يحكى أن التباين والاختلاف الكبير الذي يشهده الإعلام العربي هذه الأيام يوضح بجلاء الآليات والكيفيات التي بها تدار الشبكات الإعلامية الضخمة سواء في المنطقة العربية أوفي العالم بأجمعه، فأحداث مصر التي تفجرت بشكل مفاجئ للبعض ومتوقع للبعض الآخر، قربت الإنسان العادي – لأول مرة – من صورة الأساليب الإعلامية وهي في حالة خضوع تام ومكشوف لسلطة الأيديولوجيا و"المصلحة" والانحياز لصالح فريق دون الآخر، بخلاف ما ظل يشاع ويكرر عن الدور الحيادي لوسائل الإعلام، وعن النقل الأمين والصادق للأحداث الجارية كما هي دون أي إضافات أو تزويقات جمالية أو "بهارات" حارقة. قال الراوي: قناتا الجزيرة والعربية، هما أوضح نموذجين لهذا التباين الكبير في آليات بث ونقل الأخبار والأحداث، هذا في حالة الثورة المصرية وهي تشهد تقلباتها الدراماتيكية؛ التي قد تكون مفاجئة لإحدى القناتين ومرتبة ومتوقعة بالنسبة للأخرى كما تشير مؤشرات العرض لدى كلتيهما. والصورة التي تنقلها القناتان رغم أنها تصور من موقع واحد وتبث لعكس حدث يفترض أن يكون هو هو؛ إلا أنها تخضع لدى كل قناة لعوامل الأدلجة والتبديل والتحوير، وأحيانا – كما اتهمت إحداهما – إضفاء الأداء الدرامي الذي لا يخلو من دماء (وهمية)، أو إبدال مقصود لموقعي المهاجم والمهجوم عليه. قال الراوي: كما يلاحظ هذا الاختلاف والتباين بشكل (مريع) وحاد لو عبر القارئ ولو سريعا على العناوين الرئيسية للقناتين ووسائل أخبار أخرى على تويتر، فقد تجد عنوانا بهذا المعنى (الإخوان يخرجون في مظاهرات بوسط البلد)، ومقابله تجد الآتي (مسيرات ضخمة تطالب السيسي بالرحيل)، أو (20 قتيلا في اشتباكات بين الأهالي ومتظاهري الإخوان)، وهناك (قوات الأمن تسقط 20 قتيلا بين المتظاهرين السلميين).. وهكذا إلى أن تصل مرحلة شبه ضبابية يستحيل معها الجمع بين عنوانين لحدث واحد قد تكون أنت أحد شهوده ورأيت خلاف ما ينقل تماما. قال الراوي: إذن التسارع والتسابق الإعلامي الذي غزا المنطقة العربية في السنوات الأخيرة يضع المواطن العربي والمتابع غير العربي أمام حقيقة إعلامية بائنة لا جدال فيها وهي أن لا حقيقة في حقيقة ما يعرض، وأن كل حقيقة مما يعرض هي جزء من (فبركة) ما وإعداد أيديولوجي ما، وتوجه دولي ما، وضرب تحت الحزام لاتجاه ما، وهذا بالطبع يدفع المتابع – المواطن مستقبلا لإعمال الغربلة قبل الغرف. ختم الراوي؛ قال: لم تعد الكاميرا واحدة، ولا الصفحة الأولى، والصوت بات يتردد من كل مكان. استدرك الراوي؛ قال: النصف الذي يُخفى من هنا يظهره النصف الذي يبرز هناك. *زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي( منصور الصُويّم mansour em [[email protected]]