هل يقدم النائب الجديد للرئيس عمر البشير في حزب المؤتمر الوطني البروفيسور إبراهيم غندور جديداً لحل الأزمة السياسية في السودان والتي يسأل عنها بالضرورة حزب المؤتمر الوطني نفسه؟.. التغييرات الكبيرة الأخيرة التي أجراها البشير في حزبه وطالت كذلك المواقع التنفيذية التي ظلت قيادات وصقور المؤتمر الوطني تحتكرها لعقدين من الزمان، جاءت بالسيد غندور نائبا للبشير في الحزب مسؤولا عن شؤون الحزب فضلا عن موقع تنفيذي متقدم وهو مساعد الرئيس في القصر.. غندور خلف شخصية مثيرة للجدل وقابضة وهو الدكتور نافع علي نافع الذي ترأس لفترة جهاز الأمن والمخابرات وكان منافساً شرساً للنائب الأول السابق علي عثمان محمد طه في خلافة البشير.. صحيح أن التغيرات جاءت بعسكري في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية وفي ذلك إشارة بأن البشير انفتح أكثر على المجموعة العسكرية مفضلا الابتعاد عن المجموعة المدنية؛ بيد أن تعيين غندور في هذا المنصب وضعه أمام تحدٍ كبير وهو الأستاذ الجامعي والنقابي المخضرم، فكمياء الصراع والتنافس داخل الحزب قائمة يطبعها صراع قوي بين مراكز قوى ولوبيات مصالح، وفق معادلة قائمة على تقديم مجموعة المصالح خدمات الدفاع والزود عن صاحب المركز والموقع الرفيع في مقابل أن يحافظ هو على مصالحها ومنافعها دون أن تمس بسوء أو ينتقص منها بل تزيد وتتوسع على حساب الآخرين وربما على حساب المبادئ والقوانين والشرائع. يتفق الكثيرون على أن غندور يتمتع بقدرات سياسية مهمة ولهو ميزات تفضيلية على سابقه الدكتور نافع، ويعولون على أن للرجل قدرة للتواصل مع القوى السياسية المعارضة لما يتمتع به من قبول وعفة لسان.. وسبق لغندور أن تقلد منصب أمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني قبل أن يتقلد منصب أمين العلاقات الخارجية وهو آخر المناصب قبل أن يعين نائبا للبشير في الحزب.. لكن المشفقين على غندور يقولون أن هذه الميزات لا تؤهله للعلب في ملعب ملغوم بصراعات مراكز القوى، لكنه يمكن أن يلعب بحرفية في ظل المؤسسية وسيادة قوانين اللعبة السياسية وهذا ما لم يحدث حتى الآن.. فهل التغيير الذي طرأ على حزب البشير تغييراً شكلياً وفوقياً أم أنه تغيير يأخذ في اعتباره كنس تلك الممارسات الخاطئة واستبدالها ببمارسة حزبية نظيفة قائمة على المؤسسية؟.. وهل غندور قادر بدون دعم ومساعدة الرئيس البشير على مواجهة مراكز القوى التي لم تكن سعيدة بتعيينه في هذا الموقع المهم والحساس؟ إن لم يكن غندور ظهيراً لمراكز القوى وليس مجرد متعايشاً معها فاليأذن بحرب شعواء لا تبقي ولا تذر. كان الدكتور نافع القائد الفعلي لحزب المؤتمر الوطني، ويتمتع بمقدرات تنظيمية وسياسية عالية، وعرف بالجرأة والجسارة والوضوح، وهو شديد و(قاس) في التعاطي مع معارضيه وخصومه من الأحزاب الأخرى، شدة وغلظة نافع في مقارعة الخصوم السياسيين لحزب البشير جعلت في رأي البعض الحوار معهم صعباً بل مستحيلاً في كثير من الأحيان، ووسع ذلك النهج العنيف الشُقة بين حزب المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى.. ونافع كان كذلك غليظاً وشديداً مع أصحاب الرأي الآخر داخل المؤتمر الوطني نفسه ويحمله الكثيرون مسؤولية الانشقاقات التي أعترت الحزب مؤخراً. السيرة الذاتية للدكتور نافع تقول أنه تخرج في جامعة الخرطوم كلية الزراعة، ثم ابتعث منها لنيل درجة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة كاليفورنيا التي عاد منها عام 1980م ليعمل أستاذا في جامعة الخرطوم.. وكان نافع عضواً في تيار الحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم لكنه لم يكن يُعرف عنه أنه كان قائداً طلابياً حينها.. عين الرجل مديراً لجهاز الأمن العام مع قيام نظام (الإنقاذ) لخلفيته الدقيقة في المعلومات ورصدها ثم مديرا لجهاز الأمن الخارجي برتبة لواء قبل أن يعفى من منصبه في العام 1995م.. عين وزيرا للزراعة والغابات، ثم مستشارا لرئيس الجمهورية للسلام، ثم وزيرا لديوان الحكم الاتحادي، قبل أن يصبح مؤخرا مساعدا لرئيس الجمهورية ونائبا لرئيس حزب المؤتمر الوطني.. عندما سئل الدكتور حسن الترابي عن ترشيح نافع كخليفة محتمل للبشير قال: (قلبه أبيض من لسانه، لكنه لا يستطيع أن ينشر دعوته ويمد شعبية حزبه، كما اعتبره غير سياسي، ودخل إلى الحركة الإسلامية لمهام أمنية، مضيفاً أن إدارة السياسة تستند إلى حجج وحيثيات ومبادرات ولربما لا يبلغ هذا المقام). لقد كان غندور واحدا من القلة التي احتفظت بعلاقة جيدة مع الترابي عقب انشقاق حزب المؤتمر الوطني في العام 1999 وخروج الترابي وتشكيله لحزب معارض باسم المؤتمر الشعبي، ويقال أن غندور يستطيع الدخول للترابي في أي وقت ومتى ما شاء دون أي حواجز أو عوائق.. كذلك لغندور علاقات بنفس القوة مع قادة الحزبين الكبيرين المعارضين الآخرين، حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي وحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة محمد عثمان الميرغني.. هل أراد البشير بتعيين غندور تدشين مرحلة سياسية جديدة في علاقته بالمعارضة أم أراد أن يبعد المؤتمر الوطني من كابينة الحكم ويحجم دوره بعزل الصقور مثل علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع والاتيان بالمسالمين مثل غندور؟.. أعتقد أن البشير أراد تدشين مرحلة سياسية جديدة فليس هناك منطق في أن يتقوقع في زمرته العسكرية في ظل تعقيدات سياسية وأمنية داخل السودان وفي محيطه الإقليمي؛ لكن ذلك يتطلب مساعدة غندور وإكمال مسيرات التغيير لتشمل بقيت الشخوص وذلك النهج الانتهازي. [email protected] /////////////