هل وصلت العلاقات السودانية التشادية إلى بر الأمان بعد سنوات عجاف من حالة الحرب وترسخت قناعة ببناء علاقات على قاعدة إستراتيجية من تبادل المصالح؟ أمس قام الرئيس التشادي إدريس ديبي بزيارة إلى السودان ولم يحط رحاله في العاصمة السودانية الخرطوم كما جرت العادة بل استقبله الرئيس عمر البشير في عاصمة السودان الاقتصادية ميناء السودان البحري على البحر الأحمر. وقالت مصادر سودانية رسمية إن ديبي وصل بصحبة وفد رفيع المستوى يضم عدداً من الوزراء والمسؤولين بحكومته.. لعل اختيار المدينة الاقتصادية الأولى في السودان يشير إلى أن أجندة الزيارة الرئيسية هي أجندة اقتصادية وذكرت ذات المصادر أن الرئيس دبي سيقف على عدد من المرافق الحيوية بمدينة بورتسودان من بينها الميناء الحر. التقارب السوداني – التشادي بدأ منذ (4) سنوات بوقف حالة الحرب بين البلدين، ثم توقيع اتفاق أمني مشترك مازال صامداً على غير عادة الاتفاقات بين البلدين، وأخيراً حديث عن تعاون اقتصادي يشمل تصدير نفط تشاد عبر أنبوب يمر عبر أراضي السودان من غربه إلى أقصى شرقه حيث موانئه على البحر الأحمر.. إن كان بالفعل لدى قيادة البلدين نية لخلق علاقة إستراتيجية بينهما، فإن الشروط السياسية والاقتصادية وحتى التاريخية متوفرة وحاضرة، ولكن كانت تعوزها الإرادة والفعل.. تاريخ العلاقة بين الخرطوم وانجمينا المثقل بالاضطراب والمواجهة، سببه الأنظمة السياسية المتعاقبة في كلا البلدين؛ بيد أنه في الوقت نفسه لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الآثار السالبة للتركة الاستعمارية الثقيلة التي كافحت بضراوة كل المشتركات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. لقد وقف الاستعمار بآثاره الباقية ومحاولاته المستمرة، حجر عثرة في وجه محاولات الإصلاح والتعاون بين القطرين.. إلى العهد القريب مارس الطرفان سياسة عض الأصابع؛ ظلت قضية إقليم دارفور المجاور بل المتداخل تماماً مع تشاد نقطة ضعف الخرطوم وأصابعه التي تعضها تشاد بقوة؛ أما تشاد فقد عانت من هشاشة نظامها السياسي القائم على قبلية متجذرة، ولذا كان النظام في الخرطوم يعض أصابع أنجمينا عبر محاولات جادة لإسقاط نظام الرئيس الحالي إدريس ديبّي؛ حتى أنه في فبراير من العام 2008م كانت العاصمة التشادية أنجمينا قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي المتمردين المدعومين من الخرطوم ووصل بهم الأمر أن هددوا باقتحام القصر الرئاسي الذي كان يتحصن فيه ديبّي، إلا أن قوة فرنسية تدخلت في اللحظات الأخيرة وأجلت المتمردين عن العاصمة واستجمع ديبّي أنفاسه ومن ثمّ تم دحرهم تماما خلال أسابيع تالية.. بعد تلك "المغامرة" سعى السودان ضمن دول أخرى لتقديم مساهمة تصبُّ في جهود إرساء الاستقرار في تشاد فقد وقعت حكومة ديبّي والحركة الوطنية المعارضة اتفاق مصالحة ووقف لإطلاق النار بين الطرفين بحضور أمين منظمة تجمع الساحل والصحراء الإفريقية وسفراء السودان، قطر، وفرنسا وممثل الاتحاد الأوروبي في ليبيا، ربما أدرك السودان أنه ليس له مصلحة في استمرار التوتر في تشاد لأن ذلك سينعكس بصورة أو أخرى على أمنه واستقراره. منذ إطاحة الرئيس ديبي بحكم الرئيس السابق حسين حبري وتولى الحكم في تشاد عام 1990م، ظلت بلاده تواجه مشكلات عميقة مع السودان، ولأكثر من عقدين من زمان بقيت العلاقات تراوح مكانها، وسط اتهامات كل طرف للطرف الآخر بإيواء معارضي البلد الآخر، ووصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق القنصليات بالبلدين. وبعد عدة اتفاقات فاشلة نجح اتفاق الدوحة عبر وسطاء إقليميين لإنهاء الخلاف، في إرساء مصالحة بين البلدين في الدوحة في 4 مايو 2009م.. وتمخض عن هذا الاتفاق تشكيل قوات حدودية مشتركة نجحت تماماً في ضبط الحدود مما عزز فرص التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين. لقد مكن الاتفاق الأمني الأخير بين البلدين الخرطوم من كسر شوكة حركات تمرد دارفور التي وجدت دعماً لوجستياً كبيراً من انجمينا، فضلاً عن عامل آخر مهم وهو سقوط نظام القذاقي في ليبيا الذي احتضن تلك الحركات ومدها بالسلاح والدعم المالي الوفير في فبراير من العام الماضي زار ديبّي الخرطوم وشهد مع نظيره السوداني توقيع اتفاقية للاستفادة من موانئ السودان في تصدير النفط التشادي عبر الأراضي السودانية. وتشاد دولة مغلقة ليس لديها موانئ بحرية، وقد وصف عدد من خبراء النفط والاقتصاد الاتفاق بأنه نقلة حقيقية في الاستثمار في مجال البنيات التحتية.. تصدير تشاد لنفطها عبر السودان سيحقق نتائج إيجابية ليست على المستوى الاقتصادي. بل على المستوى السياسي مع دول الجوار، وربما يشجّع بعض دول الجوار للدخول في مثل هذه الشراكات.. وللسودان أنبوب نفطي هو الأطول من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط وهو السبيل الوحيد لتصدير نفط دولة جنوب السودان في الوقت الحاضر، ولذا ربما يقلل ذلك تكاليف إنشاء خط فرعي مكمل لتصدير النفط التشادي. ومن قبل طرحت تشاد مشروع مصفاة وخطين لأنابيب البترول ومحطة الكهرباء وفاز بالعطاء رجل أعمال سوداني بتكلفة 34 مليون دولار وقد اكتمل تشييد الخط في حين يجري العمل في المصفاة ومحطة الكهرباء.. بالإضافة إلى المشروع النفطي هناك مشروعات للربط بين البلدين، متمثلة في مشروع سكة الحديد الذي عُهد به إلى شركات صينية، وطريق القاري حيث التزم الجانب السوداني بإيصال الطريق إلى مدينة الجنينة الحدودية، فيما وافقت دولة قطر على تمويل الطريق بين مدينتي أبشي التشاديةوالجنينة السودانية. [email protected] //////////