تؤكد المؤشرات وتوقعات المراقبين للشأن السياسي المصري، أن المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري السابق، سيكتسح الانتخابات الرئاسية المصرية التي ستُجرى اليوم (الاثنين) وغداً (الثلاثاء)، بعد أن تبين تقدمه الملحوظ في صناديق اقتراع المصريين بالخارج. ولن تأتي هذه التوقعات، وتلكم المؤشرات من فراغ، إذ أن منافسه اليساري حمدين صباحي، لم يستطع كسب القوى الحديثة، وشباب الثورة المصرية إلى جانبه. كما أن تردده في مسألة خوض الانتخابات الرئاسية المصرية، أكثر من مرة، أوحى لدى الكثيرين بأنه شخصية مترددة لا تحزم أمرها ولا تحسم قرارها، إلا بعد لأيٍّ وحين. بينما المشير السيسي ذو الخلفية العسكرية، جُرَّب في خوض المغامرة، عندما عزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، في الثلاثين من شهر يونيو الماضي. وأحسبُ أنّ القوى التي مهّدت للانقلاب على رئاسة وحكومة الإخوان المسلمين في مصر، مثل حركة "تمرد" التي أسهمت بقدر ملحوظ، في حشد الحشود خلال تنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، التي انتظمت مصر في مدنها وقراها في الأسبوع الأخير من يونيو الماضي، لإسقاط نظام الإخوان المسلمين، وبالفعل نجحت حركة "تمرد" والقوى المناهضة للإخوان المسلمين، خاصةً قوى اليسار المصري الذي ألّب جماهير الشعب المصري على ذاكم النّظام، حتى أسقطه في 30 يونيو 2013، نلحظ أنّ هذه القوى اليسارية صارت على شفا الانهيار، ولم تتوحد كلمتُهم في تأييد حمدين صباحي، إذ أن بعضهم استشعر خطر المسؤولية، فاتجّه بكلياته إلى تأييد المشير السيسي المدعوم من المؤسسة العسكرية. وفي الوقت نفسه، اضطرب الشارع المصري حول مسألة ترشح صباحي، إذ رأى بعضهم أنه لا فرص له في تحدي التأييد الكاسح الذي يُحظى به المشير السيسي لدى عامة المصريين، خاصةً جماهير البُسطاء الذين يرون فيه خلاصهم من المُضاغطات الاقتصادية، والرَّهق المالي، وغلاء المعيشة، الذي يعانون منه منذ اندلاع الثورة المصرية في 11 فبراير 2011، وذلك في إطار ثورات الربيع العربي. وكان اتجاههم للسيسي، تقريرُ واقعٍ، وإقرار حالةٍ. وفي رأيي الخاص، أنّ مؤسسات الدولة، لا سيما مؤسسة الرئاسة، حتى وإن ادعت أنها ستقف على مسافات متساوية من مرشحي الرئاسة المصرية، إلا أنّها ستجد نفسها مُضطرة إلى الوقوف بجانب المشير السيسي؛ لأنّه هو الذي أتى بها بعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين في 30 يوينو الماضي. أما المؤسسة العسكرية ونظيرتيها الشرطية والأمنية، ستعمل جاهدةً بطريقٍ مباشر أو غير مباشر، لفوز المشير السيسي، لأنّه من صُلبها، ولأنّها عانت الأمرين من ذاكم النظام الإخواني. أخلصُ إلى أنّ هذه المؤشرات وتلكم التوقعات، لم تكن مجرد حدسٍ أو ارهاصات تخمينٍ، بل هي نتيجة مقدمات لا بد أن تقود إلى النتائج المُرتقبة، كما يقول أهل المنطق. وأكبرُ الظنِّ عندي، أنّ الإسلاميين، بمن فيهم الإخوان المسلمون، سيبذلون قصارى جهدهم، إذا سارت الانتخابات الرئاسية في مسارها الطبيعي، وقرروا فُرادى وجماعات، الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات الرئاسية، سيصوتون بلا أدنى ريب - إذا حَكَّموا العقل والمنطق - لصالح المشير عبد الفتاح السيسي في مواجهة حمدين صباحي، مستخدمين في ذلك القاعدة الأصولية "الأخذ بأخفِّ الضّررين"، وهي أصلٌ شرعيٌّ كبير في فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد عند تعارضها. وقد بُني عليها كثيرٌ من المسائل، وتفرَّع عنها جمعٌ من القواعد والمعايير التي تنظِّم عملية الترجيح والموازنة بين المفاسد والمصالح المُتزاحمة. وذلك بحُجية أن صباحي يساري، ودوره في إسقاط نظام الإخوان المسلمين غير منكور، وإذا تسنَّم رئاسة الدولة، سيعمل جاهداً على تجفيف منابع حركة الإخوان المسلمين في مصر، تضييقاً وتعذيباً وإقصاءً، وسيتجه بعضٌ آخر من الإخوان المسلمين إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية اليوم وغداً، بعد أن يزودوا أنفسهم بمفهموم قاعدة أصولية أخرى منطوقها "الضّرورات تبيح المحظورات"، وهي إحدى القواعد الكلية الفرعية؛ فقد أدرجها بعضُ العلماء تحت قاعدة "الضّرر يُزال"، وبعضهم تحت قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، أو تحت قاعدة "إذا ضاق الأمرُ اتسع"، ومن ذلك قول ابن القيم وابن سعدي: "لا واجب مع عجزٍ، ولا حرام مع ضرورةٍ". فمن هنا أحسبُ أنّ كثيراً من الإسلاميين، وبالأخص من الإخوان المسلمين، سيتجهون إلى التصويت للمشير السيسي في الانتخابات الرئاسية اليوم وغداً، مُستصحبين في ذلك بعض القواعد الأصولية في الفقه الإسلامي الذي فيه مُتسع لمعالجة مثل هذه المواقف المضطربة. ولنستذكر في هذا الصدد، قولَ الله تعالى: "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ". وقول الشاعر العربي زهير بن أبي سُلمى: وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ