أحسبُ أنه من الضروري، لمواصلة ما بدأتُه أمس (الأربعاء)، من حديثٍ عن تكتيكات الحركة الشعبية – قطاع الشمال – الخاصة بالمفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في أديس أبابا، أن نتطرق في هذه العُجالة اليوم إلى مفردات الآلية الأفريقية الراعية للمفاوضات، عند تعليق الجولة التاسعة، لم تأتِ بجديد، بل أن بيانها مكرور العبارات، إلى حد أنه لم يعد يُثير الدهشة أو الاستغراب أو حتى السؤال، بل السؤال لماذا لا تحسم الآلية الأفريقية الراعية للمفاوضات أجندة الجولة المحددة، بالحصول على موافقة الطرفين المتفاوضين عليها قبل مجيئهما إلى أديس أبابا، بدلاً من ضياع أيام في مناقشة الأجندة نفسها، وإتاحة الفرص للحركة الشعبية لاستخدام تكتيكها في تعطيل المفاوضات في كلِّ جولةٍ، من خلال الزج بأجندةٍ خارجةٍ عن مسار التفاوض. وكان المفترض أن تكون حيثيات تعليق كل جولة مختلفة عن الجولة الأخرى، بعباراتٍ مقتضبةٍ، ليس هناك بيان صادر عن الآلية الراعية للمفاوضات تُحمِّل فيه أحد الطرفين أو كليهما إفشال المفاوضات، لكي يلم الرأي العام بأسباب التعليق أو فشل المفاوضات. لم يعُد خافياً على أحدٍ من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان أو خارجه، أن من أهم تكتيكات الحركة الشعبية – قطاع الشمال – الحفاظ على استمرارية جولات مفاوضات أديس أبابا حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. ويعتقد قادتها أنه من الضروري جعل استمرار هذه المفاوضات مع تعليق جولاتها، وضمان استئنافها سنام تكتيكات الحركة الشعبية – قطاع الشمال – وذلك من خلال المحافظة على المزاوجة المستمرة في بيان الآلية الراعية للمفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – قطاع الشمال – حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في أديس أبابا، بين تعليق جولة المفاوضات مع التأكيد على استئنافها في البيان نفسه، باعتبار أن هذا الهدف هو سنام تكتيكات الحركة الشعبية. ولقد نجحت في تحقيق مقصدها من خلال استخدام هذا التكتيك، بينما الحكومة السودانية بنت إستراتيجيتها في التعجيل بوقف إطلاق النار الشامل، في إطار الترتيبات الأمنية، والعمل الجاد والسريع في تيسير المساعدات والعون الإنساني للمتضررين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ضمن الترتيبات الإنسانية، المتضمنة في بنود الاتفاق النهائي. لكن الحركة الشعبية – قطاع الشمال – تستشعر أن الوصول إلى حل نهائي لقضية المنطقتين، سيفقدها أهم أوراق المضاغطة السياسية على الحكومة السودانية، لا سيما وأنها تترقب من على البُعد تفاعلات دعوة الرئيس عمر البشير للأحزاب والقوى السياسية – حكومةً ومعارضةً، بما فيها الحركات المسلحة – إلى الحوار الوطني الذي لا يُقصي أحداً، ولا يعزل حزباً، التي أعلنها يوم الاثنين 27 يناير 2014، في الخطاب الرئاسي الذي عُرف بخطاب "الوثبة" بمرتكزاته الأربعة (السلام والحرية والاقتصاد والهوية). وفي رأيي الخاص، أن الحركة الشعبية – قطاع الشمال – أكثر ما تخشاه، ألاّ يكون لها دور مذكور في إجراءات مؤتمر الحوار الوطني، لأنها حينئذٍ ستفقد زخمها التفاوضي الذي ستدخل به أروقة الحوار الوطني الذي من المرتقب أن يتم انعقاده بكل الأطراف السودانية، سيشكل – بلا أدنى ريب – خارطةً سياسيةً جديدةً للسودان. وبفقدان أوراق المنطقتين تجد الحركة الشعبية – قطاع الشمال – نفسها بعيدةً عن تضاريس تلكم الخارطة، وربما لن يكون لها أثر بيِّن في سهولها أيضاً. أخلصُ إلى أن ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الأفريقية الراعية للمفاوضات في أديس أبابا، رفع جولة المفاوضات التاسعة، موضحاً أن الجولة المقبلة ستكون في بداية العام المقبل، دون توضيح أسباب التعليق، ومسببات تحديده لموعد الجولة المقبلة. أما الأخ البروفسور إبراهيم غندور رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات أديس أبابا، فقد اتهم الحركة الشعبية بتعطيل المفاوضات، وذلك بالزج بأجندةٍ خارج مسار التفاوض. ولما حرص ياسر سعيد عرمان رئيس وفد الحركة الشعبية على استخدام تكتيك المفاجأة والدهشة، لشغل الرأي العام المحلي والخارجي بمطالبته منح المنطقتين الحكم الذاتي، بحُجيةٍ غير صحيحةٍ أن غالبية مواطني المنطقتين من المسيحيين، وحقق ذلك عقب انفضاض الجولة السابعة. ويبدو أنه استمرأ هذا التكتيك، فأسرع بانهيار الجولة التاسعة، عندما طالب بإلغاء الشريعة الإسلامية في المنطقتين، ولم يكتفِ بهذه المطالبة، بل زاد عليها بالمطالبة بحل الجيش والشرطة والأمن، متأسياً في ذلك بالأميركي بريمر حاكم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. يتضح من كلِّ ذلك، أن الحركة الشعبية أسيرة لتحالفاتها السياسية، فلن تُوقع على اتفاق نهائي مع الحكومة السودانية، في انتظار ما تُسفر عنه إجراءات انعقاد الحوار الوطني. وعلى الحكومة السودانية حسم أمر أجندة الجولة العاشرة قبل الشروع في سفر وفدها إلى أديس أبابا. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". وقول أمير الشعراء، أحمد بك شوقي: وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا =====