«تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داء السكرى ... الوباء القادم الى بلادنا .. بقلم: بروفيسور عوض محمد احمد
نشر في سودانيل يوم 29 - 01 - 2014


كلية الطب, جامعة بحرى
ما هو مرض السكرى
مرض السكرى هو مرض مزمن (اى يلازم المريض به مدى الحياة) يسببه عدم او نقص افراز او عدم فعالية هرمون الانسولين الذى تنتجه خلايا متخصصة فى البنكرياس. وظيفة الانسولين الاساسية هى تمكين استعمال سكر الجلكوز كوقود ضرورى لانشطة الجسم المختلفة, لذا فى حالة نقص الانسولين لاتتم الاستفادة بصورة مثلى من السكر فيؤدى الى تراكمه بكميات كبيرة فى دم الانسان. تراكم السكر يؤدى انياً الى ظهور اعراض مثل كترة التبول و العطش الشديد و الفتور, بينما على المدى الطويل يؤدى الى حدوث مضاعفات المرض المزمنة مثل تصلب الشرايين والفشل الكلوى والعمى ومرض القلب وبتر الاطراف .
ينقسم مرض السكرى الى نوعين. النوع الاول يسببه غياب كامل لافراز الانسولين وبالتالى يعتمد المرضى بصورة مستديمة فى علاجهم على تناول حقن الانسولين. ويصيب هذا النوع حوالى 10% من المرضى الذين يكونون غالباً فى سن الطفولة او المراهقة. اما النوع الثانى فيسببه نقص نسبى او عدم فعالية الانسولين ويمكن علاجه بالحمية الغذائية او الاقراص الخافضة لسكر الدم واحياناً قليلة يعالج بالانسولين. يصيب هذا النوع الغالبية العظمى من المرضى (90%). وهذا النوع الثانى هو موضوع مقالنا هذا.
حتى الان لايوجد علاج شاف لمرض السكر وكل العلاجات المتاحة الان هى لتخفيف الاعراض ولمنع او تاخير ظهور المضاعفات وبالتالى تحسين نوعية حياة المرض بحيث تقل معانتهم بدنياً ونفسياً ومهنياً واجتماعياً. ربما توفر تقنيات هندسة الجينات علاجا شافيا و لكن ليس فى الوقت الراهن.
مرضى السكرى فى بلادنا
مرض السكر فى السودان له تاريخ سحيق. اذ ان مؤرخى الطب قد اثبتوا وجود كتابات باللغة الهيروغلافية (لغة قدماء المصريين) تشير الى امكانية وجوده فى مصر الفرعونية. ومن المعروف ان دولة الفراعنة كانت تمتد حتى حدود مدينة كريمة الحالية فى الولاية الشمالية. اما فى القارة الافريقية فحتى سبعينات القرن الماضى كان السكرى يعتبر من الامراض النادرة وقد يعود هذا اما الى عدم انتشاره او عدم تنيه العاملين فى الخدمات الطبية لامكانية وجوده او لقصور الخدمات التشخيصية.
فى الوقت الراهن فى السودان وغيره من الدول التامية فان معدل انتشار الامراض غير الساربة وعلى راسها السكرى وارتفاع ضغط الدم فى تصاعد سريع بشكل ينذر بحدوث ما يشبه الوباء فى المستقبل المنظور, بينما يتراجع انتشار بعض الامراض المعدية مثل البلهارسيا والكالازار و الجزام. ان احصائيات منظمة الصحة العالمية تتوقع انه بحلول عام 2025 م سوف يزيد عدد مرض السكرى الى 300 مليون مقارنة ب 175 مليون مريض حالياً وسوف تكون معظم هذه الزيادة فى الدول النامية. بينما فى الدول المتقدمة سيظل عدد المرض فى حالة ثبات نسبى.
ان مرض السكرى يعتبر حاليا فى بلادنا واحد من المشاكل الصحية الكبرى. ومع انه لم تجرى حتى الان دراسات مسحية موسعة لمعرفة معدل نمو المرض وانتشاره السنوى الا ان هناك تقديرات جزافية لبعض المصادر تقدر عدد المرضى بمليونين وبعضها يقدره بمعدل مريض واحد فى كل اسرة سودانية اما على مستوى حالات المستشفيات فان بعض الدراسات توصلت الى ان حالات السكر تشكل 10% منها وكذا حالات الوفيات.
اسباب انتشار مرض السكرى قى بلادنا
1. احد اهم اسباب انتشار المرض فى بلادنا هو سيادة نمط الحياة المدينى او الحضرى نتيجة التحولات الاقتصادية و الاجتماعية فى خلال العقود الثلاثة الاخيرة. ان وفرة السيارات, عامة وخاصة, واستعمالها حتى لاقل المسافات قلل من الجهد البدنى الذى يبذله الافراد وبالتالى الميل الى السمنة التى لها علاقة بظهور مرض السكرى. كما ان انتشار التعليم ساعد فى التحول الى الاعمال و المهن الكتابية والذهنية قليلة الجهد. كما ان اتنشار اجهزة البث التلفزيونى والفضائى على مدار اليوم واجهزة الكمبيوتر التقليدى و المحمول ادى لان يجلس الناس اليها الساعات الطوال بلا حراك سوى الامساك بريموت او ماوس وهم يحتسون المشروبات السكرية. وقل الاهتمام بممارسة الرياضة ( واقتصر الامر على تشجيع كرة القدم على مقعد امام التلفزيون او فى الاستادات). ولاتوجد ساحات او مضامير لممارستها. حتى شوارعنا الضيقة المتربة المظلمة كانها صممت فقط لمرور السيارات ولا تشجع لممارسة رياضة المشى حيث يفتقد اغلبها لارصفة المشاة الامنة. كما تسود النظرة السلبية بل العدائية نحو رياضة المراة .
2. حدثت تغيرات كبيرة و سلبية فى نظامنا الغذائى. فتم التخلص من الغذاء التقليدى الذى كان قوامه الاطعمة الغنية بالالياف والخضروات والفواكه الطازجة لمصلحة نمط غذائى جديد يتميز بكثرة الاستهلاك للاغذية الغنية بالسعرات الحرارية مثل السكر الابيض والخبز المصنوع من القمح الابيض المقشور والمشروبات الغازية بمختلف احجامها وسندوتشات البيرقر وغيره من اللحوم الغنية بالدهون التى تؤدى الى السمنة والسكرى. تضافر العامل الاول (قلة الحركة) مع العامل الثانى (ازدياد استهلاك السعرات الحرارية) فادى الى انتشار البدانة والسكرى. ومما فاقم الامر هو ازديادوتاثر الهجرة من الارياف الى المدن نتيجة لموجات الجفاف والتصحر وضيق فرص العمل والحروب فى الهوامش و الاطراف. اذ سرعان ما يتبنى المهاجرون نمط الحباة المدينى بعد هجرهم الاعمال اليدوية الشاقة و اتجاههم صوب اعمال هامشية قليلة الجهد و العائد. كما ان موجات الاغتراب فى دول الخليخ منذ منتصف السبعينات التى شملت ملايين السودانيين حيث نقلوا النمط الغذائى و الحياتى السائد فى المدن الخليجية الذى تسبب هناك فى واحدة من اعلى نسب السمنة ةالسكر فى العالم.
كيفية رعاية مرضى السكرى
بخلاف كثير من الامراض المزمنة فان معالجة مريض السكرى تعتمد على مفهوم الرعاية الشاملة التى تتجاوز كثيراً مجرد تناول الاقراص او حقن الانسولين. فمريض السكرى بحاجة الى تغيير نمط حياته بحيث يمارس قسط وافراً من التمارين الرياضية وبحاجة الى تغير نمط غذائه ويحتاج للالمام الكافى بطبيعة مرضه ومضاعفاته وتصحيح المفاهيم الخاطئة السائدة وسط مرضانا. ويحتاج المريض الى عمل فحوصات دورية للعين والقلب و الكلى والكولسترول لاكتشاف المضاعفات حالة حدوثها. هذه هى بعض مهام الرعاية الشاملة لمرضى السكرى وهى كما نرى تحتاج الى فريق من المعالجين بخلاف الاطباء مثل خبراء التغذية والمثقفيين الصحيين وفنيى المختبرات. من الصعب القيام بمثل هذه الرعاية فى عيادات المستشفيات وسط زحام المرضى الاخرين. ولان مرض السكرى لاينتمى لتخصص طبى واحد. ولان المريض يحتاج لرابطة من نوع خاص مع طبيبه لهذه الاسباب تتم رعاية مرضى السكرى فى مراكز خاصة بهم. فى السودان الان لايوجد الا القليل من هذه المراكز وهى فقيرة التجهيزات كما يتركز جلها فى العاصمة وفى وسط المدينة. كما يتبع بعضها للقطاع الخاص حيث تفوق تكاليفها العالية امكانيات فقراء المرضى.
هناك دور مهم لجمعيات مرضى السكرى فى رعاية المرضى وهى جمعيات مكونة من العاملين فى رعاية المرضى والمرضى انفسهم, وتهتم برعاية المرضى والتصدى لمشاكلهم على مستوى الدولة او المدينة من النواحى الاقتصادية والاجتماعية اضافة للنواحى العلاجية والعلمية وتثقيف وتوعية المرضى وتشجيع اجراء ونشر البحوث العلمية المختصة بالمرض. وقد انشئت اول جمعية سكرى فى العالم فى دولة البرتقال فى عام 1926 وكانت مهمتها الاساسية هى توفير الانسولين المكتشف حديثاً وقتها لفقراء المرضى. اما الجمعيىة الاكثر شهرة وفعالية عى مستوى العالم وهى الجمعية البريطانية فقد اسسها عام 1934 كل من الدكتور لورنس وكان طبيباً بارزاً والروائى المشهور اتش جى ويلز وكان مريضاً بالسكرى. فى السودان توجد جمعية للسكرى الا ان وجودها غير محسوس لا للمرضى ولا للمهتمين من الاطباء.
معوقات رعاية مرضى السكرى
لعل احد اهم معوقات الرعاية المثلى لمرضى السكرى هو صعوبة حصول محتاجى الانسولين لجرعاتهم باستمرار. فيلجا المرضى الفقراء الى التوقف عن العلاج او تخفيض الجرعة او العودة الى استعمال الاقراص غير الملائمة لحالاتهم. كما توجد مشاكل فى تخزين الانسولين نتيجة لعدم وجود الثلاجات او انقطاع الكهرباء المستمر, فيلجا المرضى اما الى ابقائه فى درجة حرارة الغرفة التى ربما تفوق الاربعين درجة مئوية فى اشهر الصيف او يلجاون الى وسائل تخزين مشكوك فى جدواها.
لعل مرض السكرى هو من اكثر الامراض تكلفة (تكاليف مباشرة وغير مباشرة). ففى الولايات المتحدة تصل تكاليف المريض الى 12 الف دولار سنوياً ( اكثر من اربعة اضعاف ماينفقه غير المريض على صحته. وتباع الجملة التكاليف المباشرة 44 مليار دولار والتكلفة الاجمالية مباشرة وغير مباشرة حوالى 100 مليار دولار وهى تقارب تكلفة جميع انواع السرطان.
ان من اهم معوقات الرعاية حالياً ندرة الكوادر الطبية المتخصصة فى مرض السكرى. فعدد الاطباء المتخصصين فى امراض السكرى والغدد الصماء فى البلاد قليل للغاية. كما لايوجد فنيون متخصصون فى مجالات التثقيف الطبى ورعاية الاقدام. يوجد عدد معقول من فنيى التغذية لكنهم يعملون فى اقسام معينة فى المستشفيات ليس من بينها رعاية مرضى السكرى.
كما ان نسبة الامية العالية وغياب البرامج الفعالة للتثقيف الصحى يؤديان الى انتشار الافكار والمفاهيم الخاطئة عن مرض السكرى (لاسيما ان هذا المرض هو فى الاساس مرض غربى مزروع فى غير بيئته). هناك غياب تام لتناول الجوانب الثقافية فى البرامج العلاجية وسط اطبائنا. فمثلاً بعض المرضى يخلطون بين مفهوم الايمان بالقضاء والقدر وبين ضرورة التحوط ضد مضاعفات السكرى, حيث يعتقدون انهم لامحالة معرضون لها مهما بذلوا من جهد.
هناك مشاكل مرضى السكرى فى الارياف حيث سوء او انعدام الخدمات الصحية, و حيث لايوجد اى افق فى الوقت الراهن ليتمتعوا بخدمات رعاية متخصصة او غير متخصصة حتى فى المدن الولائبة الكبرى. ومما يفاقم الامر هو تشتت السكان فى قرى صغيرة على مساحات واسعة بحيث يحتاج الامر حتى ولو توفرت خدمات فى مناطق مختارة ان يقطع لها المرضى مسافات طويلة وبالتالى يقل انتظامهم فى المتابعة الدورية. وربما يجدر ان ندرس بعناية تجربة فريدة تم تطبيقها فى اثيوبيا قبل عدة اعوام خصوصاً وان الوضع الاقتصادى واليمغرافى متشابه فى البلدين. تقوم هذه التجربة على طواف وحدات متنقلة لرعاية مرضى السكرى فى الارياف بحيث تضم الوحدة فريق من طبيب, ممرض مختص، مثقف صحى, فنى مختبرات وكاتب احصاء مع التجهيزات الضرورية. وتقوم هذه الوحدات بالاضافى لمعاينة المرضى بتدريب المساعدين الطبيين والممرضين فى الوحدات الريفية فى مجال رعاية المرضى وربطهم بنظام تحويلى لاقرب مركز متخصص.
هناك معناة المراة المريضة بالسكرى حيث اثبتت الدراسات انهن اكثر تعرضاً لمضاعفات المرض واقل مؤاومة معه (coping). ان التقاليد العائلية المتوارثة (حتى فى الدول المتقدمة) من حيث توزيع الاعمال المنزلية الشاقة والتغذية ونصيب الفرد من دخل الاسرة متحيزة تماما ضد المراة لصالح الرجل. وبالتالى يحتل مرض المراة مرتبة دنيا فى اولويات اهتمام الاسرة, عكس الامر حيث يكون رب الاسرة هو المريض. ان الاطباء عليهم وضع برامج علاجية تراعى خصوصية وضع المراة المريضة. كما ان اهل (الجندر) مطلوب منهم مبارحة محطة الختان الفرعونى قليلاً لاستشراف جوانب اخرى من معاناة النساء فى مجتمعنا وتوجيه جهودهم حيالها.
خاتمة
ان مرض السكرى فى الوقت الراهن يعتبر واحد من مشاكلنا الصحية المهمة. نتيجة لغياب الخدمات المتخصصة يعانى مرضانا من نسب عالية لمضاعفات المرض الانية والاجلة. للاسف لم ينل هذا المرض بعد حظه من الاهتمام الرسمى او الشعبى حيث لاتزال الموارد موجهة بصورة رئيسية للامراض المعدية مثل الملاريا والايدز (ونحمد لوزارة الصحة بولاية الخرطوم انشائها ادارة للامراض غير السارية). ان هناك حاجة ماسة لتاسيس برنامج قومى لرعاية مرضى السكرى (او تفعيله اذا كان موجوداً). ينبغى ان يستقطب هذا البرنامج جهود جهات متعددة مثل وزارة الصحة الفدرالية و الوزارات الولائية و كليات الطب و منظمات المجتمع المدنى. ان قوام هذا العمل هو التنسيق القومى للخدمات العلاجية والوقائية واعداد البرتكولات العلاجية المناسبة لاحتياجات المريض السودانى ومنع اى تناقصات يمكن ان تنشا بين الاطباء المعالجين حيال معالجة المرضى وتدريب الكوادر المعالجة على اختلاف تخصصاتها وتشجيع الابحاث عن المرض وتنظيم حملات اعلامية لتوعية الجمهور وصانعى القرار باهمية المرض كمشكلة قومية اضافة للقيام بحملة مسح قومية على اسس علمية لمعرفة مدى انتشار المرض ومعدل الزيادة السنوية (علماً بان هذا المسح يعتبر ادنى متطلبات التخطيط الصحى السليم لرعاية المرضى) وعلى البرنامج ان يسعى لمشاركة المجتمع عبر جمعيات السكرى فى انشطته وتخطيطاً وادارة ومراقبة.
ونرى ان ضربة البداية نحو خدمات فعالة لرعاية مرضى السكرى هو تدريب جيل من فريق الرعاية المتخصصة ( اطباء، ممرضين، فنى تغذية، مثقفيف صحيين وفنييى رعاية اقدام) والخطوة التالية هى انشاء اربعة او خمسة مراكز رعاية مكتملة فى العاصمة وبعض المدن الكبرى لتكون بمثابة مراكز نموذجية لتقديم الرعاية ولتدريب فرق اخرى تنشى بدورها مراكز فى المدن الاخرى. بهذه الطريقة نضمن تغطية عواصم الولايات على الاقل فى غضون شهور. ونذكر انه لا يشترط اعتماد وسائل تكنولوجية متقدمة فى بداية الامر لبلوغ اهداف الرعاية المثلى, بل يمكن البدء باساليب رعاية بسيطة ريثما يتسنى تجويد الخدمات فى مرحلة لاحقة.
كما لايجب ان ينسى البرنامج القومى المقترح اهمية الجانب الوقائى حيث بدات برامج الوقاية تحرز نجاحاً متزايدأً فى انحاء عديدة من العالم. ان التاثير على العوامل المسببة للسكرى ممكن بوسائل مثل انقاص الوزن وتشجيع الرياضة البدنية واعتماد طرق تغذية سليمة. وعلى البرنامج ترجمة هذه المفاهيم لبرامج عمل يخاطب بها الجمهور مباشرة بوسائل مفهومة لديه. ويجب ان يكون معلوما انه لابد فى النهاية من حلول وسطى تتيح التمتع بمنجزات الحضارة الحديثة مثل وسائل المواصلات المريحة والكمبيوتر وفى نفس الوقت تمكننا من تجنب امراض (الحضارة) مثل السكرى والسمنة وغيرها.
اخيرا لابد من التذكير بان التمويل السخى هو اساس اى خدمة صحية جيدة بما فيها رعاية مرضى السكرى. هذه هى مهمة الدولة و القطاع الخاص. ينبغى اطلاق حملات لرفع الاهتمام بمرض السكرى وسط الراى العام و وسط صناع القرار لتوجيه الاهتمام (و بعضا من المال) لتلافى اخطار هذا الوافد الجديد الى بقية اوبئتنا التى طاب و يطيب لها المقام بين ظهرانينا لاجل غير معلوم.
[email protected]
////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.