وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطعام: من كتاب ذكريات من البادية لمؤلفه الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 11 - 11 - 2013

طعام أي مجموعة بشرية هو ثقافة كاملة، تنعكس فيها البيئة والمناخ والتاريخ والجغرافيا والإجتماع. الرُحل في هذه الفرقان بشتى قبائلهم كانوا يعتمدون على الذرة واللبن كغذاء أساسي. والذرة يسمى عندهم بالعيش، ومعروفة مكان بيع الحبوب في السودان يسمى سوق العيش. بل أن عرب هذه البادية يسمون العصيدة العيش. ويسمون الحبوب الغلة كما يسمونها العيش. ولدى الأطفال أهزوجة يستخدومنها لإقامة القُرعة بينهم أو عندما يخير أحدهم أن يختار شيئاً من بين عدة خيارات تقول: ( إيدي شيليني، ختيني، في بيت الله، الملان غلة، كب يالله) وكب الاخيرة هي عملية الاختيار مستعيناً بالله. ولا يزال في الريف يطلق على خبز القمح الرغيف ، رغم التحول الحادث لاسم العيش.
العصيدة مع إداماتها المختلفة تمثل الوجبة الرئيسية للبادية. تصنع العصيدة (من الذرة وتؤكل في الوجبات الثلاث مع الإدام (المُلاح)، أو مع اللبن. ولما لم تكن هناك طاحونة لطحن الذرة، فإن اعداد عجينة الذرة تمثل نشاطاً راتباً للنساء. وفي بعض الظروف القاهرة يمكن أن تكون الوجبة مجرد بليلة باللبن. وغالباً ما تصنع البليلة من الدخن. وللدخن موقع متقدم في الطعام ، إن كان عصيدة أو بليلة أو مديدة أو عطينة (العطينة هي حبوب الدخن منقوعة في الماء ) وتمثل العطينة وجبة سريعة للرعاة في الخلاء. وتحتفظ كل ست بيت (امرأة) بمرحاكة. وهي قطعة من الحجر مستطيلة يتجاوز طولها نصف المتر بقليل، وعرضها في حدود ثلث المتر. وهناك قطعة أخرى أو قطعتين تصل أبعاد القطعة الواحدة إلى خمسة عشرين سنتمتر طولاً وخسمة عشر سنتمتر عرضاً (في حدود حجم الطوبة). القطعة تسمى بت المرحاكة (بنت المرحاكة).
وبت المرحاكة هي قطعة الحجر التي توضع ويتم تحريكها على سطح المرحاكة لطحن حبات الذرة بين الحجرين (المرحاكة وبنتها). احدى بنات المرحاكة خشنة قليلاً تستخدم للدريش (أو الجريش)، بما يعنى كسر حبة الذرة الجافة. وأما بت المرحاكة الأخرى فتستخدم لطحن العجين بعد بل الدريش بالماء. وبين المراحيك هناك ما هي افضل لعملية الدريش ومنها ما هي أفضل للعجين. لا بد أن عملية قطع وتجهيز المرحاكة كانت عملية فنية مهنية. وقد كانت المراحيك تتوفر في الأسواق في مدن المنطقة، إذ كانت تعرض في سوق الحبال والسعف المسمى أبوزعبل بسنجة، وسوق سنار المسمى ود العجوز. وتنتشر المراحيك في القرى والبوادي. وسوق ابوزعبل سوق في سنجة تباع فيه السلع الريفية من الحبال والسلال والقنا والسعف والمراحيك وثمار أشجار الغابات والمفاريك والمكانس والبروش وحتى الشرقانيات(الشرقانية نوع من الحصير يصنع من نبات النال أو نحوه ويستخدم لعمل المظلات والحيشان). تستخدم الشرقانية في صناعة المظلات والعرائش، خاصة للتوسعة ايام المناسبات. فلم تكن تعرف صيوانات المناسبات الحديثة المصنوعة من الحديد والأقمشة الخاصة بها. ولم تجد صناعة الشرقانيات من يطورها كصناعة شعبية متقدمة في ذلك الوقت، بل ولا تزال السماحة موجودة للتطوير.
واضح أن بعض أنواع المراحيك تصنع من حجر الجرانيت. مراحيك حجر الجرانيت عادة خشنة تصلح لعملية الدريش أكثر من العجين. هناك نوع آخر من الحجر الرملي الصلب الناعم. وهذا النوع يصلح لعملية العجين، إلا أن هذا النوع يتآكل بعملية الطحن المتكررة، خاصة وأنه يتعرض لعملية تخشين عبر الطرق بحجر نَقّار. والحجر النَقّار حجر صلب يتم انتخابه من الحجارة المتوفرة في المنطقة في تخوم الجبال في المنطقة (جبل موية وغيره). وقد تتعرض المرحاكة للكسر إذا سقطت أو وضعت بغير عناية، خاصة تلك التي تأكلت بفعل كثرة الطحن عليها. وتمثل المرحاكة أثقل أداة محمولة في حركة البادية. لذلك سرعان ما تم التخلص منها عند أول ظهور للطواحين في القرى والأسواق. فبجانب قافلة الراوية (التي تجلب الماء) الراتبة لجلب الماء، أصبح الذهاب للسوق بصورة راتبة أيضاً بسبب الطاحونة. كما أن المرحاكة قد يتم تثبيتها بخلطة من الطين والرمل بعد وضعها بزاوية مريحة للمرأة التي تطحن. أما تلك التي لا تثبت فيصنع لها منخفض في الأرض ويتم عزلها عن الأرض بجلد يوظف للغرض من بقية سقاء أو قرفة. ثم ظهر المشمع البلاستيكي الذي يغلف جوالات السماد من الداخل. هذا لغرض جمع ما يتبعثر من الحب أو العجين بالأطراف ثم يعاد. أما العيش الذي يؤتى به للطحين فيوضع في جردل طلس (حديد مطلي بمادة خزفية) أو يؤتى بالعيش في طبق السعف المعروف، ويجمع العجين في إناء من الفخار يسمى الخمّار أو في الجردل المذكور. ويتم تفادي وضع العجين في أنية الالمونيوم لأن الألمونيوم يتأكل بفعل العجين (تفاعل الألمونويم مع الأحماض)، كذلك يتم تفادى أنية الحديد التي تصدأ. لم يكن البلاستيك مستخدماً في ذلك الحين.
تجلس المرأة التي تطحن على ركبتيها قرب المرحاكة طولياَ ثم تميل بجسمها على المرحاكة وتضع كلتا يديها على بنت المرحاكة وتدفع ببنت المرحاكة على سطح المرحاكة من اقرب نقطة من الجانب الذي يليها إلى النهاية الأخرى للمرحاكة ثم تسحب بنت الرحاكة مرة ثانية إلى نقطة البداية. وتضع قبضة يد من الحبوب (أو العجين) في طرف المرحاكة الذي يليها ثم تكرر حركتها الأفقية للأمام والخلف وفي حركة سريعة تحرر يدها اليسرى من بنت المرحاكة وتدفع قليلا من الحبوب تحت طرف بنت المرحاكة. تكتسب النساء مهارات فائقة في السرعة والرشاقة في عملية الرحيك. لم تكن اجسام أولئك النسوة مترهلة. فعملية الرحيك اشبه اليوم باستخدام أدوات الجيم (الرياضة)، عير أن تلك حركات مباركة إذا قرئت مع الحديث لقمة في فم جائع كجبل أحد.. كم يار بي من الجبال مدخرة لأمهاتنا و احواتنا اللائي حدمننا. لاحظ أن التمثال يمثل حضارة وادي النيل، بينما انتشرت في المنطقة العربية نوع مختلف من حجر الرحى (الرحاية وليست المرحاكة).
تبدأ عملية الطحن بمرحلة الدريش وهو تكسير حبة الذرة (أو غيرها) إلى دريش (جريش، من جرش يجرش) ثم يضاف الماء إلى الدريش ويحفظ لمدة، قد تصل لساعتين، حتى يلين. بعدها يتم طحن الدريش المبتل إلى عجينة. ولكي تكتمل عملية صناعة العجين يتعرض الدريش المبتل إلى الطحن مرتين (فشْخَة و رَدَّة). الفشخة هي الطحنة الأولى لتنعيم الدريش المبتل. ثم الرَدّة هي الطحنة الثانية (أي مردود) التي يصبح فيها العجين ناعماً، ومن ثم يصبح صالحاً لتحضير العصيدة. ولما كان العجين عرضة للتخمير لدرجة قد لا يصلح لتحضير العصيدة إذا مكث أكثر من يوم. فلذلك تصبح عملية تحضير العجين عملية روتينية يومية. وقد يتعرض العجين لعملية تجفيف لتفادى تخمره، إذ تُصنع أقراص أو كُرات تجفف على بساط تحت أشعة الشمس. ويسمى الناتج ب(الكُلّكاب)، أي الدقيق المصنوع من العجين؟ وعندما ظهرت طواحين تحضير دقيق الذرة في المنطقة وجدت ترحيباً، لأسباب عديدة، تشمل ما ذكر، اضافة لصعوبة عملية الطحن وقد أضاف ذلك لحياة البادية مشواير راتبة للأسواق على الأقل مرة في الأسبوع، لأخذ كيلة أو كيلتين من حبوب الذرة في كل مشوار إلى السوق (الكيلة تعادل 12 كيلوجرام). وحتى لا تصبح عملية الذهاب للسوق عشوائية فقد ابتكرت القدرات الإدارية والمجتمعية استحداث يومين للسوق في الاسبوع. وحتى تتاح خيارات أوسع في المنطقة كان سوق ام شوكة ولا يزال في يومي الأحد والأربعاء من كل اسبوع، وسوق الشلال يوم الاثنين والجمعة، وسوق قلاديمة بشرق النيل غير ذلك.
كان الكبار يفضلون الطعام الذي صنع من عجين المرحاكة على ذلك الذي صنع من دقيق الطاحونة، يذكرون أن الأول أفضل مذاقاً. نعم أن طعام المرحاكة يتعرض لعمليات النقع في الماء إن كان ذلك في مرحلة الدريش أو نقع الحبوب كاملة في الماء. وذلك مما يعرض الحبوب والدريش لعمليات حيوية دقيقة، تفعل فيها الكائينات الدقيقة والإنزيمات فعلها، مما ينتج خمائر مستحبة، بل وأكثر قيمةغذائية. لعمري أن عمليات غمر الحبوب بالماء، والتي تمتد لساعتين تامتين تامتين، إن كانت كاملة أو مجروشة تصحبها عمليات حيوية دقيقة ينتج عنها السكر، كما تنتج عنها أحماض ذات مذاق وقيمة غذائية إضافية (راجع كتاب ميكروب للعلّامة بوفسور حامد درار الذي طبعته دار جامعة الخرطوم للنشر). وأن أَلْسن كبار السِّن، التي عرفت الفرق كانت ذات بصمة لم يلوثها دقيق الطاحونة، التي تسحق الحبوب، بل تسحق الحياة. فتدخل عناصر الذرة إلى الطعام بلا حياة. وبالطبع لم تلوثها الاطعمة الصناعية في المعلبات.
كانت مهمة الطحن من الأنشطة النسوية الراتبة والشاقة. وتقوم بها البنات أكثر من النساء كبيرات السن. إذ تحتفظ كل ست بيت بمرحاكة ببناتها. تجتمع الفتيات أحياناً في أحد البيوت حسب الوقت والمكان خاصة إن كانت هناك مناسبة، وفي الليالي المقمرة. فيتناولن وجبة أو يدرن كبابي الشاي. ولما كانت عملية الدرش والعجن عملية لها خطوات متتالية، التي تبدأ بالدريش، ثم يغمر في الماء لساعة او اكثر، ثم تاتي الطحنة الاولى (الفشخة) ثم الطحنة الثانية (الردة). فهي تحتاج أحياناً لانتظار الدريش حتى يلين. في هذه الحالة تتناوب البنات المساعدة في عملية الطحن. وقد تضع البنات أكثر من مرحاكة في وقت واحد وقد تحدث عمليات تنافسية فيما بينهن.
تُصنع من العجين أو الطحين العصيدة. فهي الوجبة التي تصنع باضافة العجين إلى ماء يغلي ويتم وزن قوام العصيدة باضافة المزيد من العجين (أوالدقيق) حسب القوام المطلوب ويتم تحريكه باستمرار لكي يتجانس الخليط ولا يترك أجزاء منه أكثر صلابة من غيرها (كراضِم أو درادِم) أو نيئة. ويتفاوت قوام العصيدة في السودان من منطقة لأخرى. ففي بعض المناطق تصنع وتقدم في قوام أشبه بالمديدة (قوام غير متماسك). وفي منطقة بيئة المؤلف مثل هذا القوام يمكن أن توصف بأنها عصيدة نيئة، وبالطبع يمتد الوصف إلى التي المرأة التي صنعتها. وذلك أمر قد يؤثر على حياة تلك المرأة . وهذا لا يجوز في حق المرأة التي تصنع العصيدة. بالمقابل العصيدة صلبة القوام، كما هو معروف بعصيدة الأوقالي في شرق افريقيا، غير مرغوب هو الآخر. خاصة وان العصيدة تحفظ أحياناً لبعض الوقت بعد اعدادها ليتناولها أحد الغائبين في مهمة ما والتي ستصير أكثر صلابة بمرور الوقت (يتضح ذلك للمختصين في صناعة المخبوزات). في عملية تحضير العصيدة يتم تحريك العجينة بمسواط (قطعة خشب مصنوعة للغرض) أو بواسطة الجراية (أداة الحديد في شكل جناحين يتم تركيبها على قطعة من الخشب.) ويتم اعداد العصيدة في إناء حديدي يعرف بالطاجن أو صاج العصيدة (إنا من الحديد جزء من كرة مقعر). الآن تعد العصيدة في حلة خاصة، تعرف بحلة التمبل. والعصيدة تصنع فطيرة من الدقيق مباشرة في معسكرات الزراعة (التايات) وتعرف بال(بني كربو). ومعلوم في خلاوي تعليم القرآن أن العصيدة كانت هي الوجبة الثابتة وتؤكل مع الإدام. عند تحضير العصيدة تنشأ طبقة سميكة نوعاً ملتصقة بالصاج تسمى الشيطة (وتعني بالعربية الطعام المحترق)، يسهل انفصالها عن الصاج عندما تجف. طعم الشطية مميز خاصة مع احتراق و تغير لونها إلى الأسمر الداكن أو حتى بعض التفحم. تؤكل الشيطة بواسطة الصغار نوع من التسلية أو لكسر الإحساس بالجوع، عندما يتأخر الطعام.
أما الكسرة (الرهيفة) فهي البديل الذي تمدد على حساب العصيدة. ولا بد أن الرهيفة لها علاقة بالانجيرا الحبشية، بل الكسرة طور متقدم من أطوار الانجيرا. إذا تعتمد الانجيرا على سكب عجينة خفيقة على سطح ساخن، والكسرة تعتمد على وضع عجينة أكثر تماسكاً ويُعمد على طليها على السطح الساخن بواسطة القرقريبة (قطعة معدة للغرض، من السعف العريض يصل طولها إلى أربعة بوصات و عرضها نحو بوصتين).
والكسرة الرهيفة معلومة منذ السلطنة الزرقاء، كانت تُعرف بالسنسنة). إذ كان استخدام الكسرة (السنسنة) محدوداً، حتى أدخلها الشيخ حمد بن ادريس ود الأرباب في النفقة العامة بعد أن تولى الخلافة (1060ه). يذكر ذلك ود ضيف الله في طبقاته إذ يقول: (والكسرة سواها سن سن، والملاح سوى فيه الفلفل والشمار والكزبرة). أما في البادية فصناعة الكسرة الرهيفة غير عملية، هذا بالمقارنة مع العصيدة. لذلك يتم اعتمادها خاصة في وقت المصيف حيث يقيم الفريق في مكان واحد لفترة قد تمتد لمدة خمسة أشهر عندما يقترب الفريق من الحِلّة، وتسترد النساء أدواتهن المخزونة، بما في ذلك صاج الكسرة والأزيار والحِلل الكبيرة ويكون أيضاً الفريق قريباً من الأسواق حيث الطواحين التي توفر زمن المرحاكة. هذا ويمارس الرُّحل مناسباتهم الاجتماعية في زمان الصيف حيث يقل الارتحال. ويكثر توافد الضيوف للفريق للمناسبات. وقد كان الفريق أكثر ثراءاً من . ويمثل اعداد الكسرة نوع من الحداثة تفضله الفتيات حديثات السن. وقد طغت الكسرة منذ مطلع السبعينيات، كانت تصنع في الدوكة لدى اهل الحلة. والدوكة عبارة عن قرص دائري من الفخار يتجاوز قطره الستين سنتمترا. أشبه في حجمها بصاج تحضير الانجيرة الحبشية. تثبت الدوكة على بناء من الطين يرتفع عن الأرض بنحو من ثلاثين سنتمترٍ، وتترك فتحة لإدخال حطب الحريق تحت الدوكة ثم اختفت الدوكة ليحل محلها صاج الكسرة وهو قطعة مربعة من الحديد، ضلعها في حدود الخمسين سنتمتر. فقد انتشر صاج الحديد بعد انتشار الورش وظهور صاج صناديق اللّواري الثقيل. الصاج الجديد، كما الدوكة، يحتاجان لتعتيق. وعملية التعتيق هي عبارة عن تعريض الدوكة أوالصاج لعملية حرق لتنشأ طبقة رقيقة من الكربون ملتصقة بالسطح تعمل على منع التصاق الكسرة بالسطح الساخن. ويتم الحرق بحبوب السمسم والدهن الحيواني ويتم شحذ سطح الصاج بمسح مادة الطايوق (مادة المخ أوالنخاع الشوكي). وتستخدم قطعة من القماش القطني لمسح سطح الصاج وتسمى المعراكة أو تسمى التَمَلة. وقد عرّفها عون الشريف قاسم في قاموس اللهجة العامية السودانية (بأنها خرقة تبلل بالزيت ويعرك بها الطاجن لتزيل ما علق به من بقايا الكسرة) عملية تعتيق الصاج هي ذات فكرة صناعة مادة التيفال الكربونية التي تغلف بها أدوات الطبخ الحديثة اللاصقة. وبالطبع فقدت امهاتنا حق الملكية الفكرية في ذلك!!. كذلك من لوازم صناعة (عواسة) الكسرة هي الجُرة الخمّارة، التي يتم فيها تخمير العجين الذي تصنع منه الكسرة قبل صناعتها. كذلك توجد قطعة من السعف مستطيلة تعرف بالقرقريبة تستخدم لتوزيع العجين على سطح الدوكة الساخن بطريقة معروفة لدى النساء. هذا مع ملاحظة أن كسرة الانجيرا الحبشية تشبه الكسرة السودانية مع الإختلاف في طريقة الإعداد النهائية. وجدت الكسرة بعض الاهتمام في برامج البحوث وتطوير الصناعة، إلا إن ذلك لم يرق لدرجة التطوير، فقد ظلت صناعة الكسرة تقليدية، إلا ما يعن للنساء من تجويد قوام الكسرة او نكهتها أو لونها.
كذلك العصيدة تؤكل مع الإدام، ويتراو ح بين اللبن الحليب أو الروب و هو ما يعرف في الخليج (باللبن). ومشهورة الإدامات (جمع إدام بل ينطق أحياناً (ايدام) وهو ما يعرف في السودان بالمُلاح. ومشهور التعبير السوداني (أكل الملح والمُلاح، كناية عن المؤاخاة والموالاة). ويقال: جرح سلاح ولا جرح مُلاح، كناية على أنه من العيب التفريط ليسقط الطعام على الثياب، وهذا يقال للصغار لتوجيههم. هناك عدد من أنواع المُلاح (أو المِلحات)التي يكون القاسم المشترك فيها البصل، الزيت والويكة والبهار الذي يتمثل في مسحوق (دقيق) حبوب الكسبرة، الشمار والشطة الحمراء. ولا تزال هذه الإدامات هي الأكلات الشعبية المفضلة في كثير من أنحاء السودان.
ومن الإدامات التي فرضت نفسها وتعد بأشكال ومذاقات مختلفة ما يعرف بمُلاح الروب (والروب هو اللبن الذي يتم تخميره كما يعرف في بعض البلدان العربية باللبن أوالزبادي) ومنه مُلاح الروب الأبيض، والأحمر الذي يعرف بُملاح النعيمية. أما الإدام الآخر ذو الشهرة الواسعة هو مُلاح الشرموط (اللحم المجفف) وقد أخذ اسم مُلاح التَقَليّة ، كما يعرف أيضاً بمُلاح أم دقوقة. ومنه مُلاح الشرموط الأبيض والذي لا يتم تحمير البصلة في إعداده، كما لا تضاف له الصلصة. ومنه ملاح أم شعيفة (بصل وويكة مع البهار دون إضافة لحم يذكر. أما الذي يُصنع باللحم الطازج منه يُسمى ملاح أم رقيقة وهو أكثر ذو قوام أكثر سيولة، يؤكل مع الكسرة الرهيفة. هذا وقد تمُ تحوير ملاح أم رقيقة ليؤكل مع الكسرة في المناسبات، ويصنع باضافة الويكة فقط لمرق اللحم، بعد سحب اللحم لإعداد ما يُعرف بالضلِع. أما مُلاح الشرموط الأحمر فيتم تحمير البصلة وتضاف له الطماطم أو صلصة الطماطم، ويكون فيه الزيت وفيراً إلى حد وجوده طافياً منفصلاً في سطح الإدام عند تقديم الطعام. وقد كان الناس يستخدمون صلصلة الطماطم الجافة..وقد ينظر لمثل هذا الادام ذو الزيت بأنه متقن الصنع. وعند الأكل قد يسيل الدهن، خاصة عند الصبيان الصغار، ويقال (الدهن للكوع) ومنه قد تكون جاءت مفردة لحسة الكوع (وهي بالطبع مهمة مستحيلة، لان بناء الجسم الإنساني لا يسمح بذلك) أيضاً يصنع إدام من اللبن الحليب مع البصل والويكة مع بهار الشّمار أو(الكمون الأخضر Cumin) والشطة الحمراء Hot peper ويُسمى هذا الإدام في البادية ب(مُلاح الكاشيت). عندما يضاف لمُلاح الكاشيت الويكاب (نوع من ملح الكربونات الذي يصنع من حرق قصب الذرة وسيقان السمسم) يسمى عندها ب(ويكاب اللبن). معروف أيضاً ويكاب اللوبا (أواللوبيا) وهو إدام قوامه بذور اللوبيا المجروشة، بالطبع مع البصل المَكَشَّن (المحمر في الزيت) ويضاف له ملح الويكاب المذكور. أيضاً هناك إداماً كان معروفاً وهو مُلاح السمسم (ويُسمى البَتْنَة)، وهو إدام لمقابلة وجبة سريعةإضطرارية غير معتادة بسبب تقدمها (غالباً) عن موعد الوجبة الرئيسية، إذ تصنع لقادم في غير موعد الطعام المعتاد. والأن هناك ما يعرف بالوجبات السريعةFast food .
يتفنن السودانيون في صناعة إدامات تتفاوت في مكوناتها ومذاقها، لكن يظل البصل والزيت والبهار هي قواسم مشتركة فيها. ومن الإدامات الإضافية مُلاح البامية الخضراء المفروكة ويعرف بمُلاح البُقبُق (أو أم بُقبُق). من الإدامات الموسمية مُلاح الملوخية (الخُدرة) ولديها موسمين الخُدرة الصيفية خُدرة الجناين، والخُدرة الخريفية التي تنبت في أراضي منخفض الخزان. وتمثل موسماً اضافياً مبكراً وقت الخريف. وكذلك البامية لها موسمان. كذلك مُلاح القرع، وله قوام ومذاق خاص مع الكسرة.
يتناول الناس وجبتهم جلوساً على برش سباتة (بساط من السعف) أو الفروة (بساط من جلد الضأن) أو الدُلاء (بساط من جلد البقر) أو مباشرة على الأرض معتمدين على الأرجل في حلقة، هذا لتناول الوجبة مباشرة بالأيادي دون استخدام ملاعق أو نحوها. هذا ويتناول الرجال وجباتهم لوحدهم، فيما يعرف بالضرا. وهو في الفريق غالباً ما تتخذ شجرة ظليلة. وفي الحِلّة تكون احدى الخلاوي مكاناً للضرا, أما النساء فيجتمعن في الوجبة لوحدهن، غالباً بعد تناول الرجال لوجبتهم في منزل الأم الكبرى أو المرأة التي لها عذر مثل حالة النفاس .
العصيدة مع إدامها هي الوجبة الرئيسية، وقد تكون الوجبة كسرة (رهيفة) وفي كل الحالين يكون هناك صحن للإدام واحد في الصحن أو الصينية، يمكن أن يطلب المزيد من الإدام عندما ينفذ الإدام قبل العصيدة أوالكسرة، وتسمى ال(توريدة). إلا أنه قد يوجد في المائدة (الصينية) صحن إضافي للحم عندما تكون هناك مناسبة ما، وجود ضيف أو كرامة (وليمة). أما السلطة (Salad) فلم تكن راتبة في الوجبة. لكنها إضافية، فوق العادة تتخذ وجبة مبكرة في يوم السوق، بيد إنها كانت سلطة كاملة العناصر. حيث يتم جلب عدد من أصناف الخضار تتمثل في الجرجير، الفجل، البصل الأخضر والطماطم. وتصنع بتقطيع المكونات المذكورة وتخلط بزبدة الفول السوداني (الدكوة) ثم يضاف لها زيت السمسم مع بعض عصير الليمون، وشيئ من ملح حسب المذاق. وتؤكل هذه السلطة مع رغيف الخبز أو بالكسرة عُجنة (أو بوش).
أما في المناسبات العامة مثل العرس أو الختان فيكون وقتذاك صناعة للطعام الوفير ويتكون من عدة أصناف من الإدامات واللحم والتحلية. والتحلية بدأت بالارز المفلفل بالسكر ثم دخل الكاسترد باللبن مع ذات الارز في مطلع السبعينيات. تسمى المناسبة التكفاة، يعني إطعام الناس لحد الكفاية، كما تسمى العزومة أو العازومة. كان طعام المناسبة العامة يتكون بصورة أساسية من الكسرة الرهيفة التي تجتمع الفتيات للتباري في صناعتها في قُطِّية أو راكوبة تخصص للغرض أو يوزع العجين بين الفتيات، فتأتي كل واحدة بالكسرة التي أنجزتها. وغالباً ما تختص النساء الأكبر سناً في صناعة إدامات المناسبات والتي تحتاج لجودة من خاص، بل أن منهن من تعرف باليد الطاعمة. ومنهن جدتي عائشة بت مقداري التي عشت في كنفها في فترة المدرسة الصغرى. وطعامها لعمري (كما يقول أهل لنا يطيح بكل طعام غيره) وقد كانت تقوم في مناسبات الاسرة بالدور الرئيس في إعداد الإدامات. ظهرت التحلية (الحلويات) بشكل رئيس في مطلع السبعينيات وتتمثل في طبق الكاسترد بالأرز. وهو آخر ما يتناوله المدعوُن من الطعام، يعقبه شرب الشاي.
هناك أنواع من الطعام أقل انتشاراً وتصنع بناءاً على مناسبة أو وجبة اضافية فوق العادة. من ذلك أنواع المديدة. وتشمل مديدة الدخن باللبن، مديدة الذرة (النشا). تصنع المديدة في الأيام التي يصعب فيها صنعة وجبة كاملة، خاصة في العشاء. أما مديدة الذرة (النشا) فتصنع للمريض أو النفساء أو حتى في وجبة فطور رمضان، كوجبة سائلة سهلة التناول دافئة في أيام البرد. وهناك ايضاً وجبة تصنع من الذرة أو الدخن وتؤكل باللبن أو الروب، تسمى البوسيب ومذاقها اشبه بمذاق الكورنفليكس (رقاق الذرة الشامية) ، إلا أن قوامها عبارة عن حبيبات متفاوتة الأحجام. تصنع هذه الوجبة في الخريف خاصة في الايام المطيرة حيث يصعب صناعة الادام العادي, أو تصنع لمسافر. أما اللحم فهو وجبة توسعة، في الأعياد والمناسبات وقدوم ضيف، فما أهون أن يذبح العرب لضيف قادم. ولديهم من المناسبات الراتبة التي يذبح فيها ذكرى الاسراء والمعراج. ويؤكل اللحم إما مشوياً أو مطبوخاً (محمّراً) بالبصل والزيت والبهار. كما هناك وجبة قوامها اللحم انتظمت في نهاية السبعينيات ثم اختفت، ذلك أن المنطقة تنتشر فيها الجروف ويزرع الهوسا البفرة (تعرف هناك بالروقو). يتم شراء الروقو (البفرة) في أيام السوق ويطبخ مع اللحم. وهو وجبة اضافية مميزة. ايضاً يؤكل البامبي (البطاطا الحلوة) مسلوقة مع اللبن. وهناك مشروب من اللبن يظل من أغنى الاغذية على الاطلاق، ذو نكهة مميزة، هو مشروب اللبن مع السمسم المدقوق بعد التحميص، مع اضافة قليل من السكر.
اللبن، مادة غذائية وفيرة في مثل هذه المجتمعات. يشرب اللبن نئياً مباشرة بعد حلبه من الضرع، لكن يغلب شربه بعد غليه ويسمى اللبن المسخن (ويعني اللبن المغلي حتى لو كان بارداَ). يدخل اللبن في صناعة المديدة (وهي مفردة عربية فصيحة) وغالباً ما تصنع باضافة دقيق الدخن للبن. ويندر أن تصنع من دقيق الذرة، إلا لدى الرعاة العذيب (الذين ينفصلون بقطعانهم عن الفرقان). يضاف اللبن الطازج إلى البليلة والتي تصنع من حبوب الذرة بعد سلقها، يغلب في اعداد البليلة أن تكون من حبوب الدخن او الذرة الشامية. وقد تؤكل البليلة باضفة السمن أو زيت السمسم. كذلك يصنع من اللبن مُلاح الكاشيت (آنف الذكر). كذلك يصنع منه ملاح الروب وهو ملاح راتب خاصة في وجبة الفطور. وملاح الكاشيت في وجبة العشاء، ذلك أن الكاشيت يصنع من اللبن الطازج، وهو يذلك لا يعرض آكله لحموضة المعدة، بل إن اضافة الويكاب أو العطرون لصناعة مُلاح الويكاب هو تناول طعام قلوي يزيل حموضة المعدة. ومن لبن الحيوانات حديثة الولادة يتم تحضير اللبا، وهو لبن طازج يتخثر بمجرد غليه في النار.
من الأكلات الاستثنائية (فوق العادة) سلطة الموليتة. وتعرف الموليتة في منطقة الشام بالهندباء البرية أو الشكوريا، والتي تنبت في وسط السودان في موسم الخريف. (راجع كتاب النباتات الطبية واستعمالاتها للدكتورين محمد العودات وجورج لحام المنشور من دار الاهالي في دمشق 1994). عجباً لنا، أننا لم نستأنس هذه الشكوريا المشكورة فنزرعها ونبيعها ضمن معروضاتنا من الخضار. فلا تزال الموليتة تصطاد اصطياداً كنبات بري. إذ يتم جمع اوراق الموليتة في منتصقف موسم المطر. ويسود اعتقاد أن الموليتة تعالج مرض الملاريا. تتميز أوراق الموليتة بمرارة الطعم فتُغسل بالماء الحار مع الملح لتقليل الطعم المر . ثم يقطع عليها البصل الطازج وتضاف له الدكوة (زبدة الفول السوداني) أو السمسم المطحون (الطحينة)، هذا بعد اضافة الملح والشطة حسب المذاق. لكن ما لم يعرف في السودان أن المعلومات العلمية تقول عنها أنها تحسن المزاج وتعالج الوسواس والعصبية الزائدة، كما أنها مفيدة في مداواة الاكزيما. لعمري تكثر الحاجة لها أكثر مما مضى.
هناك سلطة اخرى من أوراق النبات يسمى التمليكة لسان الطير. تجمع اوراق التمليكة وتسلق في الماء مع البصل ويضاف لها الزبد. من الغريب أنه رغم ثروة النباتات في المنطقة، خاصة وقت الخريف، إلا أن عدد النباتات المستخدمة في الطعام محدود للغاية، إذا قورن بالنباتات التي تؤكل مسلوقة أو مطبوخة في افريقيا (خاصة المنطقة الاستوائية).
أما الشاي والقهوة والتي أصبحت من العادات والتقاليد الراتبة والشائعة في المجتمعات السودانية. فالشاي والقهوة من مراسم الضيافة ومن مراسم الحياة اليومية، رغم أن السودان لا يزرع البن و لا الشاي. وربما تكون أول ما ظهرت هذه المشروبات في الاسواق، قبل أن تدخل للبيوت، ثم تكون مما يقدم للضيف كواجب مودة واحترام. إذ يقال لمكان بيع خدمة قهوة البن والشاي معاَ مقهى، أو قهوة ولا يذكر في ذلك الشاي بشي، حتى برزت ظاهرة ستات الشاي، فأصبح المسمى ست شاي وليس ست القهوة، رغم أنهن يبعن الشاي و القهوة و الزلابية وغير ذلك. وقد اصبحت خدمة ست الشاي من لوازم الحياة العامة في الاسواق وجوار مرافق الدولة. وربما قد بدأت أول ما بدأت في اسواق الماشية حيث تنعدم خدمة المقاهي. ويذكر الكبار أن اول من تبني شرب الشاي والقهوة في بادية العريقات هما عبدالله ود أبوعياشة (جد المؤلف لابيه)، فقد كان ود أبوعياشة صاحب ثروة من الغنم يضرب بها المثل، والشاي لا بد انه يساعده في النشاط. والثاني أو الثانية هي حاجة (فاطنة تاتا أم أدم) على اسم ابنها الكبير آدم ود محمد ود حماد، جدة ابناء الخال حماد مرزوق المذكور آنفاً. فقد كانت إمرأة تاجرة تحتفظ بالشاي والسكر والبن والميزان لاغراض تجارية، وتأخذ حصتها منه. كانت وقت نشأة المؤلف قد تقاعدت إلى بعد أن تقدم بها السن.
يبدأ اليوم في البادية بشرب شاي اللبن مع شروق الشمس. إذا يجتمع كل الرجال في الضرا (مكان متفق عليه ، غالباً تحت شجرة). وشرب الشاي في المرة الثانية بعد الغداء. ويختصر هذا على الكبار ثم امتد للصبيان. أما القهوة فيشربها الكبار، في منتصف النهار، خاصة بعد عمل الضحوة. كانت الأمهات يضفن الحرجل لشاي اللبن، هذا خاصة مع بداية موسم المطر. وقد عُلم الآن أن الحرجل قاتل جيد لديدان البطن والحيوانات وحيدة الخلية (مثل القارديا)، التي يتم تناول مياه ملوثة. فقد كان شرب شاي الحرجل تدبير متقدم في تلك البادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.