الإسقاط فهو أن يعتقد الشخص أن الآخرين يقومون بنفس العمل الذي يقوم به هو، فالمرتشي مثلا يتهم الآخرين بأنهم مرتشون.. والتعويض هو محاولة التخفيف من حدة الشعور بالإحباط من خلال القيام بأعمال أخرى جيدة، والحكومة تجيد هذه الفنون باحترافية عالية. وأما نظرية الإدارة بالأزمات فهي فن صناعة الأزمة وافتعالها وإدارتها بنجاح في تحقيق المصالح التي صنعت من أجلها، وهو فن أجادته حكومات الإنقاذ في مواجهة خصومها، وأنه حتى هذه اللحظة تمكنت إتقان هذه الفنون دون أن تخسر قدرتها على إدارة البلد، وإن كان فيروس كل الأزمات التي خلقتها، باقٍ حتى الآن. وحتى لا يكون حديثنا نفسه مجرد نظريات نعرض بعض الأمثلة: فقد أوقفت دولة جنوب السودان في يناير 2012م ضخ نفطها عبر السودان، والذي ارتفعت حينها أسعار الدولار والسلع، وصاحبها مظاهرات هنا وهناك، تم تغيير ذلك الموقف باحتلال الحركات المسلحة لمنطقة هجليج وتخريب المؤسسات النفطية فكان التعاطف معها كبيراً، ثم تحريرها... ومع بداية هذا العام كانت المحاولة الانقلابية التي اتهم فيها ضباط في القوات المسلحة، والأمن، وتم تغييرها بهجوم الجبهة الثورية على أبوكرشولا، وأم روابة، ثم تحريرها، وها نحن نعيش هذه الأيام أزمة قفل أنبوب نفط الجنوب وتبعاتها، وعلى هذا المنوال قس جميع الأزمات التي دخلت فيها والتي يلعب فيها الإعلام رأس الرمح، وتخرج منها كالشعرة من العجين. anwar shambal [[email protected]]