قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    آمال ليفربول في اللقب تتضاءل عند محطة وست هام    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    مناوي: أهل دارفور يستعدون لتحرير الإقليم بأكمله وليس الفاشر فقط    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    محمد وداعة يكتب: المسيرات .. حرب دعائية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    إسقاط مسيرتين فوق سماء مدينة مروي    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    هل فشل مشروع السوباط..!؟    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنتوب الجميلة .. بقلم: عباس احمد النور
نشر في سودانيل يوم 02 - 01 - 2014

كتب الاستاذ الجليل و المعلم الكبير الاستاذ الطيب السلاوي سلسلة مقالات عن مدرسة حنتوب الثانوية (التاريخية) نشرت على موقع سودانايل الاليكتروني خلال الاسابيع الماضية وقد وجدتها من امتع ما كتب عن مدرسة حنتوب – وأنا من خريجي مدرسة حنتوب – و ذلك للاسلوب المحبب و المعلومات الوافرة و الذاكرة الحافظة للتاريخ و الاسماء والاماكن في دقة و اتقان، و ما ينبئك مثل خبير فهو قد دخلها طالبا في السنوات الاولى من عمرها وعاد اليها لاحقا معلما مديرا.
تخرجت من مدرسة حنتوب الثانوية قبل عام من مجيئ الاستاذ الطيب السلاوي الى حنتوب مديرا، لكني تشرفت بمعرفته حين التقيته لاول مرة قبل سنوات في العاصمة الامريكية و اشنطن وكما ذكر الاستاذ السلاوي ما اجتمع اثنان من الحنتوبيين الا و كان الحديث عنها ثالهما وكم سعدت بالاستماع اليه عن حنتوب و طلبت منه -كما فعل اخرون ايضا- ان يكتب شيئا عن حنتوب لتعم الفائدة .
أفاض الكثيرون في حب حنتوب و الافتتان بها ممن درس او عمل فيها او زارها اوحتى من سمع بها ولا غرو في ذلك فقد تعشق الاذن قبل العين احيانا ، و كثيرا ما قرات في الانترنيت لمن يكتب متبنيا الحديث عن حنتوب ويطنب في الوصف وهولم يعرفها و هويكتب فقط لان صديقا له درس فيها وحدثه عنها و بعضهم اذا كان يبغي ترويجا لموقعه الالكتروني يدعو خريجي حنتوب ويحثهم على المشاركة و التواصل مع الحنتوبيين من خلال الموقع.
قدم الاستاذ السلاوي اضاءة مهمة عن نشأة حنتوب و كيف ان احد الخيرين من أعيان مدينة ود مدني و هو الشيخ ابو زيد ، قد قد لعب دورا كبيرا في ان تقوم المدرسة التي يراد بناؤها في ذلك الوقت في الموقع الحالي الذي اصبح مدرسة حنتوب المعروفة ، و ما لايعرفه كثيرون من الحنتوبينن – وأنا منهم – ان الشيخ ابوزيد لم يتوقف عند الحاحه بوضع المدرسة في قرية حنتوب بل قام بتوفير الارض بتبرعه بارضه الخاصة و اقناع اخرين ببيع ارضهم لتقوم عليها المدرسة التي اصبحت مصنعا لصنع وصقل رجال المستقبل ومعلما بارزا في تاريخ التعليم في السودان و في تاريخ السودان كله لانه تخرج منها الزعماء السياسيون و القادة الاداريون والخبراء و المهنيون الاكفاء في مختلف الميادين والشعراء و الفنانون ، وكم تمنيت ان تفرد صفحة خاصة في صدر كتاب تاريخ حنتوب الذي علمت ان نفرا من ابناء حنتوب يقوم باعداده، فلولا فضله لما كنا عرفنا حنتوب، فنسأ ل الله للشيخ ابوزيد الرحمة و المغفرة وان يجزيه خير الجزاء لما قدم في اخلاص و نكران للذات و هذا من شيم الخيرين و مثال لما كان عليه عامة الناس في ذلك الوقت وفي ظل الاستعمار وكيف كانوا يرون في التعليم اداة من ادوات الكفاح ضد الاستعمارو كيف دعموا التعليم الاهلي وجهود التوعية والتنويرو الشيخ ابو زيد مصلح واحد من بين خيرين كثر سعوا، كل بطريقته، في سبيل التحرير ،أكثر الله من امثاله.
تميزت حنتوب بمواصفات عديدة ساهمت في رسم صورة حنتوب و المكانة التي وصلتها و انطبعت في الاذهان من حيث الموقع الفريد والتخطيط الملائم و المباني الجميلة ذات اللون الابيض والميادين الخضراء و الحدائق المزدانة بالازهار الجميلة المتنوعة و( البيئة) الطبيعية الاخاذة يكسوها هدوء متناغم لا يكسره الا رنين الجرس اوحركة الطلاب في غدوهم و رواحهم اوعندما يجرون قفزا الى الملاعب ولا تسمع او تشاهد سيارة( أو امرأة) الا ما ندر، فقد كانت بيئة مناسبة حقا للدرس و التحصيل تتخلله النشاطات الرياضية و الترفيهية المختلفة، وتشكل حنتوب مجتمعا متكاملا بطلابه و و معلميه و عماله و هي اشبه بكثير من (المدن) الجامعية من حيث قيامها بذاتها بما تحتاجه من خدمات في انسياب يفي بالهدف المنشود. ومن أبرز العلامات الهادية في الطريق نحو ذلك الهدف كان هناك الجرس و الساعة و الرفاص، فالوقت والتقيد به و استغلاله الامثل هو الجانب الابرز في حياة مجتمع حنتوب، فالمجتمع كله يعمل كخلية نحل من طلاب و معلمين و عمال ، فالجدول اليومي مليئ بالنشاط و الحركة منذ الجرس الاول في الصباح الى توقف النشاط و الحركة واطفاء النور في الفصول و الداخليات و الذهاب الى النوم في العاشرة مساء.
ومع ان هناك فترة للمذاكرة الاجباريه مدتها ساعة ونصف الساعة – قبل الذهاب للعشاء- ويشرف عليها استاذ نوبتجي ويؤخذ فيها الحضور و الغياب (التمام)، فقد تجد –خاصة قرب وقت الامتحانات- الطلاب في الفصول بعد الساعة العاشرة و بعد أخذ التمام في الداخليات، يعود الطلاب للمزيد من المذاكرة حتى ساعة متأخرة من الليل وتجد الفصول شبه مليئة بالطلاب لا تسمع فيها الا همسا و لا تحتاج الى (الفا) احيانا يذهب بعض الطلاب الى غرفة الطعام او السفرة و احيانا تحدث ملاحقة و مطاردة من الضابط النوبتجي عندما يرى النور مضاء في الفصول و يريد ان يتاكد ان الفصول ليست مضاءة.
في نهاية الاسبوع عادة يحصل الطلاب على اذن للذهاب الى مدينة ود مدني لشراء بعض الاشياء او للترفيه مثل دخول السينما او الذهاب الى الحلواني او(ابو ظريفة ) اولزيارة المجلس البريطاني لاستلاف كتاب، ومن متطلبات العبور الى مدني لبس الزي المدرسي الكامل او بنطلون وقميص اوجلابية و عمة وممنوع لبس الشبشب.
في مرة من المرات، كان هناك فيلم هندي طويل ( سانجام) في سينما الوطنية ذهب لمشاهدته عدد كبير من الطلاب و لما انتهى الفيلم وخرج الطلاب من دار السينما كان موعد الرفاص قد فات ولما ذهبنا الى المشرع
كنا نعتقد اننا سنجد المعدية/ البنطون لكن لسوء حظنا وجدنا ان البنطون ايضا توقف عن العمل ويقف على الشاطئ الاخر، و تجمع الطلاب في المشرع وهم في حيرة والساعة قد تجاوزت العاشرة مساء و قال بعضهم لنذهب الى قسم الشرطة ننام في القسم و نغادر في الصباح الباكر و بدا الطلاب يسيرون زرافات و ووحدانا
على شارع النيل في اتجاه قسم الشرطة ( الاساس) الذي يقع على النيل ايضا
ا و تجمعوا داخل حوش القسم و خارجه و لما رأى الضابط المسؤول العدد كبيرا و لا يمكن ان يتحمل مسؤولية مبيت عدد كبير كهذا من الطلاب في حوش القسم و على العربات اتصل بناظر المدرسة – الاستاذ عبد الباقي محمد –عليه الرحمة وقال له فيما قال : معنا هنا في القسم عدد كبير من طلابكم لانهم لا يستطيعون العبور الى حنتوب لان اخر رفاص الى حنتوب قد غادر و البنطون توقف عن العمل لذلك اليوم فقال له الناظر :انا ما عندي طلاب خارج المدرسةحتى هذه الساعة،( انا طلابي ناموا بدري)
و وافق الناظر على ارسال الرفاص لارجاع الطلاب الى حنتوب، و في هذا الاثناء امر الناظر كل الاساتذة/ الضباط المقيمين في الداخليات بتسجيل الطلاب الغائبين( التمام) و كان العدد كبيرا وفعلا جاء الرفاص بقيادة الكابتن عبده و نقل كل الطلاب على دفعات
و عندما وصلنا و علمنا باخذ التمام لم ننم تلك الليلة من الهم و التفكير في ما سيحدث غدا، و في صباح اليوم التالي كان الاجتماع الاسبوعي وبعد الحديث عن الحادثة صدر القرار بالجلد ، لا اتذكر هل عشر جلدات او اكثر وكان بعض الطلاب قد استعد لمواجهة ذلك بلبس اردية اضافية ( ترديف) و ذهب الطلاب المعنيون بالجلد لمقابلة الصولات ( الصول محمد محمود و الصول محمد الزبير – و الصول حسن ( الشاطر) قبل الذهاب الى تناول الفطور.
سكنت في داخلية المك نمر و هي اول داخلية تقابلك بعد وصولك من المشرع و كنا نفاخر بهذه الداخلية ليس لانها مسماة على المك نمر، او لانها مختلفة في تصميمها ، فهي تشبه بقية الداخليات في الشكل و التصميم الا ان ما يميزها هو النظافة و الجمال لان القائم على ذلك هو رئيس الفراشين و اشهرهم و اميزهم العم مصطفى حران عليه الرحمة ، فهي دائما الفائزة بكأس النظافة و تنسيق الحديقة و عم حران كما كان يناديه الكل هو اب للجميع و ايضا الملجأ الذي يغيث المحتاج خاصة اذا كان بحاجة الى سلف . و للعلم ان مصطفى حران بدأ العمل في حنتوب عندما تأسست المدرسة و تخرجت على يديه اجيال و اجيال كان بالنسبة لهم المثال في النظام و الاتقان و التفاني في العمل مما اكسبه حب و احترام الجميع.فقد كان معلما من معالم حنتوب.
سبب فخرنا الاخر بالمك نمر ان الزعيم اسماعيل الازهري ( أبو الاستقلال) كان مفتش داخلية المك نمر وهذا ما علمناه وقتها الا ان الاستاذ الطيب السلاوي و في معرض الحديث عن اصل اسم حنتوب اورد ان اسماعيل الازهري لم ينفذ النقل الى حنتوب و قدم استقالته ( نقلونا الى حنتوب برضو ما حنتوب) .ايا كان فقد كان الزعيم اسماعيل الازهري مصدر فخر لنا نتباهى به بين الداخليات وكان نبراسا نهتدي به و نتطلع اليه كما تطلع اليه كثير من السودانيين، خاصة و يحتفل السودانيون في هذه الايام بعيد الاستقلال وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، علية الرحمة
ايضا من ابناء المك نمر مامون سنادة الله يرحمه و اذكر انه زارنا في المدرسة بوصفه ابن المك نمر وقدكان مامون سنادة وزير العدل في حكومة السيد الصادق المهدي الاولى في 1966 و كان احد اقطاب الحزب الوطني الاتحادي.
عندما جئنا الى المك نمر كان مفتش الداخلية الاستاذ علي خميس و خلفه الاستاذ حمد النيل الفاضل و هو فعلا فاضل وكان الاستاذ/ الضابط المقيم الاستاذ عبد الله علي جابر و غادر بعدها ليلتحق بوزرارة الخارجية و اصبح سفيرا ، و خلفه الاستاذ السر موسى( شعبة الجغرافيا).
كان ناظر المدرسة على عهدنا الاستاذ الجليل عبد الباقي محمد ، عليه الرحمة، وقد عرف بكثير من الصفات الحسنة و المميزة من بينها
الجدية في العمل و حسن الادارة و الانضباط . ومن المواقف التي تبرز جوانب شجصيته المتميزة ، اذكر انه حدث اضراب عن الطعام بسبب خلافات بين لجنة الطعام و متعهد الطعام و اعلن الاتحاد الاضراب عن الطعام، طبعا بعد ضرب الترابيز في السفرة بالملاعق كما كانت العادة ( دق المعالق) ، فما كان من الادارة ممثلة في الناظر الا ان اعلنت اغلاق المدرسة و ارسل الطلاب الى اهاليهم و ارسلت المدرسة خطابا لاولياء الامور يوضح فيه ما حدث، و بعد ان تقرر رفع الاضراب ارسلت المدرسة خطابا لاولياء الامور يوضح موعد عودة الطلاب بصحبة اولياء الامور و موعد بدء الدراسة و احضار غرامة (150 قرشا) ،و في اليوم المحدد لفتح المدرسة توافد الطلاب و اباؤهم منذ الصباح الباكرالى المدرسة وكانت المدرسة قد أعدت الفطور و ذهب الاباء في صحبة اولادهم الى السفرة لتناول الافطار و كانت المائدة عامرة بما لذ وطاب من الطعام و كانا الطعام وافرا يسع الطلاب و ضيوفهم من الاباء و توجه الجميع الى الاجتماع و تحدث الناظر عن الاضراب و كيف ان الطلاب اضاعوا وقتهم وتوجه الى الاباء متسائلا:( اتعرفون لماذا أضرب اولادكم؟ قالوا : لا، قال: اولادكم قالواان الطعام سيء) و قام بعض الاباء منفعلا و منددا بقول الطلاب مشيرين لما شاهدوه و تناولوه من طعام قبل قليل و منهم من صاح قائلا: يا حضرة الناظر لك اللحم و لنا العظم ، و ذهب الطلاب بعد ذلك لدفع الغرامة وزيارة غرفة الصولات لينالوا عقوبة الجلد ، و اذكر هنا بهذه المناسبة انه كان للناظر عبد الباقي محمد ابنان في المدرسة ، احدهم ، ابراهيم ، و كان في داخليتنا و الاخر محمد كان على ما اذكر في داخلية الزبير، و عندما حدث الاضراب و غادر الطلاب الداخليات الى بيوتهم غادر ابراهيم عبدالباقي ( ود الناظر)كما كان يناديه الطلاب لا الى بيت الناظر في المدرسة و انما الى بيتهم في الهلالية حيث يسكن جده و عندما تقرر رفع الاضراب و العودة للمدرسة عاد ود الناظر في صحبة جده وذهب و دفع الغرامة وايضا نال نصيبه من الجلد. و بهذه المناسبة اذكر انه في تلك الفترة كان في لجنة الاتحاد محمد احمد سالم و عوض الجيد محمد احمد و عبدالله عباس( ابودرق)و مصطفى محمود.
كان الاجتماع الاسبوعي من اميز فقرات الجدول الاسبوعي لانشطة المدرسة فهوحلقة الوصل بين الادارة و الطلاب وحضور ه الزامي للطلاب و المعلمين ويتم بعد الحصة الثانية في الصباح و قبل الفطورو عادة يتعرف فيه الطلاب على ما يدور في المدرسة ويتطرق فيه الناظر لكل صغيرة و كبيرة واحيانا يكون على حساب الوقت المخصص للفطور لانه واجب عليهم الحضور للحصة الثالثة في وقتها وكثيرا ما كان يخرج الطلاب من الاجتماع وهم يهتفون : الثالثة الثالثة يريدون الحصة الثالثة و احيانا يكون الناظر بينهم متوجها ايضا الى بيته للفطور ولما كانوا يعرفون ان ليس هناك استجابة لطلبهم كا ن بعضهم يهتف مطالبا بسقوط الناظر ( يسقط يسقط عبد الباقي)
في تلك الفترة انضم لاسرة المدرسة استاذ جديد في شعبة الفنون وكان يتعلم العزف على الاكورديون و كنت ترى الطلاب متحلقين حوله في بعض الاوقات و الاماكن بصورة ملفتة للنظر الامر الذي دفع الناظر لينبهه وفي رواية نقله من المدرسة الى مدرسة اخرى ، سنار فيما اذكر ، لكن الاستاذ المنقول ظل يزور المدرسة خاصة في نهاية الاسبوع ويلتقي الطلاب كما كان يفعل في الماضي و يبقى في المدرسة الى يوم السبت و احيانا بعده مما دعا الناظر عبد الباقي ليخاطبه من خلال الاجتماع الاسبوعي بانه يجب ان يكون في مدرسته في هذا الوقت و انه لا مكان له هنا في حنتوب في هذا الوقت.
بعد ان غادر الاستاذ عبد الباقي خلفه الناظر مخمد صالح محمد وبدوره خلفه الاستاذ توفيق احمد سليمان ونحن في السنة النهائية، وعلى عهدنا كان نائب الناظر الاستاذ اسماعيل النظيف ثم احمد سالم.
و اذكر هنا بعضا من الاساتذة الذين علموني:عبد العزيز محي الدين( شعبة اللغة انجليزية ) عبد العزيز التوم( شعبة العلوم) يوسف المغربي ، الطيب علي ، السرموسى ( شعبة الجغرافيا) حمد النيل الفاضل ( شعبة اللغة الانجليزية) ، شيخ الجاك ، سيد محمود ، الهادي ادم( شعبة اللغة العربية) عمر ادريس رفاي( شعبة العلوم)، ثوما دا رياك ،من جنوب السودان,(شعبة اللغة الانجليزية) صديق ، عبد الله خليل، بخيت عثمان (شعبة الرياضيات) ، احمد بلال ( الحلاق)، عوض بر( شعبة التاريخ) عبد الحميد ، حسبو ، المر ، محمد عبد العال ( شعبة الفنون) ، محمود يوسف، الاستاذ حسب الله( المزرر) ( شعبة التريية الاسلامية) وقد قابلت الاستاذ حسب الله في منتصف الثمانينات في العربية السعودية حيث كان معلما و كنت وقتها اعمل في السفارة في جده وجاء يطلب المساعدة لانه وقع ضحية نصب واحتيال وفقد كل ما بحوزته وهوفي طريقه لقضاء الاجازة في السودان وما ان رايته تذكرته في الحال وسلمت عليه متسائلا الاستاذ ..........فسبقني وقال : المزرر، نفس الصورة التي عرفته عليها ونفس الهدوء و الابتسامة و الصوت الخفيض.
ومن الاساتذة الذين تعرفت عليهم في حنتوب بالرغم من انه لم يكن معلمي ، الاستاذ تاج السر مكي وكنا نلتقيه خارج فصول الدراسة و و باشرافه و اخراجه شاركنا مع زملاء اعزاء في تمثيل مسرحية مأساة الحلاج للشاعر صلاح عبد الصبوروكنا نحفطها عن ظهر قلب و اذكر منها بعض المقاطع:
صفونا صفا صفا
الاجهر صوتا و الاطول
وضعوه في الصف الاول
ذو الصوت الخافت و المتواني
وضعوه في الصف الثاني
اعطوا كلا منا دينارا
من ذهب قان ...براقا
لم تلمسه كف من قبل
قالوا ... صيحوا : زنديق كافر
صحنا زنديق كافر
صيحوا فليقتل
انا نحمل دمه في رقبتنا
قبل حوالي ثلاث سنوات كان ابني على عتبة دخول المدرسة الثانوية هنا في امريكا حيث ولد و أعيش وكانت هناك مدرسة ثانوية تسمى ثوماس جيفرسون في ولاية فريجينيا مقاطعة فيرفاكس وهي مقاطعة تمتاز بمستوى عال من التعليم وهي مدرسة يدخلها من يريد دراسة العلوم و التكنولوجيا ولا بد لدخولها من اجتياز امتحان خاص يتنافس عليه ابناء المنطقة وكنت اعرف المدرسة لانها قريبة من سكني وذهبنا يوم الامتحان وكان اولياء الامور في رفقة ابنائهم وقابلت ابا سودانيا ابنه ايضا يجلس للامتحان و اثناء الكلام عن المدرسة اذكر انني قلت له بكل ثفة انه في السودان في وقت سابق كان مستوى التعليم عندنا في نفس مستوى تعليم مدرسة ثوماس جيفرسون الامريكية هذه و ذكرت له حنتوب و وادي سيدنا وخور طقت و لم اكن مبالغا ويشهد على ذلك من عرف مستوى التعليم في السودان في ذلك الوقت ،من السودانيين ومن الذين تعلموا فيها من بعض الدول الشقيقة كاليمن و الصومال وجيبوتي و معظمهم اصبح له شان كبير في بلده
في بداية كل عام دراسي هنا في امريكا كنت اذهب مع ابنائي لشراء الاحتياجات المدرسية / و عادة تكون هناك قائمة بالاحتياجات اللازمة للدراسة ترسل بالبريد او تعطى للطلاب في اليوم الاول من بدء العام الدراسي الجديد وكنت اقول لابنائي انه كانت تصلنا قائمة الاحتياجات المدرسية بالبريد كل سنة قبل بداية العام و قبل فتح المدرسة بوقت كاف و اذكر منها: عدد اثنين قميص ابيض بكم قصير و عدد اثنين رداء كاكي وصندل بني و عدد اثنين مناديل فيتعجب ابنائي كما يتعجب كثير من الطلاب في السودان الان
نعم هذا ما كان عليه حال التعليم في السودان في ذلك الوقت وكذا كان حال مشروع الجزيرة و السكةالحديد
والخدمة المدنية و الخطوط الجويةو الخطوط البحرية و كلها مما ترك االانجليز والان لننظر كيف اصبح حال كل هذه التركة من تردي و شلل او توقف عن العمل ، خاصة و اننا نصادف ذكرى استقلال السودان،
لقد حزنت كثيرا عندما علمت بتحويل مدرسة حنتوب الثانوية الى كلية للتربية و كم تساءلت لماذا حنتوب بالذات فارض الله واسعة. ولماذا لم يتم بناء الكلية الجديدة في مكان اخر؟فالاسئلة كثيرة لكن لا تجد جوابا.
وتجدر الاشارة هنا الى ان اسماعيل الازهري وزملاءه من الخريجين عندما سعوا الى تنظيم انفسهم
اهتدوا بتجربة الهند و جاء اسم المؤتمر من التجربة الهندية على غرار حزب المؤتمر ، و سافر اسماعيل الازهري في اخر عام 1955 و قبيل رفع علم الاستقلال في 1956 ليشارك في مؤتمر باندونق مع زعماء اسيا و افريقيا امثال نهرو وسوكارنو وناصر ونكروما مصرا ان يكون السودان حاضرا و فاعلا ولما يستقل بعد ولم يكن له علم يرمز اليه. وقد سبقت الهند السودان باستقلالها في 1947لكن انظر اين اصبحت الهند الان ؟ اصبحت يشار اليها بالبنان للطريق الذي اتبعته فاكسبها الاستقرار و التقدم بل الريادة في مجال الابتكار والتكنولوجيا المتطورة وما ذلك الابفضل التعليم و الديمقراطية الراسخة, ليته واصل الاهتداء بالهند في مسارها.
اسأل الله الرحمة لمن رحل ممن عرفتهم في حنتوب اوذكرتهم في حديثي وان يمتع الاحياء منهم بالصحة والعافية ، واثني مرة اخرى على مقالات الاستاذ السلاوي سائلا المولى ان يمتعة بالصحة و العافية.
عباس احمد النور
دبلوماسي وزير مفوض محال للصالح العام
واشنطن 1/1/2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.