ما يزال كثير من السودانيين الذين يرتادون المساجد في يوم الجمعة بالسودان يعتقدون أن أداء شعيرة صلاة الجمعة التي تتألف من خطبة وصلاة، هي مزاوجة حقيقية بين العبادة والعادة، لذلك تجد أغلبهم يهرول إلى المساجد في اللحظات الأخيرة، باعتبار أن الخطبة كلام مموج في السياسة أو وعظ معلوم في الدين. وأحسب أنه من الضروري أن يتفهم أئمة صلوات الجمعة في السودان، أن منابر الجمعة ليست نشرات سياسية أو منشورات حزبية أو صحف سيارة، بل هي منابر للوعظ والاتعاظ في غير شدة لفظ، وقسوة معنى. الهدف منها التذكير بالآخرة عن طريق جلائل الأعمال، والتذاكر بأمور الدنيا عبر القبول الحسن، والعمل الصالح، والقدوة الحسنة، إذ إن أمر القول اللين أكثر مقاربةً للخشية والتذكر. فلا غروَ أن وجه الله تعالى نبيه موسى عليه السلام للذهاب إلى فرعون لهايته بالقول اللين، وذلك باصطحاب أخيه هارون ليشد من أزره عند مناصحة فرعون الطاغية الجبار. فقال تعالى في محكم آيه، وبديع بيانه: "اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى". فهكذا يشير الأمر الرباني إلى ضرورة التزام القول اللين لإحداث التذكر أو الخشية. ولكننا نلحظ في المساجد أن معظم الأئمة يغلظون القول حتى عندما يريدون نصح الحاكم والمحكوم، وبعضهم يشتط في القول، غلظة ومخاشنة، ويحسب أنه بذلك يحسن صنيعاً، بينما يباعد بقوله ذاكم الشقة بين الناصح والمنصوح، وهو يظن - وبعض الظن إثم- أن ينزّل في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قِيلَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: للَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ". أخلص إلى أن صلاة الجمعة في حقيقة أمرها هي تداخل لطيف ما بين العبادة والعادة. فالأمر التعبدي فيها واضح، إذ إن الله تعالى يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) ". مما لا ريب فيه أن هذه الآيات الثلاث زاوجت بشكل واضح بين العبادة والعادة، من حيث أداء شعيرة صلاة الجمعة مما فيها من خطبة وصلاة ركعتين، فيهما قدر من الخشوع والتعبد. أما العادة فهي ملتقى أسبوعي للمسلمين يشكل قاعدة مهمة من قواعد التواصل الاجتماعي والتراحم بين الأسر والأصدقاء. كما أنها سانحة طيبة للمناسبات السعيدة، وفيها قدر معلوم من الراحة والاستجمام بعد عناء عمل طوال أسبوع، فلذلك ينبغي استغلال هذا اليوم المعارك في الإكثار في عمل الخير والصالحات من الأفعال. وجمعة مباركة. ===== ////////