استوقف الكثيرون من السودانيين في الداخل والخارج، خبر تداولته الأوساط الصحافية والإعلامية، وزادت عليه تعليقاً وإضافةً بعض المواقع الإسفيرية في شبكة الإنترنت، وبعض القنوات الفضائية السودانية، نقلاً عن صحيفة "التايمز" المالطية، عن صفقة خاسرة تمت بين شركة المواصلات المالطية وإحدى الشركات السودانية، لشراء 80 بصاً من طراز المرسيدس، كانت تستخدم من قبل في لندن، وتم بيعها بغرض التخلص منها، كبصات مستعملة إلى شركة مواصلات مدينة فلوريانا في مالطا منذ أغسطس الماضي، ولكن تم سحبها من الخدمة في الطرقات والشوارع في مالطا بعد سلسلة الحرائق. وذكر التقرير أن شركة مواصلات مالطا تقدمت إليها الشركة السودانية وثلاث شركات لشراء تلك البصات، بتكلفة قدرها 6 مليارات جنيه سوداني. وأن الشركة السودانية دفعت أعلى سعر في هذه البصات، وتمت الموافقة على الصفقة، وستقوم الشركة السودانية بدفع مقدم السعر يوم الجمعة، ليتم شحنها إلى السودان خلال أربعة أسابيع. والأكثر إيلاماً في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "التايمز" المالطية، أن المالطيين عبروا عن فرحتهم بالتخلص من هذه البصات، ولكنهم في الوقت نفسه، سخروا من السودان، لأنه سيشتري مثل هذه البصات المتهالكة. ومما أثار الجدل وردود الفعل المتباينة وسط السودانيين طوال هذه الأيام، حول هذه الصفقة، أن الكثيرين بدأوا يتساءلون عن جدواها في فك اختناقات مواصلات العاصمة السودانية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد شوارع وبُنى تحتية تتحمل هذا الحجم من البصات، لأنها من الأحجام الكبيرة التي تحتاج إلى شوارع واسعة وبُنى تحتية قوية. وأن عقد هذه الصفقة يخلو من أي التزام تجاه المشتري يتعلق بإصدار شهادات ضمان للبصات وتوفير قطع الغيار لها. وأحسب أن هذا الجدل الذي أثار غباراً كثيفاً حول هذه الصفقة التي أجرتها إحدى الشركات السودانية نيابة عن ولاية الخرطوم، وبدأت الشُّبهات تترى حول موقف الولاية من هذه الصفقة الخاسرة، بافتراض أن الولاية وافقت عليها. وأن هذا يدخل في باب تبديد المال العام، وبعضهم ذهب إلى أن هذا وجه من أوجه الفساد المالي والإداري. مما اضطر ولاية الخرطوم أن تصدر بياناً أول من أمس تعلن من خلاله براءتها من صفقة بصات مالطا، مؤكدة أن الولاية لم تتفاوض أو تتفق مع أي جهة أجنبية أو سودانية بخصوص تلك البصات. وأبدت الولاية دهشتها في إقحامها في صفقة شراء بصات من مالطا، وأنها في طريقها إلى الخرطوم. أخلص إلى أن ولاية الخرطوم أكدت في نفيها لأي علاقة بهذه الصفقة، أن خطتها في ما يتعلق بالبصات والمركبات العامة، باعتبارها من المواعين المطروحة للمساهمة في النقل، هي ضرورة استيراد بصات جديدة، التزاماً بقرار الحكومة الاتحادية الذي يمنع استيراد السيارات المستعملة. وجميل من الأخ الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم أن ينشغل أيما انشغال بهذا الأمر، وينداح في دائرة اهتمامه، على الرغم من أنه في زيارة إلى الصين، إلا أنه ظل يتابع هذا الموضوع لأهمية تبيان الحقيقة وتوضيح المعلومة، إذ أفادني في اتصال هاتفي من ذاكم البلد البعيد أن الولاية لا صلة ولا علم لها بما يتم تداوله في هذا الشأن، مؤكداً لي أنه دُهِش بأمر هذه الصفقة، وإلصاقها زوراً وبهتاناً بولاية الخرطوم، داعياً الوسائط الصحافية والإعلامية إلى تحري الدقة والتزام المهنية والمصداقية في نقل مثل هذه المسائل، حتى لا يصيبوا قوماً بجهالة، فيصبحوا على ما فعلوا نادمين. وقال لي إنه لن يوافق على مثل هذه الصفقة، مهما كانت مبرراتها، لأنها تتنافى مع قرار الحكومة الاتحادية الذي يمنع استيراد السيارات المستعملة، ناهيك عن أنه ليس من المصلحة العامة استيراد مثل هذه البصات المستعملة التي لن تحل معضلة المواصلات في ولاية الخرطوم. ونحن أدرى بما يحقق تلكم المصلحة لمواطن الخرطوم. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".