ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير حكومة السودان أمام لجنة الامم المتحدة لحقوق الإنسان المدنية والسياسية .. بقلم: د.أمين مكى مدنى
نشر في سودانيل يوم 24 - 09 - 2013

أنضم السودان إلى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الصادر فى 1966 فى العام 1986 ،عقب الإطاحة بالنظام المايوى. وبموجب إنضمامه له ينبغى أن يقدم تقريراً عن أوضاع تلك الحقوق مرة كلما طلبت منه ذلك اللجنة المستقلة المكونة بموجب المادة 28 منه. كان آخر تقرير قدمته الحكومة فى العام 2007. الآن يقدم السودان تقريره الدورى لتقوم اللجنة بمناقشته فى ضوء ما يحتويه وما قد يصلها من "تقارير ظل" تقدمها المنظمات غير الحكومية، او المنظمات الدولية العاملة فى البلاد، او من خلال تقارير أجهزة الإعلام المختلفة ، سوف تقوم اللجنة بمناقشة التقرير مع الوفد الحكومى فى الأسبوع الأول من اكتوبر القادم.
القارىء الذى يطلع على هذا التقرير الآخير سوف يستغرب عن أى دولة يتحدث، أن كانت له أية صلة او معرفة بأوضاع حقوق الإنسان المدنية والسياسية فى عهدنا هذا، ولربما خيل إليه ان التوصيف يتعلق بدولة آخرى، ولربما عن له ان يراجع مصدر القرار ان كان هو دولة السودان إلتى نعرفها اليوم، ام نسج من خيال محترفين فى إعداد البيانات الرنانه ووصف الأوضاع إلتى يعيشها إنسان السودان اليوم. فالأمر ليس بجد غريب إذ ان التقرير الرائع موجه إلى المجتمع الدولى ( الذى يفترض فيه عدم الإلمام بواقع الحال) والتعامل وفق نوايا الحكومة الحسنة !
فاتحة التقرير تعبر عن تلك النوايا بالقول ان السودان ظل منذ ان صادق على العهد الدولى المذكور فى عام 1986" يسعى جاهداً للوفاء بالإلتزامات الناجمة عنه، مع إهتمامه المتزايد بجهود وأعمال لجنة حقوق الإنسان وحرصه على التعاون معها وإدارة حوار موضوعى معها لتعزيز وثيقة حقوق الإنسان فى السودان".
هكذا ... ماشاء الله..
يقول التقرير فى بدايته انه قد تم إعداده ومناقشته فى حلقة نقاش ضمت 34 "خبيراً" يمثلون منظمات المجتمع المدنى (؟)، أكاديمين، أجهزة حكومية، مستشارين قانونيين وغيرهم، مؤكدين ان الحكومة ترغب صادقة فى الإلتزام بضمان تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان، مسترشدين بمبادىء العالمية، النزاهة، الموضوعية،الحياد واللا إنتقائية وعدم التسيس، وضمان الإلتزام بحقوق الإنسان والدفاع عنها وفق مبادىء التعاون والحوار الحقيقى،وأن آلية اللجنة تعبر عن خيار إستراتيجى يجعل من حقوق الإنسان وحمايتها هدفاً " برفض أى شكل من أشكال الإستغلال لأغراض سياسية او إيد يولوجية أو غيرها".!!
يبدأ التقرير بالتأكيد على مصادقة السودان على عدد من المواثيق الدولية والإلتزام بها كجزء من الدستور وفق نص المادة (3) 27 من دستور 2005 الإنتقالى، وان " الكثير" من المبادىء فى تلك الإتفاقيات تم تضمينها فى صلب التشريعات الوطنية وأصبحت المحكمة الدستورية حارسة وحامية للدستور ولوثيقة الحقوق الواردة فيه، فضلاً عن كثير من المحاكم المختصة إلتى تعمل إيضاً على حماية تلك الحقوق ومراقبة تطبيقها.
يواصل التقرير ليؤكد على إجازة عدد من التشريعات الجديدة ومراجعة القوانين السائدة لتتماشى مع الدستور والإتفاقيات الدولية ذكر منها، على سبيل المثال:_
- قانون تنظيم العمل الطوعى لسنة 2006.
- قانون القوات المسلحة لسنة 2007.
- قانون الاحزاب السياسية لسنة 2007.
- قانون الإنتخابات لسنة 2008.
- قانون المجلس القومى لرعاية الطفولة لسنة 2008.
- القانون الجنائى لسنة 1991، المعدل 2009 ليشمل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية.
- قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009.
- قانون المعاقين القومى لسنة 2009.
- قانون إستفتاء جنوب السودان لسنة 2010.
- قانون إستفتاء منطقى أييبى لسنة 2009.
- قانو الطفل لسنة 2010.
كما شمل التقرير تفاصيل موسعة وأرقام عن دور الحكومة فى عون النازحين وسياسات وبرامج الحكومة فى العناية بهم وعونهم على العودة الطوعية لمناطقهم، حماية وضمان حاجات الأشخاص ذوى الإعاقة.
فى شأن ما أسماه التقرير " محاربة الإفلات من العقاب" توسع التقرير فى قرارات وزير العدل حول محاسبة ومسألة منتهكى حقوق الإنسان أمام محكمة دارفور الخاصة بمخالفة القانون الإنسانى الدولى وجهود مكافحة الإرهاب.
أما فى شأن الحقوق المدنية والسياسية، ما ينبغى ان يكون الموضوع الأساسى للتقرير، فقد أشارت الحكومة إلى الآثار السلبية للحرب مع الجنوب حتى إنفصاله عقب إستفتاء تقرير المصير، ثم الإنتقال إلى تفصيل الحقوق المدنية والسياسية حيث بدأ التقرير بالتأكيد على حقوق المرأة وأكد على تمتعها بالحق فى الحياة والحرية، الحق فى الجنسية، التنقل، العمل، التعبير،العبادة، التنظيم السياسى والإجتماعى والنقابى، والتملك، والإتصال والخصوصية، والمحاكمة العادلة، والتقاضى، والتعليم، والرعاية الصحية، وتولى المناصب السياسية الرفيعة.
فيما يخص منع التعذيب والمعاملة اللا إنسانية أشار التقرير إلى المادة 33 من الدستور إلتى تحظر التعذيب والقانون الخاص بمعاملة السجناء ولائحة تنظيم معتقلى أجهزة الأمن الداخلى.؟
تعرض التقرير إلى ما ورد فى القوانين حول منع الإسترقاق، الحق فى السلامة الشخصية، العناية بنزلاء السجون والمعتقلات، ورعاية حقوقهم وتأهليهم. كما تعرض إلى حرية التنقل، حقوق الأجانب وأوضاع اللاجئين الوافدين إلى السودان والسودانيين فى دول الجوار، والمساعى إلتى تبذلها الدولة لتذليل الصعاب إلتى يواجهونها كما الصعاب إلتى تواجه الدولة نفسها فى ذلك الصدد.
أنتقل التقرير من بعد إلى تناول بعض أوضاع الحقوق المدنية والسياسية الآخرى. ففى شأن المحاكمة العادلة أورد بعض أحصائيات عن سرعة البت فى قضايا مختارة محددة أمام المحاكم المختلفة. كما تعرض لبعض نصوص فى القانون حول مبدأ عدم رجعية القوانين، الأعتراف بالشخصية القانونية، الحق فى الخصوصية الشخصية، حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، حرية الرأى والتعبير، حقوق وحماية الصحفيين، مضمنه بعض أمثلة لعدد من قرارات المحاكم المؤيدة لذلك دون أشارة لطبيعة الدعوى او النزاع، حرية تكوين النقابات، وحقوق الطفل.
فيما يخص آليات تعزيز وحماية حقوق الإنسان المدنية والسياسية يشير التقرير إلى دور الهيئة التشريعية القومية المتمثلة فى المجلس الوطنى، مجلس الولايات والمجالس التشريعية الولائية، ثم الهيئة القضائية القومية، والمحكمة الدستورية القومية، هيئة الحسبة والمظالم، المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان، المجلس الإستشارى لحقوق الإنسان، منظمات المجتمع المدنى، مفوضية الإنتخابات، مفوضية حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى، المجلس القومى لرعاية الطفولة، وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل.
فى ختامه عبر التقرير عن ان حماية جميع حقوق الإنسان تمثل أولوية قصوى .... وان" الإرادة الوطنية تظل راسخة فى بذل المزيد من الجهود لمجابهة هذه التحديات والمضى قدماً فى تحقيق الغايات السامية لمبادىء حقوق الإنسان النابعة من ديننا الحنيف وكريم المعتقدات " أنتهى .
تعقيب :
تلك هى خلاصة التقرير الذى ستقدمه الحكومة السودانية إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى الأسبوع الأول من اكتوبر القادم. هذا التقرير، فى ظل العاملين فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان يبعد كل البعد عن مقتضيات الإلتزام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وهو ليس إلا حشو عبارات فضفاضة لا تعبر عن الوفاء بإلتزامات السودان الدولية بموجب تلك المواثيق عامة، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة، وبنصوص الدستور الإنتقالى الذى تجعل من وثيقة حقوق الإنسان الواردة فيه جزءاً من الدستور، فضلاً عن نصوص الدستور الإنتقالى نفسه الذى يعرف كثيراً من الحقوق والحريات.
هذا بطبع الحال، نتاج نظام سياسى قمعى ينتهك حقوق الإنسان كافة، بعد ان انقلب على الحكم الديمقراطي بموجب أنقلاب عسكرى ذو توجه دينى أصولى يجافى حتى المبادىء السامية الواردة فى الشرع الإسلامى. فالبلاد يحكمها حزب سياسى واحد، صادر الدستور وحل مؤسسات الحكم جميعها، وصادر الصحف والاحزاب والجمعيات والنقابات، ويستمر فى إنتهاك جميع الحقوق والحريات الأساسية وكما أشعل فتيل النزاعات المسلحة بسبب توجهه "الحضارى" الذى نجم عنه إنفصال الجنوب، وأثارة النعرات العنصرية الإستعلائية الأثنية والدينية إلتى فجرت نزاعات مسلحة دامية فى كل من درافور وكردفان والنيل الازرق ومنطقة أييبى.
فعلى من الرغم التصديق على مواثيق الشرعة الدولية وما ورد فى وثيقة الحقوق المضمنة فى الدستور الإنتقالى فإن ما نشهده اليوم تشكل إنتهاكات وفروقات ليست مسبوقة فى تاريخنا الحديث.
فإذا ما قصرنا الأمر على ما ورد فى التقرير من تدليس وتلفيق وتجاهل للأمور الهامة وتفصيل ممل فى ما لا يسنده واقع القانون او الممارسة ينبغى علينا ان نضع حقيقة الأمر أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فى لقائها بوفد الحكومة من خلال التقارير المقدمة من منظمات المجتمع المدنى، سواء تلك إلتى تتمتع بالصفة الإستشارية لدى المجلس الإقتصادى والإجتماعى التابع للأمم المتحدة، أو من خلال تلك المنظمات المعنية بالشؤون الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، حسب مجال تخصصاتها، وهو الأسلوب المتبع لدى لجنة حقوق الإنسان عند مناقشة التقرير الدورى لكل الدول المصادقة على العهد الدولى المذكور.
ففى مجال التشريعات المعنية بحقوق الإنسان، على سبيل المثال، لا الحصر نقول ما يلى تعقيباًعلى بعض ما ورد فى التقرير الدورى الذى تزمع الدولة تقديمه امام اللجنة.
أولاً: فى مجال التشريعات:-
- قانون الأمن الوطنى لسنة 2010 وفى مخالفة صريحة لنص المادة .....من الدستور الإنتقالى لسنة 2005 إلتى تنص على ان جهاز الأمن الوطنى والمخابرات جهاز يختص بجمع المعلومات وتقديم النصح إلى الجهات المعنية، ولا يخوله أية سلطات إستدعاء، أو إحتجاز، او إعتقال، بينما يمارس الجهاز وفق قانونه المذكور تلك الصلاحيات على جميع المواطنين، إحتجازاً، وإعتقالاً، ومعاملة لاإنسانية، وتعريض للتعذيب بشتى السبل، وفى أماكن بعضها سرى، وحرمان ذوى المحتجزين من معرفة أماكن تواجدهم، ويستمر ذلك لأسابيع، بل شهور، دون حسيب أو رقيب على الجهاز، إذ يتمتع أعضاؤه، بل حتى المتعاونين معهم، بحصانة تامة من المسآلة أمام القضاء، ما لم يوافق السيد مدير الجهاز على ذلك الأمر، ذلك هيهات ان يحدث. تلكم الحصانة إيضاً يتمتع بها رجال الشرطة والقوات المسلحة، بموجب القانون الخاص بكل منها.
- قانون الصحافة والمطبوعات يتحكم فيه،بخلاف جهاز الأمن، المجلس الاعلى للصحافة والمطبوعات التابع للسلطة التنفيذية، وبموجب ذلك تستمر مصادرة الصحف، حتى بعد طباعتها، ويقدم الصحفيون للمحاكمة وربما السجن فى قضايا النشر، كما تصدر قرارات بين الحين والآخر تحظر بعض الصحفيين من الكتابة فى الصحف، كما يمنع نشر الإعلانات التجارية أو الحكومية من الصحف إلتى لا تلتزم بالخط السياسى للحكومة.
- قانون منظمات المجتمع المدنى، لسنة 2006 يتجه إلى حصر نشاط المنظمات المدنية فى العمل الإنسانى، ويضع قيوداً صارمة على تسجيلها من ناحية عدد المؤسسين، حضور مندوبى المفوضية الحكومية المعنية بالمنظمات إجتماعات وأنتخابات الجمعية العمومية، حصر انشطة المنظمات داخل دورها، ومنعها من عقدها فى القاعات المفتوحة، او الفنادق، منعاً لإرتياد المواطنين، إضافة إلى حصر الانشطة على الشؤون الإنسانية كالأغاثة والتعليم والصحة، وحظر تناول شؤون حقوق الإنسان، بما فى ذلك إنعقاد ندوات عن الدستور! هذا فضلاً عن أشتراط موافقة المفوضية الحكومية على اى تمويل قبل الحصول عليه، إلى نحو ذلك من قيود تعسفية قصد بها عزل منظمات المجتمع المدنى ( المستقلة) عن اى انشطة تتعرض لقوانين وأوضاع حقوق الإنسان.
- قانون نقابات العمل الحالى يختلف عن جميع القوانين إلتى كانت تكفل حرية العمل النقابى بإيجاد بدعة ما يسمى " نقابة المنشأة" بمعنى ان ينحصر تكوين عضوية النقابة على العاملين فى ذات المؤسسة كالصحة أو التعليم أو القطاعات الآخرى، وليس للعمال بصفة عامة، وتكوين قيادات النقابات من كبار موظفى الدولة كوكيل الوزارة، او مثال مدير جامعة الخرطوم الذى صار فى وقت ما رئيساً لنقابة عمال السودان!.
- فيما يخص حرية التنظيم والتعبير، تحظر السلطات الامنية التظاهرات والتجمعات السلمية، عدا تلك المؤيدة للحكومة، وبموجب القوانين الجنائية يعتبر أى تجمع او تظاهرة غير مشروعة ما لم تحصل على أذن غير مسبق، ويجوز أعتبار اى تجمع يضم خمسة اشخاص فأكثر "تجمع غير مشروع" إذا ما قررت السلطات أنه قد يميل إلى العنف.
- قانون مكافحة الأرهاب لسنه 2001 أستغل كقانون لمحاربة المعارضين ويتضمن بنوداً عديدة مخالفة للدستور، كتكوين قواعد إجراءات المحكمة بواسطة رئيس القضاء و " وزير العدل" عضو الجهاز التنفيذى، ما يتنافى مع مبدأ إستقلال القضاء، جواز المحاكمة الغيابية، قبول شهادة الشريك، تكوين محكمة خاصة لإستئناف أحكام محاكم الأرهاب، خفض مدة الإستئناف الجنائية من أسبوعين إلى أسبوع واحد، بدء محاكمة المتهمين قبل مقابلة محاميهم.. ألخ . ما يشكل خرقاً صريحاً لمبادىء المحاكم العادلة وحقوق الإنسان، من الجدير بالذكر ان الطعن لدى المحكمة الدستورية بناء على كل ما تقدم تم رفضه عقب محاكمات خاصة شهيرة أفضت إلى 106 حكماً بالأعدام خلال بضعة أسابيع لمعارضين حاولوا قلب نظام الحكم.
- اللجوء إلى المحاكم الخاصة بدلاً من القضاء العادى( الطبيعى) مع ما سبق من تحفظات. وآخيراً، تعديل قانون القوات المسلحة فى العام 2013 ليجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أستهدافاً للمعارضين السياسيين وحاملى السلاح ضد النظام الحاكم بسبب التهميش العنصرى والدينى والتنموى وعدم المشاركة فى السلطة والثروة.
- كل هذا وغيره إلى جانب رفض السلطات الإنضمام إلى بعض المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على رأسها إتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الإختيارى الخاص بها، وإتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والبروتوكول الإضافى الخاص بها، بأسباب تنسب إلى الشريعة الإسلامية على الرغم من إنضمام معظم الدول الإسلامية العربية لتلك المواثيق. ما تعانيه المرأة السودانية بموجب قانون الاحوال الشخصية للمسلمين أمر جلل فى الزواج والطلاق والعمل والملبس والسفر وأجر العمل ونحو ذلك.
نختم، فنقول ان أوضاع حقوق الإنسان فى السودان ظلت منذ تولى إنقلاب الحزب الحاكم قمة التدهور والإنتهاك بسبب القهر والقمع الذى يعانيه المواطنون المعارضون خاصة، والمواطنون عموماً، بأسباب النزاعات المسلحة والإنهيار الإقتصادى وغلاء المعيشة والفساد المتفشى وخراب مؤسسات الدولة ما تؤكده ظواهر البطالة والتسول وتفشى الجريمة والرغبة فى هجرة البلاد إلى اى مكان آخر.
نكرر القول ان تقديم تقرير منمق بالأرقام والشعارات حرث فى البحر ولن يأخذه مأخذ جد سوى مؤلفيه الذين جبلوا على تزيين الباطل ونكران الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المستعان.
د.أمين مكى مدنى
29 أغسطس 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.