شاهد بالفيديو.. الفنانة رؤى محمد نعيم تعلن خطوبتها من ناشط شهير وتظهر معه في بث مباشر تابعه الآلاف    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    تمندل المليشيا بطلبة العلم    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد الشخصية السودانية .. فشل القياس! .. بقلم: غسان علي عثمان
نشر في سودانيل يوم 26 - 12 - 2013

" ..عندما يتعلق الأمر بالميدان البشري، ميدان الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة، فإن النتائج يجب أن لا تخضع للمقدمات وحدها بل يجب أن تكون أيضاً غايات وأهدافاً.."
محمد عابد الجابري- الديمقراطية وحقوق الإنسان 1997م...
فأي نخبة تلك التي تعجز عن بناء تحالف خارج تلاعيب السياسة؟! فنادي النخبة الستيني بشّر بمشاريع براقة، وذات عناوين صاخبة، لكن النتيجة أنهم خَّرطوا هذا البلد وجّرفوه، فشلوا فيما بدأوه وحين استحكمت لعبة الزمن امتنعوا عن النزول، وحينما اكتشفوا كساد ما يقولون ساوموا جماعاتهم وقالوا لهم: إنكم بدوننا (بدون)! خيبتنا في النخبة كخيبة أهل صفين ظننا أنهم على حق ولكن الحقيقة ليست واحدة!، نخبة جربت وجربت وجربت ولا تزال تصر بأن الوقت لم يسمح لها! وذنب من؟ فذات الوجوه تزاول الصراخ وتقول بأن الحل يكمن هنا!، يسمونها (تغييراً) ونسوا فكرة (الزمن والمعرفة)، فالأفكار لها صلاحية! ولا تنبت إلا في أرضها!، فلا مفكرين هنا ولا يحزنون! ولذلك تحولت مشاريع النخبة السودانية إلى مساومات ذات مضمون السياسي جوهره النظر في المرآة المكسورة.. أيوجد نهضة بغير نهضوين؟! أيمكن إحداث التغيير دون تغيير؟!.
(الكاتب – المشبوهون – 2012)
في الخطاب وما عّن:
(يلفت الانتباه وضع علامة (؟) (كبيرة) كشعار للكتاب.. أنه يؤسس للسؤال ويجعله مستمراً، وهذا أمر معقول..!)..
وكما يقول هيدجر إن "التعبير عن حالة اكتشاف الإنسان المستمرة لذاته مع تجدد المواقف والأحداث يشي بأن الإنسان هو مشروع دائم ومستمر لا يتوقف..." وهكذا هي حالة المعرفة الثقافية التي ترمي إلى بناء/تأسيس/تدشين جديد للذات، فقد عبّرت الأجندة السياسية عن جوهر صلبها بأنها ليست سوى انعكاس لحال الذات السودانية في مراحل عديدة، حتى صار بالإمكان التأريخ لوجودنا عبر تتبع قضية الذات/الهوية/الأنا.. ولكن قد يغيب (الآخر) في هذا المعنى والمستوى من النشاط المعرفي، فنخبتنا المؤرخ لها بمثقفي الثلاثينيات والأربعينيات انحل جهدها في سوح المجتمع عبر التجمع زائد الدم حول قضية (الأنا) السوداني، وحتى انقسامهم الكلاسيكي بين (استقلاليون – اتحاديون) هو انعكاس لطبيعة الوعي الذي كان يحركهم، وهو وعي الذات الغائبة أو المفتش عنها بين ركامات التاريخ وتحديدات الواقع وتحديات المستقبل. كان دعاة الاستقلال بشعارهم المرموق (السودان للسودانيين) يعبرون عن انتفاضة حِّس وخروج مسألة الأرض والناس من ربق جند المستعمر ومعاونيه إليهم خاصة، يمأسيسونها وفق حساب الخبرة والتجارب، فالصرخة بأن هذه الأرض لنا تخبئ في باطنها عقلاً متشبثاً بقياس الغائب على الشاهد، وهو قياس فقهي من لدن التعريب لمنطق أرسطو وإلهياته. الغائب في قياسه هو تكالب ثنائي مصري/إنجليزي، الأول مُغلف بأنسنة مؤقتة تتمسك في ثياب الأخوة والمباطنة الخفية بين أصل وفرع، بيض هنا وسود هناك، رصدت حصارها العاطفي وفق إرادة طرد المستعمر الجاثم على صدورنا جميعاً، وجميعاً هذه تتلخص في توصيف مزادي أكثر منه حر، فيقال شمال الوادي وجنوبه! وقد استقبل السودانيون هذا الزوج (شمال/جنوب) بحسن نية وشغف، وإن كانت تعبر حقيقة عن انفصال العقل وتشظيه بين حضارتين نيلية وبحرمتوسطية، إنها ما فتئت تعبيراً خائباً عن إرادة قوي ينزلها بليِّنِ على مستضعف طَّلاع لأخيه الأكبر مستذب، أليس واقع حيالنا اليوم محشورون في وصف الأخت الصغرى/الجسر/المعبر..إلخ إنها حالة من التعالي المزيف فرضه واقع الحال، وفينا في انفصال الجنوب عن الشمال خير شاهد وأبقى دليل.. أما دعاة الوحدة مع(ه)ا تظللوا بتراث مشرقي عماده ادعاء العروبة العرقية كأكبر مفارقة ظل المشرق المتهور معرفياً يقيمها علينا أداة قاطعة فاللون محل الوعي! وبذا انفصل وجداننا إلى عروبيين (إثني) مثلهم للمفارقة محمد أحمد المحجوب (1908 - 1976م) فالداعي إلى العروبة في السودان انضم إلى حزب الاستقلاليين..فتأمل! وفي يمينه يقف صاحب نشيد مؤتمر الخريجين خضر حمد (1908م – 1970) والأخير يقول: (أمة أصلها للعرب دينها خير دين يحب، عزها خالد لا يبيد) ويقف حمد في النقيض من المحجوب رغم وحدة الرؤى حول الهوية، فقد أصبح سكرتيراً عاماً للحزب الوطني الاتحادي عام 1953م! هذان النموذجان يعبران عن أزمة المثقف والسلطة بشكل واضح، فالقناعات محلها (الكناية) أو هكذا تبدو.. فالسودان بلد متنوع وهذه سمة المجتمعات الخاضعة لسلطة سياسية واحدة، لأن الدولة تكونت تاريخياً بالغزو . ولا يزال التقليد البدوي الاعرابي متمكناً من علاقة الناس بالدولة والنظام والقانون، فترى المجتمع يأبى الانصياع الى أي سلطة الا تحت تهديد العقاب. وهو إن انصاع اخيراً فمُكره على ذلك لا عن اقتناع او اختيار بسبب عدم استبطانه فكرة الدولة وما تعنيه من حق عام .
(المغترب – وتفادي الصدمة):
اشتغل البروفيسور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن على واحدة من الحقول المعرفية المعقدة والتي على كثرة العمل فيها لم يلتئم بعد شمل الجماعة المثقفة في السودان على طريقة معقولة مقبولة في التصدي لها، فقد انتظم الجهد الفكري في حالتنا السودانية للوصول لصيغة مجمع عليها حول سؤال الهوية! وهذا السؤال انقسم فيه المثقفين إلى فئتين؛ فئة ارتفعت به قضية (أم) وركزت ثقل إنتاجها حوله، فمن نحن؟ وكيف نكون؟ ومن أي جهة قدمنا؟ وإضاف آخرون وإلى أين نحن ذاهبون؟ وقد كان دافع هؤلاء عن مشروعية سؤالهم يتم عبر استجلاب مفاهيم قادمة من بيئات مختلفة، وقد عّن لهم الاشتغال بصورة مركبة جداً، وفئة انصرف جهدها نحو المظاهر السطحية تتوسل بها إلى المعنى المفقود.
وعلى كثرة المؤلفات عن الشخصية السودانية فإنه ليس هنا محل استعراضها وإن كان ذلك ضرورياً لنقف عند نقطة انطلاق مؤلف البروفيسور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن صاحب السهم في قضايا الهوية والمواطنة والمشغول بحق بهذه المسألة، وقد كتب كثيرون في الشخصية السودانية وكانوا يملكون نموذجاً يقيسون عليه واقعها، وفيهم من عايش أقوام أخرى وشعوب مختلفة وعاد ليكتشف ذاته وفق إرادة التمثل هذه، ونحتاج إلى وقفة ليس وقتها الآن، فقد يطلب منك المداخلة في كتاب فتلتزم في ذلك مسارب عدة، إما أن تستعرض الكتاب أبوابه/فصوله/منهجه/أدوات القياس في البحث..ألخ، وهذه طريقة مريحة لأن المادة جاهزة، وإما أن تطرح رؤيتك ومخرجات قراءتك له فتكسب بذلك ميزة الإضافة أو التقصير، واستقر في روعي أسهلها هو أن أكتب ما عّن لي من قراءة سفره الكبير (يقع الكتاب في 478) وقراءة الأربعمائة وسبعة وثمانون صفحة ليست أمراً يسهل التعليق عليه، لذا سأسمي ما أقوله هنا ب(المكاتبة) نصُ فوق نص، أي هذه بضاعة (فهمي) لما قلبته في صفحات كتاب الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن، واستوقفني فيه مرامه في التأريخ للمجال السوداني – سياسة – اقتصاد – اجتماع – عاطفة – سلوك..ألخ، وهذا يغالط الفهم المزعوم حول صعوبة التئام الوعي السوداني بوجوده، فتدوين الذات من نقطة تاريخية محددة يعكس إلى حد كبير وجود قدر فائض بالهوية الخاص بنا كسودانيين، وإلا لما استطعنا أن نكتب عن أنفسنا، فالكتابة نفسها تجليِ للذات، أو هكذا أفهم..!
المنطق الثنائي.. منهج تفكير العقل السوداني:
دوماً كان منطقنا ثنائيَّ القيمة؛ الثنائية مصدر عمل العقل السوداني، منذ الفراعنة السود وحتى الآن، وهذا المنطق الثنائي حاد/ صارم/منغلق/دائري في تقييم الأمور، والتعامل مع عالم الأشياء لا يفكر في ضرورة التعددية، عقل نزاع إلى اختيار الأسهل من شيئين، حكمه دائماً متعارض يتشكَّل من ثنائيات؛ سياسية (أمة - ختمية/استقلاليين - اتحاديين)، ورياضية (هلال/مريخ)، وإثنية (زرقة/عرب)، وأيديولوجية (يمين محافظ/يسار متطرف)، وخريجون (شوقيين/فيليين) ودستوريون (إسلامي/علماني) وحتى أمثالنا الشعبية فيها تطبيع ثنائي (إتْنينْ إنْ قَالَوُلَك راسك ما في اتحسَّسُو) (إن جنك ضررين شيل الأخف) وهذا باب آخر للأذى، ولكن لماذا سيطر على عقلنا السياسي المنطق الثنائي؟ وبموجبه انفصلنا عن رؤية الواقع؛ الواقع بشموله واتساعه وتعدد مواطن المعرفة فيه، وفي كل حيواتنا يحيا العقل الثقافي (السياسي/ الاجتماعي/الاقتصادي) السوداني متجزئاً بين قيمتين ليس من الضرورة أن تكونا متباينتين وعياً وصورة.. فهل الحل في استخدام منطق متعدد القيم؟! هل يكفي؟
وينحصر تركيزي في القياس والنتائج..
المنهج والخطاب:
الكتاب أو النص أي نص هو خطاب؛ والخطاب Discours مصطلح لساني، يتميز عن نص وكلام وكتابة وغيرها بشكله لكل إنتاج ذهني، سواء كان نثراً أو شعراً ، منطوقاً أو مكتوباُ، ذاتياً أو مؤسسياً.. وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية، فهو ليس ناتجاً بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها أو يحمل معناها أو يحيل عليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرع معرفي ما . لكن ما هي القراءة التي نعتمدها هنا للخطاب (الكتاب)؟ هي قراءة (تحليلية) هدفها إعادة بناء فهمه بما صدر به إلينا، إذن هي قراءة تسهم في إعادة إنتاج (المكتوب(نص)/المسموع(تحدي خارجي)/المقروء (وصفي) /المٌجّسد (انحياز ثقافي)/المرمز (الصدمة)، لأنه ليس المهم دائماً ما يقوله النص (الكتاب)، بل الكيفية التي يقول بها.. إننا إذن نبحث في (قواعد التكّون)، وأسئلتنا هي؛ هل ثمة تحولات معرفية للعقل السوداني المُنتج للخطاب منذ مؤتمر الخريجين (1938م) وحتى اليوم؟ ألم تظل الأسئلة هي الأسئلة، من نحن؟ وبالتالي (نحن) هذه لا تعبر عن مجموع السودانيين، هو سؤال نيلي بامتياز!
وهل جرت في الخطاب السياسي/الاجتماعي والذي ينتمي إليه الحديث عن الهوية تطورات حتمت إعادة النظر إلى القضايا الأساسية (الدين/الدولة – السلطة /المؤسسة/الفرد..ألخ) بوعي مساير لهذه التطورات ومجترحاً حلول جديدة؟ أم أن العقل السوداني ظل يحتفظ في برود ذهني بذات القيم المعرفية في تعاطيه مع قضايا: (الدولة – السلطة – المعارضة – المجتمع – الأنا - الآخر)؟ وما يفيد في هذا الجانب هو أننا قد نفلح في الكشف عن طبقات الوعي داخل العقل السوداني، وذلك لو زدنا جرعة النقد، وحقيقة لست على يقين بأنه يصح الحديث عن الشخصية السودانية هكذا باطلاق، وإن كان فالفرد السوداني لم يتشكل بعد وهذا رأي الكاتب، ولأن الفرد "فاعل اجتماعي في نسق كلي" كما عند (ماكس فايبر - 1864 – 1920) فإن السؤال الذي يطرح؛ ما هي قيمة دراسة ظاهرة ثقافية (الهوية) ينحبس فيها دور الفرد؟. والصحيح أن الشخصية العربية نفسها ممتحنة باستمرار.. لننظر إلى سوريا بعد العراق!..
مجتمع رعوي/قبلي.. حتى الآن؟!
المجتمع السوداني (رعوي / قبلي) هذه أكثر الأوصاف حضوراً لمن تحدثوا من الداخل عن الشخصية السودانية.. طيب – عن القبيلة، الصحيح أن القبيلة تعيش عالة على الأرض وخيراتها، وسواء كانت رعوية أو زراعية فإن كيانها الاقتصادي يعتمد على الخصب وتوفر المياه، وإن فقدتهم اتجهت إلى الرعي، وتظل تتنقل من مكان لآخر ، والقبيلة:(وهو الدور الذي تلعبه "القرابة" أو بعبارة بن خلدون (العصبية)، ونعبر عنه اليوم ب"العشائرية"، أي طريقة الحكم التي تعتمد على ذي القربى، أي كانت، يحدث هذا في العصبيات القبلية والحزبية والأيديولوجية" ، حيث يكون الانتماء إلى المدينة، الجهة، أو الطائفة والحزب، هو وحده الذي يتعين به (الأنا) و(الآخر) في ميدان الحكم والسياسة، وهذه حالة لا تنطبق على واقعنا اليوم، لذا وجب التوقف على الاحتكام لطبقة معرفية بعينها بأننا لا نزال مجتمع قبلي، عشائري هذا يغالط فكرة وجود المدينة في السودان الاجتماعي.
فكرة الدولة في العقل السوداني:
في أول خطاب له في 1/1/1956م – الزعيم الأزهري :(اللهم ياذا الجلال (يامالك الملك) يا واهب العزة و الاستقلال نحمدك ونشكرك ونستهديك ونطلب عفوك وغفرانك ونسأل رشدك إن أنت الموفق المعين ، ليس أسعد في تاريخ السودان وشعبه في اليوم الذي تتم فيه حريته ويستكمل فيه استقلاله (تتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة) ففي هذه اللحظة الساعة التاسعة تماماً في اليوم الموافق أول يناير 1956م 18 جمادي الثاني 1375ه نعلن مولد جمهورية السودان الأولى الديمقراطية المستقلة ويرتفع علمها المثلث الألوان ليخفق على رقعته وليكون رمزاً لسيادته وعزته..).. ما يهمنا في هذا الخطاب هو تعبير (مالك الملك)! ومقولة (تتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة)، ولنبدأ بالأولى ، إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أن العقل المُنتج للخطاب أعلاه، يفهم من السلطة غير معناها، ففكرة الملك فكرة فارسية قديمة، تقول بإن السلطان ظل الله في الأرض، وهو يحكم بملك الله، وينتظر الجميع أمره باعتباره حكماً فوقهم، وفي ذلك العبارة الكثيرة الحضور (العدل أساس الملك) والسؤال كذلك ملك من؟ فهل دشنا الدولة السودانية عبر تبني مفهوم خاطئ لطبيعة الدولة؟ هل دخلنا إلى الاستقلال ونحن نحمل وعياً خاطئاً عن طبيعة السياسة؟ اعتقد ذلك – فالسلطة ليست هي الملك، ومقولة (تتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة) فيها حكم بأن مقومات الدولة (الاستقلال والمؤسسات الحزبية) كفيل بإقامة نظام سياسي راشد، هذا طبعاً يعكس بدوره فكرة رومانسية عن العمل السياسي، كان الأجدى القول أن المهمة الآن أكثر صعوبة، والذي فات من عمر الدولة سيكون هادياً لنا في التقدم نحو تأسيس عتبات جديدة للمعرفة والحياة السياسية، هذا خطاب خطابي أكثر منه معرفي، ويغفل كثير من الحقائق وهي حقائق ظاهرة للعيان، نقول ذلك دون الخوص في المعركة السياسية التي سبقت رفع العلم، ولن نتحدث عن الستة أشهر فقط التي قضاها هذا (الخطاب) على رأس الدولة، لتعود الدولة مرة أخرى إلى فكرة الوراثة الطائفية بين سيدين يحكمان من أعلى، ولن نتحدث كذلك عن انهزام الديمقراطية في تلك الفترة واستدعاء قيادة الجيش لاستلام السلطة فقط لضيق أفق وقلة حيلة، ولن نتحدث عن الأثمان الباهظة التي دفعها الوطن وهو صريع بين (شكلة) الأحزاب السياسية بعضها فوق بعض، وهي مشكلات طابعها ضعف مدنية، ولا تعكس صراعاً سياسياً رفيعاً تطرح فيه البضائع الفكرية والبرامجية في سوق الجماهير لتختار من تشاء، فقط صراعات بين النخب أقعدتنا ولا زالت تريد أن تمارس نفس الدور!!.
وكوننا افتتحنا هذا الخطاب بين متصل ذاهب ومنفصل آت، فهنا تكمن المشكلة، مشكلة تصور الدولة، ودورها، مؤسساتها، والفاعل الاجتماعي التي تشتغل عليه، فالسلطة وفق كل التعريفات القديمة والحديثة، تعني إدارة الشأن العام وفق قانون تنصاع إليه السلطة أولاً، والسلطات الثلاث الشهيرة لمونتسيكو (تشريعية (البرلمان) – تنفيذية (الحكومة) – قضائية (القضاء)) وهنا فالإشارة إلى فهم الاستقلال بأنه انتقال الملك من الاستعمار إلينا، يعكس تخليطاً للوعي السياسي حينها، فما كانت السلطة يوماً ملكاً، وقد يكون السبب أن الخطاب هنا يعكس حالة من الضبابية في فهم الدولة والسلطة، ذلك لأنه يخلط بينهما أيضاً، وبالنظر إلى مثقفينا قادة مؤتمر الخريجين فأن أفضل وصف لهذه النخب ما كتبه أحمد خير المحامي باكراً في كتابه (كفاح جيل) 1948م بأن وصم الحراك الثقافي بأنه يعكس مدى السطوة التي تمارسها الطائفية ما جعل الوعي الباطني للمثقف يتحرك وفق إرادة القوى التقليدية، .. وفي ذلك يقول مثقف بارع قدين ينعى على صفوته سوء مقدرهم.. (..حتى إذا ما أرضى طموحه الشخصي (المثقف)، واستجيبت مطالبه الذاتية انخرط في سلك المؤيدين وتهادن مع خصوم مبادئه ومثله، وانتهى به الأمر أخيراً للجلوس في مقعد وثير في صفوف الهيئة الحاكمة يسبق اسمه لقب، وتتبعه رتبة!).
الكتاب بنيته (غير) :
اشتمل الكتاب على (5) فصول والمُشرح لهذا التقسيم سيجد بنيته قائمة على ما يمكن تسميته ب(تدبير المعنى) أي أنه (الكتاب) اهتم بتجهيز وتدبير البيت (السودان) رسماً لخطاطة عامة يدخل بها من التجليات وصولاً للمحددات، فقد برع المؤلف وأضاف جديداً بتأسيسه مادته المعرفية على الوقوف على ميدان التحليل الوقوف من الداخل..
المنهج يقول المؤلف إن منهجه هو المنهج التاريخي الاجتماعي النقدي الذي لا يعزل العوامل والظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي أثرت في تكوين وتطور الشخصية السودانية ، وفي هذا الشأن فإنه لمن شروط المنهج التاريخي الاجتماعي أنه يتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الظاهرة محل الدرس (الشخصية) والنقد المعني به المؤلف يمكن تسميته بالنقد الذاتي وهو يعني الوقوف عند السلوك الخاص بالشخصية لاستخراج نتائج سلبية أو إيجابية، ومن أهم ما يشار إليه أن المؤلف لم يضع نفسه خارج السياق الموصوف بنقد الشخصية السودانية، لكن النقد الذاتي يطرح السؤال عن آلة القياس المستخدمة في رصد الظواهر، الكتاب في فصوله الأولى يوثق للتاريخ الاجتماعي والسياسي كما هو مطروح في الساحة الثقافية السودانية، ولعل واحدة من مشكلات التأريخ في مجالنا السياسي أنه قائم على روايات بل حتى أحوالنا ما بعد خروج المستعمر نجدها في المذكرات والسير الذاتية والتي عادة ما يكون صاحبها فاعل أساس في الحياة السياسية والاجتماعية، وهذا بدوره يطرح سؤال هل بالفعل تمت كتابة التاريخ السوداني المعاصر بصورة علمية؟ لأن من يتتبع السير والمذكرات يقف عند مذمات كثيرة لعل أقلها أن صاحب السيرة يعرض الأمور من وجهة نظره السياسية (منتمي حزبي) أو أنه كتب هذه الروايات وهو خارج سياق تجلياتها البعدية، فنصبح أمام تاريخ (رواياتي) أكثر منه وقائع، ذلك لأن الرواية الواحدة لواقعة تروي من أكثر من زاوية ويتداخل فيها الذاتي مع الموضوعي، وهذه آفة فكرة التاريخ في السودان.. وكيف يمكن والحال كذلك اعتماد السيرة السياسية وهي بهذا الوصف آلة قياس للشخصية السودانية؟ وهذا وإن جرى فإنه سيقف ضد منهج الرجل القائل بالتاريخ الاجتماعي للشخصية، لأن التاريخ الاجتماعي لا تشكله الظاهرة السياسية فقط، بل في بنية اللاوعي نجد اللاشعور السياسي فالظاهرة السياسية لا يؤسسها وعي الناس، آراؤهم وطموحاتهم، ولا ما يؤسس هذا الوعي نفسه من علاقات اجتماعية ومصالح طبقية، بل إنما تجد دوافعها فيما يطلق عليه (اللاشعور السياسي)، الذي هو عبارة عن بنية قوامها علاقات مادية جمعية تمارس على الأفراد والجماعات ضغطاً لا يقاوم وبطبيعته يمارس ضغطاً على العقل الاجتماعي؟!
والكتاب تحرك أكثر جهده في التحقيب للتاريخ السياسي والسلطاني منه (المستعمر- الحكم الوطني الأول – حكومة عبود – "ثورة" أكتوبر – حكومة نميري – الانتفاضة – حكم الإنقاذ.. وفي كل هذه الحقب أحداث وظواهر) وأيضاً يصعب حصر التاريخ السياسي في الجانب السلطاني منه، ذلك لأننا قد ننصرف بجهدنا عن تتبع المعرفة السياسية في حقولها المتعددة، فالنظام التعليمي والنظام القضائي والنظام الاقتصادي فيه من موجبات التحليل السياسي داخله ما يحقق وجهة نظرنا بتعدد المعرفة الاجتماعية/السياسية، وهذا ما يطلق عليه (المجال السياسي) وإذا أردنا تفكيك هذه المقولة، فإننا واجدون بطرح السؤال عن المقصود بالمجال أولاً، سنجد أن المجال "ليس شيئا وليس إحساسا، ولكنه إنتاج وبناء ذهني: مثال التجريد " كما أن رسم حدود المجال السياسي هو أكبر واعقد من تحديد مواصفات الفاعلين فيه، وتحليل ما يروجونه من أفكار وسلوكيات وممارسات (محل قياس المؤلف)، فحصر السياسي في التجلي السلطاني يفقد المجال حيويته إن لم يقطع معه تماماً.
قلنا إن الكتاب تحرك بطريقة مسح الطاولة، ومحل النقد في هذا الكتاب يقع في الفصل الثالث المعني بالسمات العامة للشخصية السودانية بحثاً في إيجابياتها وسلبياتها ودخولاً عند الثابت وملاحقة للمتغير فيها، والواقف عند نهاية استعراضه لفترات الحكم في السودان وكنتيجة للتخبط في إدارة الدولة يقول المؤلف إن الشخصية السودانية توسدت عقلية (غير تطورية) وانحيازها ظل للقبيلة والطائفة هذا في مستوى العامة، أما النخب فولائها للحزب أو المشروعية الأيديولوجية التي تتبناها ، ولو وقفنا عند السلبيات وهي 24 نقطة والإيجابيات 16 نقطة ، وسنجد اتفاق في كثير مما ذهب إليه المؤلف في إيجابيات الشخصية السودانية وإن كان سؤال يظل مطروحاً حول ألة القياس المستخدمة في تحديد قيم السلوك! بل والأكثر جذباً للنقد في بنية الكتاب أنه يقول بلافردية الشخصية السودانية وأنها في بداوتها تتمثل المجموع، فإنه بهذا سيكسر قاعدته التي بنى عليها رؤيته حول الشخصية! فكيف تكون (شخصية=سلوك فردي) وهي تنتمي بالمطلق لسلوك الجماعة القبلية والطائفية كما سماها؟!
وسنختار منها ما يمكن لنا إلقاء الضوء عليه وفق قراءتنا..
السلبية الأولى: عدم الاندماج والانصهار في بوتقة الوطن الواحد وعدم الانتماء والولاء له بالصورة الصحيحة المطلوبة والتمسك بالقبلية والطائفية والجهوية..
تحليل: فكرة اللاندماج لا يمكن ربطها بسلوك الشخصية السودانية التي تغيب فيها الفردية، وصحيح رغم مظاهر ضعف الحس الوطني عند كثير منا إلا أنه يصعب إطلاق الحكم حول الاندماج والانصهار في مجتمعنا السوداني، والشاهد في ذلك بروز (المدينة) في السودان، وهل يمكن أن نصنع مدينة دون حد أدنى من الانصهار والتدامج؟ وأليست المدينة هي تدبير ما للتواصل بين جماعات مختلفة في السحنة والسلوك؟ فالقول بحضور القبيلة والطائفة والجهة في شخصيتنا يعكس الشكل وليس الجوهر، وفيه تعميم وحاجته إلى التخصيص والتحديد واجبة. لأن القبيلة في (المدينة) الواجب الانتماء فيها إلى الدولة/الأمة يعكس التوهم أكثر من الانتظام.
السلبية الثانية: عدم احترام الرموز الوطنية وتقديرها، وتوجيه النقد المرير لها وللوطن بأسره..
تحليل: فكرة القيادة وغياب الزعامة والقيادة السياسية والاقتصادية ذات الخيال والأفق الفكرية الناضجة واحدة من النتائج التي توصل إليها المؤلف ، بطبيعة الحال نخبة بهذا الوصف لا تصلح كرمز محل التقدير..!
السلبية الرابعة: ..... شيوع روح العصبية والاستعلاء العرقي والديني والثقافي..
تحليل: لم نقف على شواهد هذا الأمر، ففكرة العصبية ليس بالضرورة أن تعكس استعلاء عرقياً أو دينياً أو ثقافي، فالعصبية شكل من الانتظام المدبر وتنشأ العصبية داخل الجماعة الواحدة لما قد يربطها من مصالح، وبن خلدون في مقدمته خير شارح لهذا الأمر، (فليس كل أمرئ مالك نفسه) كما يقول صاحب المقدمة.
السلبية الخامسة: التنكر للمكون الإفريقي الزنجي في الشخصية السودانية العربية الإسلامية، رغم وضوحه في الشكل، والمغالاة في إبراز المكون العربي النقص الخالص وإظهاره، والتباخي والتفاحر والاعتزاز به..
تحليل: ثنائية العروبة والأفرقة في الشخصية السودانية ظلت محل شد وجذب لفترات طويلة، واتسم الدعاة إلى أي الجانبين نقف، بحدة ودوغمائية شديدة، فبعضهم أصر على زنجية الثقافة السودانية، وآخرون عربنوها بشكل عرقي، أما فكرة التنكر للمكون الإفريقي فهي حاصلة عند النخب منذ لدن تشكل مرافق الوعي الأولى في الأندية الثقافية، ومردها كما قلت في هذه الورقة إلى الفساد في تعريف الهوية العربية، وأيضاً وضع الزوج عرب/أفارقة متقابلين هكذا، رغم أن الأولى تعكس بحسب مروجيها (العرق) والثانية (الجغرافيا)، فالصحيح حسب ما نرى أن الأمر معقد أكثر من كونه تنكر، وقد يوصف في كثير أحيان بأن مشكلة الهوية زائفة في السودان، وليس ضمن المفكر فيه عند رجل الشارع العادي، هي قضية نخب ومرتبطة بالحال الاجتماعي في الداخل والخارج، ففكرة عروبتنا لا يمكن أن تهتز لأنها فقط محل رفض شعوب بعينها، وليس من الممكن أبداً القول بأن اللون والسحنة يقعان ضمن محددات الهوية، والاعتزاز بالقبيلة لا يجب أن يكون سلبية نؤاخذ عليها.
السلبية السادسة: قيمة الوقت..
تحليل: الزمان وليد المكان، فالزمن في الريف ليس كما هو في الحضر، ويرتبط احترام الوقت وتقديره بالمعاش الاقتصادي للدولة، فهل يصح أن نقول بأننا لا نحترم الوقت لبداوة فينا!.
السلبية السابعة: الكسل والخمول – العزوف عن العمل الجاد..
تحليل: وصف الكسل يتردد أخيراً في بلدان الخليج العربي، وفيه يتندر البعض بكسل السوداني، ويصل بهم التزيد للقول بإن مدينة سودانية تسمى (كسلا) من الكسل، وأرى أنه لا يصح مناقشة مثل هذه الأقول لأنها لا تتأسس على وعي معرفي حقيقي، وفكرة الكسل نفسها تحتاج إلى تحديد فلسفي، لأنه كيف يمكن القول بكسل الشخصية السودانية وعزوفها عن العمل الجاد.. فهل وصلنا لصيغة جامعة للشخصية لنصفها بالكسل؟!
السلبية 12: التلقائية والعفوية ... الغفلة في التعامل مع الآخر..
تحليل: راجع السابق..
السلبية 15 : شيوع روح الانتهازية والنفاق والاجتماعي والسياسي – السلبية 16: التحامل والحسد والحقد والتغالب بين الناس..
تحليل: الانتهازية صفة مدنية ولا تلصق بالوعي البدوي القائم على المؤازرة والتعاضد وقوفاً عند ملمة (ما)، والنفاق الاجتماعي والسياسي حال من البراغماتية(!) الحسد لا قياس له..
السلبية 20: الافتقار لروح المبادرة... محاربة التمَّيز والتفرد والاختلاف..
تحليل: من سمة المجتمعات الموصوفة بالبداوة أنها جماعية وفيها يغيب دور الفرد وتتراجع الاختلافات..
والسؤال هل استخدم المؤلف النقد كأداة لكشف العيوب في الشخصية؟ أم الأجدر العمل على إثبات تهافت بعض مظاهر سلوكها وبالتالي ممارسة النقد البناء؟!
يمكن السير حتى آخر سلبية لكن الأهم ما طرحه المؤلف حول فكرته لإعادة بناء الشخصية السودانية.. ومشروعيته في ذلك ما وقف عليه من سلبيات.
وحقيقة فقد دخل المؤلف إلى الموضوع من زاوية مختلفة يصح وصفها بالجدة، فُنقاد العقل السوداني ما برحوا يقدمون نقد للشخصية من زاوية المنحة الاعتبارية، (الشخصية عندهم هي الشخصية النيلية بامتياز) أما المؤلف فقد داخل ذلك بإضافة العناصر المكونة للشخصية، وتتبع مسيرتها الاجتماعية ووقف عند أحداث التاريخ السياسي وتأثيراته، وفي ذلك جعلنا نطمئن بأنه قد افتتح مزاجاً جديداً في التعاطي مع الشخصية السودانية، فملاحقته للظواهر المباشرة أكسب عمله ميزة تفعيل إرادة المراقبة، وإن كان قد انتهى في ذلك إلى بعض أوصاف نتفق عليها في المجال العام ولكنا قد نقف عند ممارسة التحليل..
وقضية القبيلة في الهوية السودانية يسعنا الاستعانة بما كتبه محمد عابد الجابري في مؤلفه العقل السياسي العربي بأن يتم:
تحويل (القبيلة) إلى مجتمع لا قبلي، مجتمع تسود فيه القوانين، أي نجلس على أرضية من السياسة المدنية، التي تمثلها: النقابات والأحزاب والهيئات، ومنظمات المجتمع المدني، وأن نضع حداً فاصلاً بين الحاكم وامتثال المحكوم له وفق صيغة الطاعة العمياء، إنه يقصد الديمقراطية.
تحويل (الغنيمة) إلى اقتصاد (ضريبة): إقرار نوع من الاقتصاد الإنتاجي، وصولاً إلى سوق عربية مشتركة كفيلة بإرساء الأساس الضروري لتنمية عربية مستقلة.
تحويل (العقيدة) إلى مجرد رأي، بعداً عن التمذهب الأعمى والطائفية المقيتة المتعصبة، هي الدعوة لحرية المغايرة والاختلاف، والتحرر من سلطة الجماعة المنغلقة، يشير الأستاذ إلى بناء عقل اجتهادي نقدي.
المرتكزات لإعادة بناء الشخصية:
حدد المؤلف 27 مرتكز أهمها (السلام الاجتماعي- محاربة العرقية الاستعلائية- غرس روح الانتماء للوطن – الاعتماد على الذات – نبذ العنف – قبول التعدد والاختلاف واستثمارها – تشجيع العمل الطوعي – الصدق الأمانة – التواصل والحوار والتسامح – مناهضة الفساد – التخلص من النزعة الفردية (وهذه غير مفهومة) – النظام – وتأسيس الحياة المدنية – تجديد الخطاب الديني ضد الانغلاق والتقوقع ..)
النواة الصلبة في الطرح:
وقعت على ما بان أنه جوهر هذا الطرح لما فيه من تلخيص للأزمة يقول المؤلف: ( مطلوبات البناء .. تربية اجتماعية عصرية مستنيرة ومتطورة وعارفة وملمة بمشكلات المجتمع وحاجاته الضرورية ومصالحه الحقيقية، وبالتحديد المخاطر التي تجابهه... ب..غرس مفاهيم وقيم وأفكار وعادات وتقاليد أصيلة وراقية ومتطورة، ونشرها وتعميقها.. مفاهيم تهدف إلى إعادة بناء الفرد السوداني متوازناً عقلاً وفكراً ونفساً ووجداناً واجتماعاً واقتصاداً وثقافة وسياسة بالصورة التي تمكنه من تحطيم جوهر التخلف..)
(إنها أزمة نخب)..
خلطوا بين (الطموح) الذي يملكون بسبب معارفهم خارج الحدود، وبين حقوق الناس، قدموا إليهم بأفكار منحوتة، فحاولوا تطبيقها في مجتمع متخلف لا يعرفون عنه الكثير ويتفاخرون أنهم يمثلونه، هي (غربة المثقف)، ميِّعوا الوعي العام، وفاضلوا بشغف سلبي بين الإرادة الجماعية للشعب وبين أحلامهم، فقالوا بضرورة حدثنة هذه البلاد، بلاد نسبة أميتها تفوق ال70% حينها، ليعبر ذلك عن ضعف حاستهم الفكرية حتى في استيعاب بضاعتهم التي يروجون عليها بصوت عالي وكأنهم يخفون عيوبها، بعضهم حضر متأخراً لكنه منفعلُ بأدبيات النهضة الأوربية، وحقق ليعتمر جان جاك روسو (ت: 1778م) ورؤيته في علم الاجتماع السياسي، وبالتحديد نظريته حول (General Will) في تحليل الثورة الفرنسية والتي ذهب فيها إلى أن الحكومة تقوم على رضاء المواطنين وعلى إرادتهم العامة، وإذا لم يحصل النظام السياسي على رضاء وموافقة هذه الإرادة العامة كان من حق المواطنين الثورة عليه. ولكن هيجل يصر على أن ما عناه روسو بالإرادة العامة أدى في نهاية الأمر إلى الفوضى والإرهاب، وحجة هيجل في ذلك تعاقب الجمهوريات وانتشار الخوف وسط المواطنين!.
- إعادة دراسة القبلية وأوهامها وعبرها إعادة نقد للعصبية الفكرية والأيديولجية.
- إدخال الفترات التاريخية السابقة للإسلام(الحضارة الوثنية، والمسيحية..إلخ) في مناهج الدراسة وفيها قراءة يوجهها التعرف على نقاط تماس قائمة اليوم وتعود إلى الأمس.
- آثار التحزب العقدي على العقل السوداني (بنية التصوف والتقليدية السلفية)...
- إيجاد أدوات قياس تنتج من حقل التجربة والعمل، لقياس واقع ومستقبل الشخصية السودانية..
يجدر بنا القول إن كتاب البروفيسور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن (الشخصية السودانية – المكونات والمؤثرات والسمات – محاولة في النقد الذاتي) يفتح الحوار من جديد حول قضية الهوية والتنمية.. وما أحوجنا لذلك..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.