اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(ذات الرأسين) ابريل 1968 –مارس 1969 .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 18 - 01 - 2014

كتب المرحوم محمد أحمد السلمابي في جريدة الراي العام عدد 25 يوليو 1965: إنني ما ادعيت يوما، أني من متعلمي أو مثقفي هذا البلد، ولا زعمت أني من أسرة حسب أو جاه أو مال. إنني فقط خريج مدرسة كركوج الأولية. عن كتاب حسب الله الحاج يوسف عن السلمابي.
تقع بلدة كركوج على ضفة النيل الأزرق اليمنى، على بعد نحو40 كيلومتر جنوب شرقي مدينة سنجة. تتكون معظم مباني البلدة من قطاطي القش وبعض مباني الطوب الأحمر القليلة وقتها. والحشيان (جمع حوش) من القش والحصير (الشرقانيات). ويحتفظ بعض الأهالي ببعض الأبقار داخل تلك الحيشان. أراضيها طينية، تأخذ شكل دالات (عوالي) قريبا من النهر، وتتسطح الأرض بعيدا عنه. يحد كركوج وقتها ترعة مشروع أبوعشة من الشمال، ويمر الطريق إليها عبر قنطرة.
تقع مدرسة كركوج الأهلية الوسطى مباشرة جنوب الترعة، وشرق المدرسة أرض زراعية فيها بعض حواشات القطن التابعة للمشروع، وجنوب ذلك تبدأ حِلّة الشريف محمد الأمين يتوسطها المسجد والمئذنة العالية. وقد كان المسجد منذ ذلك الحين مفروشا بالسجاد المزخرف. كذلك توجد داخليات طلاب القرآن في الجانب الشمالي الغربي للمسجد في مواجهة ساحة المسجد وفي يوم الجمعة كان يوضع بخور الند، لقد كان مسجد الشريف محمد الامين تهوي إليه الأفئدة.
أما غرب ذلك فيتمدد حي الموظفين والذي ينتهي بمدرسة كركوج الأولية ذات الرأسين بنين وملحقاتها جنوبا، تليها المحكمة بينها وبين السوق. وكل ذلك غرب الطريق الداخلة للبلدة. وشرق ذلك تقع مدرسة البنات الأولية يحيطها سور كبير من الطوب، وداخلها ميادينها. توجد شجرة هجليج على الطريق ظليلة، وبها مزيرة بها أزيار ضخمة، يقف تحتها البص واللّواري الذاهبة إلى سنجة والسوكي، هذا قبل المغادرة النهائية. وهذه الشجرة مباشرة شرق داخليات المدرسة الأولية وغرب مدرسة البنات.
أما سوق البلدة فيقع في وسط البلدة. بينه وبين المدرسة ميدان كرة قدم، عارضته الشمالية قرب الداخلية، أما الجنوبية فقرب الدكاكين. وموقف اللّواري إلى الشرق من الميدان، بالطبع بعضها يتخذ من الميدان موقفا أثناء النهار. ويقال أن المنطقة هي مكان لمعركة الأمير محمد أبولكيلك وأحد ملوك الحبشة في فترة السلطنة الزرقاء. وتوجد بعض آثار لمقابر في الميدان شمال السوق. يتمثل السوق في عدد من دكاكين البقالة وتجار المحصول ومكتب للبريد وبعض المطاعم والجزارة أشهر الجزارين ميسرة سيف النصر من المغاربة وهومشهور بالقوة وبالشجاعة. أذكر أن هناك دكانا لوالد زميلنا صلاح عثمان حسين، ومن اللافتات في السوق أذكرها (محلات أبشر جبورة) وأحسب أنه يدير توكيل البريد، وعندما دخلت الجامعة بعد تسعة سنوات من ذلك التاريخ وجدت لافتة في سوق أم درمان في شارع الصاغة فيها (محلات عبدالرؤوف أبشر جبورة). كان هناك دكان منفردا أحسبه للتعاون خارج السوق من الناحية الشمالية الشرقية يفتح غربا. كما أن البلدة كان يحدها من ناحية الشرق نقطة الشرطة حيث تمثل مدخل البلدة ومخرجها، وقد بني مستشفى السلمابي لاحقاً في ذلك الاإتجاه. إذ أن البلدة من ناحية الجنوب تحدها دالات عالية ومجاري للسيول، فالطريق الذي يدخل من الشمال يخرج شرقا ثم ينحني جنوبا إلى جنوب النيل الأزرق محازيا النيل الأزرق مقتربا منه ومبتعدا أحيانا حسب ما تمليه تقاسيم السطح وتكوينات التربة. ويمتد مشروع زمركا الزراعي إلى جنوب شرق البلدة، تقع بيارته في منطقة دونتاي.
أما غرب السوق فيوجد مجمع (مكاتب واستراحة ومخازن وورشة) أبوالعلا، وقد أضافت مجمعات ومشاريع أبوالعلا لتلك المنطقة حياة وحضارة.
لا تذكر كركوج، إلا ويذكر الشريف محمد الأمين، المعروف بالشريف الخاتم، ومعروف بأزرق كركوج. وقد مررت على حكمة أثناء بحثي للماجستير في مجال التمويل الريفي أوالتمويل الزراعي (الآن الموضة اسمها التمويل الاصغر)، فقد استطلع احد المؤلفين بابا عن الريف بحكمة هندية، بأنه ما من قرية إلا و تحتاج إلى ثلاثة موارد اساسية، مورد ماء، وسوق لبيع منتجاتها وراهب يعلم الناس أمر دينهم. ففي تلك الأمكنة مثل كركوج وكل الريف شرقي نهر النيل الأزرق، والتعليم كما أشرت لا يتجاوز النسب التي ذكرتها آنفا، لا بد للمجتمع من مرجعية روحية دينية، تعطي الناس الثقة والأمل والنور. فكان الشريف محمد الأمين قد أعطى كركوج وكل ذلك الريف قيمته وروحه. فقد شهدنا في ذلكم العمر المبكر كيف كان المسيد، وكيف كانت تقام حلقات الذكر و الاحتفال بالمناسبات الدينية. فقد كان مسيد (مسجد) الشريف محمد الأمين، بدون امتحانات مسبقة وتصفيات عنيفة يتسع لكل طالب علم. وكان طبيبا حكيما لكل مريض. فقد روى لي أحد أهلي كان له محبة مع الشريف محمد الأمين حوار سمعه دار بين الشريف واثنين من الزائرين، قالا للشريف (دايرين الفاتحة)، سألهم هل تؤديان الصلاة، قالا النصيحة لا. قال لهما الفاتحة قبولها داير صلاة، بديكم الفاتحة لكن تعاهدانني على الصلاة. فهذه هي الحكمة والموعظة الحسنة. كانت تجذبنا صلاة الجمعة للمسجد، وقد كان أستاذ عبدالقادر فضل المولى صهرا للشريف محمد الأمين، كان ينظم مع أستاذ يوسف حولي حضور التلاميذ للمناسبات، وكانت تشتهر مناسبات مسيد الشريف بالولائم وأشهر ما فيها كانت الكنافة.
القبول بمدرسة كركوج :
القدر وحده جعل الكاتب وإخوة له يدرسون لمدة عام ببلدة كركوج، ولم يسبقهم في ذلك أحد ولم يعقبهم في ذلك أحد. ذلك العام هو السنة الرابعة الأوليةفي العام ثمان وستين وتسعمائة وألف. السنة الرابعة الأولية تعادل السنة الرابعة في مرحلة الأساس الحالية. طفل في عمر الحادية عشرة يحمل متاعه ويلتحق بمدرسة ذات داخلية. في ذلك العمر المبكر، بحساب هذه الأيام ينفصل عن أسرته ليواصل مسيرته في الدارسة بجد واهتمام. كان نظام التعليم في الفترة التي سبقت حكم الرئيس النميري يبنى على مراحل دراسية من أربعة سنوات. المرحلة الأولية (من السنة الأولى وحتى السنة الرابعة). المرحلة الوسطى (من السنة الأولى الوسطى وحتى السنة الرابعة الوسطى). ثم المرحلة الثانوية (من السنة الأولى ثانوي وحتى السنة الرابعة ثانوي). وقد كانت المدارس محدودة، تتركز المدارس الأولية في البلدات الكبيرة. ففي منطقة ريفي سنجة (كان يسمى مجلس ريفي شمال الفونج)، والتي تشمل محافظتي سنجة والسوكي الحاليتين (2011).
كانت المدارس الأولية تتمثل في المدارس الأولية بكل من بلدة الرماش، بلدة الشلال، بلدة أم شوكة وبلدة المرفع، هذا إضافة لمدرستين أوليتين بمدينة سنجة، هما مدرسة سنجة الشرقية الأولية ومدرسة سنجة الغربية ذات الرأسين. هذا في الجانب الغربي من النيل الأزرق. كانت بعض قرى الشرق تتبع لمجلس ريفي شمال الفونج. كركوج في الضفة الشرقية من النيل الأزرق بها المدرسة الأولية الوحيدة ذات الرأسين. لعمري أنه ما من مخلوق براسين لن يعيش طويلاً. المدرسة ذات الرأسين تختلف من المدرسة ذات النهرين. ففي حالة النهرين يكون من كل صف فصلان. أما ذات الرأسين فيكون فصلاً واحداً من كل صف عدا الصف الأخير الذي يكون من فصلين. رغم أنه في عهدنا أضيف فصل ثالث للسنة الرابعة لكن ظلت مدرسة كركوج تحمل اسم مدرسة كركوج الأولية ذات الرأسين. ولما كانت المدارس الأولية لا تغطي كل القرى، وكان لابد للأطفال أن يجدوا طريقهم للمدارس، ربما كان الرأي لدى سلطات التعليم شيء خير من لا شيء. لقد ابتكرت العبقرية التعليمية في ذلك الوقت نظام المدارس الصغرى التي بها ثلاثة فصول فقط. وتسمى المدارس الصغرى ( تعرف بالانجليزية تسمى sub-grade). وحتى تلك المدارس الصغرى لا تغطي كل القرى. فقد كانت في حالتنا التي وجدناها ماثلة أننا من عدة قرى تم تسجيلنا في مدرسة قرية دريبووالتي سميت مدرسة المسبعات الصغرى. ومن مدرسة دريبو في عامنا ذاك تم اختيار العشرة الأوائل لكي ينافسوا في الدخول لذات الرأسين، وبقية الفصل بالطبع يترك المدرسة، إلا النذر اليسير الذي ربما يطمع أن ينافس في العام التالي.
كنا نطمع في دخول مدرسة سنجة الغربية ذات الرأسين، التي انعقد امتحان الدخول لذات الرأسين فيها. وبعد أن جلسنا إلى امتحان الدخول لذات الرأسين هذه (أحسب أن ذلك كان في مارس (، وقد كنتُ أحرزتُ فيها الترتيب الخامسعلى مستوى اللجنة (لجنة المنطقة) التي تضم نحو عشرين مدرسة، والجالسون نحو مئتين، يمثلون العشرة الأوائل من كل مدرسة، ليكون الممتحنون في حدود المئتين بعد استبعاد نحو ستمائة ثم يتم اختيار أربعين من المئتين الذين جلسوا للإمتحان للدخول للسنة الرابعة.
بدلاً عن قبولنا في مدرسة سنجة الغربية ذات الرأسين، كان القبول (دفعة عام 1968) في مدرسة كركوج ذات الرأسين. وعلى غير العادة أيضاً، فقد كانت المدارس في سنجة المدينة تتخذ العطلة الصيفية في فترة الصيف (الجاف من مارس وحتى مايو)، لحرارة الجو وتفادي انتشار أمراض الصيف وأشهرها السحائي. أما في الريف (القرى)، فالمدارس تستمر في فصل الصيف لسهولة عبور التلاميذ بين القرى، وتغلق في موسم الأمطار، كذلك ليشارك التلاميذ أهلهم في موسم الزراعة.
كركوج شمال الفونج، كانت تعرف كذلك، إذ أن ريفي سنجة يسمى شمال الفونج، وريفي الرصيرص يسمى جنوب الفونج. كانت كركوج البلدة الوحيدة التي بها داخلية بعد سنجة. ولكي نصل لكركوج لا بد أن نعبر النيل الأزرق عند سنجة بالبنطون (المعدية). هذا قبل إنشاء كبري سنجة في حقبة الثمانينيات، بسنوات تزيد عن الخمس عشرة سنة. ثم نتخذ اللّواري من مشرع مينا إلى كركوج، التي تبعد من سنجة نحوعشرين كيلومترا في ناحية الجنوب الشرقي على ضفة النيل الأزرق الشرقية (الضفة اليمنى حسابا من ناحية المنبع).
بعد نحو شهر من بداية الدراسة في كركوج أبلغ آباؤنا، أن أبناءكم تم تحويلهم إلى كركوج، وعليهم الإسراع بإلحاقهم بمدرسة كركوج الأولية ذات الرأسين. ذهبنا في رفقة والدي الحاج عبدالله و على ود مقداري والد محمد على، نحن الاثنان من قرية زينوبة، وأولاد دريبو كان معهم عمنا المرحوم حسن عبدالله (حسن دريبو شيخ الحِلّة) والد عبدالرحمن حسن (المعروف بالنقراش). كما كان في رفقته صديق محمود الشقيق الأكبر ليعقوب محمود ( في هذه الحالة لا ندري أن نسمي صديق أو عم أو أخ). التقت المجموعة في بص (دريبو عبدالهادي)، كومر تم توظيفه بصا (الكومر عربة نصف نقل، انجليزية الصنع، مخصصة لكبار موظفي الحكومة والدرجات الأعلى (مثل الضابط التنفيذي، المنصب الاعلى في المديرية بعد المحافظ). تستخدم العربة اللاندروفر. كانت محتويات بص الحِلّة من ركاب تلك القرى الحبيبة، الناس نساء ورجال، وأمتعتهم من قفف (سلال) وأكياس غلال في طريقها للطاحونة، وبعض المنتجات الزراعية وغنماية (ماعزة) معها جديها في طريقها للسوق، وبعض دجاجات تحت الكنبة. ولا بد أن يكون أحدا ذاهبا للمستشفى بسنجة. عندما يفيض البص يمتطى البعض ظاهره، خاصة الشباب من الرجال، وكل قد أوثق رباط عمامته حول رأسه ووجهه على نحولثام متمردي الصحارى الأفريقية المشاهد في أخبار القنوات الفضائية في أيامنا هذه فتمتلئ جلابيبهم بالهواء مع حركة البص.
أذكر ذلك اليوم في صيف 1968م، لأول مرة أسافر إلى ما وراء سنجة ونعبر بالبنطون إلى مشرع مينا، ونركب اللّواري. عندما خرجنا من البنطون كان لوري تيمس (قدوم قصير) هكذا كنا نسميه، يستعد لدخول البنطون ، مقدمته باللون الأحمر ومكتوب عليه ضنين الوعد في الباب الورا (الخلفي). ولقد عرفت لاحقاً أن تلك الكلمتين هما عنوان أغنية للمطرب عبدالكريم الكابلي للشاعر صديق مدثر، طالما سمعتها كثيراً من المذياع. والتي تقول بعض أبياتها:
يا ضنين الوعدأهديتك حبيمن فؤاد يبعث الحب نديا
إن يكن حسنك مجهول المدىفخيال الشعريرتاد الثريا
كلما أخفيته في القلبتنبي عنه عيناك ولا يخفى عليا
أنا أنشأته من أعماق قلبي،أرسل الألحان شلالا رويا
وأبث الليل أسرارالهوىوأخص الصبح لونا بابليا
لا تقل إني بعيد في الثرىفخيال الشعريرتاد الثريا
يا ضنين الوعد..
كان بالأمس لقاءا عابرا، كان وهمًا، كانرمزا عبقريّا
كان لولا أنني أطلقتهوتبينت ارتعاشا في يديّا
بعض أحلاميالتي أنسجهافي خيالي وأناجيها مليّا
يا ضنين الوعد..
ومضة عشت على إشراقهاوانقضت عجلى وما أصغت إليّ
كلمة خبأتها في خافقيّ وترفقتٍ بهابراحفيّا
من دمي غذيتهاحتى غدت ذات جرس يأثر الأذن شجيّا
وافترقنا وبعينيالمنى ، غالها الدمعوما اظهرت شيئّا
إن تكن أنت جميلا .. فأناشاعريستنطق الصخر العصيّا
إن تكن أنت بعيداً عن يديفخيالي يدرك النائيالقصيّا
لا تقول إني بعيد في الثرىفخيال الشعر يرتاد الثريّا.
تلك الكلمات وذلك اللحن ظلا بصمة صوتية وموسيقية في وجدان كل تلك الأجيال من
عهدنا. أما اللوري الذي أتخذناه فقد كانت سفنجة (لوري بدفورد)، به بعض السلع الاستهلاكية، السكر، الشاي، الأقمشة، البن، الخيش، الصابون وحتي البصل الذي لا ينتج في تلك الأنحاء. كان اللوري سيد الموقف وقتها لم تكن هناك حافلات أوعربات التيكوسريعة الحركة، حتى البرينسات (سيارات البكاسي كانت تصنع لها مظلات ومقاعد لتستخدم في نقل الركاب، عرفت باسم البرينسات) التي ظهرت واختفت لم تكن موجودة. كان هناك بص وحيد يسير بين السوكي والرصيرص صاحبه من السوكي يدعى طبج، مثله مثل اللّواري التي تم توظيفها إلى بص، وكان له بوري( صافرة أوكلاكس كما يقول المصريون) مشهور، فقد كان البوري له نغمة ثلاثية يعزفها السائق قبل الدخول للبلدة، كان يحلولنا أن نترجم النغمة إلى مقاطع غنائية مثل ( دور بينا البلد دا .. دور بيه .. دور بيه).
امتطينا متن ذلك اللوري إلى كركوج وفي عصر بدري وصلنا إلى بلدة كركوج، واستضاف الناظر حبيب عبدالرحمن حبيب من الحلاوين أباءنا في منزله المتاخم للداخلية من ناحية الشمال وجواره منزل لأستاذ عبدالقادر فضل المولى، ويسكن الأساتذة في ميز يجاور منزل النظر من ناحية الغرب.
منازل المدرسين، كان المنزل عبارة عن جملون مبنية حوائطه من الطوب. والسقف مائل (ضهر تور) معروش بقش النال (نوع من النبات لها سوق رفيعة تستخدم في البناء). ويتكون كل منزل من ثلاثة غرف متتالية (قطر). الأمامية منها توظف مضيفة. وكل منزل مسور بصريف (سور). والصريف هوعبارة عن هيكل من الأعمدة الخشبية (طول كل عمود نحومترين) يتم تثبيت الأعمدة على الأرض على أبعاد متساوية على نحومتر ونصف إلى مترين. على الأعمدة يتم ربط مطارق (عصي رفيعة وطويلة) قنا أوسدر في شكل خطوط متوازية مع الأرض، الأقرب للأرض على ارتفاع نصف متر والثاني على ارتفاع متر والثالث أعلى منهما قرب نهاية الأعمدة. على الهيكل يتم ربط قش النال أوقصب الذرة أوالبُزّام (البُزّام، بضم الباء وتشديد الزاي وفتحها، هوالبوص، نوع من الأعشاب التي تنموقرب النيل سيقانه تشبه القنا لكنه رفيع وأقل صلابة). يتم ربط القش في شكل حصير ليكون الناتج ما كان يعرف بالصريف والذي حلت محله أسوار الطوب مؤخرا. وقد كانت تستخدم ايضا الشرقانيات (حصائر تنسج من قش النال أونحوه).
وقد كان منزل ملاحظ الصحة المجاور للمدرسة من الناحية الشمالية وغرب الداخليات، كان مسورا بالشرقانيات (نسيج من قش النال يستخدم في مكان الحوائط الخارجية الحالية). وقد كان يسكن فيه والد زميلنا في رابعة (أ) أحمد المبارك. وقد كان أحمد يلعب معنا كرة الشراب في المساحة بين منزلهم والفصول. ولما كان أحمد يعتبر من أولاد الخارجية، وقد كان حر الحركة إلى السوق كنا نستعين به لشراء بعض حاجياتنا. فقد كلفته يوما ليشتري لي قلم حبر سائل بمبلغ سبعة قروش وكراس عربي أبوأربعة وستين ورقة بخمسة قروش، وذلك المبلغ سحبته من حسابي لدي أستاذ يوسف حولي، فقد سحبت وقتها مبلغ خمسة عشر قرشا مرة واحدة، سألني أستاذ حولي عن ماذا أريد بكل ذلك المبلغ . شرحت له احتياجاتي المذكورة والباقي ثلاثة قروش كانت مصاريف شخصية، نشتري بها مشروب الميرندا أوالحليب والسرندبل. والسرندبل هي كعكة تصنع في شكل اقراص في قوام اقرب الرغيف البلدي تخبز بالسمن البلدي.
وقد وجدنا طريقنا إلى الداخلية، فكنا قد استقدمنا ألحفتنا وأسرتنا معنا. الآن وخلال خمسة عقود أذكر سنة رابعة في كركوج. أذكر الربى أذكر النهر، أذكر الضحى وهومنتشرهذه الكلمات الأخيرة جزء من قصيدة في السنة الرابعة الأولية إسمها حنين القروي والتي تقول:
بلدتي بلدتي بهجة النظر
أي منظر فيك لا يسر؟!
أذكر الربى أذكر النهر
أذكر الضحى وهومنتشر
يمسح الندى عن فم الزهر
القصيدة منشورة في كتاب المطالعة الأولية الصف الرابع الصادر عن بخت الرضا بشعارها المشهور صورة لطائر نصفه أسود والنصف الثاني مفرغ، بتصرف من كتاب المحفوظات ( لم أك أعرف ما هوالتصرف وما هوكتاب المحفوظات). القصيدة يصحبها رسم لمبنى لمنزل ريفي خلفه مئذنة، وفي الرسم صورة لنخلة وخط للأفق ودائرة تمثل الشمس يخرج منها شعاع، وإلى جانب الشمس خطوط معرجة تشير إلى أنها طيور.
إلا أن أستاذ اللغة العربية في مدرسة كركوج الأستاذ منصور يوسف الكتيّابي كان يدرس رابعة ب مادة اللغة العربية، ليتجاوز نص الكتاب إلى أصل القصيدة، ويلحن القصيدة مع أنغام آلة الكمان خاصته. هذا الأستاذ تجاوز التصرف في القصيدة وجاء بأبيات طويلة. ومع تلامذته في رابعة ب أعطاها لحنا قوياَ، كان تلاميذ رابعة ب يرددونها في الحصة الأخيرة. وفيها بيت يقول (رب شارد صاده نمر.. رحمة به أيها القدر). كانت الحصة الأخيرة (السابعة) متأخرة و كان جرس الحصة السابعة في الداخلية يتزامن بفارق قليل من جرس الغداء. فكان ناس رابعة ب يرددون المقطع الأخير من القصيدة (رحمة به أيها الغدا أيها الغدا) بدلا من القدر، وفي ذلك الوقت من النهار يكون قد بلغ الجوع بالأطفال مبلغا، ورائحة الطعام تفوح من مطبخ الداخلية، خاصة رائحة الملوخية أوالرجلة المطبوخة بالعدس أو حتى الباذنجان المطبوخ بالأرز. كانت الطباخات الخالات حتيتة وكلتوم وخادم الله والمشرف على إطعام التلاميذ عبدالجبار.
طعام الغداء لا يخرج من الأصناف (رجلة، ملوخية، بامية، قرع أو أسود(باذنجان)، مع الكسرة، وهي وصفات سودانية مشهورة. هذا هو الغداء . الفطور فول أو عدس مع الرغيف. وفي يوم الخميس والثلاثاء يكون الفطور كسرة بأم رقيقة لها طعم وقوام خاص. عندما تكون بدرة البامية (الويكة) بعض حبيباتها قد تكرضمت (تكورت).
أما الرغيف كان كل واحد يمسك بنصف رغيف، وقد تحلق الكل حول الصينية وسطها صحن الفول أوالعدس، حتى إذا خلص ما في الصحن، تم التهام الباقي جافا أو يحتفظ الطفل بباقي الرغيف ليشرب به الشاي في الصباح. يضع التلاميذ باقي الرغيف في شنطة الحديد تحت العنقريب (سرير من الخشب والحبال) المغلقة بالطبلة. الشنطة دائما ما يكون في أحد أركانها صابونة غسيل وصابونة كاربوليك للحمام، فيكتسب الرغيف من رائحة وطعم الصابون، رغم أن الرغيف قد وضع في الركن البعيد، وكم كنا نستغرب لانتقال رائحة الصابون إلى الرغيف، ونحتفظ بباقي الرغيف لشاي الصباح في اليوم التالي ويكون قد جف جزئيا، فيكون قرقوش من نوع خاص، هذا رغم نكهة الصابون، خاصة عندما يكون الشاي بعد حصة التربية البدنية في صباح يوم الخميس الباكر ، والتي تتمثل في طابور جري لمسافة اثنين كيلومتر يتقدمه الأستاذ يوسف حولي ضابط الداخلية. يخرج طابور الجري من الداخلية شمالا على طول طريق العربات، حتى قنطرة مشروع أبوعشة، ثم على طول الترعة ليعود عبر حِلّة الشريف محمد الأمين الخاتم (أزرق كركوج) إلى طريق العربات ثم الداخلية. لنجد الشاي جاهزاَ وقد أحس الاطفال الرياضيون بالجوع، ويهرع كل إلى شنطته ليستخرج القرقوش .
رابعة جيم :
كنا في رابعة ج (جيم). وما أدراك ما رابعة جيم. رابعة جيم أضافت رأس ثالث لمدرسة كركوج ذات الرأسين. بعد أن كانت رابعة ألف ورابعة ب. إذ أن رابعة جيم أضيفت محولة من سنجة، بعد أن نجحنا في امتحان شهادة استثنائي من ثالثة لرابعة. غريب ذلك الامتحان. إذ يتم اختيار العشرة الأوائل من فصل ثالثة. يجتمع العشرة الأوائل من نحوعشرة مدارس، يمتحنوا، ليتم قبول أربعين من المائتين، وأصلاَ هم اربعمائة اختيار العشرة الأوائل. من اربعمائة يتم قبول أربعين.أي عشرة في المائة فقط، والبقية ال(90%) يكون قد توقف (انتهي) تعليمهم بالحلقة الأولى بعد ثلاثة سنوات فقط من التحاقهم بالمدرسة) يبدوأن سياسة التعليم قد اتخذت قرارا برفع ذلك المعدل إلى عشرين في المائة في ذلك العام، فكانت رابعة جيم بكركوج وكنا نحن فأصبحت المدارس ذات الرأسين بثلاثة رؤوس ثلاثة. لم يستمر ذلك الوضع طويلاَ، ليجيء انقلاب مايوفي عام 1969 ويعلن عن ثورة ينشر فيها التعليم بشكل مختلف.
مدرسة كركوج مبنية منذ ما قبل الاستقلال (كانت وقتئذ قد مر على الاستقلال أكثر قليلاً من عشر سنوات) ، تمثل روعة البناء في ذلك الوقت. بناء من الطوب الأحمر غير المطلي مثل مبني البوستة الشهير بالخرطوم، شبابيكها واسعة من ثلاثة طبقات ، شيش من الخشب خارجي ونملي من الداخل وسيخ حماية في المنتصف. وسقفها عقد بالكمر.
جئنا كلنا في رابعة ج من منطقة سنجة ( أبوقرع، شاشينا، قلاديمة ، مينا أبوالبنات ، عصلنقة، حمدنالله، كل تلك المدارس من الشرق. وكنّا وحدنا أولاد المسبعات (دريبو)من الهوي (غرب النيل الأزرق). أما تلاميذ رابعة ب فقد جاءوا من مدارس : (دونتاي، ود عائس، أبوتيقة، اللكندي وبنسو) وهم أبناء المنطقة الجنوبية كركوج عدا بنسو وجندلة وام سنط. أما رابعة (أ) فهي لأبناء كركوج.
ولا زلت تراني أذكر أسماء كثيرة من فصل رابعة جيم (من قبل 40 سنة)، كنا في الكنبة الأولى من ناحية اليمين، وكان الفصل يتجه جنوبا، عبدالمنعم حسن من قلاديمة في أقصى اليمين، الصادق عبدالله من المسبعات، حسن محمد عثمان من قرية عصلنقة وابراهيم أحمد المهل من قرية حمدنالله في أقصى شمال الكنبة، يقابله في الكنبة الأخرى الفاضل عبدالله الكمر ويجاوره أحمد اسماعيل من قرية مينا وحسن العوض دفع الله من مينا ويوسف مهدي قرشي من أبوقرع.
أحمد اسماعيل المذكور أحسب أن له شأنا الآن، لا أدري أين هو. ففي ذات مساء كان هناك درس عصر (درس العصر هوالآن ما يعرف بالحصص الإضافية ، خاصة للطلبة الممتحنين، ويكون الدرس في العصر لأنه لم تكن هناك كهرباء لإضاءة الفصول في المساء). كان ذاك الدرس لغة عربية. دخل الأستاذ الآن الدكتور بدوي محمد الأمين قنجاري، دكتوراة في اللغة العربية تعليماً وتعلماً). أمر الأستاذ أحد التلاميذ أن يمسح السبورة، ليبدأ بمسح السبورة إلا أنه سقط صريعاَ، وصار يضرب رأسه بالأرض، ما كان من أحمد اسماعيل إلا أن يقفز من مقعده ويجرى نحوه ويضع يديه تحت رأسه، ليمنع إصطدام الرأس بالبلاط، إلى أن أفاق التلميذ وقد أدمت يدا أحمد اسماعيل من جراء ضرب الرأس على اليدين مع الأرض.
كان الفصل (رابعة ج) يضم :
ابراهيم احمد المهل حمدنا الله
أحمد اسماعيل مينا حِلّة يوسف
احمد محمد صالح مينا أبوالبنات
أحمد مهدي مينا المشرع
بكري ابراهيم جبريل جندلة
بكري أدم أبوقرع
جلال بخاري حِلّة بخاري
حافظ عبدالواحد حِلّة بخاري
حسن الشريف محمد عبدالعزيز العمارة الشريف
حسن العوض مينا
حسن محمد عثمان عصلنقة
حسين محمد عثمان أبوقرع
حسين محمود قلاديمة
حسين مهاجر حِلّة بخاري
حيدر يس أبوقرع
الخير محمد على المسبعات
سليمان محمد سليمان أبوقرع
الصادق الفاضل حمدنا الله
الصادق عبدالله زينوبة المؤلف
صديق فرح عصلنقة، طبيب
الضو عبدالله ابكر أبوقرع
عبدالرحمن حسن عبدالله المسبعات
عبدالرحمن عثمان ابن أخت استاذ يوسف حولي ، جاء محولاَ
عبدالرحيم جكسا ود عايس
عبدالرحيم محي الدين أبوقرع
عبدالله عبدالكريم لم الدين مينا ابوالبنات
عبدالمنعم حسن قلاديمة
علي بيلو الحاج قلاديمة
علي حسن ام سنط
الفاتح محمد علي قلاديمة
الفاضل عبدالله الكمر ود العيس.
فيصل الحاج قلاديمة
محمد أحمد أبكر ود الفور
محمد حامد أدم ود الريف
محمد زين أحمد ابوقرع
محمد عبدالله العجب جندلة
محمد على عبدالله زينوبة
محمد عمر حسب الله جندلة
نصرالدين الحاج، المسبعات
يعقوب محمود ود الفكي المسبعات
يوسف مهدي قرشي أبوقرع
كان صديق فرح رئيس سفرتنا (صينية الطعام)، وبعد أن يأخذ عبدالجبار التمام من رؤساء السفر ويتأكد أن كل الناس قد جلسوا في شكل حلقات، يسمح أن يأخذ كل رئيس سفرة سفرته (صينية). تبدأ مراسم الأكل بتوزيع قطع اللحم بعد أن تخرج من الصحن إلى الصينية، فيدير أحدنا ظهره نحوالسفرة ووجهه بعيدا عن الصينية، وفي كل مرة يرفع رئيس السفرة قطعة يقول (دي لي منو؟) فيرد الآخر دي لفلان. وعندما يكون عدد القطع أقل يعمد رئيس السفرة ليقطع القطع الكبيرة لأصغر. وعندما تكون قطع اللحم نادرة، يرفع رئيس السفرة أحيانا يده فارغة ويقول دي لى منو، أي تكون قرعة مطلقة. رحمة به أيها الغدا.
طلاب المدرسة، الداخليون منهم أبناء أبوتيقة واللكندي( أقصى جنوب مجلس سنجة) ومنهم حافظ ابراهيم (رئيس داخلية) والهادي النور، وآدم أبكر، محمد الأمين الفكي، محمد الهلالي التهامي وأخوه الأكبر(يوسف التهامي). أبناء ود عائس ومنهم أحمد محمد علي. ومن ود بهيجة منهم عثمان محمد أحمد، كان يسمى (بالدوقوشيه).
حكى أحد هؤلاء عن مغامرات له مع خاله الذي يكبره. حكي أنهما ذهبا في فترة الإجازة لإحدى المدن التي بها مشروع تنمية شهير في ذلك الوقت للعمل. ولما لم يجدا عملا، قاما بشراء بعض الكتب الدينية وألواحا وإبريقا وخرجا في هيئة فكي وحواره إلى بعض القرى. واتخذا اسماً يدل على الشرف والتدين. يحكي أنهما لقيا ضيافة وترحيباَ. ويحكي أنهما كسبا بعض القطع الذهبية بعد أن نذرت إحدى النسوة أن تعطيهما البياض (البياض ما يدفع للشيخ نظير الدعاء والكتابة). إن عاد لها غائب بفضل دعائهما وفاتحتهما. المفاجأة كانت عودة الغائب دون مقدمات وقبل انتقالهما لمنطقة أخرى، فوعدت بنذرها. وقد حكى كيف انهال عليهما أصحاب الحاجات وتدفق بين يديهما المال وخوفا من دخولهما في مأزق وافتضاح أمرهما عجلا بالرحيل مع الوعد بالعودة.
ومن أبناء دونتاي والدبيبة خليل عبدالله (تقلد مناصب سياسية مختلفة، منها محافظ ثم وزيرأً للأوقاف). خليل عبدالله محمد على وقد تزاملنا معاَ مرة أخرى في الجامعة بمجمع كليات الزراعة والبيطرة بشمبات. خليل يصعب لأي أحد أن يباريه في الحضور مبكراَ للمسجد. هذا في الداخلية، وقد سكنت لبعض الوقت في أحد أحياء العاصمة لأرى خليل مرة أخرى في صلاة الصبح قبل جميع المصلين. ومن أبناء دونتاي ، محمد أحمد عبدالله ودّاد، محمد (عمل معلماً ) ولودّاد شخصية متميزة من ذلك الوقت في الهدوء وبعض الابتكارات. محمد ود عدلان وموسى ود الجرجر، عبدالله ود المامون، الرشيد أحمد وأخوه صلاح، أما محمد ود البدري (محمد البدري المامون) امتحن من دونتاي إلا أن أسرته انتقلت إلى كركوج فكان من أولاد الخارجية. وأولاد دونتاي كانو مشهورين بالمديح والدوبيت. وقد، سمعنا منهم قصيدة الخضرا العامر بناها، نامل نشوف عرفة ومناها، نحيا ونموت نحشر معاها. وقد نقلوا إلى ظل مباني المدرسة لعبة (هودنا يا هودنا..عشرة حداشر جنبنا... ما شبعت ياجنا....). وقد مثلوا في إحدى ليالي السمر مسرحية تضم ألغازاً كثيرة، جاء فيها (ابن من أنت؟).. أنا ابن من تخضع الرقاب له .. يرد الحكيم : إذن أنت أبن الحلاق .
ومن أبناء قري شمال كركوج (بنسو، جندلة ، العمارة الشريف وأم سنط)، وقد جاءوا لمدرسة كركوج من مدرسة بنسو منهم محمد عبدالله العجب، محمد عمر حسب الله، آدم الحارن، بكري ابراهيم جبريل (كان والده ملاحظ غابات كان يزوره مرتديا الكاكي والبرنيطة)، ابراهيم العضل (كان ابراهيم ينشد بعض الدوبيت فيه: نحن أولاد جعل، ما بخوفونا ببندقا مسلك عوده، ما بنموت إلا تتم المعدودة)، ثم الحسن الشريف محمد عبدالعزيز من العمارة الشريف وعلى حسن من أم سنط.
هناك أبناء ود العيس والجزائر، وهي قرى تقع بين سنجة وكركوج. رغم أن ود العيس كانت بها مدرسة أولية، إلا أن بعضا منهم كان يدرس في كركوج. منهم عبدالسلام اسماعيل، خالد حمد الفكي، وقد قابلنا كثير منهم في سنجة الأميرية لاحقا. ولقد ذهبنا يوما ولعبنا كرة قدم مع مدرسة ود العيس. أما القرى التي تقع شرق سنجة مثل ود الريف، ود الفور وقرية مينا أذكر منهم محمد أحمد محمد أبكر، محمد عبدالله رزق، محمد حامد آدم، الرشيد التوم عدلان، حسن العوض دفع الله، أحمد مهدي عيسى، أحمد اسماعيل والزبير رحمة الله ( نسميه الزبير باشا رحمة) وعبدالله عبدالكريم لم الدين.
استاذنا بدوي محمد الأمين قنجاري (أخصائي اللغة العربية) يدرسنا مادة اللغة العربية في رابعة جيم، وله في ذلك مهارات. ندرس على يده تمثيلية عمروبن كلثوم. نقوم بتمثيلها ويدخل هوفي مداخلة شعرية يلتوفيها أبيات طويلة من المعلقة الشهيرة، ونظل نحفظ منها منذ ذلك الوقت المتقدم، (ابا هند لا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقين، بأنا نورد الرايات بيضاَ ونصدرهن حمرًا قد روينا، بشبانٍ يرون القتل مجداً وشيباً في الحروب مدربين). فإن كان أستاذ الكتيابي عازف كمان وملحن قصائد ماهر، فأستاذ بدوي كان خطاطاً ماهراً، وكان يكتب بكلتا يديه. كان يمسك الطباشيرة البيضاء باليمين والملونة بالشمال، ليكتب الأمثلة بالألوان. أذكر من قصص تلك المادة أن كتب أستاذ بدوي جملة فيها مبتدأ وخبر (المدرسين متعبين)، قائلاً هذه الجملة خطأ، من يصححها؟ رفع التلاميذ أصابعهم يطلبون المشاركة، وقد كان أستاذ بدوي يتحسس مظان الفهم ويختار بعناية، ويترصد لمظان الذين لم يفهموا ليتأكد أن دروسه مفهومة. فقال قم يا فلان، رد التلميذ: (المدرسين مرتاحين)، ضحك أستاذ بدوي ضحكة مجلجلة لم نسمعها من قبل، وضحك وراءه بعض ممن في الفصل. وعندما دخلنا إلى جامعة الخرطوم بعد منتصف السبعينيات، كان أستاذ بدوي طالباً في كلية الآداب في نهاية المرحلة الجامعية، عرفت أن أستاذ بدوي أعد دراسة فوق الجامعية عن اللغة العربية تعليماً وتعلماً ، نشرت خارج السودان، فهوالذي غرس حب اللغة العربية في وجداننا.
كان منهج اللغة العربية يضم القواعد النحوية والأناشيد والمحفوظات والمطالعة الأولية. ففي المطالعة، كنا نسمي الكتاب بأشهر قصصه، فكان كتاب الحسن البصري، فيه قصة الحسن البصري من جزأين، ومنه قصصه سر الكوخ العجيب، في وادي الوحوش بسرنديب، وتمثيلية عمروبن كلثوم. أما الأناشيد فكان منها مدرستي:
صباح الخير مدرستي اليك اشتقت في أمسي
فزاد اليوم تفكيري
سمعت رنين أجراسك وجئت إليك فرحانا،
نداؤك رائع عذب كما لوكان ألحانا.
أو قصيدة: الله ، والتي تقول بعض ابياتها:
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
انظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة،
من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة،
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
كنا نغني قصيدة أنظر لتلك الشجرة على وزن إحدى أغنيات فنان حقيبة الفن الشهيرة المرحوم أحمد الطيب وغناها من بعده المرحوم بادي محمد الطيب (السمحة أم عجن)، من أغنيات سيد عبدالعزيز. وتقول بعض ابياتها :
نظرة يا السمحة أم عجن لو كان قليل تبرى الشجن
أعرف صفا الأيام أفيق أنظر جمال تلك الوجن
ابكى واصبح متضرعاً يا ناس دموع عينى ترعاً
يا منبع النور والفطن يا الفقتى يعرب والوطن
وقصيدة الوادي (لسيد قطب وآخرين):
ألا ما أجمل الوادي وما أبهى مراعيه،
ومر به نسيم الفجر في الصبح يحيه).
وقصيدة المذياع ( الراديو) :
هوفي الحياة مرفه ومعلم ينبيك ما لا تعلم
يطوي بك الدنيا وكأن رأسك يحلم.
كذلك قصيدة يا كنار لضرار صالح ضرار (يا كنارا قد تغنى في الغفار، في حقول القطن زاهي الاخضرار).
من القصائد الغريبة قصيدة في المطالعة في كتاب في وادي الوحوش، أحسب أن شاعرها لبناني اسمها (النجم أقرب)، عبارة عن حوار بين أب وابنه، الذي طلب من أبيه أن يأتي له بنجم، فاعتذر الأب أن النجم لا يمكن الحصول عليه، ثم تأتي سيارة في الأرض تنهب، فيطلبها الصغير، فيرد عليه والده (يا بني النجم أقرب). ومن القصائد التي كانت متداولة لا أذكرها في المطالعة أم في المحفوظات قصيدة الشادوف (أيا شادوفي در هيا، فزرعي يطلب الريا، وعم بالخير واديا، وجئ بالماء والطين، أغث زرعي بسقياه، فإن الماء محياه، وهذا الزرع حلّاه، سأجنيه ويغنيني).
لكن هناك أنشودة بلادي رددناها في رحلتنا لمباراتنا مع مدرسة ود العيس، أذكر منها:
بلادي بلادي، فداك دمي،
وهبت حياتي فدىً فاسلمي،
غرامك أوّل ما في الفؤاد،
ونجواك آخر ما في فمي،
بلادي بلادي إذا اليوم جاء،
ودوى النداء وحق الفداء،
فنادي فتاك شهيد هواك،
وقولي سلاما على الأوفياء،
سأهتف باسمك ما قد حييت،
تعيش بلادي ويحيا الوطن
تعيش بلادي ويحيا الوطن.
وقصيدة وطنية أخرى رددناها أيضا، منها: (يا بني السودان هبوا، اتركوا النوم ولبوا دعوة الوادي الحزين). هذا من شأن حصة العربي.
أما الحصة الممتعة الأخرى هي حصة الجغرافيا. و قد بدأت الجغرافيا معنا منذ السنة الثانية يث درسنا خريطة الجردل و خريطة الفصل ثم خريطة المدرسة وخريطة المنطقة . ومع الخرائط تعلمنا الاتجاهات ومفتاح الخريطة ويعني شرح رموز الخريطة. وفي السنة الثالثة (الصغرى) بدأنا رحلاتنا الجغرافية داخل السودان و زرنا اصدقاءنا بدءا من القولد وانتهاءاً بعبدالحميد في قطار عطبرة بورتسودان.
أما في السنة الرابعة ، كان استأذ عبداللطيف. بدأ لنا دروس الجغرافيا بالتدريب على استخدام الخريطة والاتجاهات ومن ثم التعرف على بلدة كركوج بالسعي في طرقاتها نحمل الخريطة بحثاً عن الكنز المدفون في أحد أنحاء البلدة. بحث ولغرض اليتم تقسيم الفصل لمجموعات، كل مجموعة تأخذ خريطة في مسار مختلف عن الأخرى. لكن تنتهي كل المسارات عند الكنز. تتحصل المجموعة الأسرع والأفضل استخداما للخريطة على الكنز المخبأ، وغالباً ما يخبأ في مكان لا يبعد عن المدرسة كثيراً، هذا بعد أن تذهب الخريطة بالمجموعة بعيداً حسب المسار. غالباَ ما يكون الكنز كيس حلوى. ولتعزيز قراءة الخرائط كان هناك درس في السنة الثالثة في كتاب المطالعة المعروف وقتها ب(طه القرشي). كان الدرس يحكي قصة تلميذ في الدويم، قاصدا بخت الرضا. ذهب لبعض أغراضه، سالكا طريقا متعرجة. وأدركته الصلاة فغشي بئرا توضأ عندها وصلى، وعندما وصل إلى بخت الرضا تذكّر أنه نسي عمامته في مكان ما. كان المدرس يكلف التلاميذ أن يسلكوا الطريق رجوعاً بحثاً عن العمامة، وهناك رسم لخارطة الدويم وبخت الرضا والبئر. ولتطبيق قراءة الخرائط ، تتم زيارة بعض المواقع في البلدة، كل مجموعة تسلك طريقا لتلتقي في الموقع المحدد. فكانت الزيارات لدكان التاجر، الطحان (الطاحونة)، نقطة الشرطة، والعمدة (المحكمة).
أما الزيارات الخيالية الخارجية، فبعد أن كانت الزيارات في السنة الثالثة لبعض أنحاء السودان، كانت جغرافيا السنة الرابعة هي صور من العالم (أصدقاؤنا: أحمد في مصر، آفوفي الصين، رشك في الهند، هنري في الولايات المتحدة، صديقتنا قرينتش في سويسرا، صديقتنا عرفة في بلاد العرب. صديقنا وليام في استراليا. كانت لدى صديقنا وليام وأهله مشكلة آفات الزراعة تتمثل في الأرانب. إلا أني كنت أستغرب كيف تكون الأرنب الحيوان النادر، الذي نقضي يومنا أثناء العطلة المدرسية نبحث عنه، وعندما نجده نطارده بكلابنا، وعندما نصطاد منها واحدة يكون ذلك اليوم قمة النشوة والمتعة. أما صديقنا في الارجنيتن كان راعياً للبقر اسمه سانشو. ومن زياراتنا لهؤلاء الأصدقاء عرفنا منازلهم إن كانت خيام أومراكب في سطح الماء، أو منازل سطحها من القرميد المائل حتى لا يتكثف الجليد عليها، كما عرفنا مأكلهم وصناعاتهم، مثل تربية دودة الحرير، صناعة الورق، الجبن، نسج الصوف والساعات.
حصة العلوم كانت مدهشة، إلا أن الأستاذ الذي وجدناه يدرسها كان مرعباً، كان اسمه وداعة، لا يفارقه السوط. من دروس العلوم (كانت تسمى حصة الطبيعة). منها بخار الماء يتصاعد، يكون السحب. حوافر الحصان للمشي في الأراضي الحجرية، وطريقة نهوض الحصان، بالمقابل البقرة ذات الظلف المشقوق والمشي في الطين وطريقة نهوضها، ومناقير الطيور، آكلة الحبوب، آكلة الحشرات، آكلة اللحوم، وآكلة الحشرات في الطين، وكذلك أرجلها. نذكر درس الضغط الجوي وقد كان تجربة عملية بتسخين الماء في جالون يومها جاء الأستاذ بموقد كيروسين وجالون (من الصفيح)، وقتها لم يكن البلاستيك معروفا. قام بتسخين قليل من الماء في الجالون. أنزل الجالون من الموقد وقام بإغلاقه فورا. انتفخ الجالون. ثم قام بصب ماء بارد على الجالون، ليحدث الجالون فرقعة منكمشا (انضغطت جوانبه للداخل). ثم درس مصادر الماء (ماء النهر، ماء البئر، ماء النبع، كان مثال مياه النبع هو مياه بارا والخيران)، ثم ذهبنا في درس عملي ميداني إلى شاطئ النيل لرؤية الينبوع بعد يوم مطير، حيث شاهدنا الماء يجري بين طبقات الأرض نحوالنهر. عدنا بعد عطلة الخريف (الإجازة تبدأ في منتصف يونيو وتنتهي بنهاية سبتمبر) وجدنا وداعة أستاذ العلوم قد نقل وتنفسنا الصعداء، أكملها بعده أستاذ عبدالقادر الشريف فضل المولى قد استلم حصة العلوم إلى جانب الرياضيات . كان استاذ عبدالقادر ودوداً.
حصة الدين (التربية الإسلامية) كان يدرسها الأستاذ يوسف على حولي، وقد كان ضابط الداخلية، وله اثنين من أبناء أخته معه في المدرسة، هما أمين عثمان وعبدالرحمن عثمان. رغم أن أستاذ يوسف كان لطيفاً لا يميل للعقوبة، إلا في حالات الإهمال المخل، إلا أن الشعور بالإلتزام بالتسميع يجعل منها حصة جادة. وكانت رابعة تدرس جزء تبارك وتشتهر سورة نوح وسورة الجن، لا أدري لماذا!. أذكر أحد التلاميذ لم يستطع أن ينطق الآية في سورة نوح (جعلوا أصابعهم في آذانهم) يقولها (جعلوا أصابعهم في أذنابهم). وفي منهج التربية الإسلامية هناك آيات مختارة منها ( قل اللهم مالك الملك، وآية ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه)، وقصص مروءة ونجدة ، الوفاء بالعهد. كان أستاذ يوسف يؤم تلاميذ الداخلية خاصة في صلاتي المغرب والعشاء، وكان يؤمهم من التلاميذ حسين بخاري من رابعة جيم.
من كتاب ذكريا البادية لمؤلفه الصادق عبدالله عبدالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.