شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الجنائية الدولية..."خيرها في غيرها"! .. بقلم: بدر الدين ا. م. الفيصل
نشر في سودانيل يوم 20 - 12 - 2014

كاليفورنيا, الولايات المتحدة الامريكية
رجع كتاب السياسة السودانيون من جديد "يفلقون" الشعرة, للاجابة على السؤال الذي قفز الي وسط الساحة السياسية, اثر قرار محققة المحكمة الجناية الدولية-فاتو بنسودة- بحفظ ملف دارفور لدى المحكمة و ارجاعه لمجلس الامن الدولي. السؤال هو:هل قرار المحققة يعني قفل الملف و اسقاط التهم عن العميد عمر حسن البشير و اخرين, ام ان القرار يقصد الضغط على مجلس الامن ليتخذ اجراءات اشد لتنفيذ القبض على المجرمين؟ انقسم السياسيون و المحللون الي فريقين, الفريق الاول تصدره المتهم الاول, و قد فهم ان فاتو بنسودة قد عجزت عن القبض عليه و "فترت" من مطاردته و خرج "يتنبر" بشجاعته و صموده و يدعي, كذبا, ان ما افلته من شراك الجنائية هو تأييد السودانيون له و رفضهم لتسليمه! عمر البشير نسى ان الشعب السودان دفع "دم قلبه" لتدريبه في الكلية الحربية لمواجهة المكاره و مقابلة الشدائد لا الهرب كالجرذ المهلوع كلما حركت فاتو بنسودة اصبعها, ايماءا, لحكومة ما بالقبض عليه, او منعه من حضور فعالية تقتضيها مهام المنصب الذي اغتصبه في الثلاثين من يونيو 1989. الشعب السوداني لن يحمي جبان, و لن يدافع عمن نكص عن قسم مهنته, و اريد هنا ان ازف للبشير خبرا قد يكون اكثر سوءا من احالة ملف دارفور للجنائية بواسطة مجلس الامن, بالامس (الثامن عشر من ديسمبر 2014) قررت الجمعية العامة للامم المتحدة احالة كوريا الشمالية للمحكمة الجنائية. 116 دولة بما فيها جنوب السودان وقعت على القرار. هذا يعني ان هناك طريقا جديدا, و شركا اكثر احكاما بفرض عزلة كاملة على الدول التي تجرم حكوماتها في حقوق شعوبها, فمجلس الامن يمكن ان يحيل ملف دارفور للجمعية العامة للامم المتحدة و يتم التصويت على القرار بواسطة عدد اكبر من الدول, وسيضيّق ذلك اكثر على عمر البشير و زبانيته و قد يدفع الشعب السوداني ثمنا باهظا من جراء العقوبات و العزلة.اما الفريق الثاني, و الذي كان قد بنى امالا عراضا على ان تقوم المحكمة الجنائية بالقبض على عمر البشير و اعوانه, و تكتب نهاية حكم الانقاذ القاتم في السودان, هذا الفريق تراوحت ردود الفعل في داخله بين طرفي متواصلة: قطب استشعر خطورة القرار و رأى انه يمهد الطريق لترتكب الانقاذ المزيد من الانتهاكات بعد ان انفكّ المتهمون من سنارة اوكامبو, بمعنى اخر هولاء شعروا بأن بنسودة قد تخلت عنهم و ارخت الحبل للانقاذ لتسرح و تمرح على حل شعرها كديدنها دائما. وقطب اّخر اّثر الاستمرار في الرجاء و احلام اليقظة, بان يوما ما, ستقرر دولة ما في مجلس الامن, القيام بدور بوليس النيابة و انفاذ امر القبض على المطلوبين "للعدالة" الدولية. اعتقد ان الفريقين حادا عن المعقول في تقديراتهما! فقرار بنسودة لم يكن رضوخا لمطلب "شعب" البشير, و لا نزولا عند ارادة مؤيدي البشير وو كذلك قرار الجنائية لم يكن انهزاما امام "صمود" البشير و هو يهرب من مطار لمطار, و لم يكن القرار بالاحرى فتحا للباب لعمر البشير و زبانيته للمزيد من القتل و السحل. قرار بنسودة املته العيوب المفاهيمية التي صاحبت انشاء المحكمة و نشوءها.
المحكمة الجنائية ولدت ميتة.قرار ادارة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون و هي تكتب اّخر توصياتها للادارة التي ستعقبها-لسوء الحظ ادارة الرئيس الاسبق بوش- بان لا توقع البتة على قرار انشاء المحكمة, ما لم تجرى تعديلات جوهرية على وثيقة تكوينها ترسم حدود سلطتها و تخفف من حدة اسنانها, كان ذلك القرار بمثابة شهادة الوفاة. الادارة الامريكية رأت ان هناك اخطاء "هيكلية" في نصوص الاتفاقية. فوثيقة انشاء المحكمة استبطنت مفهوم سيادتها فوق كل دول العالم, شرعت للمحكمة لتتعامل و كأن كل الدول سواء امام القانون. فالاتفاقية تسرى-بنصها-على الدول الموقعة عليها و تلك التي لم توقع. و بما ان الولايات المتحدة لم توقع, ارادت ضمانات بأن لا تسري سيادة المحكمة عليها و على مواطنيها. ادارة كلينتون, كذلك, رأت ان المحكمة تنتهك مبادئ سيادة الدول عندما فوضت لنفسها اتهام و محاكمة رؤساء الدول اثناء شغلهم مناصبهم, الولايات المتحدة رأت هذا تدخلا قد تكون له تبعات سياسية وخيمة في السياسة الدولية. و من الاسباب التي ساقها قانونيو و دبلوماسيو ادارة كلينتون, وزاد عليها اخرون بعدها, انه لا توجد ضمانات لاستقلالية المحكمة, و انها قد تصبح اداة سهلة يطوعها الخصوم لأهوائهم السياسية, و ان المحكمة لا تخضع بما يكفي لسيطرة مجلس الامن الدولي. الهند, و هي واحدة من الدول المؤثرة في السياسة الدولية, امتنعت عن التصديق على الوثيقة النهائية لانشاء المحكمة, و امتنعت عن التوقيع عليه و ساقت عدة اسباب. اولها, ان هناك دول كبرى مثل الولايات المتحدة و روسيا و الصين لم توقع مما يجعلها في حصانة من المحكمة, و ان هناك دول اخرى وقعت على الوثيقة الاولى و امتنعت عن توقيع الوثيقة النهائية و هذا ايضا يجعلها خارج نطاق احكام و قوانين المحكمة, الهند رأت في ذلك خللا في ميزان العدالة الدولية. الهند, ايضا اشارت لموضوع تناقض المحكمة مع سيادة الدول. روسيا تساءلت في"ما جدوى المشي قدما في انشاء المحكمة اذا رفضت ثلاثة دول كبرى بثلاث اشكال حكم مختلفة (الولايات المتحدة, الاتحاد الروسي, و الصين) التوقيع على الاتفاقية؟" و نصحت بالبحث بجدية في "صب الكثير من الماء" في الاتفاقية و تخفيفها لتجذب توقيعات الدول التي امتنعت. الجدير بالذكر ان روسيا ايضا رأت ان هناك مشكلة فيما يخص موضوع سيادة الدول. روسيا طالبت بأن لا تتمتع المحكمة بأي سلطة تجعلها فوق الدول و قوانينها, و شترطت الحصول على توقيعات كل الدول, لتكتسب المحكمة أية فعالية. الصين, ساقت السودان كمثال لامكانية ان تؤثر قرارات المحكمة سلبيا على مجريات العملية السلمية لحل اي نزاع, و ان تدخل المحكمة قد يدفع الاطراف المتنازعة للمضي قدما في التناحرو صرحت بخوفها ان ينتقم الجناة من الضحايا بصورة اكثر بشاعة-هذا ما حدث في السودان- و ذكرت بأن الامم المتحدة و مجلس الامن يفترض ان يلعبا دورا في تسهيل عمليات السلام, لا التدخل في شئون الدول و تصعيب امكانات الوصول لحلول سليمة بالتفاوض و التراضي. الصين رأت ان المحكمة ستتضعف مجلس الامن بتحويل بؤر التركيز في القضايا, و طالبت بأن يكون دور المحكمة الدولية مكرسا من خلال التفاوض و التشاور مع الدول, لا فرض سيادتها عليهم. هذه اربعة من اكثر الدول تأثيرا في السياسة العالمية, و كلها ساقت اسباب "وجيهة" لعدم توقيعها الوثيقة النهائية لانشاء المحكمة. السؤال هو, ماهي فرص تنفيذ قرارات المحكمة اذا رفضت ثلاثة من الدول دائمة العضوية في مجلس الامن, و معها الهند, اقرار نفوذها؟
ما اضر بالمحكمة, اكثر, هو ان سلوك محققها لويس اوكامبو حقق كل التنبوءات التي ساقتها الدول التي رفضت توقيع الوثيقة النهائية. اوكامبو تصرف كالثور في مستودع الخزف! صال و جال و جعل المحكمة فوق سيادة الدول و اصر ان تكون الهة العدالة الاثينية ثيمس عوراء, بعد ان اراد لها العالم ان تكون عمياء لا تفرق بين الفرقاء, فقد جعل ثيمستغمض عين عن تجاوزات بعض الدول خوفا من سطوتها السياسية و العسكرية و فتحت الاخرى لتحصي انفاس اخرى, خاصة الافريقية. في يد اوكامبو تحولت المحكمة لاداة سياسية, بدل ان تكون اداة قانونية و عدلية, و لم تهتم بجودة المعلومات و لا بيانات القضايا و النتيجة كانت انها اضطرت لتسقط التهم في حق اكثر من متهم كانت قد وجهت لهم تهم يفترض انها قامت على ادلة قوية و تحريات مهنية و مداولات ممحصة.
ما سردته اعلاه-رفض ثلاث دول من الخمسة المكونة لمجلس الامن التوقيع على الوثيقة النهائية, و سلوك محقق المحكمة لويس اوكامبو الذي برر مخاوف تلك الدول- هيالاسباب التي اجبرت السيدة فاتو بنسودة لترجع ملف دارفور لمجلس الامن. فمجلس الامن, الذي احال القضية للمحكمة, منقسم حول مشروعية المحكمة و بالتالي لا مجال البتة, و لا امل, في ان يسعى لتطبيق قراراتها, او اجبار دول اخرى على الامتثال لقرارات هي نفسها ترفضها.اذا سعت اية من هذه الدول لتنفيذ القرارات, مثلا فرنسا او بريطانيا, فانها ستعمل على تكريس المزيد من الانقسامات في الساحة الدولية و تعمل على توفير سابقة قانونية دولية, تتناقض مع مصالح و مواقف ثلاثة من اكبر الدول في مجلس الامن. هذا ما ينبغي ان يفهمه البشير و بطانته. ما سهل افلاتهم من قبضة المحكمة لم يكنسببه ان الشعب التف حولهم او دافع عنهم, كما ادعى عمر البشير, فهذه فرية هو نفسه لن يصدقها, و لكن ما افلتهم هو انقسام مجلس الامن و طيشان محقق المحكمة الذي زاد مخاوف الدول الكبرى بأن المحكمة قد تتحول لاداة تتغول على سيادتها, و تتحكم في قرارات قياداتها السياسية, في محكات تحتاج لتحرر القيادة السياسية من اي تأثير عدا تأثير مصالح شعوبها. لكن هل هذا يعني ان العدالة لن تأخذ مجراها؟
عمر حسن احمد البشير اعترف بانه قتل "فقط" حوالى عشرة الف مواطن في دارفور! و الاعتراف سيد الادلة. لا ارى و لا سبب واحد لتعول المعارضة السودانية على المحكمة الجنائية لتحاكم مجرم اعترف بأنه قتل كل هذا العدد من مواطنيه. نعم, لا تملك المعارضة ,الان, اية وسيلة لمحاكمته, خاصة و انها قنطت من عدالة القضاء السوداني و يئست في استقلاليته. لكن, في رأيي, هذه هي نقطة ضعف عمل المعارضة في مجال القضاء و القانون. لماذا لا نرفع قضايا قانونية ضد عمر البشير امام القضاء بعد اعترافه بأنه قتل عشرة الف مواطن؟ قد يقول قائل "حكومة البشير ستمنع القضاء من النظر في القضايا المرفوعة". هذا ليس سببا, فيما اعتقد, يمنع المعارضة من المحاولة. هدفنا كسياسيين ان نفضح تدخل الحكومة في الاجراءات القانونية و تعويقها العمليات العدلية, و اذا رفضت النيابة او المحاكم في السودان النظر في قضايا اعترف فيها المجرمون, فأي دليل اكبر من ذلك على فساد الحكومة و القائمون على امر وزارة العدل؟ يجب ان نشجع اي مواطن ظلمته الحكومة على رفع قضيته للقضاء, تلك اضمن وسيلة لبقاء القضية حية لحين نتمكن من تغيير الظروف التي تعيق العدالة. وجود مئات القضايا ضد عمر البشير و بطانته, في سجلات المحاكم, ستقف دليلا على كذبه و مجانبته للواقع فيما ادعى في خطابه السقيم, و هو يحتفل بنصر متخيّل على خيال ماّتة, بان الشعب السوداني وقف معه و منع اعتقاله. هدفنا كدعاة للديمقراطية,ان نعمل من اجل ان تخضع السلطة القائمة للقانون, و الاصرار على ضرورة ان يمثل متنفذيها امام القضاء في اية تهمة في حقهم, و تحقيق ذلك لن يكون على ايدي محكمة الجنايات الدولية, و انما سيكون نتاج نضال صبور و عنيد و متواصل.
علينا ان نحمل المؤتمر الوطني على اعادة النظر في سياساته الخرقاء و ممارساته العرجاء و ان يرجع لصوت العقل. على المؤتمر الوطني ان ينظر لمصالح الشعب السوداني لا مصلحة اربعة افراد, و عليه ان يعي ان لا سبيل لمناطحة صخرة ارادة المجتمع الدولي. ارجاع ملف دارفور لمجلس الامن لا يعني ان الانقاذ نجحت في مقاومة ارادة المحكمة الجنائية, فالانقاذ اعترفت بلسان رئيسها انها قتلت على الاقل عشرة الف مواطن في دارفور, هذا غير الضحايا من الجيش و القوات النظامية, و ضحايا الحرب في جبال النوبة و الانقسنا, و ايضا من غير ان نحسب شهداء سبتمبر 2013. على المؤتمر الوطني المبادرة بفتح ملفات التحقيق في كل قضايا القتل و الاغتصاب في دارفور و جبال النوبة و الانقسنا و احالة الملفات المكتملة للقضاء فورا و دون تأخير. اية عقوبات جديدة قد تنجم من تطبيق مجلس الامن لاجراءات اكثر تشددا او احالته ملف القضية للجمعية العامة للامم المتحدة ستصب نيران جهنم على الشعب السوداني المغلوب على امره. اية عقوبات جديدة ستؤثر بصورة اكثر سلبية في الانتاج الوطني سواء اكان في قطاع الزراعة او الصناعة او الخدمات و قد يحد من حرية التجارة مع العالم.
فلنتوقف عن احلام اليقظة العقيمة, اولئك الذين يتمنون ان يضطلع مجلس الامن بتنفيذ قرارات المحكمة بالقبض على عمر البشير, او ان تقوم دولة ما بمفردها (لن تكون الولايات المتحدة و لا روسيا و لا الصين, و لا حتى اسرائيل!) بالقبض على الجناة و تسليمهم للاهاي, و اولئك الذين يعتقدون في صحة توسل المحكمة الجنائية الدولية كوسيلة للتغيير السياسي في الخرطوم, و اولئك الذين حزنوا على عجز المحكمة الدولية,جميعنا فلنتوقف للحظة و نفكر بجدية في وسائل بناءة للقضاء على دكتاتورية الانقاذ. فلا تدخل المحكمة الدولية سيحقق العدالة في دارفور او غيرها, و لا ان "يهرش" لنا اخرون ظهورنا سيريحنا من ازعاج "جرب" الدكتاتورية. يجب ان نجنب بلادنا اية عقوبات جديدة من مجلس الامن او الجمعية العمومية للامم المتحدة. "ما حك جلدك مثل ظفرك" و "كتالك ياهو كتالك" و تحقيق العدالة للقتلى و المفقودين و المشردين في دارفور, و في كل السودان, هو واجبنا نحن. النضال ضد الدكتاتوريات يتعدى مطلب تغيير الحكومة, الي ضرورة تغيير القوانيين الظالمة التي تحكم الدكتاتورية بها, و تغيير القانون يقتضي خوض معارك قانونية لاثبات فساد تلك القوانين و فساد القائمين عليها, و يقتضي اقتراح قوانين بديلة تضمن العدالة. تحقيق استقلال القضاء لا ينتظر الي ان يكون هناك قضاء عادل و مستقل, و انما يبدأ بفضح القانون الفاسد و النيابة المتواطئة و وزارة العدل نائمة الضمير. التوثيق الجيد للبلاغات و رفعها للقضاء و متابعتها, واجبات يجب ان تكون هي لب نشاطنا. اخضاع الذين يشغلون المناصب الحكومية للمساءلة القانونية مطلب ديمقراطي, و شرط مهم من شروط الديمقراطية, لن يأتي الا اذا سعينا من اجله الان. فضح الحكام الفاسدين و فضح مقاومتهم لاجراءات العدالة رافعة لا بديل عنها لاسقاط نظام يدعي انه يمثل العدالة الالهية, فأي تناقض اكثر من ان نثبت انهم "يقولون ما لا يفعلون"؟
اسقاط نظام الانقاذ يتطلب نضال في كل الجبهات, علينا ان نفعّل الحركة الجماهيرية الاحتجاجية التضامنية وننشط الاحتجاجات الطلابية و نزيد مردود العمل التنظيمي و السياسي. و علينا ان نسترد عنفوان الحركة النقابية, و انتزاعها من براثن الانقاذ و نقابييها المفسدين, و رفد النقابات بقيادات بديلة, تعبر عن مصالح اعضاءها و تهتم بأمر الوطن. شق صفوف المؤتمر الوطني باجتذاب العناصر التي لم تفسد و لم تسرق و التي تبينت الطريق القويم بعد مشاركتها في حكم الانقاذ و تجريد المؤتمر الوطني من حلفاءه, واجب استراتيجي يجب ان نبقيه نصب اعيننا و نكرس كل الجهود لتحقيقه. امامنا معارك كثيرة في كل الجبهات: السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية و الدبلوماسية, ينبغي ان نلتفت اليها و نبدأ خوضها لنبني "عضلات" الحركة الديمقراطية في السودان, و ذلك لن يحدث الا اذا واظبنا على "التمارين" التي تقتضيها اعمال المعارضة. لكن بالتأكيد ان ادى غيرنا تلك التمارين بدلا عنا, وصاية او ظنا بعجزنا, فان ذلك لن يأتي بالفائدة المرجوة. المحكمة الجنائية, كانت ستساعد, لو كانت مخولة و مفوضة بما يكفي. و كانت ستساعد, لو انها توسلت طريقة بناءة في حل القضايا و مساعدة السودانيين في التوصل لاتفاقات تبني لحمة صلة الرحم و الاخاء بيننا كمواطنين, لكنها عمدت لمواجهة لم تمتلك اسلحتها و لا وسائلها.
مصادر
*http://www.glica.org/topics/show/101
*http://www.heritage.org/research/reports/2009/08/the-us-should-not-join-the-international-criminal-court
*http://en.wikipedia.org/wiki/Lady_Justice
*http://www.aljazeera.com/news/asia-pacific/2014/12/un-north-korea-icc-human-rights-2014121823436300711.html
[email protected]
////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.