ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    اعفاءات من رسوم السكن والتسجيل بالداخليات لأبناء الشهداء والمشاركين في معركة الكرامة    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    عزيمة وصمود .. كيف صمدت "الفاشر" في مواجهة الهجوم والحصار؟    مناوي يُعفي ثلاثة من كبار معاونيه دفعة واحدة    نادي الشروق الأبيض يتعاقد مع الثنائي تاج الاصفياء ورماح    فترة الوالي.. وفهم المريخاب الخاطئ..!!    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان يسخر من الفنان محمد بشير بعد إحيائه حفل "ختان" بالعاصمة المصرية القاهرة    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح السياسي في السودان(11): بين هيمنة جهاز الدولة وتعددية قوى المجتمع. بقلم: د. محمد المجذوب
نشر في سودانيل يوم 17 - 11 - 2013

https://www.facebook.com/pages/%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%B0%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A/248994459546
وهي الرابطة التي نشأت نتيجة بيعه اختيارية من قبل مؤمنين أحراراً يزيد إيمانهم بعبادة الله، وهى ما أخذه النبي عليه الصلاة والسلام عن كل قوم دخلوا الإسلام، يقول: «أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنة ربكم»، ثم تقرر الخطبة حرمة مكة ودلالة ذلك كونها مثالاً للعلاقة بين الإنسان الفرد والمجتمع وبين الناس وبين الله تعالى، فهي على هذا النحو مثال صلاح في العلاقات بين جلال الله والإنسان والكون، وهي الحال التي بها الاقتداء والاتباع في سائر أرجاء علاقات المجتمع بأفرادها، يقول: « ألا إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من النهار، ألا لا ينفر صيدها ولا يعضد عضاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ولا يختلي خلالها ». وتمضي «الخطبة» قدما في تحديد طبيعة العلاقات بين المؤمنين في المجتمع، لاسيما العلاقة الأهم في المجتمع البشرى أعنى علاقة الرجال بالنساء لتقوم على كلمة الله تعالى، لا انحراف جاهلية وسلعة الربح، يقول عليه الصلاة والسلام: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ثم يجيء الأساس الجديد للرابطة واللقاء كضمانه لاستمرار المجتمع كما كانت،... وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله».
ولكن عندما يباشر الناس في المجتمع في ممارسة حرماتهم الدينية من الناحية العملية والممارسة اليومية، فإنهم يكتشفون أن الإمكانات العملية المتاحة لهم محدودة، وأنه لا بد لولاية المجتمع من تقييد الممارسة العملية لما يمكن ممارسته من حرمات وتنظيمها تنظيماً قد يعكس شيء من الشعور بالتقييد والمنع، على الأقل عند البعض، وذلك بحسب وضعهم المجتمعي وموقعهم بالنسبة إلى مركز القرار والتنفيذ، يقول تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) {التوبة/105}. أما من جهة القيود على ولاية الحاكم بالمجتمع، فإنه لما كانت الولاية العامة هي ولاية المجتمع في الدرجة الأولى، وولاية الحاكم في الدرجة الثانية، فقد وجب أن تكون حدودها حدوداً لولاية المجتمع ينطبق على ولاية الحاكم، إذ أن هذه الأخيرة مستمدة من الأولي، ومبنية عليها، غير أن لولاية الحاكم حدوداً تخصها في علاقتها بولاية المجتمع وفي علاقتها بالناس الذين يجب أن يطيعونها. وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نطرح تصوراً لحدود الولاية العامة يشتمل على المبادئ الآتية:
المبدأ الأول: يحرم على الحاكم مصادرة ولاية المجتمع، يقول تعالى، في سياق ذم هذا السلوك السياسي للحاكم: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ) {القصص38/42}.
المبدأ الثاني: يحرم على الحاكم احتكار النشاط الاستخلافي في المجتمع، يقول تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْأخرين) {الزخرف51/56}.
المبدأ الثالث: يحرم على المجتمع انتهاك الحرمات الدينية لأعضائه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) {الطلاق/1}. ويقول: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) {البقرة 229/230}.
والحق أن هذه المبادئ تطرح مشكلة قيود ولاية الحكومة كوجه من وجوه قيود الولاية إجمالاً، لأنه ليس ثمة ولاية متعالية إلا لله تعالى، فكل ولاية بشرية هي ولاية محدودة. ونفي التعالي لا يعني نفي التمام، فالولاية غير المتعالية تكون تامة أو غير تامة، أي لا يمنع نفي التعالي عن الولاية العامة أن تكون ولاية تامة في نوعها. وكما لا يحق للحاكم إلغاء ولاية المجتمع عن طريق التماهي معها، كذلك لا يحق له إلغاء مبادرة الناس عن طريق احتكار النشاط السياسي في المجتمع، فالناس بالنسبة لعلاقة الولاية هم الفريق الذي يتلقى الأمر ويطيعه، ودوره كمطيع لا يقل أهميته عن دور الحاكم كآمر، إذا لا معنى للأمر إلا بقدر ما يتحقق في الطاعة، ولكن واجب الطاعة على الناس لا يعني أنهم لا يشاركون في الحياة السياسية إلا من جهة القيام بالطاعة، فجمهور الناس هو الفريق الأعلى في الولاية السياسية، وهم أصحاب التكليف الحقيقي في سياسة المجتمع، وعندما يتم تكليف ولاية المجتمع الحاكم لأسباب إجرائية، فإن المجتمع لا يتخلى عن حقه في النشاط السياسي، وإنما يضع ترتيباً معيناً ينحصر فيه حق التقرير والتنفيذ للحاكم فيما يخص الشأن العام مع مؤسسة الحكومة، ويبقي حق التفكير والرأي في الشأن العام نفسه شائعاً في المجتمع كله. فما هي تلك القيود؟.
أولاً: قيد الخطاب الديني. وهو إحدى أهم الطرق لتقييد وضبط سلوك الولاية العامة عن الولايات الأخرى، فالخطاب الديني ينظر إليه كنظام قيمي معياري لكونه شريعة إلهية، متجاوزاً بذلك القول بالقواعد غير المكتوبة المتضمنة في الطبيعة البشرية بوصف البشر مخلوقات اجتماعية بالطبيعة، تملك القدرة علي الفكر من خلال العقل، مما جعلتهم قادرين علي إدراك النظام الأخلاقي أو المعنوي غير القابل للتغير، كما حاول أرسطو وأفلاطون والفلسفة الحديثة تحديد معني القانون الطبيعي الذي يعبر عن التناسق والغرض الداخلي في الطبيعة ويعبر عن نظرية شاملة وعالمية لكل البشر في العالم، تمكنهم من المجتمع. بيد أن الخطاب الديني يتجاوز القول بالقانون الوضعي أو الأخلاقي أو الطبيعي وذلك لطبيعته الإلهية غير المبهمة، كون أن القول «بالطبيعة» ليس موضع ثقة كاملة فيما يخص الدلالة المعرفية والعلمية كما الحال في الدلالة العلمية للخطاب الديني، والتي تهدي العقل إلى نماذج الفعل الحسن وتبعده عن نماذج الفعل الفاسد، فدلالة الخطاب وما جاء فيه من تصور للحياة والكون والسياسة وما تضمنه من حدود وحرمات للإنسان يعد هو القيد الأسمي للولاية السياسية، لاسيما وأنه المؤسس لها.
ثانياً: قيد ولاية المجتمع. أنه إذا كانت جذور ولاية المجتمع متجذرة بعمق في الوجدان الديني للأفراد، كون أن المجتمع هو الذي يمنح الولاية للحاكم، وأن المجتمع «ككل» قد جسد الولاية، وقام المجتمع بنقل تكليف الولاية إلى الحكام؟ فالمجتمع هو إذاً المصدر الأعلى لكل الولايات السياسية، وليس ثمة اعتراف بأي مصدر آخر لأي ولاية سياسية إلا عبر ولاية الخطاب الديني وإرادة الجماعة، والسؤال الهام هو هل يجوز للمجتمع أن يتخلى عن تلك الولاية، وهل بالإمكان استعادتها من طرف المجتمع؟ وكيف كان بالإمكان أن يكون المجتمع مصدر العهد والبيعة وخاضع له؟.
والحق أن المجتمع لا يتخلى عن الولاية أبداً ولا يفوضها إلى جهة أخرى مهما كانت، فلما كانت ولاية المجتمع، والمجتمع نفسه قد تأسست بموجب الرغبة المشتركة من قبل الناس لعبادة الله، فإن ولاية المجتمع تستمد إذاً من ذلك القدر من الإجماع على نفاذ الهداية الدينية المراد القيام بها في حدود الزمان والمكان، بيد أنها أي ولاية المجتمع تكلف فرداً ما ليقوم بتنفيذ الهداية ذات الطبيعية العامة، وهكذا تكون ولاية المجتمع من خلال مبدأ الشراكة .
وفي الواقع، لا تخلو نزعة التماهي مع ولاية المجتمع السياسية من أسباب موضوعية تدعو إلى يقظتها وتناميها، فالمجتمع كاجتماع سياسي هو البعد السياسي الحقيقي. ولكنه أيضاً، من وجهة نظر بنيته الداخلية، منظومة المؤسسات والأجهزة التي تتولى إدارة الشؤون العامة في المجتمع، فهذه المؤسسات والأجهزة ليست في الأصل أكثر من أدوات لتحقيق ولاية المجتمع على نفسه، ولكن الناس لا ينتبهون دوماً إلى كونها أدوات في خدمة إرادة المجتمع ومصالحه وتطلعاته الدينية، فالإنسان الفرد يعايشها ويتعامل معها يومياً ويشعر بوطأتها ويعاني من ضغطها، وتحمله العادة على اعتبارها هي المجتمع، وعلى اعتبار القائمين عليها هم أصحاب المجتمع.
ومن الطبيعي أن يندفع الأعضاء الداخلون في مؤسسة معينة إلى التماهي مع هذه المؤسسة، وبخاصة إذا كانوا هم من أنشاؤها وبذلوا أنفسهم في سبيلها. ولكن بقدر ما تتجاوز وظيفة المؤسسة الاهتمام بالشأن الخاص، وتتخذ طابعاً عاماً، يتحتم على القائمين عليها التمييز بين وجود المؤسسة كمؤسسة لها وظيفة معينة وبين وجودها في المجتمع الذي هو أم لجميع المؤسسات العامة ومرجعيتها، فالناس يزولون والمؤسسات تبقي. وبدورها تزول المؤسسات أو تتغير، والمجتمع يبقى، وما دامت المعاهدة «الميثاق» العامة باقية فيها. فإنه لا يحق للحاكم في المجتمع، ولا لمؤسسة أو لجهاز تابع لولاية الحكومة في المجتمع، أن يقول أنه يمثل المجتمع.
والحق أنه وحتى في الحالات الاستثنائية، مثل حالة الحرب أو حالة حركة التأسيس للنهضة الحضارية الشاملة، فإن الحكومة ليس من حقها أن تختصر المسافة الفاصلة بين ولايتها وولاية المجتمع، حتى تؤكد على وجود نوع من الوحدة العميقة بينه وبين المجتمع فتتقارب بالتماهي معها، ففي هذه الحالات، كل ما هنالك أنه يحدث تجاوب شديد ومتعدد المستويات بين ولاية الحكومة واجتهادها وبين المعاهدة الاجتماعية العامة وما تحمله من مضامين وتطلعات إصلاحية ونهضوية، ثم لا يختصر الحكومة الناس الذين يحكمهم، ويجسد المجتمع تجسيداً تاماً. وذلك هو التعبير الحق عن ولاية المجتمع السياسي في أرقى درجاتها، لا التمثيل الشكلي الذي يحافظ على الثنائية في تلك الإرادة ويفسح المجال لتضارب الإرادة الخاصة للمصلحة الخاصة مع الإرادة العامة والمصلحة العامة، كما عند «روسو». وعلى هذا لا يجوز تحويل ما يحصل من تواجد حسن بين ولاية الحكومة وولاية المجتمع إلى حجة لتبرير ما يطيب للحاكم زعمه. أنه هو المجتمع فولاية المجتمع غير ولاية الحكومة وأعلى منه وعلى الدوام، والحاكم الذي يقول، من دون الجماعة، أنا الدولة، يرتكب جريمة الاعتداء على ولاية المجتمع.
ثالثاً: قيد ميثاق البيعة. ونعني به ميثاق البيعة التعاهدية حول الالتزام بالقيام بالهداية الدينية المستخرجة من دلالة الخطاب الديني والحرمات البشرية فهو أداة هامة لتقييد الولاية، ذلك أن التعاهدية تفسير طبيعة الولاية الشرعية، وهي تعني نوع من التحالف بين المؤمنين، وبالتالي تشكل قيد على الولاية العامة في مقابل تحرر المجتمع، ذلك أن أحد أهم الإستنادات التي تقوم عليها نظرية البيعة هي أن ميثاق البيعة هو كيان سابق للحكومة، وعلى هذا فالقيد هو قيد مستقل كل الاستقلال عن «الحكومة»، وهي الأسبقية التي من الممكن أن تكون زمنية، أو قانونية أو أخلاقية، فمهما تكن فإن حقيقة تلك الأسبقية هي التي تميز نظرية البيعة، عن غيرها من نظريات الفكر السياسي لاسيما نظرية العقد الاجتماعي، فالبيعة سابقة في الوجود لأس الحكومة الإسلامية، وهي التي تحدد الولاية وتعطي للحكومة الحق في ممارسة الولاية. وعلى هذا فنفاذية وصلاحية موضوعات وقواعد البيعة هي شيء منفصل في نظام الولاية الإسلامي، من هنا فإن تعديلها أو إلغائها يعتبر أمراً على درجة كبيرة من الأهمية.
ذلك أن جوهر قواعد البيعة هو أنها فوق نزوات المجتهدين وواضعي عهد البيعة نفسها، بوصفها مفهوم تاريخي عن بعض مضامين الرسالة الإلهية المنزلة، فهناك العهود والمواثيق التي تحكم «الحكومة»، وهي ليست بالعهود والقوانين التي تحكم «الحكومة» بواسطتها في المجتمع . هذه التراتيب ضرورية للحفاظ على فكرة أسبقية قواعد ميثاق البيعة. هذه المسألة بالذات هي ما تجعل نظرية البيعة متميزة عن كل أنواع العقود المجتمعية الوهمية في الفكر الليبرالي وأنواع العهود والقوانين في الحكومات التسلطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.