إذا صدقت جريدة الميدان، صحيفة الحزب الشيوعي، غير الورقية فإنه لم يقع بتاتاً قبل 48 عاماً حل لحزبها وطرد لنوابه من برلمان متوحش. مرت ذكرى ذلك الحدث المفصلي في يوم 15 نوفمبر الماضي ولا حياة لمن تنادى. لم تعر الميدان الواقعة انتباهاً في أعدادها منذ مطلع الشهر حتى تاريخه برغم أن جريدتنا، الخرطوم، نبهت لذلك في تحقيق مبادر بقلم عثمان أحمد. بل والتمست الرأي في الواقعة من صديق يوسف من قيادة الحزب الشيوعي. ولا يحتاج المرء لغير تحقيق الخرطوم ليقع له وجوب تذكر الميدان لذلك اليوم الشقي الذي أطاش بأكثر صواب الحزب إلى يومنا هذا. فمن جهة تجد رأي صديق يوسف في الحدث بعد نحو ربع قرن لم يبرح محطة استنكاره كأنه وقع أمس أو أول أمس. فهو عنده مؤامرة لم يتحر أحد حقائقها ولم يحاكم مرتكبها. بل اتهم الحكومة بمساعدة مرتكبها ( طالب معهد المعلمين شوقي محمد علي الذي جاء بحديث الإفك بحق أم المؤمنين عائشة في ندوة بالمعهد) بالخروج من السودان ليكمل تعليمه في الخارج ويستقر فيه. وواضح أنه حتى الشيوعيين لم يتحروا دقائق الحادثة ومصائر مرتكبها مثلهم مثل من يتهمونهم بالجريرة. فقد نشر عمار محمد آدم وماهر الجوخ في 2006 تحقيقاً مع شوقي الذي كانت عبارته في الندوة بدء الإشارة لحل الحزب الشيوعي. وما جاء عن شوقي يكذب قول صديق كله. فقال إنه سجن بعد الندوة لمدة 6 أشهر ذهب بعدها للأبيض وجبال النوبة ليخدم حزبه: الحزب الشيوعي، القيادة الثورية. وهو جناح انقسم على الحزب الشيوعي في 1963 بقيادة الرفاق أحمد شامي ويوسف عبد المجيد لعقيدتهم في وجوب الكفاح المسلح ضد نظام 17 نوفمبر بديلاً عن العمل الجماهيري للحزب الأصل. وانقسم شوقي معهم ولم يكن عضواً بالحزب الشيوعي حين تحدث في ندوة معهد المعلمين. وكان ذلك معروفاً ولكن غرض خصوم الحزب الشيوعي مرض. وسخر شوقي في المقابلة من تخرصات الشيوعيين عن النفع الذي عاد له من كلمته التي أدت إلى حلهم. فقال إنه كان يلتحف الغبراء في رديف الأبيض حين سمع في الإذاعة من قال إنه في شيكاغو. وأطرف من هذه إنه كان يحضر في الديمقراطية الثانية ندوة بكلية التربية جامعة الخرطوم (معهد المعلمين سابقا) وفي نفس الميدان فسمع الرفيق عز الدين على عامر يقول إن شوقي كان آنذاك في شيكاغو يتأبط فتاة هيفاء شقراء. وقال إنه استعد للرد على عزالدين ولكن أصحاب هقبضوا عليه بأربعاتهم وقالوا له تاني عاوز تجيب ضقلها يكركب. وهكذا لم يتحرك الحزب الشيوعي في فهمه لواقعة حله بعد نصف قرن إذا كان رأي صديق في الاحتجاج عليه هو كل ما عندهم أما أسطع الدلائل على وجوب اعتناء الميدان بذكرى حل حزبها فهو حديث الدكتور عالم السياسة صلاح الدومة لجريدة الخرطوم عن حل الشيوعي. فهو ما يزال، وهو عالم السياسة بنظراته الناقدة لاستبداد نظام الإنقاذ، يعتقد أن قرار الحل لم يجانب الصواب. فقد جلب الشيوعيون في قوله الحل لأنفسهم لسخريتهم من المتدينين حتى من كان يقوم بتأدية صلواته وزكواته. ومع قوله بعدم دستورية الحل إلا أن الحكومة كانت مرغمة لخرق الدستور حتى لا تصطدم بالشارع المعبأ سياسياً ووجدانياً ضد الشيوعيين. كنت أعتقدت أن علم السياسة عندنا وممارستها قد تجاوزا مثل قول الدومة. فكثير من السياسيين ممن كانوا طرفاً في الواقعة صرحوا بأنهم لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا لما حلوا الحزب. وربما كان مجرد قول. ولكن تزداد أهمية أن يوالي الشيوعيون مسألة حلهم لأن الرواية الغالبة عنه ما تزال هي رواية خصومهم القائلة بأنهم حلوا الحزب الشيوعي بناء "على ما يطلبه المستمعون". ولم يمتنع عالم في مقام الدومة من إعادتها علينا بعد 48 عاماً بحذافيرها. والميدان غائبة عن التاريخ طوعاً واختيارا. [email protected]