بوضوح تام حددت شبكة الصحفيين السودانيين هدفها وعقب تشخيصها الدقيق لواقع الحريات الصحفية بالبلاد وقالت إن المخرج الحقيقي للصحفيين من الأوضاع المزرية، التي تعيشها الصحافة السودانية في حاضرها واسشرافها لمستقبلها القادم هو إنشاء نقابة للصحفيين تدافع عن حقوقهم وتحافظ على المهنة،وبالرغم من محدودية الصحفيين الذين تدافعوا لحضور وقائع جلسات الورشة الخاصة بقانون الصحافة وأوضاع الصحفيين السودانيين التي نظمتها طيبة برس للاعلام يوم الخميس الماضي الا ان الاوراق الثلاثة التي استمع اليها الحضور والمداخلات من قبل اهل المهنة كانت كفيلة بان نقول كما الحكمة الشعبية ان (اهل مكة أدري بشعابها) نظراً للحديث الواسع عن الانتهاكات التي تطال حرية الصحافة من قبل السلطة حيث أكدت الورشة التي إبتدرت مداولاتها بورقة شبكة الصحفيين السودانيين التي جاءت بعنوان(ملامح من راهن الصحافة السودانية)التي قدمها الاستاذ خالد سعد أكدت استمرار الرقابة علي الصحف والانتهاكات التي تعرقل وتكبل حرية الصحافة وحرية التعبير بجانب استمرار مصادرة الصحف والشاهد مصادرة صحيفة الجريدة منتصف الاسبوع الماضي ورسمت الورقة مستقبلا قاتماً لاوضاع الصحافة الحالية والمستقبلية بسبب تلك التدخلات الحكومية غير الحميدة وقال سعد أن الصحافة السودانية لا تواجه انعدام الحريات من ناحية السلطة السياسية وأجهزتها التنفيذية المتمثلة بشكل مباشر في جهاز الأمن والمخابرات فقط، فهي كذلك تواجه تضييقا في (مناح) أخرى لا تقل أهمية عن الرقابة القبلية أو البعدية. الامن يشتري الصحف: وبالرغم من ان شبكة الصحفيين وصفت (ورقتها) بإنها جهد المقل فيما يتعلق بإيجازها لراهن الصحافة السودانية الا انها نبهت الي نقطة في غاية الاهمية وهي الأساليب الحكومية الرامية لاحكام السيطرة والرقابة المتعددة على الصحف من قبل السلطة السياسية وأجهزتها التنفيذية، وآخرها محاولة الأجهزة الأمنية وأذرعها المختلفة السيطرة على النصيب الأكبر في أسهم المؤسسات الصحفية، في خطوات شبيهة بالتأميم، فضلا عن تكبيل الصحفيين عبر توجيه التحذيرات لقياداتها التحريرية ومنع الصحافة من نشر معلومات محددة، أو منع صحفيين من مزاولة عملهم بحرية كافية. وقالت الشبكة أن راهن الصحافة السودانية يواجه تضييقا مقصودا من قبل السلطة السياسية عبر سلسلة من التعقيدات والعقبات الاقتصادية التي يواجهها الناشرين الآن، حيث بات إنتاج صحيفة في السودان (أمراً) في غاية الصعوبة نتيجة الأعباء الاقتصادية على ناشري الصحف، ورغم أن هنالك شكوكاً منطقية وسط الصحفيين في مدى حرص الناشرين على تجاوز هذه المعضلات لصالح الصحفيين العاملين في مؤسساتهم، إلا أن الراهن يشير أيضا إلى أن الأعباء الاقتصادية على المؤسسات الصحفية صار أمرا غير محتمل، وهو الامر الذي يجعل للناشرين مبررا للتلكوء في دفع مستحقات الصحفيين أو التوقف عن دفعها أو تجزئتها أو الامتناع عن توظيف صحفيين برواتب مجزية أو مناسبة على الأقل، وقد دفع هذا الوضع بالفعل بالعديد بالصحفيين إلى صفوف العطالة. ارتفاع الطباعة والرسوم: وقال سعد ان تكلفة طباعة خمسة ألاف نسخة ملونة في المطابع تبلغ حوالي خمسة الالاف جنيه، في وقت تفرض فيه الحكومة على الصحف رسوم تجديد تبلغ نحو1200 جنيه سنويا، وفي ذات الوقت تفرض ضريبة على الطباعة تبلغ 4,25% وعلى الإعلان نسبة 17% زائدا 5% رسوم دمغة، ورغم أن مدخلات الطباعة في البلاد معفاة من الجمارك، لكن بنك السودان المركزي توقف عن منح مستوردي ورق الصحف السعر المحدد للدولار الجمركي، وترك لهؤلاء حرية التعامل في السوق السودان للحصول على العملات الصعبة الكافية لاستيراد ورق الصحف.واوضحت الورقة ان هذا الوضع غير المستقر، أدى إلى عزوف رجال الأعمال عن اقتحام مجال الاستثمار في المجال الصحفي إضافة إلى افتقار الصحف للاستثمارات التجارية الأخرى وضعف رساميلها وقلة المساهمين فيها. ضعف التوزيع: النقطة الاخري التي اشارت لها الورقة هي ضعف انتشار الصحف وتوزيعها بتركيز مايقدر بالثلثين من التوزيع في العاصمة والثلث الأخير في الأقاليم نسبة إلي توريد عائد بيع العاصمة يوميا بينما يتأخر عائد توزيع الأقاليم لشهر ونصف الشهر مع العلم ان الصحف تحتاج للعائد اليومي لمقابلة تكاليف إصدار الصحيفة.وأكدت الشبكة انسحاب جميع الصحف من التوزيع خارج السودان عدا واحدة بسبب ضعف العائد مقارنة بتكاليف الإصدار والشحن وتأخر خطوط الطيران. وبالرغم من أن عدد الصحف السودانية في ازدياد، لكن هذا الوضع ساهم في تآكل قاعدة التوزيع، الي جانب انتشار وسائل الإعلام الأخرى مثل القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية والانترنت. حرب الاعلان : وقالت الورقة ان الاعلان بالصحف يواجه مشكلاته عديدة في مقدمتها تعاقدات الإذعان ( بدون ضمانات سداد) والتي تجعل الصحف تحت رحمة المعلن، وأن أكبر المعلنين ( شركات الاتصالات) تنتظر الصحف للحصول منها على إستحقاقتها لفترة تتراوح بين 40 إلى 60 يوماً.ومعروف المخاطر التي يتسبب فيها الإعلان على الصحف، الضغوط التي يمكن ان تمارس عبر حجب الإعلانات الحكومية عن بعض الصحف ( إعلانات الدولة تفوق 50% من حجم الإعلان المنشور حالياً)، أو الإيعاز لمعلنين آخرين من القطاع الخاص بعدم نشر إعلاناتهم في بعض الصحف، كما أن الإعلان خاضع لضغوطات الربط بين الإعلان والسياسة التحريرية للصحف. ونبهت الورقة الي ان غياب المعلومات أصاب المجال الصحفي بالتدهور فضلا علي ان غياب المعايير التي تحكم العمل الصحفي في البلاد، الحقت ظلم كبير ببعض الصحفيين، واثرت علي طريقة عملهم، ودفعت بعضهم للهجرة خارج البلاد، وحتى هؤلاء الذين هاجروا لا توجد لهم إحصائية دقيقة.لكن الشعور بالأسف لهجرة هذه الكوادر التي يعتبرها مؤهلة (تحس) بمرارتها عند الصحفيين بمجرد الحديث عن المهنة.وقالت الورقة ان ما زاد الحال سوءاً هوغياب الأجسام التي تدافع عن الصحفي الذي صار (لقمة سائغة) و(عرضه) لاستغلال الناشرين، الذين رفضوا الامتثال للمجلس والاتحاد لتطبيق الحد الأدنى من الأجور، الذي حدد ب(670) جنيه في عام 2008، والآن مع ارتفاع الدولار وتراجع الوضع المعيشي وارتفاع أسعار السلع، صار هذا المبلغ لا يكفي حاجة الصحفي لأسبوع. ورغم إن قانون الصحافة ينص على إن اتحاد الصحفيين يتدخل لحل المشاكل بين الصحف والصحفيين، إلا إن الوسط الصحفي لا يذكر أي حادثة تدخل فيها الاتحاد لصالح الصحفيين.وذكر سعد انه وبحسب إحصائيات إتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة إن البلاد تصدر بها 42 صحيفة بصورة منتظمة. لكن المأساة تكمن في ضعف عدد الصحفيين الذين يعملون في هذا الكم الهائل من الصحف، حيث قدر العدد بحوالي ما بين (300 إلى 350) فقط في حين إن عدد الصحفيين المسجلين لدى اتحاد الصحفيين قبل امتحان القيد الصحفي الأخير وصل (7444) صحفياً. وحتى العدد القليل الذي يعمل في الصحف بعضهم لم يجلس لامتحان القيد الصحفي، مما يعرضه لابتزاز الناشرين لقبول مرتبات ضئيلة لا تغني ولا تشبع من جوع إن دفعت. وهذا يطرح سؤال حول غياب المعايير في العمل الصحفي، وأصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له؟ وتسألت الورقة (لماذا لا تصبح الصحافة مهنة منظمة لها ضوابط مثل المحاماة والطب والهندسة، بالرغم من أنها أكثر حساسية من غيرها من المهن) وقالت الورة إن ذلك يعود إلى غياب نقابة حقيقية تدافع عن المهنة وعن أعضائها ولا تتركهم زغباً في مهب الريح. وأرجعت الشبكة الزيادة الكبيرة لأعداد الناجحين في امتحان السجل الصحفي لعدم النزاهة في العملية، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة، وبمعدلات غير حقيقية للمسجلين في عضوية اتحاد الصحفيين، أدت إلى أن نسبة النجاح تقفز من (25%) إلى (70%) في الامتحان الأخير.وبرر سعد رفض اتحاد الصحفيين ومناهضته لمشروع قانون الصحافة، الذي من المنتظر اجازته من قبل المجلس الوطني هو فقدانه للمورد المالي (مدر) للدخل، حيث يوفر له حوالي (800) ألف جنيه في العام، والذي كسب من خلال ثلاثة أعوام حوالي أكثر من ملياري جنيه. وتسالت الورقة قائلة (أين صرف الاتحاد هذه الأموال وأين تذهب مئات الملايين التي تهبها الحكومة للاتحاد لحل مشاكل الصحفيين) ويقر أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد دون مواربة بأن النسبة الكبيرة لأعضاء الاتحاد من وكالة السودان للأنباء، التي يشغل ستة من أعضائها مناصب قيادية في الاتحاد، بالرغم من أنها تابعة للحكومة، يليها التلفزيون ثم الإذاعة، وأخيراً تأتي الصحف،التي تختلف مشاكل العاملين فيها ومخدميها عن التلفزيون والوكالة والإذاعة. ويحاول بعض أعضاء مكتب التنفيذي للاتحاد اتهام رؤساء تحرير الصحف بعدم الضمير لأنهم في بعض الأحيان يمنحون شهادة خبرة لبعض الناس، الذين لم يعملوا صحفيين ولم يتشرفوا بزيارة الصحيفة، من أجل الجلوس للامتحان وإجازته. ويشتكي الصحفيون في معظم الأحيان من تأخر مرتباتهم لشهور عدة مع قلتها، دون ان يلتفت إليهم أحد لنصرتهم ضد الناشرين، الذين يلقون لهم بالفتات، ورغم رفضهم تطبيق الحد الأدنى للأجور لم يطبقوا ما عرفت بمنحتي الرئيس للغلاء، وهو دفع مبلغ (260) جنيه كل شهر، لكن لا حياة لمن تنادي. أما مال التدريب الذي حددت اللوائح نسبته ب(2%) من ارباح الصحيفة للتدريب سنوياً، لم يسمع بها الصحفيون في كل الصحف- حسب استطلاع – أجريته وسط الصحفيين إن الصحف لم ترسل صحفييها إلى الخارج للتدريب ولم تنظم دورات داخلية لرفع مقدراتهم، وكل الذين شاركوا في دورات كانت عبر مجلس الصحافة، أو مشروع تأهيل الاعلاميين السودانيين، الذي تدعمه السفارة البريطانية، أو الحكومة.وقالت الشبكة إن مشكلة الصحفيين ستظل باقية، في ظل غياب المؤسسة الصحفية، واستمرار صحافة الأسرة، وتجنب تحكيم المعايير في تعيين الصحفيين ووضع ضوابط ومعايير لترقيتهم، بدلاً عن المزاج الشخصي الذي يحدد الرواتب.وذكرت ان عشرات الشكاوي تصل الاتحاد عن هضم حقوق الصحفيين، لكنه-اي الاتحاد-لم يحرك ساكناً كأنما مشاكل الصحفيين تحدث في مالطة، وقالت ان كل ما يفعله الاتحاد هو توفير منازل باقساط باهظة بالنسبة لأوضاعهم المزرية، وفي ما يعرف بالمنافي، وأحد الفنانين المشهورين زار أحد الصحفيين وسمى مشروع سكن الصحفيين ب(مشروع التخلص من الصحفيين). ولفتت الشبكة الي ان الاتحاد اعلن الأسبوع الماضي عن فتح باب التقديم لعربات بالأقساط وأغلقه في غضون عشر دقائق لاكتمال العدد. وحددت الشبكة بأن المخرج للصحفيين من الأوضاع المزرية، هو إنشاء نقابات بصحفهم لتدافع عن حقوقهم، علي ان تتحد تلك النقابات في نقابة للصحفيين من أجل الحفاظ على المهنة. (يتبع) Hussein Saad [[email protected]]