يدور الكثير من الجدل حول الانتخابات العامة التي تشهدها بلادنا في منتصف أبريل القادم. ففي الوقت الذي يتحدى فيه المؤتمر الوطني الحاكم الأحزاب المنافسة بشأن الاحتكام لرأي الناخبين الذي يعتبر القول الفصل في أي انتخابات ديمقراطية ، فإن هذه الأحزاب تدفع بالكثير من الحجج التي تؤكد بأن الانتخابات القادمة أبعد ما تكون عن الممارسة الديمقراطية الحقيقية وأن الأجواء التي تضمن انتخابات حرة ونزيهة غير متوفرة بالبلاد في الوقت الحالي. وفي تاريخ مقارب تشهد دولة بوروندي الواقعة في وسط أفريقيا انتخابات برلمانية ورئاسية ، ويدور حول تلك الانتخابات كذلك الكثير من اللغط بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة في البلاد. ودولة بوروندي كما هو معلوم خرجت من حرب أهلية طاحنة تميزت بالكثير من العنف القبلي وذلك بعد أن قامت أطراف النزاع بتوقيع اتفاق للسلام في عام 2005 وهو نفس العام الذي وقعت فيه اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان. تنعقد الانتخابات في بوروندي على مرحلتين يفصل بينهما ثلاثون يوماً ، في نهاية مايو القادم حيث تجري الانتخابات البرلمانية ، وفي نهاية يونيو حيث يتم انتخاب الرئيس الجديد. وتشير التطورات السياسية والتصريحات التي يدلي بها المسؤلون في الطرفين إلى أن العملية تتسم بالكثير من انعدام الثقة بينهما. فالمعارضة تفسر كل ما تقوم به الحكومة على أنه محاولة لعرقلة عملية الانتخابات أو التزوير في نتيجتها النهائية مما قد يقود لوقوع أحداث عنف تعود بالبلاد القهقرى لأيام الحرب الأهلية. أما الحكومة فترى أن المجتمع الدولي يسعى جاهداً للتأثير على نتائج الانتخابات بالصورة التي تجعل المعارضة تفوز باغلبية الأصوات. انعكس هذا التوتر على العلاقات بين الحكومة والبعثة التابعة للأمم المتحدة التي وصلت البلاد لمراقبة الانتخابات ، فقد صرح الناطق باسم الخارجية البوروندية أنه ليس من اختصاص البعثة التحقق من شرعية ونتائج الانتخابات إذ أن ذلك من حق الحكومة البوروندية ولجنة الانتخابات الوطنية فقط. وعندما أعلنت الحكومة عن هجوم قامت به مجموعة مسلحة على البلاد انطلاقاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة ، جاءت تصريحات المعارضة لتؤكد أن الإعلان لا يعدو كونه محاولة لتأجيل الانتخابات خاصة وأن الحكومة عجزت عن تحديد هوية المجموعة التي تدعي أنها قامت بالهجوم بالرغم من أن الاشتباكات بين الطرفين استمرت لأكثر من أسبوع حسب تصريحات الناطق الرسمي باسم القوات الحكومية. المعروف أن بوروندي تعتبر ثاني دولة توضع على جدول أعمال مفوضية الأممالمتحدة لبناء السلام التي أنشئت في عام 2006 للتأكد من عدم عودة الدول التي كانت تعاني من نزاعات في السابق للحرب مرة أخرى. ولعل الأمر الذي يثير الكثير من الجدل بين الحكومة والمعارضة هو إصرار الرئيس بيير نكورونزيزا بالترشح لفترة رئاسية ثالثة بالرغم من أن الدستور يحدد الفترات الرئاسية باثنتين فقط. ويبدو أن أنصار الرئيس أدركوا استحالة تعديل الدستور ، لذلك فإنهم يدفعون بأن انتخابه للمرة الأولى لم يتم على ضوء الدستور الذي يحكم البلاد في الوقت الحالي. ويؤكد الدستور أن انتخاب الرئيس يتم مباشرة بواسطة افراد الشعب بينما كان انتخاب الرئيس في المرة الأولى بواسطة البرلمان وقبل إجازة الدستور. ويسعى الحزب الحالكم حالياً للجوء إلى البرلمان الذي يشكل فيه الحزب أغلبية لقبول هذا التفسير للفقرة الواردة بالدستور والتي تتعلق بالفترات الرئاسية. غير أن بعض المراقبين يرون أن الحزب يبدي تردداً لأنه لم يضمن حتى الآن تأييد الأغلبية المطلوبة بالبرلمان وتتخوف قيادته من أن طرح الأمر على البرلمان قد يقود لانشقاق داخل الحزب الحاكم نفسه خاصة وأن بعض نواب الحزب لا يؤيدون إعادة ترشيح الرئيس. يتخوف الكثير من المراقبين أن يقود إصرار الرئيس نكورونزيزا على الترشيح للمنصب للمرة الثالثة إلى زيادة حدة التوتر والاستقطاب في البلاد مما قد يقود في النهاية لاستئناف الحرب الأهلية. وينظر هؤلاء بالكثير من القلق لجهود الحكومة نحو تدريب أعضاء رابطة شباب الحزب الحاكم على حمل السلاح في شكل مليشيات مما أعاد للأذهان حالة التوتر التي سادت خلال التسعينات من القرن الماضي. من جهة أخرى فإن الكثير من القوى الدولية تبدي قلقها من احتمال استئناف الحرب مرة أخرى في البلاد ، لذلك فإنه من المتوقع أن تمارس ضغوطاً هائلة بغرض إثناء الرئيس عن رغبته في الترشح وإن كان نجاح هذه الضغوط يبدو أمراً مشكوكاً فيه على أحسن تقدير. تعيش بوروندي كجارتها رواندا تحت ظل ظروف اجتماعية وسياسية معقدة بسبب التوتر الذي يسود بين مجموعتي التوتسي والهوتو العرقيتين والذي كان سبباً في الإبادة الجماعية التي شهدتها المنطقة في العقد الأخير من القرن الماضي. كما أن الدولتين تقعان بجوار الكونغو الديمقراطية التي تشهد اضطرابات متتالية في اقاليمها الشرقية المتاخمة لهما ، وتنشط قوات الأممالمتحدة حالياً في مواجهة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تتخذ من الكونغو منطلقاً لها في مواجهة حكومة بلادها. لذك فقد كان من الطبيعي أن يبدي المجتمع الدولي وعلى رأسه الأممالمتحدة اهتماماً بالغاً بالانتخابات التي تجري في بوروندي ، ومن المتوقع أن تتداعى منظمات المراقبة الدولية للعاصمة بوجومبورا للتأكد من أن هذه الانتخابات كانت نزيهة بالفعل. من جهة أخرى ، بادرت المنظمتان الاقليميتان اللتان تننمي لهما بوروندي وهما الكوميسا ومجموعة شرق أفريقيا بإبداء اهتمامهما البالغ بالانتخابات فعقدتا ندوة مشتركة حول الانتخابات في بوروندي وقررتا تقديم كل المساعدات الممكنة بما في ذلك إنشاء مجموعة للإنذار المبكر. كما قررت منظمة المؤتمر الدولي للبحيرات التي تتمتع بوروندي بعضويتها المشاركة في مراقبة الانتخابات. من جانبها رحبت الحكومة الأمريكية على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية بلجنة الأممالمتحدة لمراقبة الانتخابات في بوروندي ، مؤكدة دعمها غير المحدود لهذه الخطوة التي قالت أنها ستساعد في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشمل كل أفراد الشعب البوروندي دون عزل أحد. يبدو أن الحكومات الأفريقية بصفة عامة أضحت تهتم بشكليات الممارسة الديمقراطية أكثر من روحها ، إذ أن تطبيق القواعد التي تحكم الممارسة الديمقراطية الحقيقية قد تطيح بالكثير من هذه الحكومات عن كراسي الحكم. ولعل الأدهى أن منظمات المراقبة الدولية أصبحت تتبنى فيما يبدو معايير خاصة بالانتخابات الأفريقية ، للدرجة التي جعلت المعارضة تفوز بمقعد يتيم في انتخابات دولة أفريقية كبرى وبالرغم من ذلك تخرج علينا تقارير كل منظمات المراقبة الدولية لتؤكد أن تلك الانتخابات كانت نزيهة ، وهو ما لا ينطلي إلا على السذج والبسطاء. ولعل ردود الفعل التي أثارها تقرير منظمة الجنوب الأفريقي "ساداك" عن الانتخابات الزمبابوية الأخيرة يلقي بالكثير من الظلال على مدى جدية ونزاهة تقارير هذه المنظمات عن الانتخابات الأفريقية.