مرة أخرى اندلع الصراع فى ولاية جونقلى في جنوب السودان بين كل من الجيش الشعبي لجنوب السودان من جانب ميليشيا المورلي بقيادة ديفيد ياو ياو وطالب اللاهوت السابق، وحركة جيش تحرير جنوب السودان المنشق من الجيش الجنوبي من جانب آخر، وتحول الصراع إلى مواجهات عسكرية شرسة قتل فيها الجيش جنوب السودان ما لا يقل عن 100 شخصا من قبيلة المورلى بينهم 74 مدنيا و 17 امرأة وطفل فى يوليو 2013، كما اعدم الجيش الشعبي أفراد من قبيلة المورلى عقابا لهم للاشتباه بأنهم يدعمون ويؤيدون قائد ميليشيات المورلى لياو ياو، بالإضافة إلى رفضهم تسليم الأسلحة التي بحوزتهم في ظل الحملة التي يقودها الجيش الشعبي لنزع الأسلحة من القبائل المحلية. فيما تأثر أكثر من 100 ألف شخص بالقتال، نتيجة للصراع القائم فى جونقلى بين كل من قبيلة المورلى وقبيلة النوير اللذان يتنافسان فى منطقة جونقلى التى تقع على الحدود مع إثيوبيا، علما بأن الصراع القبلي فى جنوب السودان ترجع جذوره للتنافس القوى بين القبائل من أجل السلطة والثروة. فيما بدأت السلطات فى جنوب السودان تحقيقا فى أغسطس فى الانتهاكات التى ارتكبها جيش جنوب السودان مع المواطنين العزل، بعد ما زادت انتقادات كثيرة من قبل المنظمات الدولية الناشطة فى مجال حقوق الإنسان. ويخوض جيش جنوب السودان مواجهة مع الحركات المسلحة يقودها ياو ياو على مدى التسعة الأشهر فى شرق البلاد وهو ما أدى إلى عراقيل عديدة لشركتى (توتال الفرنسية - أكسون الأمريكية) فى التنقيب بالمنطقة الغنية بالنفط، ان الصراع بين قبيلتي المورلي ولو نوير فى ولاية جونقلى أدى إلى تفجر النزاعات العرقية المستمرة منذ عقود مما تسبب فى قلق لدى المستثمرين والعاملين فى مجال النفط. ونشرت منظمة هيومن رايت ويتش الأمريكية فى الجمعة 13 من سبتمبر تقريرا أدانت فيه حكومة جنوب السودان فى ظل تدهور الانتهاكات المتكررة فى مجال حقوق الإنسان، وقالت أن بعض المواطنين حوصروا فى مناطق إطلاق النار أثناء الاشتباكات بين الإطراف المتحاربة مما أدى إلى ارتكاب تلك المجزرة على حد قول المنظمة. من جانب أخر يواجه العديد من الذين فروا من القتال في يوليو الماضي ولا زالوا يختبئون في الغابات المحيطة بمنطقة "البيببور" خوفا من القتال المستمر بين الحركات المسلحة والجيش الجنوبي، وهذا ما زاد من معاناة عشرات آلاف من المتشردين ، خاصة فى ظل موسم هطول الإمطار الغزيرة في المنطقة الفقيرة والنائية وتردى الظروف المعيشة حيث أجبرتهم ظروف العنف والاقتتال القبلى على ترك حياتهم والاحتماء بإطراف مدينة جونقلى التى اندلعت فيها الصراعات القبلية المسلحة بغرض الاستحواذ على الاراضى والماشية. وأشارت المنظمة أن مثل هذه الأحداث تؤثر سلبا على قدرة موظفي المعونة على تقديم المساعدة الطبية الماسة لإنقاذ حياة الناس. كما خلفت المواجهات القبلية أعداد كبيرة من الضحايا أغلبهم من النساء والأطفال، مما وضع ولاية جونقلى فى قائمة أكثر الولايات عنفا وعجزت الأجهزة الأمنية عن بسط سيطرتها ونفوذها فى جنوب السودان. فى حين تقوم الجهات الحكومية فى جنوب السودان خاصة الجيش بالدور الأكبر بجانب الأجهزة الأمنية للسيطرة على التمرد، ولكن فى نفس الوقت انخرط بعض جنود جيش جنوب السودان فى جرائم اغتصاب وتعذيب ونهب إثناء مصادرتهم الأسلحة، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى صاحبت العمليات التى يقوم بها من أجل حملة نزع السلاح المنتشرة بين القبائل سواء كانت رعوية أو مقيمة مما زادت من الاحتقانات القبلية تجاه الحكومة المركزية. هذا وقد أتت الحملة التى قادها الجبش الجنوبى تحت شعار (عملية استعادة السلام) لنزع الأسلحة بردود فعل سلبية تجاه الحكومة المركزية فى جوبا، حيث برزت نواة لتحالف قبلى ضد حكومة جوبا، وفى نفس الوقت يعتبر هذا التحالف ذا بعد قبلى حيث ضم قبيلتى "المورلى" بقيادة ياو ياو، و "الجيش الابيض" التابع لقبيلة "لو نوير" الذى يقوده مدعى النبوة (داك كويث)، هذا التحالف يمثل تحديا للحكومة التى تم تشكيلها قبل شهر باعتباره لأول مرة يتم فيها تحالف قبيلتين من أكثر القبائل فى جنوب السودان عداوة فيما بينهما، ولكن اتحدا من اجل مصالحهم القبلية، وهذا ما يقود إلى تزايد التحالفات بين القبائل الصغيرة فى أى لحظة يواجهون فيها عنف من قبل جيش جنوب السودان، كما انتقدت الولاياتالمتحدة ودول غربية جنوب السودان انتقادات عنيفة بشأن أوضاع حقوق الانسان والحريات، نتيجة لذلك أحال الرئيس سلفا كير فى أغسطس الماضي عددا من قيادات الجيش الشعبى، للتحقيق معهم لارتكابهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما تخشى القوى الغربية أن يتبع جيش جنوب السودان أسلوبا يتسم بالبطش، وبالتالى يتصاعد القتال مما يؤدى إلى استنزاف موارد الدولة النفطية بغرض إنهاء العنف بين القبائل مما ينعكس سلبا على اقتصاد فى جنوب السودان ككل. وخلال عام 2012 قتل أكثر من 1600 شخص فى ولاية جونقلى ، فيما قال الرئيس كير انه لن يقبل بوقوع انتهاكات أخرى على أيدي القيادات العسكرية فى الولاية نفسها، فيما تؤكد تقرير أممية أن القتال الدائر حرم اكثر من 100 ألف شخص من المساعدات الإنسانية التى تقدمها الأممالمتحدة للمتضررين، إلا أن الرئيس كير الذى يحاول تعزيز سلطته بعد تشكيل حكومته الجديدة وتولى "جيمس وانى" كنائب للرئيس، أوضح كير أن بعض القيادات فى الجيش يخضعون بالفعل للتحقيقات وسيدفعون ثمن جرائمهم التى ارتكبوها فى حق شعب جنوب السودان، فيما يخضع المسؤول والجنرال فى الجيش الشعبى "جيمس أوتونح" حاليا لتحقيق بدعوى مقتل بعض المدنيين على أيدي جنود كانوا تحت قيادته أبان الإحداث الأخيرة. ومن جانب أخر طالبت مجموعات من ابناء قبيلة "لو النوير" فى المهجر بمذكرة للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن تتعلق بضرورة أجراء المحكمة الجنائية الدولية تحقيق فى الجرائم التى ارتكبت فى حق قبيلة النوير بجنوب السودان من قبل الجيش الشعبي، واستعرضت المذكرة ملابسات بعض احداث منذ 2006، وناشدت بتحويل أسماء بعض قادة الجيش الشعبي إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية لتسببهم فى جرائم قتل خاصة بمناطق (فنجاك - واكوبو). وفى جوبا يتهم سلاطين قبيلة المورلى حكومة جنوب السودان بدعم النوير، موضحين أن مصابى قبيلة النوير فقط يدخلون المستشفيات فى منطقة البيبور للعلاج، أما جرحى قبيلة المورلى فيتم تركهم ولكن سرعان ما نفت السلطات فى جوبا تلك الإدعاءات. كما أن سلاطين القبائل فى جنوب السودان خارج نطاق سيطرة الدولة، بالتالى هذه المعارك لن تتوقف كما ان هؤلاء السلاطين غير مستعدين للتراجع طالما السلطة المركزية فى جوبا تاركة الصراع ليحسمه بقاء الأقوى. أن انفصال جوبا عن الخرطوم لم يضع حد للصراع القبلى بل الانفصال غذى الصراع والاقتتال، فلم تتوقف الهجمات الثأرية وأعمال القتل الانتقامية فى ولاية جونقلى بين القبائل، لان هذه المنطقة لديها موروث من الصراعات القبلية، ويساهم فى تزايد حدة الصراع غياب دور الدولة ومؤسساتها وطبيعة المجتمع البدائى والدعوى فالطريقة القمعية التى يستخدمها الجيش الحكومي فى القضاء على الصراع الدائر بين إطراف تؤثر سلبا على الصراع، حيث تتجاهل السلطة المنهج القبلي المتوارث فى حل الصراع من مئات السنين، بجانب أن هذه المنطقة غارقة فى بحر من الأسلحة الموروثة فى عقدين من الحرب الأهلية. وفى النهاية فإن تصاعد وتيرة العنف فى جنوب السودان، سيجر الدولة الجديدة الى حرب أهلية شرسة بين الأثنيات المختلفة، وهذا لا شك سينعكس على الاستقرار ليس فى جنوب السودان فحسب بل ربما يمتد إلى دول الجوار الاقليمى. salah ibrahim [[email protected]]