تداولت وسائل الإعلام خبر وفاة المرحوم / فضيل محمد رحومة – النائب الثاني للقائد العام بقوات حركة العدل والمساواة صباح يوم الأحد الموافق 17/11/2013 م في المعارك التي دارت بمدينة أبوزبد بولاية غرب كردفان بين كل من الجيش الحكومي ومقاتلي حركة العدل والمساواة . والقائد فضيل لمن لا يعرفه هو من أبناء قبيلة المسيرية التي موطنها بولاية غرب كردفان، فهو من تلك المنطقة التي أصبحت تمثل بصيص الأمل الوحيد لدولة السودان بعد ما فقدت جميع مواردها البترولية بعد إنفصال دولة جنوب السودان ، فالحقول التي تضخ بترول السودان الحالي هي جميعها من لدن منطقة المسيرية متمثلة في حقل هجليج ، البرصاية ، دفرة ، بليلة ...إلخ ، وهي بالطبع المناطق التي تتمركز بها شركات البترول العاملة في هذا المجال . هذه المنطقة ظل أهلها المسيرية يقاتلون جنباً إلى جنب القوات الحكومية طوال حربها ضد جيش الحركة الشعبية بجنوب السودان ، حيث فقدت القبيلة خلال هذه المسيرة القتالية الآلاف من أعز بنيها الذين حملوا كبرياء وعزة السودان فوق مهجهم ، وهم الذين أبت نفوسهم الكبيرة الخضوع والمذلة فآثروا القتال بعزيمة قلب رجل واحد لئلا تدنس أرضهم بأرجل من يسمون بالجيش الشعبي آنذاك مما أضطره لنقل معركته إلى ثغرات أخرى خارج إطار منطقتهم. حافظ المسيرية بذلك القتال الجسور على آبار النفط لكي لا تطالها يد جيش الحركة الشعبية ، وفي المرة الوحيدة التي تمكن فيها الجيش الشعبي من إحتلال آبار النفط بهجليج كان للمسيرية شرف القتال مع الجيش الحكومي حذو النعل بالنعل حتى تمكنوا من صد الجيش الغازي وطرده شر طردة وأحكموا قبضتهم على آبار وخطوط أنابيب البترول .. ولا ينكر ذلك إلا مكابر . ظل المرحوم / فضيل محمد رحومة يقاتل في صفوف حركة العدل والمساواة حيث لم تثنيه قساوة التجارب ولا ضراوة المعارك ، ظل صاحب إرادة صلبة وعزم أكيد ، لم يغريه بريق الذهب ولا شهوة كراسي الوظيفة والسلطة ، ظل صاحب قضية يؤمن بها برغم الإحن ووحشية المحن وصعوبة المشوار إلا أنه ما فتيء يجوب سهول وأحراش كردفان متنقلاً من موقع إلى آخر ، كما كان يرتاد مراكز قيادته بدارفور ليعود أدراجه ، لم تلن قناته ، ولم يفتر عزمه .. تحمل في سبيل أهدافه كل قسوة الأيام وظلم الزمان ، وقد أخذ عليه البعض إدارته للمعركة في داخل ديار القبيلة ولكن إذا قارنا ذلك بواقع كل الحركات المسلحة التي انطلقت في مناطق التهميش في السودان نجدها إنطلقت من مناطقها ، إبتداءً من حركة إنيانيا الأولى والثانية وحركات دارفور المسلحة والأسود الحرة بالشرق ... إذن ليس في ذلك غرابة طالما أنه حذا حذو من سبقوه ، وما هي قيمة الثائر إن لم يحرر منطقته أولاً من الذين يراهم أعداء وخونة وظالمين ثم ينطلق من بعد ذلك نحو تكملة بقية أهدافه العليا، وبالتأكيد أنه في سبيل تحقيق تلك الغاية يسقط بعض الضحايا من المدنيين العزل الآمنين الذين يحسبون عند الله شهداء بإذنه تعالى . حالة الغليان التي تمور بها منطقة المسيرية هذه أظنها في تصوري نابعة من عدة أسباب شكلت في مجملها حالة من الشعور بكثير من الغبن والإحساس بالمرارة الذي ظل يعتمل في دواخلهم ردحاً من الزمن وذلك للأسباب التالية : 1 – سفكت دماؤهم بغزارة خلال فترة الحرب التي دارت رحاها بين الجيش النظامي وجيش الحركة الشعبية ، حيث كانوا رديفاً قوياً للجيش لا يلين ولا يهادن ، بل كان فرسانهم يتوغلون في بعض المناطق التي يصعب حتى على الجيش دخولها ، وذلك بسبب درايتهم بحرب الأحراش والحروب المباغتة ، السبب الذي جلب كثيراً من النصر للجيش السوداني في تلك المعارك ... ولكن عندما وضعت الحرب أوزارها ما نال المسيرية غير تجاهل الحكومة لهم ولأبنائهم المقاتلين الذين أصبحوا الآن يتسكعون في الطرقات والأسواق . 2 – المسيرية يرددون باستمرار مقولة (البقرة هنا بمنطقتهم وتدر لبنها بالجيلي وبورتسودان والخرطوم) بمعنى أن النفط بمنطقتهم ولكن عائداته لغيرهم لكي تظل ديارهم ينعق فيها البوم ، هذا بالإضافة إلى الآثار السالبة التي تركتها مخلفات البترول بالمنطقة من أمراض سرطانية وانعدام للأراضي الصالحة للرعي ، فهل من شعور بالضيم أكثر من ذلك ؟ . 3 – أداروا الحرب بنجاح مع الجيش السوداني أثناء فترة الصراع مع الجيش الشعبي ، وقد تجاوز قتالهم مدينة أبيي الحالية ، بل إمتد حتى بحر الغزال وأعالي النيل ، وعندما انتقل الصراع من حوار البندقية إلى حوار المفاوضات بردهات الفنادق كان نصيب المسيرية عدم المشاركة في صياغة بروتوكول أبيي وبذلك فقدوا أبيي أو (كادوا) بسبب ضعف المفاوض الشمالي أو خضوعه لإملاءات المندوب الأمريكي – فهل من ضيم أكثر من ذلك ؟ 4 – الشعور المر بمحاولة الشمال مسخ وتشويه ملامحهم حتى أنه ينظر بإزدراء لكل مكون ثقافي لهم ، بينما هم يجعلون من نياحة الرجال بالشمال ثقافة موسيقية مفروضة على كل أهل السودان ... ودونك مثال بسيط يؤكد ما ذهبت إليه وهو أن أهل المركز لا يعترفون بأي وجود لثقافة سودانية أخرى بخلاف ثقافة أهل الشمال مهما كانت تلك الثقافة غائرة في عروبتها القحة .. والمثال هوأنني لاحظت أثناء قراءة الصوارمي خالد – الناطق الرسمي بإسم الجيش الحكومي – لبيان إسترداد الجيش لمدينة أبوزبد أنه بدأ يتلجلج كثيراً أمام نطقه لإسم المرحوم / فضيل محمد رحومة ، حيث نطق الإسم هكذا فِضيل Fidail بينما الإسم الصحيح هو فَضيل Fadeel ، وكذلك قام بإنتقاص حرف من إسم رحومة لينطقه هكذا / رحوم .. ويا ليته لو علم أن هذا الاسم شائع الاستخدام في شمال أفريقيا وخاصة في دولة تونس،ولو كان للصوارمي أقل إطلاع ثقافي لعثر على مثل هذا الاسم بعشرات الألوف بين التونسيين .. وفي هذا السياق فقد أجبرت أنا شخصياً لكتابة إسمي هكذا /أبشر بينما هو في الأصل / البشر ، وقد شاهدت كذلك في إحدى المرات مذيعة بإحدى القنوات التلفزيونية السودانية في مقابلة مع أحد الشخصيات ويدعى (عليان) وقد رأيتها تنظر بإندهاش لهذا الإسم وتتساءل من أين له هذا الإسم الذي تتوقع أنه ينحصر فقط في الجزيرة العربية ، بينما أنها لو إجتهدت قليلاً لوجدته شائعاً بين جميع قبائل العطاوة في كل من كردفان ودارفور وفي بعض مناطق النيل الأبيض. ولكن من أين لنا المفر من ثقافة الشمال المفروضة على كامل مفاصل الدولة في الوقت الذي فيه نحن مطالبون بنطق سوركتي ، سبدرات وكرتي .... إلخ . من كل ما سبق على الحكومة أن تدرك أن الموقع الجغرافي لقبيلة المسيرية هو ولاية غرب كردفان وهي الولاية التي تقع إلى الشرق مباشرة من دارفور الكبرى وبالتالي ومع تنامي الشعور بالظلم والتهميش والقهر المعنوي والنفسي فإنه من الممكن أن تلجأ القبيلة للتنسيق مع الحركات الدارفورية المسلحة وبذلك تمتد رقعة التمرد وتتوغل إلى أعماق كردفان بشكل يهدد مصالح النظام مهما إستقوى بمن هم حوله . وختاماً فإن العلاج يكمن في رفع حالة الشعور بالغبن والتهميش وبسط الأمن بإقناع المواطنين بدولة حق المواطنة المتساوي وليس بقوة السلاح ، وما إستخدام السلاح إلا مؤشراً سيؤدي إلى المزيد من الإحتراب والإقتتال .