[email protected] أحسب أنه من الضروري أن يحدث توافق وطني بين القوى السياسية الوطنية السودانية على أهمية الحوار الوطني، والبحث عن آليات لتيسيير عملية إنعقاده، وفقاً لمرئيات وطنية تتوافق على أجندات وطنية، يكون الهم الأكبر فيها ليس الكسب الحزبي، ولكن المصلحة الوطنية، لمعالجة قضايا الوطن كافة، بإعتبار أن بستشعر الجميع، حكومةً ومعارضةً، أن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد في الظرف الراهن لإحداث مُخارجات حقيقية لإنهاء حالة التأزيم في المضاغطات السياسية والضائقات الاقتصادية والانفلاتات الاجتماعية. ومن الضروري أيضاً الإيقان بأن الإصلاح الذي هو السبيل إلى تحقيق التطور الحقيقي في أوضاع السودان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والدفع بها نحو الافضل، والعمل من أجل تدعيم أسباب الاستقرار والتنمية المستدامة. ومن المفيد أن تكون دعوة الرئيس السوداني عمر البشير إلى حوار وطني جامع لكل القوى السياسية الوطنية السودانية، حكومة ومعارضة، وتزامنه مع إعلانه عن إطلاق سرح جميع المعتقلين السياسيين لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية للدورة الجديدة للهيئة التشريعية القومية مؤخراً، الذي جاء نتيجة حراك سياسي مشهود تمثل في لقاءات سياسية بين قيادات المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) وقيادات قوى سياسية معارضة داخل السودان وخارجه، كانت من مُخرجاتها هذه الدعوة الرئاسية للحوار الوطني، بُغية الوصول إلى معالجات ناجعة لقضايا الوطن كافة. وكان جميل أن يتضمن خطاب الرئيس البشير في ثناياه تأكيدات مهمة متعلقة بضرورة مشاركة الجميع في هذا الحوار الوطني، دون عزل أو إقصاء حتى المجموعات التي تحمل السلاح. ووعد الرئيس البشير ببسط الحريات وتهيئة مناخ للحريات لتفعيل دعوة الحوار الوطني، وتأكيد صدقية الدولة في الالتزام بالتشاور والتفاهم حول الآليات التي تنظم عملية الحوار الوطني، حيث قال: “نجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار". وأحسب أنه مهما حدث من اضطراب وتراجع في الأيام القليلة الماضية حول بسط الحريات، وتعزيز الحقوق، هذا لا ينبغي أن يدفعنا، خاصةً أولئك المتفاءلين بجدوى الحوار الوطني وأهميته في هذا المنعطف التاريخي لبلادنا. ويقيني أن الأيام المقبلة ستشهد ما يدعم توجه الرئيس البشير إلى إنفاذ تعهداته المتعلقة ببسط الشورى والتفاهمات مع القوى السياسية الوطنية السودانية إلا من أبى حول الأجندات الوطنية وآليات الحوار الوطني، في إطار منظومة الإصلاح الشامل للواقع السوداني الراهن. ومن البُشريات التي تزامنت مع دعوة الحوار الوطني، أن أحدثت زيارة الرئيس البشير إلى جوبا انفراجاً ملحوظاً في العلاقات بين البلدين، وشكلت بكل المقاييس بارقة أمل في إحداث تطور نوعي في مسار علاقات البلدين، مما دفع الرئيس البشير إلى القول، خلال جلسة المباحثات المشتركة بين السودان وجنوب السودان: "إن الأجواء الإيجابية التى أحدثها التوقيع على تنفيذ المصفوفة مهدت لهذه الزيارة التي تؤشر على بداية لتعاون بناء فى طريق تطبيع العلاقات بين البلدين "، مضيقاً "إن إعادة استئناف ضخ النفط يعد نموذجا للتعاون المشترك، وبداية فعلية لتنفيذ الاتفاق، وقد اتفقنا على كافة الترتيبات اللازمة حتى تضخ الدماء فى شرايين الاقتصاد بالبلدين من أجل رفاهية شعبينا ". ولم يكن الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أقل حماسة في التعبير عن صدق عزمه، وتأكيد إرادة حكومته في انفاذ مصفوفة الاتقاقات التي وقعت بين البلدين في سبتمبر الماضي في أديس أبابا. بل زاد على ذلك بإعلانه استعداده شخصياً للتوسط بين الحكومة السودانية والمتمردين قي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، باعتبار أنه كان شخصيا هو المسؤول عن تدريب كل من ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو وهو الذي دفع بهما للمعارك، وكانا تحت قيادته المباشرة. ولما كان الهاجس الرئيسي في علاقة البلدين اتهام الخرطوملجوبا بدعمها للحركة الشعبية - قطاع الشمال، نفي سلفا كير، في مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس السودانى عمر البشير عقب المباحثات الثنائية بين الجانبين، أن تكون لبلاده أي صلة مباشرة مع ما قال انهم يسمون انفسهم الحركة الشعبية قطاع الشمال. وقال سلفاكير إنه قد طلب من باقان اموم الأمين العام للحركة الشعبية ومن رئيس هيئة الاركان بالحركة قطع أي صلة بين حركته والذين كانوا أعضاء فيها من السودان بعد أن انفصل الجنوب في يوليو 2011، وقال إن هذا ما حدث وهذا ما أكده باقان اموم في خطابه للآلية الإفريقية رفيعة المستوي التابعة للإتحاد الإفريقي بقيادة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي. يجيء هذا الأمر داعماً للحوار الوطني، إذا أدركت القوى السياسية الوطنية، حكومة ومعارضة، أهمية إعداد مناخات جاذبة للحوار الوطني، دون اعتماد البعض على الخارج في نبذ الحوار، والتلكؤ في الاستجابة لدعوة الحوار الوطني. على الرغم من أن تزامن الهجوم على كا دوقلي مع زيارة الرئيس البشير إلى جوبا، لم يؤثر على مُخرجات لقاء الرئيسين البشير وسلفا كير، كما كان يعتقد البعض أو يرغب، ولكن البعض الآخر حاول أن يجعل منها مدخلاً للتشكيك في صدقية نفي سلفا كير! أخلص إلى أن الحوار الوطني صار واقعاً يجب أن تعمل كل القوى السياسية الوطنية، بجد واجتهاد في التفكير الجاد لتهيئة أسباب نجاح الحوار الوطني، من خلال إحداث توافق وطني حول أجندات وطنية تُفضي إلى معالجات واقعية لكافة قضايا البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن الضروري أن يضع الجميع عامل الزمن في إنفاذ استحقاقات الحوار الوطني، ليلتئم شمله في القريب العاجل، حتى يتسنى للجميع التفرغ لبناء سودان الغد، بعيداً عن التخندق في مرارات الماضي، بالنسبة لبعض المعارضين أو التمترس في مكتسبات الحاضر بالنسبة لبعض الموالين. فالسودان أولى بصدارة اهتمامات الجميع من أجل غدٍ مشرق وتنمية مستدامة.على كل المأمول أن يصب الحوار الوطني في مصلحة الوطن والمواطن معاً. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "وإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: إلام الخلف بينكم إلام وهذي الضجة الكبرى علام وفيم يكيد بعضكم لبعض وتبدون العدواة والخصام ///////////// ////////////////