تعد الاستفادة القصوى والمثلى من الموارد البشرية هدفآ من أهداف الدول في بناء اقتصادها، إذا ما انتبه الجميع ما للعنصر البشري من أهمية في الانتاج والتنمية والتطور. وبما أن المجتمع طائر له جناحين (جناحي المرأة والرجل) فإن التنمية لا بد أن تعتمد على تطوير ودمج وإسهام الجنسين معا في خططها وبرامجها، كما أن إهمال إحداهما يعني بلا شك هدرا كبيرا للموارد البشرية، أو على الأقل عدم حصول الاستفادة المثلي منها. إن التعريف الاقتصادي للعمل هو أنه "نشاط اقتصادي هادف يسبق البدء بممارسته ووجود تصور ذهني لدي الفرد حول الهدف منه ونتائجه". يتحدد حجم العمل في أي مجتمع من المجتمعات بتحديد عنصرين أساسيين هما: - عدد الأفراد القادرين على العمل. - مدي الكفاءة الانتاجية للأفراد. بيد أن كثيرا من النساء يمارسن أنواعا من العمل دون وجود تصور ذهني مسبق لذلك العمل، كما هو حادث في عمل المرأة ضمن أسرتها من حيث القيام بشئون المنزل ومتطلباته وتربية الابناء. كما هو معلوم لا تتقاضى المرأة عن أعمال المنزل يتم دون أجر مادي، بينما تعمل المرأة خارج المنزل بمقابل أجر تتقاضاه نتيجة عملها، وكثير من النساء يمارسن العملين معا، أي يقمن بالعمل داخل المنزل وخارجه وهذا هو السائد في معظم الحالات لدي المرأة العاملة. وقضية المرأة هي بالحقيقة قضية نصف المجتمع من الناحية الكمية، ذلك فإن مساهمة المرأة الفعالة في المجتمع إنما تضيف موردا بشريا هاما لمواجهة تحديات التقدم والتطور والنمو، ومن ثم فإن الإيمان بضرورة تمكين المرأة من الإسهام في حياة مجتمعها عطاء وأخذا قد استقر كضرورة من ضرورات التنمية هدفآ ووسيلة. يجب أن تتضمن برامج التنمية خططا لتغيير البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية لتحتل المرأة مكانتها وتنال حقوقها سياسيا وقانونيا وثقافيا وعلميا وإعلاميا، ولتشعر هي بنفسها أن هذا ليس عطاءا مجانيا من المجتمع أو ممن حولها، بل هو أساس وجودها كفرد من أفراد المجتمع وككائن حي كامل الأهلية والحقوق وإن هذا يحقق خير المجتمع كله وليس للنساء فقط. وهذه المفاهيم من المفاهيم التي يؤيدها أن الدين الإسلامي (بنص الكتاب والسنة) والذي لم يفرق بين ذكر أو أنثي في الحقوق والواجبات الدينية الدنيوية. "النمو الاقتصادي تحركه النساء" هي عبارة اخترتها للتعبير عن دور المرأة في إطلاق الثورة الاقتصادية القادمة، إذ أنه يمكن أن تؤدي النساء العاملات (وعددهن في العالم يبلغ نحو مليار امرأة عاملة) دورا محوريا في دفع عجلة النمو الاقتصادي. إن هنالك علاقة واضحة بين الإجراءات والسياسات النهائية الخاصة بالفرض الاقتصادي للنساء (المدخلات) والنجاح الفعلي للنساء في اقتصاديتهن الوطنية (المخرجات)، ويتم تصنيف البلدان اقتصاديا على هذا الأساس. فالدول التي تتمتع بمجموعة قوية من المدخلات والمخرجات تعد من البلدان المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا مثل الدول الاسكندنافية. إن تمكين المرأة من أسباب القوة الاقتصادية للدولة ليست قضية تخص المرأة وحدها دون غيرها، بل إن هذا التمكين هو قضية تنمية للدولة، إذ أن قصور الاستثمار في الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء يؤدي لا محالة إلي نمو اقتصادي مقيد ومحدود، فضلا عن أنه يبطيء وتيرة التقدم الواجب تحققه في مجال تخفيض أعداد الفقراء. لا ريب أن تقييد الفرص الاقتصادية أمام النساء ليس أمرا مجحفا يعوزه العدل والإنصاف فحسب، بل هو أيضا إدارة اقتصادية سيئة تفتقر إلى مقومات النجاح. فلابد إذن من القيام بخطط تعين النساء علي البدء في تنفيذ الأعمال التجارية والزراعية وتعزز وصولهن إلى خدمات البنية التحتية الضرورية مثل النقل والبناء وغيرها، حيث أن تمكين المرأة اقتصاديا هو عمل اقتصادي يتصف بالحنكة والبراعة. إن الاستثمارات في الطرق والطاقة والمستلزمات الزراعية والخدمات المالية سوف يحقق معدلات أكثر ارتفاعا للعائد والمردود الاقتصادي في حالة تعميمها بالكيفية التي تحقق استفادة النساء منها. وللمساعدة في إطلاق العنان للطاقات الاقتصادية الكامنة لدي النساء في البلدان النامية شرع البنك الدولي في تنفيذ خطة العمل بشأن المساواة بين الجنسين بغرض تحقيق تضافر الجهود مع شركاء التنمية لزيادة الإنتاجية ومكاسب النساء من المنتجات وزيادة فرصة وصولهن إلى الخدمات المالية الرسمية. إن خطة عمل البنك الدولي هذه التي تعني بالمساواة بين الجنسين تعد خطوة مهمة لتعزيز أسباب القوة الاقتصادية، وتنطوي علي مزايا ومنافع بالنسبة للنساء خاصة في الدول الأكثر فقرآ في العالم مثل بنغلاديش في آسيا وكينيا في أفريقيا وغيرهما. يقدم البنك الدولي مساعدات من خلال المؤسسة الدولية للتنمية والتي تعطي قروضا بلا فوائد ومنحا إلي البلدان الأشد فقرآ بهدف تشجيع وتحفيز النمو الاقتصادي لديها، وللحد من التباين والتفاوت وعدم المساواة وتحسين أوضاع المعيشة. وبالقياس على وضع المرأة في السودان، فالأمر يحتاج إلى خطة مماثلة لخطط البنك الدولي بتمكين المرأة من وضع اقتصادي يمارس من خلاله عمل دون تمييز. يلاحظ الآن أن المرأة السودانية التي تمارس العمل الحر تحصر نفسها في أعمال صغيرة محورها احتياجات المرأة نفسها مثل مستلزمات النساء والأسرة، ولا غضاضة بالطبع في ممارسة هذا العمل بهذا الوصف، ولكن يعيب ذلك الجهد الاقتصادي ضعف مردوده المادي، وعلى الرغم من اهتمام الهيئات النسائية بإتاحة الفرصة لحصول المرأة علي قروض التمويل الأصغر للتقليل والمساهمة في الحد من ظاهرة الفقر وسط النساء خاصة أنهن يعولن كثيرا من الأسر، إلا أن هذا المجال أيضا يدار بمفهوم "العمل النسوي" فقط واحتياجاته الخاصة. علي الرغم من وجود شريحة مقدرة من سيدات الأعمال في السنوات الأخيرة، إلا أننا نطمح في أن نستشعر وجودهن (وبصورة أكبر وأكثر وضوحا) في الحركة الاقتصادية العامة ومشاريع البنية الأساسية للدولة . إن تاريخ المرأة السودانية العاملة قديم ومجيد، بيد أن عليها اتخاذ خطوة أخري متقدمة في الدخول إلى مجالات إستثمارية واسعة تزيد من مردوها المادي، وتحرك فيها الطاقات الكامنة. إن المرأة هي عادة متخذة قرار الشراء الأول في الأسرة وهي "المفكر الاقتصادي" فيها، وعلي الدولة و المجتمع المساعدة في خروج هذا "المفكر الاقتصادي" لخدمة المجتمع كله ، فالمرأة هي قائدة الثورة الاقتصادية القادمة. NAZIK ELHASHMI [[email protected]]