في تصريح لوكالة السودان للأنباء .. رئيس الوزراء يوجه رسالة وطنية سامية إلى أصحاب الأقلام    السودان يدين الهجوم على دولة قطر الشقيقة    بضربة حظ وحكيمي.. باريس يعبر سياتل ويتصدر مجموعته في مونديال الأندية    رسميا النخبة بعطبرة والدامر والمنافسة تبدأ في الرابع من يوليو    السودان يجدد دعوته لضبط النفس والتهدئة واخضاع كافة المنشئات النووية في المنطقة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    الخارجية القطرية: أغلقنا مجالنا الجوي مؤقتا لضمان سلامة الزوار والمقيمين    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    وسائل إعلام قطرية نقلا عن وزارة الدفاع: أجواء وأراضي دولة قطر آمنة والقوات المسلحة القطرية على أهبة الاستعداد    شاهد بالصورة والفيديو.. (شربت الشربوت واستلمت الظرف).. شيبة ضرار يهاجم أحد أئمة المساجد ويصفه ب"الصعلوق" و"الشماسي"    شاهد بالفيديو.. "حميدتي" يخاطب أهالي الشمالية ونهر النيل: (نحنا ما ضدكم وتاني ما بنجيب "شفشافة" معانا)    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية توثق لحصول مولودها الجديد على هدايا بالعملة الصعبة و"الدولار" يحيط به من كل مكان    شاهد.. رسالة وداع وفراق من شاب سوداني لصديق عمره بعد فشل الصلح بينهما وإصرار صديقه على الخصام تدمي القلوب وثير تعاطف الآلاف على مواقع التواصل    عبد المهيمن يمهد لانطلاقة تحضيرات الهلال    ترمب: أضرار جسيمة لحقت بجميع المواقع النووية الإيرانية    الهلال يحفظ ماء وجه آسيا في مونديال الأندية    مدريد ينتصر.. بيلينجهام: الحرارة هنا لا تُحتمل    العين الإماراتي يغرق في المونديال.. خسائر تاريخية ووداع مُر    روديجر الضحية.. حادثة عنصرية تُفسد أجواء لقاء ريال مدريد وباتشوكا رغم انتصار الملكي    عبدالمهين الأمين والمدرب محسن سيد يزوران بعثة الرهيب بالدامر    قرقاش: وقاحة وزير مالية إسرائيل وصلت إلى دعوة الخليج وأوروبا لتمويل الحرب    أنور قرقاش: دعوة وزير المالية الإسرائيلي دول الخليج لتمويل الحرب وقاحة وإفلاس أخلاقي    حميدتي وعبدالرحيم: حالة مطاردة..(1-2)    حاج ماجد سوار يكتب: تحالف (المليشيا قحت) يتجه لإستنساخ النموذج الليبي    السودان.. الشرطة تعلّق على الدعم الضخم    إدريس كامل يواجه مشاكل كبيرة..عضو المجلس السيادي السابق يكشف المثير    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    طائرات حربية أميركية تضرب 3 مواقع نووية في إيران فجر الأحد    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يصبح الانفصال أمرا جاذبا !! .. بقلم : العبيد أحمد مروح
نشر في سودانيل يوم 23 - 09 - 2009

الفهم المبسط للافتراض الأساسي الذي قامت عليه البرتوكولات المكونة لاتفاقية السلام الشامل ، هي أنه لا عودة للحرب بين شمال السودان وجنوبه ، وأنه لا سبيل لاجبار مواطني جنوب السودان أن يعيشوا ، رغما عن ارادتهم ، في وطن واحد مع بقية سكان هذا البلد المعروف في المجتمع الدولي باسم ( السودان ) والذي استقل في الأول من يناير 1956م ؛ فاما أن يختاروا طوعا أن الوحدة هي خيارهم الأفضل واما أن يختاروا طوعا كذلك الانفصال أو الاستقلال ؛ وبهذا الفهم صوبت اتفاقية السلام الشامل جهدها لتضع الأساس الذي من شأنه أن يؤسس لدولة المواطنة والمساواة وحكم القانون ، والتي سترفع عن سكان جنوب السودان كل مظلمة تاريخية لحقت بهم ، وتضمن لهم حقوقهم كاملة في سودان المستقبل ، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي ، وهذا الجهد هو ما تم الاصطلاح على تسميته بخيار الوحدة الجاذبة .
والتشخيص الذي توصلت اليه أطراف التفاوض في نيفاشا للأسباب الحقيقية ( لمشكلة جنوب السودان ) لم يكن تشخيصا سطحيا للمشكلة يقف بها عند حدود ( التنمية غير المتوازنة ) فالسودان كله يعيش حالة من التنمية غير المتوازنة ، لكن التشخيص ذهب أكثر من ذلك ليصل الي أن الاحساس العميق لدى أبناء جنوب السودان بعدم المساواة في المواطنة داخل الوطن ، وبعدم الثقة فيما يقوله ويتعهد به نظراؤهم الشماليون ، هو ما يدفعهم أكثر من غيره ، لحمل السلاح والمطالبة بالاستقلال ؛ وقد عمد الجانب الحكومي ، حتى بعد الاتفاق على مواصفات دولة المواطنة ، الى الاتيان بأفعال من شأنها أن تضع أساسا جيدا لاستعادة الثقة ، فتنازل النائب الأول لرئيس الجمهورية – وقتها – عن منصبه ، وغادر مكتبه ومنزله ، في سلوك عميق الرمزية والدلالة .
كما أن الضمانات التي أتت بها اتفاقية السلام الشامل ، في سياق مسعاها لبناء دولة المواطنة ، ذهبت أكثر من منح منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية لأحد أبناء السودان من الجنوب ، بأن جعلت هذا المنصب ليس فقط منصبا شرفيا بسلطات شكلية ، ولكنها أعطت المنصب سلطات حقيقية ، للدرجة التي اعتبر فيها بعض المراقبين أن سلطة ( الفيتو ) التي يتمتع بها النائب الأول في كثير من القضايا ، تكاد تفرغ النظام الجمهوري الذي أقره الدستور من مضمونه ، لكن الرأي الغالب ظل يعتبر أن هذا هو الثمن المستحق لاستعادة الثقة واعادة بناء الوحدة . وقضت الاتفاقية كذلك بأن تؤول السلطة السياسية والاقتصادية والادارية في جنوب السودان ، وبشكل مطلق ، لأبناء الجنوب ، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في تاريخ السودان ، وغني عن القول أن مكاسب كهذه لا يمكن مضاهاتها بطريق اسفلت يتم رصفه ، أو جسر يتم تشييده ، أو مصنع تتم اقامته ، على الأهمية التي يمكن أن يشكلها رصف طريق أو بناء جسر أو اقامة مصنع !!
لقد واجه تطبيق الاتفاقية عقبات شتى ، ضاعت معها معالم المكاسب التي تحققت لأبناء السودان عامة ، ومواطني الجنوب خاصة ، وكان العنصر صاحب الدور الأكبر في الوصول الى هذه النتيجة ، هو ما يمكن تسميته بعدم وجود شريك جنوبي قوي وقادر على التبشير بالمكتسبات التي تحققت ، وقادر على التحول من حركة سياسية عسكرية تقود تمردا ضد الدولة ، لحزب سياسي طليعي قادر على بث الأمل في نفوس مواطنيه ، واقامة الانموذج الذي يتصوره لحال السودان كله ، في الجنوب ، بحيث ترنو أفئدة السودانيين كلهم اليه !!
الآن وقد مضى أكثر من ثلثي الفترة الانتقالية ، ولم يبق الا وقت الدخول في اجراءات ضمان حقوق المواطنين السودانيين من أبناء الجنوب في الاختيار ، بين الوحدة والانفصال ، فان أشد المراقبين تفاؤلا لا يرى أن فرص تحقيق الوحدة هي الأوفر حظا ، بالنظر الى الحال العام الذي يعيشه مواطنو جنوب السودان على ضوء الأسباب التي أوجزناها. ونظرا لهذا الواقع المحزن فانه لا مناص من التعامل غير العاطفي مع موضوع الانفصال باعتباره أمرا واردا ، وبالتالي وضع السيناريوهات اللازمة التي تجعل من هذا الأمر ، في حال أصبح واقعا ، ( جوارا أخويا ) كما يسميه الامام الصادق المهدي !!
ان ورود احتمال كهذا ، هو ما يجعلنا ندعو أهل الرأي من جميع ألوان الطيف السياسي ، ومن المستقلين للبدء في نقاش الآثار التي يمكن أن تترتب على انفصال الجنوب ، وذلك بالتزامن مع بدء المفوضية القومية للمراجعة الدستورية نقاش قانون الاستفتاء لجنوب السودان . ليس من باب التثقيف والتعريف بالأمر فحسب ، بل أيضا من أجل رسم صورة واقعية لما قد يحدث ، ربما كان لها دورا في دفع الناس للعمل على تفاديها ، فبضدها تتميز الأشياء ، وما دمنا لم نفلح في شرح منجزات الاتفاقية لنجعل الوحدة جاذبة ، فربما نفلح في جعل الأنفصال غير جاذب ، بشرح مآلات الوطن ، شماله وجنوبه ، في حال اختار أبناء الجنوب الانفصال !!
ان دعوة النقاش هذه ، ليست الا دعوة لتعزيز المعرفة بما قد يصبح أمرا واقعا ، وليس ضمن مقاصدها أن نضيع زمنا في الملاومة وتحميل المسئولية ، في عدم جعل الوحدة أمرا جاذبا ، لهذا الطرف أو ذاك ، من طرفي اتفاق السلام الشامل ، أو من حلفائهما السياسيين قبل الاتفاق وبعده ؛ فهي اذن محاولة للاسهام في تبيان حقيقة أمر ما أزال أرى أن النخبة السياسية لا تتعامل معه بما يستحق من جدية !!
وهنا لا بد من التنبيه الى أن الاشارة التي يمكن أن يلتقطها العامة من الناس ، من موضوع حق تقرير المصير، هي أنه اذا ما اختار الجنوبيون الانفصال فان الأمر سيتم بسهولة بالغة ؛ سيذهب الجنوبيون للجنوب ، وسيعود الشماليون للشمال ، وربما كان ذلك اليوم هو يوم الاحتفال لدعاة الانفصال من الجانبين ، على الرغم من أن اتفاق السلام الشامل لم يعط الانفصاليين الشماليين حق التصويت ، فيكون لاحتفالهم ما يبرره . لكن الأمر بتقديري ليس بهذه البساطة ، ذلك أن أول الأسئلة التي ستنشأ ، حين يختار الجنوبيون الانفصال ، ليس هو سؤال الحدود كما قد يتبادر الى الذهن ، ولكنه سؤال الهوية .. هوية الدولة الجديدة !!
الدولة الجديدة – افتراضا – ستحتاج الى اسم ، والى علم ، والى نشيد وطني ، والى عملة ، فماذا لو قال الأخوة الجنوبيون أنهم يريدون نصيبهم من كل هذه ، أو الاستحواذ علي اسم السودان الحالي وعملته ، باعتبارهم الأحق بهما (؟) هل سيكون القرار هو الموافقة رغبة في التخلص من ازعاج القادم الجديد ، أم يكون الرفض الذي قد يكون سببا في العودة للحرب ؟
والدولة الجديدة تحتاج أن تأخذ نصيبها من ( الأصول ) أو ما نسميه بالمؤسسات القومية ، التي كانت حتي قبل الاستفتاء ملكا لعامة ابناء السودان ، فالقصر الجمهوري ، ومبنى رئاسة مجلس الوزراء الاتحادي ، وقاعة الصداقة ، ومبنى البرلمان الاتحادي ، وربما مسجد النيلين ، وما شاكل ذلك ، تعتبر أصولا للدولة السودانية و لكل ولايات السودان الحالي حق فيها ، فكيف يمكن أن نعيد تسمية وقسمة المؤسسات القومية التي سيشملها تعريف ( أصول ) اذا ما قررت ولايات الجنوب الانفصال (؟) ومثل قائمة المؤسسات القومية التي يمكن أن تعتبر أصولا ، يمكن أن نضع قائمة أخرى بالمشروعات والثروات القومية ، كمشروع الجزيرة ، والخطوط الجوية والبحرية ، وهيئة الكهرباء ، وخطوط نقل البترول ... الخ
والأصول التي يمكن الحديث عن قسمتها ، ليست كلها أصولا يسيل لها اللعاب ، وتستل لأجلها الحراب ، فهناك أصول الديون التي ورثها السودان وأبناؤه كابرا عن كابر ، فكيف سيتم حصرها ، وكيف ستتم قسمتها ؟ أم أن الجنوب سيرفض تحميله ديونا كانت من موروثات السودان القديم !!؟؟
ولو أن الأمر يمكن أن يقف عند هذا الحد ، حد الممتلكات والأصول العامة ، لكان العثور على اجابات مقنعة لجميع الأطراف أمرا غير بالغ العسر ، ففي العالم تجارب انفصال كثيرة يمكن الاقتداء بها في تعريف الأصول وقسمتها ، لكن الأمر يمكن أن يمتد الى الممتلكات الخاصة ، فالجنوبيون الذين يمتلكون شركات وعقارات وأصول أخرى في شمال السودان ، قد يصبحون – في حال غلب خيار الانفصال – رعايا لدولة أخرى ، فهل حينها يمكن أن تسري عليهم قوانين التملك للأجانب ، أم هنالك صيغة أخرى ؟ وماذا عن أبناء السودان الجنوبيين الذين يخدمون الآن في القوات المسلحة وفي الشرطة والأمن ، وفي الخدمة المدنية بجميع أشكالها ممن ارتبطت حياتهم بالشمال ، ولم يدر بخلد أحدهم وهو يخطط لمستقبله ومستقبل أبنائه أن السودان سيصبح دولتين !!؟؟
أسئلة كثيرة ومتشعبة ، لا بد من اثارتها الآن حتي تستعيد النخب السياسية وعيها الغائب ، وحتى يدرك من أعطتهم الأقدار فرصة أن يقرروا مصير تجربة أبناء الحاضر ، وأجيال المستقبل في العيش المشترك لأكثر من نصف قرن ، أنهم انما يتصدون لمسئولية تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.