[email protected] غير قليل من السودانيين تابعوا وقائع وتداعيات أزمة (برنامج) باسم يوسف في مصر التي انفرطت حبات عقدها خلال الاسابيع الأخيرة. باسم يوسف طبيب جراح حاصل على درجة الدكتوراه في جراحة القلب وله سهم مقدر في تطور تكنولوجيا زراعة القلب والرئة. كما انه حائز على ترخيص ممارسة الجراحة في الولاياتالمتحدة والمانيا وبريطانيا. وكأن هذه الانجازات لم تكف الرجل الذي لم يتجاوز بعد التاسعة والثلاثين من عمره (ولد عام 1974) فقرر أن يضيف النجومية التلفزيونية الى سلة انجازاته. في مارس 2011 بدأ باسم من داخل غرفة نومه تحميل حلقات برنامج اسماه (باسم شو) على موقع اليوتيوب مستخدما امكانيات ذاتية محدودة. بعد انتشار ونجاح سريع وباهر على مواقع التواصل سارعت قناة (أون تي في) فتعاقدت معه لانتاج برنامج سياسي ساخر تحت اسم (البرنامج)، وصادقت له بميزانية بلغت نصف مليون دولار. ومن ديك وعيك! اليوم يتردد اسم باسم يوسف في طول دول الربيع العربي وعرضها، كما يتردد على قنوات سي ان ان والبي بي سي وصحف النيويورك تايمز والغارديان وغيرها. ولكن هناك معلومة هامة لا يكتمل النبأ الا بذكرها، وهي ان برنامج (البرنامج) الذي يقدمه باسم يوسف لا يحمل جديداً في فكرته، فهو مجرد تكرار، بل نسخة طبق الأصل لشبيهه البرنامج التلفزيوني الامريكي الذائع (العرض اليومي) او (ذي ديلي شو)، الذي يقدمه النجم الاعلامي العالمي جون استيوارت على شبكة كوميدي سنترال الامريكية. بلغة أخرى هو النسخة المعربة، او بالاحرى الممصّرة من البرنامج الامريكي. طار نجم باسم يوسف وذاعت سيرة برنامجه في اوساط النخبة لسبب بسيط وهو تخصصه في السخرية من الاخوان المسلمين، وتخصيصاً من الرئيس الدكتور محمد مرسي، أبان وجوده على سدة الرئاسة. وهكذا صار برنامج (البرنامج) ايقونة النخبة واصبح باسم يوسف فتاها المدلل (نقول النخبة لأن السواد الاعظم من عامة المصريين ينامون بعد صلاة العشاء ولا يشاهدون القنوات المشفرة). ولكن الكارثة الكبرى حدثت قبيل اسابيع وتحديدا ليلة الجمعة الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، عندما قدم باسم يوسف حلقة جديدة من برنامجه سخر فيه من وزير الدفاع والقائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح السيسي، ثم سخر من رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور. هنا انقلبت النخبة عن بكرة أبيها على الرجل ونسيت افضاله السابقة عليها. على الفور أصدرت قناة سي بي سي المنتجة للبرنامج قراراً بايقاف برنامج باسم يوسف، ثم أصدرت بياناً جاء في مقدمته:(تؤكد شبكة قنوات سي بي سي أنها ستظل داعمة لثوابت الشعور الوطنى العام وإرادة الشعب المصرى، وحريصة على عدم استخدام أى ألفاظ أو إيحاءات أو مشاهد تؤدى للاستهزاء بمشاعر الشعب أو رموز الدولة المصرية، وتؤكد الشبكة تأييدها لثورتى الشعب المصرى فى 25 يناير و30 يونيو). يا سلام! السخرية من الرئيس المنتخب محمد مرسي وهو في مركز الرئاسة مقبولة ولا بأس بها أبداً. أما السخرية من وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي فإنها تؤدي ل (الاستهزاء بمشاعر الشعب) وتضعضع (ثوابت الشعور الوطني). بالله شوف! ماذا (هبّب) باسم يوسف في برنامجه؟ عرض الرجل فقرة عن عدم معرفة المصريين بالرئيس المؤقت عدلى منصور وتكرار وسائل الاعلام لنشر أخبار عنه مع صور لاشخاص آخرين. كما تناول بشكل كوميدي إفراط بعض المصريين ووسائل الاعلام في تعظيم الفريق السيسي. ثم عرض فقرة تشير من طرف خفي الى (التفويض) الشهير الذي طلبه السيسي من الشعب المصري، في الرابع والعشرين من يوليو الماضي، عندما حثهم على الخروج الى الشارع حتي يعرف انه حائز على (تفويضهم) لتأمين البلاد من شر الاخوان المسلمين. في هذه الفقرة التمثيلية تظهر إمرأة تعيش وتمارس علاقة كاملة مع رجل، وهناك شخص آخر يحادثها عبر الهاتف ويسألها عن طبيعة العلاقة بينها وبين ذلك الرجل فترد المرأة: (إحنا ضاربين ورقة). وتلك اشارة الى الزواج العرفي عند أحبابنا في المحروسة. ولكن السائل يدعي عدم الفهم فيسأل: (ورقة إيه؟ تقصدي عرفي؟) فترد المرأة: (لا مش عرفي .. تفويض)! أى أنها منحت تفويضاً للرجل لممارسة علاقة كاملة معها. الفقرة الاخيرة والاستهزاء بنظرية (التفويض) التي يحكم بمقتضاها السيسي، ربما كانت حادة بعض الشئ، وربما صح القول بالعامية السودانية انها (حارة) نوعاً ما. ولكن ماذا بشأن تلك الحلقات المتوالية التي بشّع فيها باسم يوسف تبشيعاً بالرئيس محمد مرسي ومحمد بديع وخيرت الشاطر وغيرهم من قادة الاخوان المسلمين وجعل منهم مادة مستديمة للهزء والسخرية، أيام كان الآلاف من النخبة المصرية يجلسون أمام الشاشات وهم يضحكون ويقهقهون والسعادة تأخذ بأقطارهم؟ الأمر اذن واضح ولا يقبل النقاش: كل رئيس وكل وزير وكل سياسي تجوز السخرية منه، وكل وجه يجوز صفعه وبقسوة، الا وجه أبينا، معبود النخبة، عبدالفتاح السيسي! كان باسم يوسف (حلو وطاعم وزي العسل) وهو يستهزئ برموز الاخوان المسلمين. ثم وعلى حين غرة تحول الى عدو النخبة رقم واحد، لمجرد انه أراد أن يوجه نيران سخريته الى هدف آخر. لم يقبل هؤلاء مبدأ الحيدة في التناول الاعلامي. الاعلام الحق عندهم هو الذي يمجد الجيش ويسحق الاسلاميين. هل حقاً يعرف هؤلاء المتدثرين بدثار الصفوية والنخبوية معنى الديمقراطية ومبدأ حرية التعبير؟! الذين شاهدوا البرنامج موضوع الجدل وتأملوه بوعي كاف يدركون ولا شك أن باسم يوسف، وهو علماني قح وليبرالي صميم، انما سخر من عشاق العبودية الشمولية ولم يسخر من الفريق السيسي. سخر من مظاهر التبجيل الخرقاء لشخصه، التي كادت ان تبلغ به مبلغ الالوهية، حتي ان صحفية مصرية متولهة كتبت تخاطبه، يوم طلبه التفويض في خطابه الشهير امام طلاب الكلية الحربية:(انت بس اطلب، وكل شئ تطلبه مجاب. ولو عايزنا ملك يمين ما نغلاش عليك)! آخر الاخبار أن بعض منسوبي جماعة الاخوان المسلمين بدأوا مؤخراً في انتاج نسخة اخوانية من برنامج باسم يوسف بعنوان (جوتيوب)، حيث تبث حلقة جديدة كل يومين من خلال شبكة يوتيوب. ورغم طبيعة البرنامج الاخوانية الا أنه نجح في تحقيق نسب متابعة عالية عبر الشبكة الدولية خلال الأسابيع القليلة الماضية فتجاوز عدد المتابعين مئات الآلاف. بل أن بعض الحلقات تجاوز عدد متابعيها مليون مشاهد. حاولت معرفة التأصيل الاسلامي وراء اسم البرنامج (جوتيوب)، فجاءتني الاجابة بأنه ليس هناك تأصيل ولا بطيخ، وأن مقدم البرنامج وصاحب فكرته شاب من الاخوان اسمه يوسف، ومن هنا جاءت التسمية (جو)! اخوان مسلمين آخر زمن! نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)