البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    البرهان: الثُّقْبُ الأسود    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تعود لإثارة الجدل بوصلة رقص مثيرة وتهز بجسمها على أنغام أغنية مصرية    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    وداعاً «مهندس الكلمة»    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية الموازية: تجسير الهُوَة (1) .. بقلم: الطيب عمر حسن*
نشر في سودانيل يوم 19 - 11 - 2014

تمثل الدبلوماسية (diplomacy) ممثلة في وزارات الخارجية والبعثات الدبلوماسية للدول القناة الرسمية لممارسة النشاط الخارجي والتفاعل مع نظيراتها من الدول الأخري والمنظمات الإقليمية والدولية. وتَستخِدم الدول الدبلوماسية كوسيلة للتفاوض حول عدد من القضايا الإقتصادية والتجارية والسياسية إلي جانب قضايا اخري.
وبالرغم من أن الممارسة الدبلوماسية نفسها تعتبر حقاً أصيلاً للدولة كعضو مكون للمنظومة الدولية, إلا أن التطورات الحديثة في العلاقات الدولية دفعت إلي الواجهة نشاط خارجي متزايد للأقاليم والولايات داخل الدول. حدا ذلك بمفكري العلاقات الدولية لمحاولة دراسة هذه الظاهرة الجديدة نسبياً في أدبيات العلاقات الدولية. وتوصلت تلك الدراسات إلي مفهوم جديد في العلاقات الدولية يسمي بالبارادبلوماسي (paradiplomacy). وهو مصطلح يشير إلي النشاط الخارجي المباشر للمدن والأقاليم والوحدات الإتحادية (Federated), الذي يسير جنباً إلي جنب مع الدبلوماسية التقليدية للدولة. ويظهر ذلك عندما تحصل الكيانات داخل الدول علي صلاحية ممارسة نوع من السياسة الخارجية في إطار الدستور والقوانين التي تسمح لها بالمشاركة كلاعب فاعل في الساحة الدولية بصورة مستقلة عن الدولة المركزية التي تنتمي إليها سعياً وراء المصالح الخاصة لمواطنيها.
تشير بعض المراجع إلي أن الدكتور بانايوتيس سولداتوس Panayotis Soldatos أستاذ القانون و العلوم السياسية بجامعة مونتريال الكندية هو من أوائل الأكاديميين الذين حاولوا دراسة العلاقات الخارجية للأقاليم داخل الدول ( ولايات, أقاليم, محافظات, مدن). حيث خرج بانايوتيس لأول مرة بمصطلح الدبلوماسية الموازية (Para-diplomacy ) بعد مزجه لكلمة موازي (Parallel) و كلمة دبلوماسية ( Diplomacy). ثم انتشر المفهوم بعد ذلك في الكتابات الأكاديمية عبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيتي كوليج الامريكية (City College), الأمريكي إيفو دوتشاتشك Ivo Duchacek.
وبالرغم من ان المفهوم غير معروف بشكل كبير, ولم يتم التطرق إليه بصورة واسعة خاصة في الكتابات الأكاديمية باللغة العربية, إلا أن الظاهرة التي يتحدث عنها قديمة نسبياً و أضحت في الوقت الحاضر أكثر جلاءاً في العلاقات الدولية بصورة لا يمكن تجاهلها. وتُلقي الدبلوماسية الموازية الضوء علي الأهمية المتنامية لإشراك الحكومة المركزية للمكونات الشعبية وشبه الرسمية في صياغة وإنفاذ سياسة الدولة حول الشأن الخارجي والذي صار مؤخراً يميل إلي اللامركزية في ظل العولمة خاصة بعد دخول كيانات مثل المنظمات غير الحكومية (NGOs) ومنظمات المجتمع المدني في النشاط الدولي.
يمكن إرجاع نشأة الدبلوماسية الموازية الي العشرينيات من القرن الماضي ( 1920) عندما بدأت الأراضي الخاضعة للإمبراطورية البريطانية ( كندا و جنوب أفريقيا و أستراليا ) في إقامة علاقاتها الخارجية الخاصة. بعد ذلك بعدة عقود ظهرت هونج كونج الصينية في خمسينيات القرن العشرين كأحد رواد الدبلوماسية الموازية بعد أن منحتها بريطانيا العظمي الحكم الذاتي رسمياً وأصبح لديها صلاحية التفاوض المباشر علي الإتفاقيات التجارية مع الدول الأجنبية. وتمتلك هونج كونج في الوقت الحاضر العديد من المكاتب التجارية في عواصم مثل جنيف و بروكسل و واشنطون و نيويورك وعدة مدن أخري. كما تشارك في المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية ( WTO).
ثم برزت مقاطعة كيبيك (Quebec) الكندية في الستينيات (1960) كأحد فاعلي الدبلوماسية الموازية بعد توقيعها لإتفاقيات ثنائية مع فرنسا حول الشئون الثقافية. و في الثمانينيات (1980 ) والتسعينيات (1990 ) من القرن الماضي مارست بعض الأراضي الألمانية مثل بافاريا ( Bavaria ) و بادن فورتيمبيرج ( Baden-Wurttemberg ) الدبلوماسية الموازية مع عدد من الدول الأسيوية ( الصين و الهند و اليابان و فيتنام), و الأفريقية (جنوب أفريقيا ), و الأمريكية الشمالية و الجنوبية ( كندا و الولايات المتحدة و البرازيل و المكسيك ), إضافة للعديد من الدول الاوربية.
ومؤخراً ظهرت ولاية ساوباولو البرازيلية بقوة علي الساحة الدولية خاصةً بعد توقيعها لإتفاقيات تعاون ثنائية في مجالات متعددة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية (USA) والمملكة المتحدة (UK) في العام 2013م. وتحتل مدينة ساوباولو المرتبة التاسعة عالمياً من حيث الكثافة السكانية, بينما تحتل المرتبة الأولي بين مدن أمريكا اللاتينية من حيث الكثافة السكانية والثراء, وهذه مميزات قد تدفع العديد من الدول للسعي لإنشاء علاقات ثنائية معها. ومن المتوقع أن توقع ولاية ساوباولو إتفاقيات مشابهة مع عدد من الدول مثل كندا وفرنسا والمانيا إلي جانب بعض الدول الأسيوية.
يُنظر الي الحكومات المحلية ( إقليم, ولاية, محافظة, مدينة) عادة بإنها تنفذ وتطبق السياسة العامة للدولة داخلياً. و أحياناً تلعب هذه الحكومات المحلية دوراً يقع داخل إطار المفهوم الدولي عندما توقع إتفاقيات مع كيانات خارج حدود دولها. وتختلف الطريقة التي تمارس بها الحكومات المحلية علاقاتها الخارجية تبعاً لإختلاف الطبيعة المميزة لكل إقليم. إلا أنه يمكن تمييز ثلاث إتجاهات رئيسية للدبلوماسية الموازية كما صنفها البروفيسور أندريه لوكور Andre Lecours في دراسة له بعنوان: القضايا السياسية للدبلوماسية الموازية: دروس من الدول المتقدمة
( Political Issues of Paradiplomacy;Lessons from the Developed World ) وهي كالآتي:
1- العلاقات الإقتصادية: تعمل الحكومة المحلية في هذا الإطار علي تطوير حضور دولي يغلب عليه جذب الإستثمارات الأجنبية إليها وفي ذات الوقت إستهداف أسواق جديدة لصادراتها. ولا يُلحظ في هذا المستوي بُعد سياسي واضح أو إهتمام بالقضايا الثقافية. علي سبيل المثال النشاط الخارجي للمحافظات الأرجنتينية التي لديها علاقات مع حكومات ولائية في شيلي والباراغوي و بوليفيا و البرازيل بغرض إدارة حركة البضائع والأفراد بين بعضها البعض. وتتم هذه العملية عبر ( لجان للتكامل) تُنَسَق من قبل وزارة الخارجية الأرجنتينية مما يجعل العلاقات الخارجية لهذه الإقاليم والولايات خاضعة لإشراف الحكومة المركزية.
ونجد في الهند أن بعض الحكومات الولائية حظيت بفرصة التفاوض المباشر مع المنظمات المالية الدولية مثل البنك الدولي (WB), والبنك الأسيوي للتنمية (ADP), وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ( UNDP) وذلك بتفويض من الحكومة المركزية لممارسة النشاط الخارجي.
2- التعاون الفني و التعليمي و الثقافي و ما شابه ذلك: تحاول الحكومة المحلية في هذه الحالة التركيز علي عدة محاور في نفس الوقت, وهو ما تنحو اليه المدن والأقاليم في الدول النامية. علي سبيل المثال وقعت ولاية الخرطوم في السودان إتفاقية توأمة مع بلدية إنجمينا في تشاد لتبادل التجارب في مجال التخطيط العمراني وإصحاح البيئة وتقديم فرص دراسية لطلاب انجمينا في مجال الطب والصحة العامة, وإيفاد معلمين سودانيين لتدريس اللغة العربية بمدارس انجمينا, بنما تدعم انجمينا مدارس ولاية الخرطوم بمعلمين للغة الفرنسية. وينظم الجانبان أسابيع ثقافية بالعاصمتين و أتفق علي أن تدعم ولاية الخرطوم بلدية إنجمينا بمحطة (FM) إذاعية. إضافة لتسهيل و تشجيع عمل الشركات التجارية المسجلة في البلدين.
كما وقعت ولاية الخرطوم إتفاقية توأمة مع مقاطعة برازيليا الفيدرالية في مايو 2011م لتطوير التعاون في مجال التعليم و الصحة و الزراعة و السياحة و الضمان الإجتماعي و الرياضة و التبادل الثقافي و الفني. وفي 26 مايو 2011 وقعت ولاية الخرطوم إتفاقية توأمة مع بلدية الفجيرة بدولة الامارات العربية المتحدة لتشجيع التعاون في المجالات الإقتصادية, و الثقافية, و الفنية, و العلمية من خلال تبادل الوفود و نقل الخبرات عن طريق إقامة الندوات و المحاضرات و المعارض و المهرجانات و المؤتمرات.
كذلك تنشط ولاية القضارف السودانية في علاقات خارجية مع إقليم الامهرا الأثيوبي من خلال توقيعها لعدة بروتوكولات واتفاقيات لتقنين حركة العمالة الزراعية الموسمية ومحاربة الإتجار في البشر وبسط الامن علي الحدود السودانية الأثيوبية, كما يشجع الجانبان الإستثمار وتسهيل حركة السياح بين البلدين.
3- القضايا السياسية: تميل الحكومة المحلية في هذا الجانب إلي عكس هويتها المُمَيزة والتي تؤكد الشخصية الوطنية التي تمثلها وتُظهِر تميزها الثقافي و استقلالها السياسي. وهي جوانب قد تختلف نوعاً ما عن تلك التي تعكسها الحكومة المركزية. وربما كانت لدي الحكومة المحلية إعتبارات أخري تدفعها لممارسة هذا النوع من النشاط الخارجي لا علاقة لها بموضوع الهوية. وظهر ذلك علي سبيل المثال في حالة النشاط الخارجي الذي كانت تمارسه حكومة اقليم جنوب السودان (GoSS) وفقاً لاتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقعة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM/A). وسعي الإقليم وقتها للترويج للغة الإنجليزية إلي جانب أشياء أخري في دولة لغتها الرسمية هي العربية وغالبية سكانها من المسلمين. كما مارس الإقليم نشاطاً خارجياً عبر مكاتب الاتصال ((Liaison Offices الخاصة به في عدد من الدول الأجنبية في الفترة من 2005م وحتي 2011م تاريخ تصويت سكانه للانفصال عن الوطن الأم.
دبلوماسي سوداني
الدبلوماسية الموازية: تجسير الهُوَة (2)
الطيب عمر حسن
يري بعض مفكري السياسة الدولية ان الدبلوماسية الموازية يمكن أن تُأثر سلباً علي وحدة وتماسك الدولة في المنابر الدولية بإعتبارها نشاط خارجي للحكومات المحلية مواز لنشاط الحكومة المركزية. خاصة إذا تعارض توجه الحكومة المحلية مع توجه الحكومة المركزية. وغالباً ما يحدث ذلك إذا لم تتوفر آلية للتنسيق بين الحكومة المركزية والحكومات الولائية, إلا أن للدبلوماسية الموازية عدد من الإيجابيات كذلك, منها:
أولاً: أمكانية المساهمة في نزع فتيل التوترات والنزاعات بين المجموعات السكانية الحدودية عبر تنظيم حركة الأفراد والتجارة الحدودية علي سبيل المثال. حيث تساهم مثل هذه العلاقات الخارجية عبر الحدود في معالجة القضايا الخلافية التي تُثير التوترات والنزاعات.
ثانياً: المساهمة في الحد من الطموحات الانفصالية لبعض الأقاليم الحدودية ذات الطبيعة الخاصة. اذ يؤدي التواصل المباشر عبر الحدود للمجموعات العرقية المتماثلة الي التخفيف من شهية الانفصال. و يظهر ذلك في حالة اقليم الباسك الأسباني و الذي يركز بصورة كبيرة علي التعاون مع منطقة الباسك الفرنسية باعتباره مجتمعا واحداً منقسماً في بلدين متجاورين. وهذا الوضع الذي تنقسم فيه مجموعة عرقية معينة بين دولتين موجود في الكثير من الدول والمجتمعات حول العالم وخاصة في دول العالم الثالث حيث توجد العديد من القبائل المشتركة, والأمثلة معروفة في معظم تلك الدول. وهنا تظهر أهمية الدبلوماسية الموازية, لأنه عندما يتم عزل الأقليات العرقية عن السلطة السياسية و الاقتصادية في دولة ما فانها غالباً ما تَنظُر الي المجموعات التي تتبَع لها عبر الحدود. وعندها يُصبح إنشاء روابط سياسية واقتصادية وثقافية عبر الحدود كافياً لعدم تشجيع النزعات الانفصالية. حيث تلبي الدبلوماسية الموازية طموحات سكان الأقاليم داخل الدول في لعب دور مؤثر في السياسة الخارجية لحكوماتها المركزية, والتي تنعكس عليها بالضرورة. وهكذا تكون الحكومة المركزية قد لبت مطالب الاقليم للمشاركة في السياسة الخارجية مع الاحتفاظ بحق رفض أي نشاط خارجي قد لا يتفق مع الدستور والسياسة العامة للدولة.
ثالثاً: معظم الحكومات المركزية في العديد من الدول خاصة دول العالم النامي, لا تستطيع الإيفاء بجميع المتطلبات الاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعاتها المحلية (Local Communities). ويرجع ذلك لأسباب مختلفة منها, فقر الدولة نفسها أو عدم توفر الخبرات لدي الحكومة المركزية لفهم تعقيدات المجتمعات المحلية أو لاسباب خاصة تختلف من دولة لأخري. مما يجعل هذه المجتمعات المحلية تعمل علي السعي وراء مصالحها الخاصة اما عبر الطرق السلمية والقانونية أو عبر استخدام القوة ( التمرد المسلح علي سبيل المثال).
رابعاً: تعمل بعض الأقاليم داخل الدول علي الترويج لنفسها دولياً بإعتبارها كياناً مستقلاً ثقافياً أو دينياً عن المركز الذي تنتمي إليه. ويظهر هذا في محافظة كاتالونيا واقليم الباسك الاسباني علي سبيل المثال. وبدأت مؤخراً في الوطن العربي تظهر قضايا حقوق ثقافية و دينية خاصة بالأقليات غير العربية أو غير المسلمة, أو قضايا خاصة بالأقليات المذهبية (مثل الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية). وتمتد الحالات من المغرب ( قضية اللغة الأمازيغية في مواجهة العربية), وموريتانيا ( المواطنين ذوي الأصول الإفريقية في مواجهة ذوي الأصول العربية), مروراً بمصر ( قضية الأقباط وقضية الدعوة للثقافة الفرعونية في مواجهة المسلمين والثقافة العربية), والعراق وسوريا (القضية الكردية في مواجهة العروبة), وحتي دول الخليج العربي المعروف عنها إستقرارها النسبي مقارنة مع بقية دول المنطقة ( قضية الشيعة في مواجهة السُنة). وكل هذه قضايا مُلِحة في الوقت الراهن مع المتغيرات الجارية ويمكن ان تؤدي لمشاكل أعمق إذا لم يتم وضع حلول ناجعة ودائمة لها.
أحد هذه الحلول المطروحة في تقديري هي إعادة صياغة دساتير بعض الدول لتقنين الدبلوماسية الموازية مثلما فعلت الارجنتين و النمسا و المانيا و بلجيكا و الإتحاد الروسي و سويسرا و الولايات المتحدة الامريكية. حيث يمنح الدستور السويسري علي سبيل المثال الولايات المكونة للإتحاد السويسري صلاحية عقد بعض المعاهدات الدولية بشرط ألا تتعارض مع غايات الإتحاد و حقوق الولايات الاخري. كما يأخذ دستور دولة الامارات العربية المتحدة للعام 1971 بهذا الإطار حيث تُجيز المادة 123 من الدستور للأمارات الأعضاء في الإتحاد إبرام إتفاقيات محدودة ذات طبيعة إدارية محلية مع الدول المجاورة لها علي ألا تتعارض مع القوانين الإتحادية وبشرط إخطار المجلس الأعلي للإتحاد مُسبقاً. وينحو دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 في نفس الإتجاه حيث يمنح الولايات سلطة إبرام إتفاقيات دولية كما ينص في الجدول (د) المعنون الإختصاصات المشتركة, البند 19 والذي يفيد بإمكانية الولايات السودانية لإبتدار الإتفاقيات الدولية والإقليمية والتفاوض بشأنها وإتمامها في مجالات الثقافة والرياضة والتجارة والإستثمار والقروض والمنح والمساعدة الفنية مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية الأجنبية, وذلك دون إخلال بالنظم القومية. ويعني الجدول (و) في الدستور الإنتقالي بتسوية النزاعات بالنسبة للإختصاصات المشتركة.
خامساً: بعض المنظمات الدولية الإنسانية مثل اليونسيف (UNICEF) أصبحت تفضل التعامل اللامركزي مع الحكومات المحلية بدلاً من الحكومات المركزية لضمان الوصول الي حل جذري لمسببات المشاكل الصحية و التعليمية, بدلاً من وضع الحكومة المركزية كوسيط بينها و بين المجتمعات المحلية. ويعني ذلك لبعض الدول النامية إمكانية جذب مساعدات إضافية من اليونسيف عبر السماح لها بالتعامل المباشر مع الحكومات المحلية.
أخيراً نستطيع القول أن مصطلح الدبلوماسية الموازية أو (البارادبلوماسي) يُكَمِل نوعاً ما ما نقص مصطلح الدبلوماسية عن تغطيته من أشكال العلاقات الدولية غير التقليدية. وتوفر الدبلوماسية الموازية فرصة للأقاليم داخل الدول النامية في الشرق الأوسط و أفريقيا واسيا ودول أمريكا اللاتينية للإستفادة من العلاقات الخارجية مع الأقاليم والدول الغربية المتقدمة في مختلف مجالات التنمية. كما يمكن للأقاليم داخل الدول النامية الإستفادة من العلاقات الخارجية بين بعضها البعض لتقوية العلاقات بين الشعوب وتبادل الخبرات. ومن المهم أيضاً للدول النامية أن تركز علي العلاقات الخارجية عبر الحدود بصورة خاصة, حيث تسهم هذه العلاقات في حل العديد من المشاكل مثل تلك المتعلقة بالبيئة وبالقبائل المشتركة وبحركة الأفراد والماشية, خاصة حركة القبائل الرعوية في أفريقيا والتي تدخل في نزاعات مسلحة بين حين وآخر مع المجموعات الزراعية.
تمنح للدبلوماسية الموازية كذلك فرصة للحكومات الواقعة تحت عقوبات آحادية مثل السودان للإلتفاف حولها عبر تشجيع الولايات والمحافظات للدخول في إتفاقيات تعاون ثنائية مع الولايات المتحدة علي سبيل المثال في مجالات مثل المنح الدراسية والبعثات الطبية والتنمية الصناعية والزراعية, وذلك في حدود المصالح الوطنية. ويحتاج تطوير الدبلوماسية الموازية الي إجراء بعض التعديلات في المؤسسات القانونية و الادارية في الدولة لتقنين الممارسة, إضافة لخلق قنوات تنسيقة بين الحكومة المركزية و الحكومات المحلية بصورة تؤدي إلي الإستفادة القصوي من هذا النشاط الخارجي الجديد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.