كتبت مقال عن بعض من ذكرياتى فى مدرسة وادى سينا الجميلة و نشر هذا المقال فى جريدة سودانايل الالكترونية المقروءة قبل أكثر من شهر ثم تلقيت فى بريدى عدة تعليقات وذكريات من زملاء لم أراهم ولم أسمع عنهم منذ أن افترقنا فى عام 1967 عام النكسة، فكانت فرصة طيبة للتواصل وتبادل الذكريات والاخبار وخاصة معرفة أخبارالاسر، فحين افترقنا كنا جميعاً عُزاب، الا شخص واحد، هو صديقى الاخ أوشى محمد أحمد الذى اقترن بابنة عمه وهو فى السنة الثانية لظروف خاصة، وأصبح أباً وهو فى السنه الرابعة قبيل امتحان الشهادة، ورغم مشغولياته العائلية الا أنه تفوق و أحرز الدرجة الاولى وتم قبوله بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم..لذلك لاأشك فى أن أحداً من الذين عاصرتهم فى وادى سيدنا لم يصبح جِداً للان الا من ظل عازباً بعد أو من لم يرزقه الله بذرية، وبهذا رأيت أن أشارك الزملاء وغيرالزملاء هذه التجربة الجميلة فربما تكون فيها عبر و دروس مستفاده للشباب وأيضاً للشيوخ. هناك قول شائع عند السودانيون أن "الاحفاد أحلى من الاولاد"وايضاً اخواننا المصريون يقولون "ولد الوِلد أحلى من الوِلد" وهو نفس المعنى، أى أن حب الاحفاد يكون أكثر من حب الاولاد..لكننى، شخصياً، أرى أنه من كثرة حبك لاولادك يمتد الحب الى أحفادك ثم تراهم امتداد طبيعى لشخصك فى الحياة، وعليه فمقدار الحب لا يختلف تجاه الجيلين.لكن ربما فى هذا القول أو المعتقد عند السودانيين والمصريين بعض الصواب، فاذا نظرنا الى التجارب أمامنا، فأرى أن حياتنا مقسمة الى مرحلتين: المرحلة الاولى عندما يكون الاحفاد أطفالاً فنحب أن نلعب معهم ونستمتع بما يقولون ونعجب لذكائهم الفطرى،خاصة فى هذا العصر مع أجهزة الكمبيوتر المتطورة والالعاب الالكترونية الذكية، فالمتعة الشخصية التى تجدها معهم فى مرحلة الطفولة هى مبعث الحب والحلاوة خاصة أن هذه المتعة تأتى اليك فى مكانك مجاناً وبدون التزامات كما فى الاولاد.والمرحلة الثانية عندما تصبح جِداً (بالجَد)، أى يتقدم بك العمر وتصبح شيخاً، فعندها سوف يكون الاحفاد شباباً فى عمر الزهور والابناء رجالاً انشغلوا بالحياة أو هاجروا الى بلاد الغربة تاركين أسرهم تحت رعايتك، ولذا سوف يكون اعتمادك على الاحفاد فى تحركاتك وفى كثير من أمور الحياة، ويزداد الاعتماد عليهم أكثر كلما تقدم بك السن أو يداهمك المرض، فالاحفاد يقضون لك الحوائج ويهتمون بصحتك ومن هنا كان مبعث الحب والحلاوة أيضاً.وعليه فهناك مرحلتين من مراحل الحياة يكون فيها الاحفاد نجوماً ساطعة فى سماء الاجداد،مرحلة طفولتهم ومرحلة شيخوخة الاجداد. سوف أحكى لكم بعض تجاربى الشخصية عن المرحلتين رغم أنى لم أبلغ سن المرحلة الثانية بعد، وأدعوا الله أن يبلغنى اياها، كما ارجو أن تعذرونى لذكر الاسماء لاجل التوضيح والتابعة السلسة ليس الإ،ثم تعذرونى مرة أخرى لبعض المداخلات التى تنحرف عن الموضوع قليلاً، من قبيل الشىء بالشىء يذكر، لكنها لاتخرج عن الاطار العام للتربية..عندى من الاحفاد ثلاثة حفظهم الله،أليسا وكريم وليلى حسب الترتيب العمرى، ثلاثتهم مسقط رأسهم ولاية أريزونا فى غرب أمريكا ولذلك يحملون الجنسية الامريكية ولغة التواصل بينهم هى الانجليزية،هم مازالوا أطفال فى أوائل سنين الدراسة المصحوبة باللعب الكثير،ورغم ذلك فهم ينتظرون عطلة نهاية الاسبوع بفارغ الصبر للحضور الينا، وفى نفس الوقت نكون نحن جميعاً أكثر شوقاً وانتظاراً فى المنزل لحضورهم.وسعادتهم هذه تذكرنى بسعادتنا يوم الخميس فى مدرسة وادى سيدنا عندما يفك أسرنا من الداخليات وتحملنا الشاحنات الى العاصمة المثلثة.لكن مع اختلاف المرحلة و السن فالسعادة مصدرها واحد وهى الافتكاك من القوانين واللوئح المقيدة للحرية الشخصية. فعندما يكونوا معنا نعطيهم حريتهم ونطلق أيديهم ليرتاحوا من نظم ولوائح منزلهم التى يحفظونها عن ظهر قلب.أشياء كثيرة ممنوعة فى منزلهم، نذكر منها على سبيل المثال، المشروبات الغازية مثل البيبسى والسفن أب،الايس كريم،الحلاوة، والكتش أب ،سف السكر واللبن،طلوع المنضدة،اللعب فى الحوش،اللعب بالمياه اللعب بالجوال،لعبة السك سك،السهر ألخ... وتطول لستة الممنوعات.أما عندنا فكل شىء مسموح لهم ولغيرهم،نملاء البراد بالبيبسى كولا والشكولاته والايس كريم، صالة المنزل لا تجد فيها موطىء قدم من كثرة الالعاب ومنها الخطر نوعاً ما مثل النطاطة، واستمتع بمغامراتهم فى اللعب والجرى وطلوع السلم والوثب فوق الاثاثات ورغم انهم احياناً يخرّبونها لكنى أتركهم عن قصد ليتعلموا من الاخطاء ويكتشفوا الاشياء فى هذه المرحلة العمرية.وبهذه المناسبة أذكر أن والدى، رحمة الله عليه، أحضر لى عجلة رالى جديدة من الخرطوم وأنا طالب فى المرحلة المتوسطة للتنقل بها بين المنزل والمدرسة وبالعكس، فصرت طالباً مميزاً بين الطلبة بالعجلة لا بالشطارة.وفى يوم من الايام حمل شقيقى الاصغر أمين شاكوشاً من المنزل وهشم الزجاج الامامى لنور العجلة ربما غيظاً،والله أعلم، لكن عندما احتكمنا عند الوالد قال له بكل جراءه : كسرت الزجاج لارى من أين وكيف تأتى الاضاءه ! فضحك الوالد ضحكة عالية وتركه دون عقاب فغضبت حتى اليوم الثانى الى أن استبدل لى الزجاج بأخرى جديدة,وللعلم أذكر لكم أن شقيقى أمين قد تخرج و أصبح مهندساً ميكانيكاً فيما بعد،فأدركت أنه كان يتعلم الهندسة فى عجلتى الرالى. واذكر أيضاً أننى كسرت كاميرا قيّمة لوالدى، رحمه الله، الى خمسة قطع حتى أرى من أين تأتى الصورة وغضب الوالد لكنه لم يكترث كثيراً ظناً بأنى أتعلم فن التصوير، لكن يا حسرة فأنا الان لا أستطيع التصوير حتى بالجوال العادى !. وأحكى لكم حادثة أخرى فى نفس السياق، لكن هذه الحادثة انتهت بعقاب صارم جداً لتدخل ادارة المدرسة. وأنا فى مرحلة الدراسة المتوسطة أيضاً أرسلنى الوالد، رحمه الله، الى جدى حسن دهب، عليه الرحمة، الذى كان يعمل فى الخرطوم حتى أكشف نظرى وأعمل نظارة طبية فى شركة النظارات الاهلية التى كان يديرها المرحوم عابدين عبدالهادى انذاك،وبعد أن لبست النظارة، وكان وقتها تعتبر نوعاً من الوجاهة ورمزاً لاهمية الشخص، أخذنى جدى حسن الى أسرة عريقة تسكن فى قلب الخرطوم فى شارع الجمهوربة لزيارتهم، ولصلة القربى مع تلك الاسرة قرر جدى أن أقضى معهم أسبوع كامل رغم عدم وجود من هو مقارب لسنى فى هذا المنزل لانسجم معه، وعليه كنت أحمل كرسى كل صباح وأجلس أمام المنزل مواجهاً شارع الجمهورية أعد السيارات الصفراء مرة والسوداء مرة أخرى والمتجهة الى جامعة الخرطوم تارة ثم المتجهة صوب حديقة الحيوانات تارة أخرى وهكذا الى أن ينتهى اليوم و انتهى الاسبوع ورجعت أدراجى الى حى كافورى حيث يعمل ويسكن جدى هناك.وفى يوم من أيام هذا الاسبوع الذى قضيته فى ضيافة تلك الاسرة ،وللفراغ الكبير حملت مسمار صغير ونحتُ اسمى للذكرى فى مؤخرة سيارتهم الفارهه السوداء،ورغم التشويه الواضح فى السيارة الا أن أحداً لم يتحدث معى أو حتى يظهر غضبه لما فعلت حتى لا أحُرج وأنا ضيف عندهم، وأنا طبعاً كنت مسطح فى ذلك الوقت، لكن عندما رجعت من الخرطوم الى المدرسة فى حلفا، وأنا أزهو بالنظارة الطبية، استدعانى ناظر المدرسة فى طابور الصباح وحكى للطلبة والاساتذة عن الجريمة التى ارتكبتها فى السيارة السوداء فى الخرطوم، وأحرجنى امام أكثر من خمسمائة طالب،ولم يكتف بذلك، بل حملنى أربعة طلاب من الايدى والارجل وعاقبنى الناظر بنفسه بخمسة وعشرون جلدة سوط، ومن يومها حرّمت حتى المرور بشارع الجمهورية الى أن أدركهم المعاش ورحلت الاسرة من منزل الحكومة الى منزلهم الخاص فى أحد أحياء الخرطوم الجديدة،وللعلم كان ناظر المدرسة نسيباً لهذه الاسرة العريقة وفى نفس الوقت صديقاً عزيزاً للوالد رحم الله كليهما. وعندما كنت طالباً ،فى المرحلة المتوسطة أيضاً، كنت أمارس هواية لعبة كرة القدم مع فريق كبير خارج اطار فريق المدرسة الشىء الذى كان لا يعجب الوالد لاسباب كثيرة، وقد حذرنى أكثر من مرة لاحصر نشاطى الرياضى على فريق المدرسة.وفى يوم من الايام لمحنى الوالد فى غرفتى وأنا أستعد للاشتراك فى مباراة مصيرية لفريقنا فمنعنى حتى الخروج من المنزل فى ذلك اليوم، لكننى تركته ينام القيلولة، فخرجت من المنزل خلسةً ولحقت المباراة،وقبل منتصف نهاية شوط المباراة الاول لمحت سيارة والدى "الموريس ماينور" الصغيرة تقف أمام الميدان فأدركت الخطر القادم ،وأشار لى بيديه، ثم ركبت معه السيارة ولم يتحدث معى، الا أننى لاحظت أنه سلك طريقاً مخالفاً لاتجاه منزلنا ثم اتجه صوب مدرستى واذا به يقف أمام منزل الناظر المرحوم الاستاذ حسين النور حيث جلسنا فى صالونه، وحكى له والدى قصة الكرة والفريق ومخالفتى لاوامره، فاستمع الناظر الى الوالد جيداً ورجعنا الى منزلنا وأنا أكثر حزناً وقلقاً، أولاً لعدم اكمالى للمباراة المصيرية مع فريقى وثانياً لما يخفيه صباح الغد من ذلة و عقاب. وفعلاً ،ثانى يوم، استدعانى الناظر بنفسه فى طابور الصباح ثم ألقى محاضرة عن عقوق الوالدين، وضرب مثلاً حياً بحالتى ثم عوقبت بعشرون جلدة فى طابور الصباح. الشاهد من الحادثتين أعلاهما أن المدرسة كانت تشارك مشاركة فعالة فى تربىة الطلاب ودورها كان أكبر وأهم من دور المنزل والوالدين فىهذه الناحية ،ولذلك كانت تسمى فى ذلك الزمن بوزارة التربية والتعليم وهنا التربية مقدمة عن التعليم بقصد ابراز الاهمية.أما الان فقد اختلف الوضع تماماً،فاذا عاقبت المدرسة طالباً أخطأ، بالجلد أو حتى بالتوبيخ، يكون أول المحتجين أولياء الامور ثم تقوم الدنيا وتقعد وأحياناً تتدخل هيئات ومنظمات حقوق الانسان. فى بعض الاحيان يداهم الاب أو الام أولادهم وهم متلبسون بالجريمة، مثال أثناء شربهم للسفن أب على أنه مياه، وتكون الفقاعات ظاهرة فى الكوب،الا أنهم يبادرون القول: فى هذا المكان السفن أب وكل شىء مسموح به ! فأرى الامتعاض فى وجوه الوالدين. ولممارسة قدر من الحرية أتركهم يساهرون الليل معى فى مشاهدة التلفاز واللعب بالالعاب الاالكترونية وأفلام الكرتون ومستر بينز حتى يغالبهم النعاس وينامون بملابسهم،فالسهر عندهم من أكبر الكبائر، الا أن كريم أصبح لايقوى على السهر بعد الساعة السابعة مساءاً فقد صار مبرمجاٌ على ساعة النوم فى منزلهم، الا أنه يبكى كل صباح غيظاً حينما يرى اليسا وليلى يتبادلان الحديث عما دار فى سهرة الامس،فيستمع اليهما جيداً ويقرر أن يساهر معهما الا أن ساعته البيلوجية تخذله فى كل ليلة. شىء اخر مهم،فعندما يكونوا معنا، و بحكم العطلة، نأخذهم الى المولات، حيث تكثر فيها وسائل اللعب، والحدائق والشواطىء للسباحة والمطاعم السريعة فيفرحون، ولذلك مثل هذا الخروج للفسحة، ارتبط فى أذهانهم، أنه لايكون متاحاً الا عندما يكونوا فى منزلنا. مصدر اخر لسعادتهم عندما يكونوا معنا، هو أن رجوعهم الى منزلهم يعنى لهم الذهاب الى المدرسة، فكل الاطفال، بدون استثناء، لا يحبون المدرسة وتراهم يعبرون عن ذلك بالرفض فى كل صباح اما بالبكاء أو الصراخ أو النوم العميق أو التمارض بالصداع واوجاع البطن ثم يكون تحفيزهم ببعض الاغراءات والوعود ويتكرر المشهد كل صباح الى أن ينتهى عام دراسى كامل، بل عدم الحب هذا يستمر حتى مرحلة الجامعة، فقديماً كان يوم السبت هو يوم ثقيل عند الجميع لكن الان تحول هذا الشعور، بقدرة قادر، الى يوم الاحد.وبمناسبة المدارس أحكى لكم طرفة حصلت،ففى اخر يوم من عطلة الربيع الماضى أراد والد الحفيد كريم أن يهيئه لاول يوم فى المدرسة بعد الاجازة الطويلة، وكنوع من التشويق بدأ الحديث بسؤاله: أتعرف غداً...؟ وقبل أن يكمل سؤاله استدرك كريم كنه السؤال واجابه بسؤال اخر بلغة انجليزية: أهى نهاية العالم ! فتحّير والده ولم يواصل الحديث، وضحكنا جميعاً لتبسيطه أمر المدرسة.الشاهد أنك تجد متعة فى اللعب والتحدث مع الاطفال بصفة عامه و اذا كانوا أحفادك فالمتعة تكون أكبر ومتاحة فى كل الاوقات ومجاناً،فهذه المتعة هى جزء من مصدر الحب والشوق الى الاحفاد. بيد أن قدر الحرية التى يجدونها عندنا لا يقلل من أهمية النظام الذى يتبعونه فى منزلهم،فالنظام وتقسيم الوقت والاولويات هو شىء أساسى للتخطيط والتطوير على مستوى الفرد والشعوب أيضاً،فلابد أن يتعلموا ذلك الان فى مرحلة الطفولة،وكما يقول المثل: العلم فى الصغر كالنقش فى الحجر.ثم وقد أشركوهم فى مناشط مفيدة كثيرة مثل الفروسية والرسم والتلوين والِجم واليوماس والسباحة وقراءة الكتب فكل ذلك يحتاج الى ترتيب للوقت كما أن تلك المناشط وصحة الطفل تحتاج الى طاقة، ولجلب الطاقة لابد من الاكل والشرب الصحى والنوم المبكر، ولولا لستة الممنوعات فى منزلهم لاخترب كل شىء. فغرس النظام والسلوكيات القويمة فى مرحلة الطفولة هى اساس التربية.وللحقيقة فعندما يأتوا الينا نسمح لهم بمساحة زمنية محدوده للتغيير ليعودوا أكثر نشاطاً لمجاراة فعاليات الاسبوع القادم. أنتقل الى المرحلة الثانية التى لم أصلها بعد لكنى عاصرت تجربتها فى والدى رحمة الله عليه،فعندما كبر أولاده،واغترب من اغترب، وهاجر من هاجر، وانشغل البقية بالحياة والمعايش الجبارة فى السودان، كان،وهو فى المعاش،يعتمد فى جميع شئون الحياة من زيارات ومجاملات وأعمال على شابين، هما حفيديه وائل و أبوبكر"بمبونى" كما يحلو تسميته،وفى هذه المرحلة من العمر كان الوالد يشرف على كل امورنا الخاصة فى السودان،فقد أشرف على شراء الاراضى وبناء المنازل الخ... وكان يحتفظ بملف خاص لكل منا فيه كل المستندات الخاصة بالبيوت والعوائد والضرائب حتى شهادات المدارس والجامعات.وعندما بلغ سن الشيخوخة و داهمه المرض بادر بتسّليم جميع الامانات والملفات للاحفاد و صار اعتماده عليهما أكثر، فكانا يقضيان له حوائجه كلها ويهتمان بصحته وعلاجه ومظهره وحتى عند وجودنا معه فى الاجازة أو بسبب المرض كان يطلب العون من الاحفاد وائل وأبوبكر لدرجة أنه كان لايرضى أن نساعده فى أبسط متطلباته، فقد تعود عليهما وعرفا طريقته لكوّنهما أكثر قرباً اليه وأشد التصاقاً به،متعهما الله بالصحة والعافية ورزقهما بنات الحلال.الشاهد أنه للمرة الثانية يظهر الدور الهام الذى يلعبه الاحفاد تجاه الجِد فيزداد حبهم وتزداد حلاوتهم. وأنا اذ أفكر فى هذه المرحلة، وقد أصبحت منها قاب قوسين أو أدنى،خطر على بالى دور احفادى...هل سيظل احفادى يؤدون نفس الدور العظيم للاجداد أم سيغيرهم الزمن، ويريحون أنفسهم بأرسالنا الى دور العجزة والملاجىء؟ الاجابة على هذا السؤال ذو شقين،الشق الاول يعتمد على كيفية تربيتهم فى المنزل وارساء أهمية دور الاسرة فى أذهانهم بشتى الوسائل، والشق الثانى يعتمد على أفكار ونظرة المجتمع الذى سوف يعيشون فيه انذاك. فمثلاً اذا نظرنا الى المجتمع الغربى الان نجد أن الاسرة تتفكك فى مهدها نسبة للنظام السائد هناك،فالابناء وحتى البنات يغادرون منزل الاسرة بمجرد بلوغهم سن السادسة عشر تاركين الوالدين، ليعيشوا حياة مستقلة تماماً، حتى زياراتهم لاسرتهم تكون قاصرة على مناسبة أعياد الكرسماس السنوية. وربما لذلك معظمهم يقتنوا الحيوانات كالقطط والكلاب عوضاً عن الابناء والبنات الذين أنجبوهم . فاذا أنت لا تجد أولادك معك فى هذه السن المبكرة فماذا عن الاحفاد فى مثل هذا المجتمع ! فربما لا تراهم البتة وحتى اذا رأيتهم ربما لا يعلمون أنك جدّهم. هذا هو الزمن والطوفان القادم الينا، فلنكن أكثر حرصاً واستعداداً لمجابهة ذلك الخطر القادم... الحفيد كريم هو اسم على مسمى، فهو طفل كريم طيب وحنين،يحاول أن يساعدنى الان بقدر امكاناته،فاحياناً يحمل لى حقيبة المكتب الصغيره أو صندوق الساندوتش وأحياناً أرسله ليبحث لى عن الجوال أو المفاتيح وأحياناً يعمل لى مساج بيديه الصغيرتين وفى كثير من الاحيان يساعد جدته،حفظه الله ورعاه،وكما يقول الانجليز: اذا ظلت الاشياء الاخرى متساوية أو كما هى، فأرى فى الحفيد كريم خير معين لى فى الكبر،اذا مد الله فى الاعمار.أما الحفيدة ليلى فهى فى نفسها ولا تعير اهتماماً لاحد وذات شخصية استقلالية وقوية وبتاعة مشاكل ودراما لكنها تعطيك من طرف اللسان حلاوة.أما الحفيدة أليسا،وهى أكبرهم، فهى ذكية ودائماً تخطط للمستقبل فى سبيل امتاع نفسها بالبرامج وهى صريحة جداً،ومن صراحتها عندها رأى سلبى تجاه الاجداد، وبفكرها الامريكى، تعتبر الاجداد ناس عجائز ولا مكان لهم بيننا يعنى "عديل كده موتوا"! رغم أنها محاطة بعدد من الاجداد يحفظهم الله.وبالامس سألتها صراحةً : هل ستساعدينى عندما أكبر يا أليسا ؟ فقالت لى : عندما تكبر و تكون عميان سوف أساعدك ! فقلت لها:الله يطمنك يا ابنتى ! ثم علمت مؤخراً أنها تساعد جدّها من والدها فى الاتجاهات داخل المنزل لانه يشكو قليلاً من ضعف النظر، وعموماً اعتماد الجِد يكون أكثر على الذكور من الاحفاد وليس على الاناث من الاحفاد وربنا يدينا خيرهم و يحفظهم جميعاً من كل سوء،فهذه مجرد تخيلات لكن لا أحد يدرى ماذا ستفعل الايام والسنين القادمة. اللهم متعنا جميعاً بالصحة والعافية وطوّل وبارك فى أعمارنا وأسعدنا بكل مراحل حياتنا ونعوذ بك أن نرد الى أرذل العمر وأحفظ أولادنا وبناتنا وأحفادنا من كل سوء يا رب العالمين. شوقى محى الدين أبوالريش-الدوحة [email protected]