الصحف لا تكتب أخبارا ً سعيدة. وأغلب القراء صار لديهم شبه إدمان للأخبار السيئة لدرجة أن البعض يظن أن الحياة كلها عبارة عن سلسلة طويلة من الكوارث والمآسي تنتهي بعبارة: مافيش فايدة. وقبل أسابيع قليلة نشر الأستاذ ضياء الدين بلال خبرا ً اضطر أن يضع له عنوانا ً "أضبط: خبر سعيد!". وكان عن مشروعٍ إنتاجي تعاوني ناجح في إحدى قرى الجزيرة. ولكن نعتقد أن الدنيا ما زالت بخير، والسودان ما زال بخير كثير، حتى لو أعمت عيوننا غشاوة الغلاء والفوضى والصراعات والخلافات الصغيرة، عن رؤية الصورة الزاهية الكلية، التي سيأتي جيل يتحسر على أيامها الزاهيات، ويقول يا حليل أوائل الألفية أيام كان الدنيا بخيرها.. فوز الكاتب السوداني حمور زيادة بجائزة نجيب محفوظ للرواية حدث كبير بكل المقاييس. ليس فقط لأنه أحد الاختراقات الكبيرة لما يسمى بسقف الطيب صالح، وهو الفهم السائد بأنه لا رواية في السودان غير الطيب صالح، وأن السقف العالي الذي وضعه لا يستطيع الشباب المعاصر ولا اللاحق تجاوزه، أقول ليس فقط تجاوز لذلك السقف، بل هو فتح جديد في فيافٍ جديدة لم نقتحمها قبلا. ذلك أن مصر شئنا أم أبينا هي حاملة أختام الاجازة وحارسة بوابات معابد الأدب والفن في العالم العربي، وهي قلعة حصينة ليس فقط بتأريخها الابداعي وحجمها السكاني والثقافي والاعلامي المؤثر، وإنما لأن السوداني فيها بالذات يعتبر أدني مرتبة من كثيرين غيره، وغالبا ً ما يسألنا المصريون: إنتو عندكو عربيات في السودان؟! بمعنى أنهم لا يتوقعون أن يكون في السودان حياة حضرية معاصرة، دعك عن أدب عربي يستطيع منافسة، والفوز على، أدباء كبار من مصر وغيرها من بلدان العرب. الفوز بجائزة مصرية له طعم خاص، ويعني أنه لم يكن أبدا ً مجاملة ولا تحيزا ً. فالتحيز إن وجد هو غالبا ً ضدنا وليس معنا. فمطرب مثل محمد منير، رغم جذوره النوبية التي تجعله قريبا ً من السودان، متوقعا ً منه أن يكنّ له بعض الاحترام، لم تسمح له عنجهيته أن يعترف بأشعار الحلنقي وألحان محمد وردي عندما أراد سرقة أغنية "وسط الدايرة"، فنشرها في ألبوم وكتب عليها "تراث نوبي"! أذكر قبل أعوام قليلة عثرت صدفة على ملخص لأهم الأبحاث العلمية في العالم، والتي تُقيَّم بعدد الذين أشاروا إليها واستفادوا منها في أبحاثهم المنشورة. كانت الورقة الأولى على العالم، والثانية، والثالثة، من تأليف فريق تتقدمهم باحثة سودانية تسمى سيدة محجوب البشير تعمل في ألمانيا. العام الماضي والحالي كُرم الصحفيان فيصل محمد صالح وأمل هباني بجوائز دولية. وفي النمسا فازت أميمة الجليدي بجائزة البحث العلمي والقضايا الانسانية، وفاز طبيب سوداني اسمه محي الدين محمد بجائزة رفيعة في كندا في مجال جراحة القلب، وطبيب آخر بأرفع جائزة في الجامعات السعودية في طب الأطفال. وإذا كان هؤلاء خارج السودان، فان بروفسر سليمان صالح فضيل، ومن داخل السودان، حاز على عدد لا يحصى من الجوائز آخرها لقب أستاذ الأساتذة في مجال مناظير الجهاز الهضمي. الدنيا بخير، والسودان بخير كثير، حتى لو أعمانا السخط السياسي عن رؤية ذلك الخير. نقلا ً عن "الرأي العام" [email protected] ///