بسم الله الرحمن الرحيم هذا بلاغ للناس قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية توطئة: لا بد من أن نعترف بأن هناك مظالم واقعة على الأطراف منذ الاستقلال وأن الكل ممن حكموا السودان مسئول عن ذلك ولا تبرئة لأحدٍ من دم إبن يعقوب ، ولا بد من أن نعترف أيضاً أن هناك أزمة لم نحسن إدارتها، فإدارة الأزمات تحتاج إلى رؤية وشجاعة تستصحب كل الأطراف المعنية بالأزمة دون إبعاد وإقصاء أو تعنت أو شروط مسبقة ، فالضرورة ملحة للجلوس إلى مائدة الحوار ، حواراً جدياً وحقيقياً حتى تكتمل الحلول ونبتعد عن الحلول الجزئية، ولا بد أيضاً من أن نعترف بأن هناك إيادي أجنبية إستغلت هذه الأزمة وتجييرها لخدمة مصالحها ، وما كان لهذه الأيادي أن تجد فرصةَ للتغلغل لو أننا كنا أصحاب رؤية حقيقية لحل معضلات الوطن. حزينٌ أنا ، ودواعي حزني أنني أرى المهددات تطوق وطني من كل ناحيةٍ ، ومن قال غير ذلك فهو مكابرٌ مدِّلس، فالضحية في المنتهى هو المواطن البسيط الذي يأمل ويحلم بلقمة عيش له ولفلذات أكباده بلا معاناة أو كبد ، وما عسنا أن نفعل غير أن نشاهد عرض هذا المسرح العبثي ولا نملك غير الكلمة وهي كل ما أملك للتعبير عن هذا الحزن!!.. والسؤال المحير الذي أسأله لنفسي ليل نهار : ماذا دهانا حتى وصلنا لهذا المنحدر ؟! فهل عَقر رحم حواء هذا الوطن ولم ينجب من المفكرين الوطنيين ورموز الحكم والأحزاب والجماعات التي تحمل السلاح ولم يعد فيهم من يتداعى للسلام من أجل هذا المواطن الأغبش الذي هو ضحية لهذه المحرقة التي تأكل كل أسباب عيشه وتعليمه وصحته وأمنه وأمانه؟! .. الجواب ، إن السودان به من كل هؤلاء ولكن عليهم التجرد ليتداعوا في نفرة لإنقاذ الوطن ، فالأمر تعدى ضياع الوطن إلى إنسانه، ألم يروا حال هذا المواطن الذي يعيش البؤس والتعاسة والضياع ، أليس كل في ذلك مدعاة لأن يتداعى الجميع من أجل سلام مستدام؟!! المتن: تطورت مخاوفي من مرحلة الخوف على الوطن إلى مرحلة الخوف على إنسان الوطن ، لذلك طفقت أبحث في حدب وصوب ليدلني من يعرف ، لذلك اخترت أن أطالع كل صباح ما يكتب كتاب الأعمدة والرأي ، ولم أجد واحد منهم أو منهن كتبوا بما يدعوني للتفاؤل، ورأيت أيضاً أن أنزل كل يومٍ للشارع صباحاً ومساءً لأتأمل في والوجوه التي لم أجد أي صعوبة في لأن أكتشف أنه قد هدها التعب والمعاناة ، فالقسمات تحكي تراجيديا الصراع للحصول على لقمة عيش تقيمُ الأود. في آخر الأسبوع قررت أن أتجول في مواقف الحافلات فوجدت التكدس حتى العاشرة مساء ، تكدس المواطنين والمواطنات وتساءلت متى يصلن/يصل هؤلاء لبيوتهم؟! ومن أين لهاتيك النسوة القوة والعافية ليبدأن في الصباح يوم عملٍ جديد ؟!! .. ربما هو الاصرار على البقاء والحياة ، الصراع مع الحياة ، سبحان الله شحٌ في وسائل المواصلات وأحياء أفقية قامت في أطراف العاصمة زادت من الأزمة، فكيف تم التخطيط لهذه الأحياء دون الأخذ في الاعتبار توفير كل المرافق التي تُسيّر عجلة الحياة ، وأهمها مرفق المواصلات!!.. لكم الله يا مواطني ومواطنات وطني!! الوجوه كالحة وقد تغير نمط حياة معيشيها ، ماعاد الناس يتذكرون الثلاث وجبات وقد إختزلوها إلى وجبتين ، الأولى إختزلت وجبة الفطور ودمجتها مع الغداء، ووجبة العداء مع العشاء ، والماء يأتي عبر المواسير عكراً وقد إنتشر داء الكُلى بينهم ، الخبز أصبح حجمه في حجم اللقيمات ، والكسرة أصبحت كالخل الوفي ، اللحوم كالعنقاء ، أما الأسماك فقد ارتفعت أسعارها ولا أدري لماذا ترتفع وهي التي تقتاد من بيئتها المائية فلا تكلفة أعلاف لتتسبب في هذا الغلاء!! ، أما الطماطم غذاء الغلابة الغبش، فحدث ولا حرج ، أصبحت أغلى من الفاكهة، وإستمراراً للمشهد التراجيدي شاهدت أعزاء لنا كانوا مليء العين والبصر وقد سترتهم ملابسهم فقط من ذل السؤال!!.. لك الله يا وطني ويا إنسان وطني!! الحاشية: الوطن الذي يفترض أنه الحضن الآمن لبنيه وبناته ، أصبح طارداً ، أعداداً هائلة تهاجر من أطباء ومعلمين وتقنيين وصيادلة ومهندسين، كل يريد أن ينفد بجلده، ولا أدري إن كانت هذه الهجرات لم تلفت نظر الدوائر الرسمية . علينا أن نعي أن ليست كل الهجرة خير خاصة إذا ما كان المهتجر قد هاجر قسراً وقهرا . إن الهجرة أيضاً تنتج وتفرخ لنا بعضٌ قد حنق فإستمالته جهات قد يكون لها مواقف ضد الوطن ، فهل تفكرنا في هذا جيداً . كنت أتمنى على جهاز المغتربين أن يقوم بمسح على مستوى المهاجر وبصورة علمية إحصائية من مع الوطن ومن مع النظام ومن مع المعارضة التقليدية ومن انضم للحركات المسلحة ومن تعاطف معها ، الأمر يحتاج لدراسة علمية وموضوعية، ولا أعتقد أننا قد إلتفتنا لذلك، فكيف لنا أن نتحدث عن استثمارات المغتربين داخل الوطن وهم قد هاجروا منه لأسباب إقتصادية ، أليس الاستثمار جزء من الاقتصاد؟! من إعتقد إن المهاجرين من الوطن قد يجلبون للوطن أي استثمارات فهو لم يصب كبد الحقيقة ، فالمعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فقد هاجر هؤلاء لأنهم عجزوا عن توفير لقمة عيش كريمة لهم ولذويهم ، وقد هاجروا لتوفير ذلك لأنفسهم وأسرهم الممتدة التي يجب عليها الزكاة ، فهل يعقل أن نطلب منهم جلب إستثمارات أو دفع زكاة وهم يتحملون عبء الأقارب الذين يعيشون دوامة البحث عن لقمة عيش حاف ، يكابدون العوز والفقر والفاقة ، أليس الأقربون أولى بالمعروف؟!. لقد رأيت أحدهم بمطار الخرطوم مودعاً الأهل والحبان إلى المهجر لأول مرة وكيف ذرف ودموع الحسرة في عينيه ،قرأت فيهما وداع حزين لوطنٍ لم يستطع أن يحضن فلذاته فشردهم للمجهول، وكأني به يودع الوطن ويفارقه لآخر مرة وهو لا يعلم إن كان سيعود ليجده سالماً ويجد الأهل والخلان آمنين أم لا!! إن نعمة النسيان هي أحد نعم الله التي لا تحصى ولا تعد ، والحنين الجارف للأهل ربما يجعلهم يعودون ليتأكدوا من أنهم ما زالوا أحياء!! الهامش: ما أقسى أن تعيش في وطنٍ ، ترى فيه قلة جد قليلة تعيش بحبوحة العيش بسفه ، ولا تشعر بمعاناة وآلام الأكثرية الصامتة التي تبكي وتكتم الدموعه في المحاجر ، ولأنها تعلم أن هذه القلة لا تأبه بالدموع حتى تمسحها ، إنها تراجدييا القهر والضياع ، فما أصعب أن تعيش في وطنك مقهوراً نتيجة تجاذبات وأطماع قلة لا تأبه بأهلها وإنسان وطنها!! لايدرك قيمة الوطن إلا من فقده أو شردته الحروب الأهلية، وما معنى أن يكون لك وطنٌ تستظل به وتلتحف سماؤه تفترش ترابه وعندما تغادر الفانية تقبر فيه ، الوطن هو الانتماء والهوية ، هو الأهل والعشيرة ، هو مرابع الصبا والإحتماء والحماية من الكهولة والشيخوخة ، هو أعمارنا بكل ما تحمل من أحداث ، هو عواطفنا التي تمور وتهدأ، هو الملاذ عندما تضربنا الوحشة والشواق والحنين!! قصاصة: عذراً أيها الوطن الحبيب ، فنحن ما قدرناك حق قدرك ، نعترف بأننا الجحود والعقوق نفسه ، نعترف بأننا لم نألو جهداً في أن نطعنك بالنصال نصلاً تلو نصل حتى لم يتبق في جسدك مكاناً لطعنة أو نصل جديد .. نجيد الفرجة عليك وأنت تنزف .. وعملنا ونعمل جهدنا لتمزيقك إرباً، لم نكتفِ بكل هذا بل وصلنا لمرحلة أن بخلنا على مواطنيك الذين هم أهلنا وعشيرتنا ، دمنا ولحمنا ، عرضنا وشرفنا ببعض أمن هو ملاذهم الأخير وغنيمة من حرب الأبناء ، بخلنا عليهم بعد أن أصبحوا هياكل عظمية يشكون الفاقة والمرض والجوع.. عفواً وطني كلنا مجرمون.. كلنا مجرمون!! إلى صديقي الأستاذ الصحفي الذي أراه دائماً مبتسماً ، بادرته إلآمَ تصطنع الابتسام وأنا أدرك أنه يعاني ما يعاني ، أجابني : أنا ليست الصورة الحقيقة ، أنزل الشارع لترى بأم عينك كيف يعيش الناس، أجبته : نزلت ، فإذا بزفرة حرى ألهبت صدره وكانت خير تعبير عما يجيش بصدره .. لي ةلك الله يا طارق!! عوافي.... Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]