[email protected] بالمختصر .. وطننا بما فيه ومن فيه يشعرنا -وعلى الدوام- أننا غرباء الدار.. كأننا لاجئون أو ضيوف ثقلاء على الوطن في ظل هذا النظام الفاسد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني ! نأكل ونشرب على استحياء.. ونمتن كثيراً كلما طالت مدة البقاء .. عيب علينا التبرم أو المطالبة أو الانتقاد.. وإن أعطينا ففضل!! فتباً لهذه المواطنة !! وتباً للعبودية!! ثمة سؤال ملح: هل حالنا أحسن من حالهم في تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلدان التي ثارت؟ حين سمعت التصريح الحكومي المرحب بالانتقال السلمي للسلطة في مصر وبقيام حكومة وطنية تحقق آمال وتطلعات الشعب المصري.. قلت: ومرحباً بهذا الترحيب.. ولكن الأقربين أولى بالمعروف!! ماذا لو أن المصدر المسئول قال –مثلاً-: ونبشر الشعب السوداني ايضا بالانتقال السلمي للسلطة من نظام فشل في تحقيق اي شئ لهذا البلد الي نظام يشارك فيه كل الاحزاب وفئات الشعب.!! كانت لافتات الثائرين في مصر وتونس وليبيا تطالب ب: الحرية العدل المساواة.... وتشجب: البطالة الفساد الظلم.... كانت تطالب بإسقاط النظام الفاسد الذي ينظم ويكرس ويشرع الجريمة الواقعة على الشعب من أصحاب النفوذ.. وأذنابهم المسبحين بحمدهم.. وأي شيء هذا الذي أغضب المصريين والتوانسة والليبين فأسقطوا انظمتهم و ليس موجوداً عندنا؟! أما حرية الرأي فبيننا وبين مصرمثلا أمد بعيد .. كتب عبدالحليم قنديل مقالاً عن حسني مبارك قبل سنتين لو كتبه أحدنا عن أصغر وزير لغيبته السجون.... الممتلئة الآن بالآلاف!! وأجزم أن أعلى فاتورة فساد مالي دفعت منذ آدم عليه السلام وإلى يومنا هذا وربما إلى قيام الساعة هي فاتورة فسادنا المالي !! حتى أنك تحار من أين تبدأ... من إقطاعات لأفراد ترسم حدودها الهليكوبتر... ضاق بها البر والبحر .. !! بينما 85%من المواطنين لا يملك الواحد منهم أرضاً يقيم عليها بيتاً كئيباً يؤيه وأولاده .. ويكتفي (ببيت من الجالوص ) يحرقهم صيفاً ويكسر عظامهم شتاءً!! في وطن مساحته كان مليونا ميل مربع واصبح 600 بفعل السياسات الغير مسؤولة!!! وفي بلد تعد التقديرات المتسامحة لعائداته السنوية بالمليارات ولكن لا يأتي الشعب إلا الفتات ليذهب جل الباقي في عمولات المشاريع للسارقين.. فأين الباقي؟ بالضرورة حكر على عصابة النظام الحاكم بينما تجد من يعيش تحت خط الفقر من المواطنين ما يسد رمقهم إلا ما تتفضل به أكوام الزبالة.!! أما وظائف الدولة الكبرى فهي عبارة عن إقطاعيات تدر بخيراتها فقط على كبرائها .. تصفهم ضمن كبار رجال الأعمال.. وبعضهم تجاوز التصنيف العالمي لأغنى الأغنياء!! فمن أين جاءتهم الثروة؟! وبعد كل هذا أصبح النظام يختلق قوانين جديدة للاستثمار ليزيد من الأرصدة التي لم يعد يشبعها النهب التقليدي!! وإلا كيف لنا أن نفسر ما يحدث في منح التأشيرات وإصدار التصاريح وإرساء المشاريع والامتيازات والنقل في الوظائف حيث صار لكل بند منها عمولة خاصة؟! ويقف نظام الأنقاذ .. اللص المرابي .. شاهداً على مدى البجاحة في سرقة الشعب المخنوق المنهك!! أقسم لو أن هؤلاء الجشعين لم يجدوا ما يملأون به أرصدتهم إلا لقمة يتيم أو أرملة لانتزعوها من أفواههم انتزاعاً!! يتحدثون في مصر عن 70 مليار مجموع ثروة عائلة حسني مبارك!! وهذه المليارات ربما هي زكاة ثروة بعض كبرائنا!! فكم ستكون ثرواتهم لو جمعت؟!! والفواتير عندنا على الضعفاء فقط... فأما الأقوياء فأموالهم مصونة عن فواتير الكهرباء والماء والهاتف والرسوم والضرائب وكل شيء.. يأخذون ولا يعطون!! والمحسوبية في كل مؤسساتنا .. فالتعيينات للشباب والأحباب والأقارب .. والفتات يذهب للمسبحين بالحمد .. وأما بقية الشعب المؤهل فتكفيه الأحلام السعيدة!! ويستطيع كل أخرق غبي أن يصل لكل ما يبتغيه مما لا يستحقه - ومن المؤسف بعد كل هذا تجد بعض الجرائد والمجلات والقنوات والإذاعات والشعراء والأدباء والعلماء والمثقفين والتجار والكبار والصغار والنساء والرجال والعقلاء والأغبياء متزاحمين .. تراصت صفوفهم.. وبحت حلقوهم... وتقطعت أعناقهم.. وهم يمدحون هذا الوالي وذاك الوزير... ويتسابق المأجورون من مجيدي التسلق إلى نصب الأسماء المحصورة المتكررة من الكبراء على كل منجز في البلد مهما صغر .. إلى حد يثير الاشمئزاز .. الشوارع، الجامعات، الكليات في الجامعات، المعاهد، المدن، المراكز، الكراسي البحثية، المستشفيات، الأحياء .. في كل مدينة وقرية الأسماء .. نفس المسميات!! والجريء عندنا البالغ في جرأته مبلغ التهور من يكتفي بنقد (هامان)!! وبينما الناس يستطيعون قلب أنظمة حكمهم لمجرد احتراق مواطن على عربة خضار ... لم نستطع إقناع السلطة بتغيير وزير لم تصلح به دنيا .. ولم يقم به دين .. ولم يندفع به ضرر.. وغرق المئات من رعاياه في الفقر والجوع والمرض .. وهو مشغول بجمع ثروته .. عن الكف عن الفساد ومحاربته!! لم نستطع طرد وزير فاشل مؤهله الوحيد الجرأة على طرد منتقديه من مكتبه وكأنه وزير في ملك أبيه أو أمه!! بل ولا تغيير مدير جامعة بائس غير مؤهل و مفضوح !! لكأنما صارت وظائفنا العامة مراتع لهم .. يسرحون فيها ويمرحون!! ماذا نقول عن سجنائنا الباقين في سجنهم .. بلا محاكمة ولا جرم .. من سنين تجاوزت سني يوسف عليه السلام التي أهلته للنبوة؟! .. وكأنهم أسرى عدو لا يرقب فيهم ولا ذمة!! وإذا كان سجَّانوهم يرفضون أن يخبرونا عددهم فهذا لا يطمس الحقائق .. فنحن نجزم أنه ما من أسرة تحلم بالخلاص والحرية والكرامة إلا ولها سجين منها!! مما يجعل العدد بالآلاف!! حتى البهائم لها حرمة وكرامة؟! فكيف بمواطن كريم!! كيف لا نخاف عقوبة الله علينا جراء السكوت على هذا الظلم العظيم!! الشعب السوداني العظيم لكن.. أيها... لقد تعلمنا من الثورات التي تحققت في مصر وتونس وغيرها من الدول التي ثارت ان المراهنة على عدم وجود البديل .. والتخوف من الفتنة وحصول الفرقة بالتناحر القبلي أو المناطقي أو الطائفي بعد سقوط الأنظمة الفاسدة فشلت أيضاً..فالفتنة والخراب والفرقة والتناحر في الأنظمة الفاسدة نفسها.. وأما الشعوب فما أزكاها!! فمع طول ما ظلمت وقهرت وأفقرت .. لم تسفك دماً.. لم تهتك عرضاً.. لم تنهب مالاً .. لم تمزق وحدتها.. بل حفظت الأمن .. وحرست مقدرات الدولة!! بل رسمت الثورات خطة طريق للشعوب التي تتطلع للتخلص من النظم الفاسدة: أنه بإمكان الشعوب القيام بالوظيفتين وفي الوقت نفسه: إشعال الثورة ... وقمع الفتنة.. أن تكون الثائر والحارس وتعلمنا ايضا !! أن الشعوب باتت تمتلك الرؤية .. وتهتدي للمخرج .. وتعرف الوسيلة .. وتسخو بالثمن .. ولها نزوع شديد جارف إلى الحياة الحرة الكريمة.. وكل ثورة وأنتم بخير..