لا ينكر أحد أن لقاء الجمعة الذي جمع الرئيس عمر البشير والدكتور حسن عبدالله الترابي، أنه لقاءٌ له رمزيةٌ ودلالةٌ، واستوقف كثيراً من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه. ولم يكن اهتمام الوسائط الصّحافية والإعلامية بلقاء الجمعة، مجرد عكس حدثٍ يحمل في طياته معانٍ ومضامين فحسب، بل هو لقاءٌ حمله البعض كثير تفاؤلٍ، وعظيم استبشارٍ، بينما حذّر منه البعض الآخر، خشية أن يكون ذاكم اللقاء مبدأه ومنتهاه يهدف إلى وحدة القوى الإسلامية، أو رتق ما انفتق من المؤتمر الوطني، وكان من تداعياته المفاصلة بين الإسلاميين في السودان، والمباعدة بين المنشية والقصر في ديسمبر 1999. كلُّ هذه الدَّلالات اشرأبت بعنقها تحليلاً وتفسيراً لرمزية اللقاء، أكثر من البحث في تفاصيله. وأحسبُ أن صحيفة "التغيير" ناقشت في اجتماع تحريرها الصباحي في اليوم التالي للقاء، مدلولات الصورة التي جمعت بين الأخ الرئيس عمر البشير والشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، من حيث أنّها صورةٌ لها أبعاد ينبغي أن تُبسط للقراء بشيءٍ من التحليل والتّعليق. وتطرّق الاجتماع إلى إحداث مقاربةٍ بين صور الأخ الرئيس عمر البشير في لقاءاته المتعددة بقيادات الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، إذ أنّ في بعضها كان الجلوسُ جلوسَ مواجهة، أيّ أنّ الرئيس في مواجهة زعيم الحزب الآخر، أو جِلسة مباعدةٍ، أيّ أنّ الرئيس جلس بعيداً، بينما جلس الآخرون في مواجهته. ولكن في لقاءِ الجمعة، كان الجلوسُ فيه قدرٌ من المقاربة، وكثيرٌ من الارتياح، وهيّج تشوقات بعض الإسلاميين الذين - دائماً وأبداً - يُفرطون في التّفاؤل، في إطار أمانيهم بالتلاقي والتقارب، وعودة أيامِ الصّفاء، إلا أنّ الظرفَ والوضعَ الراهنِ المأزوم، يتطلب قدراً من الحذّر في الإفراط والإقلال من التفريط في مخرجات لقاءِ الجمعة. ورأت "التغيير" أهمية الصورة، التي أجمع علماءُ الإعلام والصحافة من أنها تعادل ألف كلمة، لذلك جاء اهتمامنا بالصورة ووضعيتها في لقاء الجمعة. ومن المستغربات في الشّأن السياسي السوداني، أنّ مجالسَ مؤانسة السودانيين التي تنتشر في العاصمة والولايات، فيها كثيرُ عمقٍ في التّحليلات والتعليقات، حتى وإن جاءت على سبيل الأحاديث العابرة، والطُرف المباغتة. فمَنْ يتجوّل في عددٍ من مجالس المؤانسة هذه الأيام، يلحظُ أنّها تباينت بين مستبشرِ خيراً وبين محذرٍ من أنّ هذا اللقاء سيعيد الإنقاذ سيرتها الأولى. وذهب بعضُ المتشائمين إلى أنّ هذا اللقاء لن يكونَ من مآلاته ومُخرجاته مُعالجة قضايا البلاد والعباد، ولكنّه سيُنظم العلائق بين الإسلاميين، اتعاظاً مما حدث في مصر. وأحسبُ أنّ ذلك الحدث يعتبره الإسلاميون - حكومةً ومعارضةً - عظةً يجب الاتعاظ بها من خلال التدبر والتبصُّر لتفادي تداعياتها في السودان. أخلصُ إلى أنّ لقاء الجمعة أدعى إلى أن يكون استجابةً صادقةً لدعوة الأخ الرئيس عمر البشير إلى الحوار الوطني، عبر خطابه الرئاسي يوم الاثنين 27 يناير 2014، الذي تضمّن رُؤىً ووثبةً، ارتكزت على المرتكزات الأربعة، كالسلام والحريات والاقتصاد والهوية؛ لجعلها ملتقىً يجتمع حوله أهل السودان، بحثاً عن معالجات حقيقية وجوهرية للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة. لذلك أرى أنّ رأس رمح الاستجابة لهذه الدعوة، سيكون المؤتمر الشعبي، إذا أخلص نياته وعقد عزائمه وإرادته، على العمل من أجل إصلاح الوضع الراهن المأزوم، مع جهود غيره من الأحزاب والقوى السياسية المستجيبة لنداء الحوار الوطني. وربما كانت الاستجابة هذه تحمل في مضامينها بعضاً من أسباب التدين، لأن الله سبحانه وتعالى في خطابه للمؤمنين، دعاهم إلى أن يصلحوا بين أخويهم، فمن الأولى أن يكون الإصلاحُ شاملاً لكل بني السودان. ومن مُخرجات لقاء الجمعة المهمة الدعوة إلى الإسراع بخطى الحوار الوطني. فمن الضّروري أن تنطلق بعضُ المؤشرات التي تدعم هذا التوجه. وأظنُّ - وليس كل الظن إثماً - أن الأخ الرئيس عمر البشير مهمومٌ هذه الأيام بكيفية العمل على الإسراع بخطى الحوار الوطني. وإنفاذ مطلوباته المتمثلة في الإعلان عن ميقاته الزماني والمكاني، والإسراع إلى التوافق في أجنداته الوطنية، حتى تكون لتلكم الدعوة صداها الطيب داخل السودان وخارجه، ولتعمل على تعجيل معالجات توافقية لكافة أوضاع السودان الراهنة. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". وقول الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي: جزى الله الشدائد كل خير وإن جرعتني غصص بريقي وما مدحي بها حبا ولكن عرفت بها عدوي من صديقي