إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    وزارة المالية توقع عقد خدمة إلكترونية مع بنك النيل الأزرق المشرق    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستتابة في محاكم التفتيش الإسلامية: قضية مريم يحيى .. بقلم: عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 25 - 06 - 2014


تقديم
فأتناول في هذا المقال بعض دلالات تعامل السلطة القضائية مع قضية مريم يحيى.للتنبيه لخطر السلطة القضائية التي تتصنع أنها محايدة وأنها لا علاقة لها بالسياسة.بينما هي السلطة القضائية جزء أصيل في منظومة المؤسسات الحكومية التي تكرس القهر والطغيان والفساد. وتثبت حكم الإنقاذ. ونحن اليوم في منعطف تعززت فيه قوة هذه السلطة القضائية وجبروتها، وتصاعد فيه خطرها.وتمددت سلطتها في جميع المؤسسات. وفي جميع شؤون حياتنا. فلا تحسبن أن أثر طغيان السلطة القضائية لا يتجاوز حدود تلك مبانيها القبيحة.
فأريد أن أنطلق من قضية مريم يحيى لأبين أهمية مقاومة المواطنين لهذه السلطة القضائية. مقاومتها، بتخريب ذلك معمارها الطاغوتي الذي أعرِّف ملامحه الأساسية في المقالات اللاحقة. وأقرر، من وحي البحث العلمي في السلطة القضائية السودانية، خلال الأعوام الستة الماضية، أن السلطة القضائية، في "استقلاليتها"، خادمة الطبقة الإسلامية المستحوِذة على مفاصل الحكم في السودان. وهي تستخدم القانون والتدابير القضائية في تلك خدميتها للإسلاميين المتنفذين في المؤسسات الحكومية المتعددة. وفي قهر الفقراء. وفي تأديب المعارضين.وفي تكريس المشروع الحضاري بإضافات عنصرية انطوت عليها قضية مريم يحيى.
فأعرض أولا إلى خواطر تستدعيها اليوم ذاكرة الكتابة. ويستدعيها التناص مع حالنا الراهن في السودان. حال أصبح يستعصي على التركيز. بينما التركيز هو ما ينبغي علينا أن نتمثله. للتعامل مع وضعيات الخبل السياسي المحلي التي أنهكت السودان وجعلته أضحوكة العالم. تحكمه هذه فئة من الإسلاميين من أكثر الفئات الحاكمة في العالم مدعاة للاحتقار وللازدراء. وهم الإسلاميون ذاتهم يعترفون بأنهم كذلك لا يكن لهم العالم إلا الاحتقار والازدراء.
ونجد مثالا للاعتراف الضمني بواقعهم غير المرغوب في بيان وزارة الخارجية بالأمس عن قضية مريم يحيى، التي تصر وزارة الخارجية متأسية بالسلف المعروف على تغيير اسمها وهي الضحية المتمكنة المنتصرة تغير الخارجية اسمها إلى أبرار محمد الهادي.
(1) السيدة مريم يحيى والسلطة القضائية
فبيان وزارة الخارجية عن مسألة مريم يثبت عكس ما أرادته الوزارة. يثبت أن الحكومة السودانية لم تجد من العالم غير الاستهجان. وهو استهجان مستحق بجدارة، في تقديري. بسبب سلوكيات السلطة القضائية السودانية. موضوع هذه تدخلاتي في المحادثات عن مسار مستقبل السودان.
وأقصد بالسلطة القضائية ذلك "النظام القضائي"، و"القضاء"، و"القضائية". ذلك الجهاز الحكومي السياسي ذا الاستقلالية النسبية. استقلاليته في عمل كل شيء، مهما كانت عدم أخلاقيته ومخالفته للقانون. لتمكين نظام الإنقاذ. ولحماية النظام ضد كل مقاومة لمشروعه الحضاري الخائب. بينما تتصنع هذه السلطة القضائية أنها محايدة.
وهذه مفهمتي أعلاه عن أن السلطة القضائية ذراع سياسي للحاكم لا تتفق مع خطاب المتوهمين أن القضاء السوداني عادل ونزيه بصورة مطلقة أو نسبية. وأنه محايد. وأنه إسلامي. وأنه لا علاقة له بالسياسة.
فكلها هذه الأوهام تنتجها السلطة القضائية السودانية. يشاركها في الإنتاج المحامون المفيدون من ريع إيجارة المحاكم بقضاتها. وكذا يشارك في إنتاج الأوهام المؤسسات الحكومية المتعددة. مثالا لها تلك وزارة الخارجية في بيانها الأخير عن الشابة مريم. البيان المخصص أغلبه للدعاية للسلطة القضائية السودانية.
وكما قلت سابقا، فهذا هو خطر المؤسسات. في إنتاجها لعلاقات القوة والهيمنة والتطبيع. بالخطاب. باللغة. بالكتابة. بمثل هذه أداة البيان القصير. الممرر خلسة وكأنه بيان صحفي عادي وصادق. وهو هذا بيان وزارة الخارجية يدرك كاتبوه أنه لن يقنع أحدا. وأنه لن يصدقه أحد.فلا يعدو كونه تحصيل حاصل. لتسجيل موقف تعرف الوزارة أنه بدون أساس. وللوزارة تاريخ منذ أيام الصادق المهدي في التدليس بالبيانات الرسمية. مثالا، بيانها تنفي فيه للعالم وجود الرق في السودان. ليخذلها الصادق المهدي فينصاع صاغرا إلى الاعتراف بوجود الرق، لكنه "رق قبلي"، قال!
وهو بيان الخارجية عن قضية مريم يحيى يأتي أيضا لتزويد أعوان النظام في حالة الاضطراب والترقب. تزويدهم ب "اللغة". لغة الرد على السخرية المتوقعة التي سيتعرض لها انصياع حكومة الإنقاذ للضغوط من ديفيد كاميرون. وإلغاء القرار القضائي الجائر. ويأتي البيان كذلك لتثبيت وقائع زائفة بقوة صوت وزارة الخارجية. وقائع عن السلطة القضائية. موضوع هذا المقال.
(2) في استحواذ السلطة بالقضائية بالردة وبالفارغة
فأقصد بهذا المقال عن السلطة القضائية السودانية إلى إرسال التحية إلى مريم يحيى. لفعل مقاومتها للطغيان. وإزالتها الغشاوة عن البصر بشأن هذه المؤسسة الخطيرة. مؤسسة السلطة القضائية. التيبرزت في الآونة الأخيرة مجددا بألوانها الحقيقية. ليراها مرة أخرىالسودانيون وكل العالم، في مشهد مريع. مشغولة بالردة والزنا وبجلد النساء وبالرغبة الدفينة في تعليقهن في المشانق.
.
في السابق كان موضوع استحواذها هذه القضائية هو تلك الأستاذة البريطانية والدب، في مدرسة الاتحاد العليا. الاستحواذ القضائي المتناغم مع حشد سلطة الإنقاذ للبسطاء جاءوا بالسيوف يهددون بريطانيا دون علم أن بينها بريطانيا وبينهم مسافات وبحور. وتمكنوا من إشعال حريق في السفارة الألمانية في شارع الجمهورية حسبوها سفارة ألمانيا لندن.
.
وبعدها، جاء موضوع الصحفية لبنى حسين. واستحواذ القضاة في القضائية السودانية بوقائع ملابسها الداخلية الظاهرة تحت البنطلون. فيجب جلدها. قالوا في نص القرار القضائي.
.
وهذه المرة نجد المشهد القضائي للاستتابة في محكمة الحاج يوسف. في قضية مريم يحيى. قاضيهامثيل سابقه المكاشفي طه الكباشي الذي اغتال قضائيا المفكر محمود محمد طه. وكان هيأ لاستتابة أصحاب محمود. بذاتها علة الردة.
.
وهو قاضي محكمة جنايات الحاج يوسف مثيل رصيفه قاضي المنيا المصري، سعيد يوسف صبري الذي ظل يصدر مئات أحكام الإعدام ضد الإسلاميين المعارضين. ولا تخفى هذه المفارقة ودلالاتها على الإسلاميين المؤيدين لحكومة الإنقاذ.
.
لكن الدلالات الحقيقية لمفهمة قضية مريم تتجاوز أشخاص القضاة في المحكمتين الابتدائية والاستئنافية. لتعرفنا بالكيفية التي تعمل بها السلطة القضائية في المنعطفات السياسية في وضعيات انتقالية التغيير السياسي. وهذه الحالات ليست معزولة. وهي ليست نشازا. فهذه هي السلطة القضائية السودانية. تمارس طغيانها.يوميا. ضد الفقراء. ضد النساء. وضد كل من تصنفه على أنه ليس من جنس الإسلاميين.
.
(3) السلطة القضائية تجرب حظها مع مريم يحيى
فلقد رأت السلطة القضائية أن تجرب حظها في هذه القضية البسيطة المعقدة. قضية الشابة مريم يحيى التي نشأت في ظل نظام الإنقاذ بمشروعه الحضاري الخائب. فبسبب أن الشباب يغيرون ذاتيتهم ويركبونها تركيبا عبر هذه الفترة الحرجة في حياتهم. بالمفاوضة مع وجودهم في أسيقة اجتماعية مادية ليست من اختيارهم. ولعلة أن الإنسان يتصرف في حياته وفق ما يمليه عليه وضعه وتفكيره، بكل محدداتهما القارة والطارئة. لذلك كله، فعلت مريم بذاتيتها ما فعلته. أيا كان هو. دون أن تسبب ضررا لأحد.
.
لكنه الغل وغياب الرحمة في أسرة مريم وجدت فيهما السلطة القضائية الإنقاذية ضالتها أتتها في مكانها. فنصبت مشنقتها المُعدة أصلا من قبل الإسلاميين للمعارضين.من الذين يتحدون المشروع الحضاري الإسلامي. وأعدت السلطة القضائية عدتها، بالقرار القضائي، للتمثيل العلني بجسد مريم تهريه بمائة جلدة. فجسد المرأة هو هوس الإسلاميين يريدون ضبطه بالحجاب القسري وبالجلد وبالشنق. وفي عدتهم الرجم بالحجارة.
فلم يكن من سبب معقول أو سائغ يخول تحشر حكومة الإنقاذ عبر هذه خادمتها المطياعة السلطة القضائية. تحشرها فيما لا يعنيها. اختيار المواطنة التي وجدت نفسها بالصدفة المحضة في ظل نظام الإنقاذ اللعين. اختيارها لعقيدتها أيا كانت. وهي مريم لم تكن أتت من موقعها في الحاج يوسف، مدينة جون قرنق، تناكف الإسلاميين في مكانهم. بشأن استيلائهم بالعنف وبالاحتيال على السلطة. ليكون مشروعا لهم الانتقام ضدها بترويعها وحبسها والحكم عليها بالجلد ومن بعد بالشنق. مما هو تاريخهم الدموي في التنكيل بمعارضيهم.
ويكفي الإسلاميين من ربائب حكومة الإنقاذ أن قضاتهم وشيخهم حسن الترابي ومثقفيهم وعلمائهم هم قتلة الأستاذ المفكر محمود محمد طه. لم يكسب الإسلام في السودان أو في العالم قوة باغتيال هذا المفكر العظيم. بل ضعف الإسلام بتلك الجريمة النكراء. وهي ذاتها جريمة الإسلاميين ضد محمود الحاضرة دائما التي سهلت على كثيرين في العالم وعلى عدد مقدر من شباب السودان، مثل مريم، أن يتصوروه الإسلام دين الشنق لا يريدون أن يسمعوا سيرته.
دين يقول عنه قضاة السلطة القضائية صنيعة الإنقاذ الممسوخة إنه دين الإسلام سيعلقك في المشنقة لمجرد حملك لفكرة ما في دواخل دماغك.فيا ويلك إن أنت عبرت عنها تلك فكرتك اليوم.ولن يغير من قرار شنقك أنك قد تغير رأيك بعد شهر أو بعد عام. فالاستتابة مقيدة بأيام معدودات. غرضها استفزازك عند أقصى درجة إحساسك بالإهانة من قبل هؤلاء قساة المسلمين الطغاة. فأنت الشاب ستعاند وتركب رأسك ترفض إسلام جلاديك.فالقرار القضائي. تعليقك في حبل المشنقة.
وأنتِ الشابة في نزق الاستقلال والتساؤل والاحتجاج لا تدركين أن هؤلاء الإسلاميين في السلطة القضائية غير جادين بشأن الإسلام. وأن أمرهم كله خداع. يستعينون في المحكمة بشيوخ الاستتابة.وأنت تقررين أن لا تنكسري. فترفضين أن تقولي لهم ما يريدونك أن تقوليه إنك رجعت عن عقيدتك الخاطئة وإنك امتثلت لعقيدتهم هم الصحيحة.
.
إن الذي لا يفهمه الإسلاميون في غلقهم هو أن الشباب المتفتح في القرن الواحد والعشرين، وخاصة من البنات، لن يقبل بهذه مفهمتهم المتخلفة للحريات. مفهمة يثبتها القضاة في السلطة القضائية بالاستتابة وبالتهديد بالشنق والجلد.
(4) مسألة العنصرية القضائية في قضية مريم يحيى
فمسألة مريم لم تكن عن الإسلام أو عن الردة. وحين هي مريم رفضت الدين الإسلامي فلأنها كانت ترفض المشروع الحضاري الخائب. مشروع حكومة الإنقاذ. وهو حقها أن ترفضه المشروع الحضاري، بدينه الإسلام. متى ما رأت ذلك. ولا قيمة للجدل في القرن الواحد والعشرين بالنصوص القديمة عن الردة. ولم تعد حدود الدولة القطرية تقيد تشكيل ذاتية الفرد. ولم يعد كل فرد في المكان المحدد جزءا من تلك عصبة المسلمين العربية النمطية التقليدية. يحاكيها بالمبالغة في التماهي إسلاميو الإنقاذ. كسِّر كل أسود منهم مرآته فأصبح يعتقد جازما أنه عربي أبيض معززة عروبته بالإسلام.
.
وما هذه قضية الردة ضد مريم يحيى إلا اختبار جربه الإسلاميون من ربائب حكومة الإنقاذ. لكن خربه عليهم تجريبهم ديفيد كاميرون بتهديداته ووعيده لهم بالويل إن هم لم يخلوا سبيل مريم. الشابة القوية الجميلة التي رفضت الاستتابة من قبل شيوخ الإسلاميين المتخلفين.
.
والذي أراه هو أن السلطة القضائية السودانية قدمت لنا في قضية مريم صورة واضحة للكيفية التي يعمل بها قضاتها هم القضاة كل منهم مؤسسة في ذاته. وعرفتنا السلطة القضائية بالكيفية التي بها تستخدم هذه المؤسسة القرار القضائي سلاحا فتاكا للإرهاب وللقهر والقمع. ولتطبيع العلاقات العنصرية المشدودة إلى فرض المشروع الحضاري الذي مات وشبع موتا. وهو مشروع ذو أبعاد عنصرية عرتها حرب الجنوب والحرب في دارفور.
فمريم يحيى. بزواجها من دانييل. تحدت عصائب الإنقاذ في جوهر مشروعهم الحضاري.فأضحت مريم في هذيانهم ليست إلا أبرار المرأة المسلمة من أب "عربي" مسلم اسمه بالنسبة لهم محمد الهادي. ومريم في كامل وعيها اتخذت قرارها الشخصي أن تتزوج دانييل. الزنجي غير العربي أسود اللون الكافر.في التصنيف في مخيلة هؤلاء الإسلاميين المستعربين. فكيف لها ابنة العربي المسلم تتزوجه دانييل وتلد منه طفلين؟
.
لم ير الإسلاميون المستعربون في هذه القضية الأسرية الكيدية إلا التهديد لمنظومة أفكارهم وأوهامهم وهذيانهم بسودان عربي مسلم محض. سودان سخيف عديم الألوان خرط الإسلاميون حدوده في الأرض بعجزهم عن الكرم والسماح لإبقاء السودان موحدا. وخرط الرئيس عمر البشير في دماغ الإسلاميين حدود هذا السودان السخيف بدون لون ولا طعم في تلك كلمته في القضارف وفي منابر أخرى.
.
وأمام تحدي هذه الأم الشابة مريم يحيى، لم يجد الإسلاميون المستعربون إلا سلاحهم الفتاك في سكين القضائية وفي سوطها وفي حبلها للمشنقة. فهذه هي القضائية السودانية. هي سوطها للتعذيب. وهي سكينها للقصاص ولتقطيع الأطراف من خلاف.وحبلها للشنق.وحجارتها المعدة للرجم. كله مكتوب في قوانينها الإسلامية السارية المفعول. وفي السوابق القضائية. وهي ليست صدفة أنهم قضاة السلطة القضائية كانوا حكموا برجم مريم أخرى في دارفور قبل أعوام قليلة (انظر السابقة في الأنترنيت).
إن السلطة القضائية ستنزوي مؤقتا تلعق جراحها. بسبب الفضيحة التي تسببت فيها لحكومتها. وبسبب الهزيمة الماحقة التي جرتها على نفسها وعلى أربابها. ولكن، حذارى من أن نحسب أن القضائية ستعي الدرس.أو أنها ستغير من أخلاقياتها. أو أنها ستدمر سلاحها المتمثل في تلك قوانين الجلد والاستتابة والشنق في قضايا الفكر والتعبير والعقيدة.
.
ولنتذكر أن ذات سلاح السلطة القضائية المتمثل في تلك قوانين الجلد والاستتابة والشنق يظل موجودا. وهو من الخدع القضائية. وسيتم استدعاؤه في قرارات قضائية ستأتي. ضد المعارضين. وضد الفقراء، لتخويف المعارضين. فالفقراء ظلوا يحملون فوق ظهورهم نتائج أفعال المعارضين.
(5) قضاة الإفهام
وكنت كتبت في مقالي السابق عنها إنها السلطة القضائية السودانية جبانة بقانونها الجبان. ومن ثم، فهي تحت الضغط على حكومتها من ديفيد كميرون لحست قرارها القضائي سراعا. وأطلقت سراح الفتاة "المرتدة"، بقرار الاستئناف. كذلك هو "قرار الاستئناف" أحد الخدع القضائية المعروفة. تمت كتابته وإصداره في هذه حالة مريم، ب "الإفهام".
.
وسأفرد مقالا ل "قضاة الإفهام". هؤلاء قضاة كبار ذوو خبرة محددون ولهم أسماء. ويتم إرسالهم من قبل رئاسة الأجهزة القضائية ومن القضائية لتوجيه القاضي في المحكمة المحددة أن يحكم بطريقة محددة في القضية المحددة موضوع الإفهام. مما هو مثيل القضاء عبر الهاتف. والقضائية تجاوزت الهاتف لتجعل الإفهام مؤسسيا.فترسل أحد قضاة الإفهام ليفهم القاضي.مما أسميه مؤسسة "قضاة الإفهام".
(6) بيان وزارة الخارجية
فكل الكلام في بيان وزارة الخارجية، عن استقلال القضاء السوداني ونزاهته، وعن رفض الحكومة للتدخل في الشأن القضائي، كله محض هراء. والهُراء أسوأ من الكذب. لأن قائله لا يهتم للحقيقة مثلما يهتم لها الكذاب. وهو الهَرَّاء مشغول حصرا بمشروعه السري.لا يهمه الحق ولا الباطل. ومن ثم، فقد جاء بيان وزارة الخارجية خليطا من الحقائق وأنصاف الحقائق والأكاذيب وحركات إقصاء الوقائع الجوهرية ذات العلاقة. فهو بيان الهراء.
.
فصحيح قول وزارة الخارجية برئاسة على كرتي إنهم تعرضوا للضغط الدولي لعكس ذلك قرار السلطة القضائية أصفه بأنه الظالم المتخلف. وصحيح قول الوزارة إن العقوبات الدولية ضد السودان ظالمة. وأعزز مفهمة وزارة الخارجية بأن العقوبات ضد السودان كذلك مدفوعة بالبارانويا الأمريكية من الإسلام.
.
ولكني أقول لوزارة الخارجية إن بعض ادعاءاتها ليست صحيحة. حين تقول إن القضاء مستقل، وإن الحكومة السودانية لا تتدخل في القضاء، وإنهم كحكومة رفضوا الضغوط الدولية لأجل اعتقادهم في استقلالية قضاء السودان ونزاهته. وإنها الاستقلالية القضائية وراء حكم محكمة الاستئناف بإلغاء قرار محكمة الجنايات الابتدائية في الحاج يوسف.
.
وكذا أراها وزارة الخارجية تقصي من بيانها وقائع فساد السلطة القضائية. وهي وزارة الخارجية ووزيرها على علم. لكنا نعيش في زمان الهراء السياسي في دولة الإنقاذ الفاشلة.
.
فما جعل القضائية، وهي مؤسسة سياسية بالمعنى المتدني لعبارة السياسة، تلحس قرارها القضائي الحاقد إلا ذلك تهديد ديفيد كاميرون.هذا الخواجة الكافر. في رؤى الإسلاميين. وإلا لأن الإسلاميين الإنقاذيين اللاهثين وراء قبول العالم لهم كجزء في الأسرة الدولية صحوا من سكرتهم. ليجدوا أن العالم كله لا يكن لهم غير الاحتقار. تماما كما يحتقر العالم كله قضائية مصر الفاسدة.المؤتمرة لرغبات الفرعون بدل بدلته العسكرية. قضائية مصر التي أصدرت مئات الأحكام بالإعدام ضد الإسلاميين الحقيقيين الأبطال الفائزين بالانتخابات الصحيحة.باسم ما يدعون كذبا أنه الإسلام الصحيح، إسلام السيسي.
فالتحية لمريم يحيى.
السودانية المسيحية.
المتمثلة شجاعة الأستاذ المفكر محمود محمد طه، المسلم.
مثله محمود اختارت مريم يحيى حبل المشنقة بديلا لتغيير عقيدتها.
ومثله محمود هزمت مريم السلطة القضائية صنيعة الحاكم وخادمه المطيع.
وهي مريم قدمت مثالا رائعا لشباب السودان المسلم.
برفضها الاستتابة.
وبازدرائها شيوخ الاستتابة في محاكم التفتيش الإسلامية.
الاستتابة إحدى أدوات السلطة القضائية السودانية لقمع الفكر والعقيدة.
والتحية لمريم يحيى أن ذكرتنا بأن الفكر والعقيدة مما يستحق أن يدفع المرء حياته ثمنا لهما.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.