كتب الأستاذ السر بابو القيادي بالحزب لشيوعي مقالاً بعنوان "الأسلاميون والتقليل من أهمية استقلال السودان" يرد فيه على دعوتي لإلغاء عيد الإستقلال، وللأسف وجدت الكلم محرفاً عن مواضعه، ولم يفهم الأستاذ مقصدي، وقال على لساني ما لم أقله أصلاً. فقد بدأ مقاله قائلاً: " يحاول العديد من الكتاب بمناسبة الذكري 59 للاستقلال، ولاسيما الاسلامويين باشكال مختلفة التقليل من أهمية استقلال السودان، علي سبيل المثال لا الحصر كتب محمود عثمان رزق مقالا في سودانايل بتاريخ: 29/12/ 2014م، دعي فيه الي " الغاء عيد استقلال السودان"، بحجة أن السودان " حصل علي استقلاله في سهولة ويسر"، وأنه كان منحة من الرئيس محمد نجيب الذي "تفهم رغبة اهله في السودان لاستقلال بلادهم والحفاظ علي هويتهم التاريخية والثقافية"، وأن الاستقلال "لم يكن مؤشرا لميلاد أمة" ، ..الخ من هذه الدعوات التي تقلل من أهمية نضال السودانيين لاكثر من نصف قرن من أجل الحرية والاستقلال، بل تدعو الي الغاء تاريخ السودان وتصويره وكأنه بدأ بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الذي فرط في استقلال الوطن وفصل الجنوب ، ويهدد بتمزيق ماتبقي من الوطن" وفي الحقيقة أنا لم اطالب بالغاء عيد الإستقلال لأنه حصل بسهولة ويسر كما قال أستاذ السر، فالحقيقة هي أني ذكرت في مقالي مقدمة قصيرة عن الظرف التاريخي الذي حدث فيه الإستقلال وقلت إنّ من لطف الله تعالى أنّه حدث بسهولة ويسر وعدم تعنت من مصر ، ولو تعنتت مصر لسالت دماء كثيرة. ثانياً، أنا لم اقل في مقالي أنّ الإستقلال كان "منحة من الرئيس محمد نجيب" فهذا شيء وضعه الأستاذ السر على لساني ولم أقله. والصحيح هو أنني قلت إن الرئيس محمد نجيب تفهم رغبة أهله في السودان لاستقلال بلادهم فلم يعاندهم لأنه لو عاندهم لسالت دماء كثيرة. ففي رأيي تفهم الرئيس نجيب لرغبة أهله السودانيين جنب الشعبين إسالة دماءٍ كثيرة والرجل عليم بتاريخ المقاومة السودان وعنفها. ثالثاً، أنا قلت إن الإستقلال كان مؤشراً لاستقلال أمة ولم يكن مؤشراً لميلاد أمة. ولا أدري ما الذي استشكل في هذا الكلام على فهم الأستاذ تاج السر بابو؟! إن التاريخ يا أستاذي العزيز (وقد كنت تلميذك في الثانوي) قد سطرّ ميلاد الأمة السودانية من قبل 7000 عاماً وليس في 1/1/1956. وإذا كان الرفيق والفنان محمد وردي (رحمة الله عليه) قد غنى "اليوم يسطّر التاريخ مولد شعبنا"! فكلام وردي ليس حقيقة تاريخية، وإنّما هو قول شاعر والشعراء يتبعهم الغاوون كما قال الله تعالى واستثنى. ففي يوم 19 ديسمبر يا أستاذي استرجعت الأمة السودانية ذات المجد التليد استقلالها ولكنها لم تُولد في ذلك اليوم كما زعم المغني اليساري. إنّ الذي تغنى به وردي ينطبق على الأمة الأمريكية التي ولدت في يوم استقلالها ولكن الأمة السودانية عمرها 7000 عام فهي لم تولد يوم استقلالها. رابعاً، أنا لم أقلل من أهمية الإستقلال ولكنني استنكرت الإحتفال به أبد الدهر. وسبب استنكاري هو عزتي بتاريخنا التليد. فلا يعقل أن نحتفل أبد الدهر ولقرون عددا إلى يوم القيامة بسبب خمسين عاماً اختطفها الانجليز من عمرنا الضارب في أعماق التاريخ. إن المسلمين عندما هزموا في أحد وكانت هزيمتهم واضحة للعيان لا تنكر، وقف أبو سفيان شامتاً منتشياً ينادي بأعلى صوته: " يا محمد إن هذه بتلك"، فرد عليه الفاروق رضوان الله عليه قائلاً : " كذبت يا عدو الله. ما هذه بتلك فإن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار". يعني بالدارجي كدي عمر ما برد لي أبو سفيان بطنو! وأنا كذلك أدعو الشعب السوداني لإلغاء عيد الإستقلال حتى لا "نبرد للإنجليز بطونهم"، وقلت في مقالى لو احتفلنا بقطع رأس غردون وجعلناه يوماً قومياً سوف تحتج بريطانيا أيّما احتجاج لأنّها ببساطة لا تريد أن تتذكر هذا اليوم. وفي المقابل نحن أيضاً لا نريد أن نتذكر أنّ هؤلاء الأنجاس قد دنسوا تراب هذا الوطن العزيز في يوم من الأيام. فليس من الحكمة في شيء أن نبدأ عامنا بنكدِ ذكراهم. خامساً، إن الذين قللوا من شأن الإستقلال ولعنوا أبو خاشه هم قوم "من عنديكم" يا أستاذي العزيز إلا أنّكم "بتعملو لي حقكم ستار وحق الناس تدقولوا الطار" كما يقول المثل. وهنا أحيلك لمقال الدكتور عبد الله على عبد الله اليسارى المعروف والقيادي في حزبكم سابقاً، فقد نشر الدكتور مقالأ تحت عنوان "اليوم نلعن خاش أستقلالنا" فارجع إليه، وقد جاراه عدد من الكتاب في هذا اللعن لا أعلم شيئاً عن توجهاتهم السياسية. أما أنا يا أستاذي فلم الّعن خاش أبو الإستقلال ولم أقلل من شأنه بل طالبت بالغاء الإحتفال الرسمي حتى نغيظ العدو بتجاهلنا له ونمضي قدماً في طريقنا كأن شيئاً لم يحدث كما فعلت مصر. سادساً، أن لم أصور ولم أحاول أن أصور للناس أن الإستقلال بدأ في 30 يونيو 19989 كما زعمت يا أستاذي وفي الحقيقة لم أذكر الإنقاذ في مقالي قط، ولكن يبدو أن الإنقاذ جننتكم فاصبحتم تنومون بها وتقمون بها!!. أنا يا سيدي لم أكن جزءً من الإنقاذ في يوم من الأيام، ولم أعمل تحت الإنقاذ أو أي حكومةٍ من الحكومات السودانية السابقة لها، ولا أنتمي للمؤتمر الوطني ولا لأي حزبٍ من الأحزاب السودانية الأخرى، ولست عضواً في أي جماعة من الجماعات السرية أو العلنية. أنا ببساطة رجل سوداني وطني أستند على كتاب الله وسنة نبيه في تفكيري وأنهل من جميع المدارس الفكرية آخذاً منها ما ينفعنى ويوافق عقيدتي وأعرافي. سابعاً، إن رفع علم الإستقلال في 1 يناير 1956 هو في الحقيقة إعادة لرفع العلم السوداني في مكانه الطبيعي. فليست تلك هي المرة الأولى التي يرفرف فيها علم بلادنا من تلك السارية. فعلي نفس سارية القصر التي رفع عليها الزعيم الأزهرى علم السودان الجديد كان هناك علم قديم للثورة المهدية يرفرف عالياً عليها وفي بقية ربوع السودان. وقد سبق علم الثورة المهدية علم السلطنة الزرقاء التي حكمت السودان أكثر من ثلاثة قرون. فكل تلك يا سيدي أعلام إستقلال رفرفت بالفعل في نفس الحدود السودانية الحالية تقريباً . ثامناً، إنّ تاريخ الإستقلال الحقيقي هو يوم 19 ديسمبر 1955 عندما أعلن البرلمان السوداني بالإجماع إستقلال السودان. إن يوم 1 يتاير 1956 هو يوم رفع العلم السوداني على سارية القصر. ودعني أسألك يا استاذي الكريم، لماذا اختار الإنجليز أن يتزلوا علمهم ويرفعوا علمنا يوم 1 يناير بالذات ولم يختاروا يوماً قبله أو بعده؟ هل تٌرى الكواكب مع ضؤ الشمس يا أستاذي الكريم؟ إنهم فعلوا ذلك ليفسدوا على السودانيين فرحتهم الخاصة، فعيد رأس السنة هو عيد عالمي وجميع وسائل الإعلام تكون منشغلة بأحداثه وكل الناس يعدون لليلته فلا أحد من الناس ولا الإعلاميين ولا محطات الإذاعة والتلفزيون لها وقت أن تلتفت لعيد أهل السودان. لقد تعود الإنجليز دس السم لنا في الدسم. تاسعاً، إذا سألتني ما هو البديل الذي يحفظ للمناضلين تاريخهم ونضالهم؟ أجاوبك بأنّ البديل هو إعلان يوم وطني يسمى "العيد الوطني" أو "العيد القومى" أو "عيد السودان" أو "يوم البرلمان" أو سمه ما شئت، فالمهم هو أن نستعرض تاريخ السودان كله ونذكر كل الزعماء الذين بنوا لنا هذا الوطن لبنة لبنة كعمارة دنقس وعبدالله جماع وسلاطين الفور والنوبة والمهدي والأزهري والسيد عبد الرحمن والسيّد على وجميع من في القائمة إلى ترهاقا. وأخيراً ستظل هذه الدعوة قائمة ما مدّ الله في عمري، وسوف أُعيد نشرها في بداية كل عام وأنا على ثقةٍ تامة أنّها ستلقى في يومٍ من الأيام سنداً جماهرياً يمهد لاتخاذ قرار الالغاء واستبدال يوم الإستقلال بيوم العيد الوطني في تاريخ مختلف واسم مختلف. ولك منى كل الحب والتقدير والإحترام، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وأسأل الله لك العافية وشفاءً لا يغادر سقماً فقد علمت أنّك مريض.