الاعيسر:استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى    ريال مدريد يواصل مطاردة برشلونة    السعودية تستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا"    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيتوري بين يدي طلحة جبريل .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 08 - 03 - 2015

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
(1)
صديقي ورفيق الزمن القديم طلحة جبريل (حدوتة بحالها)، كما يقول أحبابنا في المحروسة. من بين الصفات العديدة التي اعرفها عنه الشراسة في الحب، والبسالة في الوفاء. فإذا أحبك قتلك. وإذا والاك بالوفاء قتل الآخرين ذوداً عن حماك!
في إحدى ايام العام 1979، أيام الطلب، كان طلحة يمشى الهوينا في شارع محمد الخامس بمدينة الرباط عندما وقع بمحض الصدفة على أديبنا الكبير الطيب صالح، فصافحه وعانقه، وأعلمه لفوره بأنه شايقي من قرية شبا التي تقع شرق النيل بين كريمة ومروي. وهنا امسك الطيب صالح بيده وشد عليها. وضعف الطيب تجاه الشايقية وعوالمهم مما هو معلومٌ من سيرته بالضرورة. ومن يومها، ولزمن تطاول فجاوز الثلاثين عاماً، كان طلحة رقماً صعباً في حياة الطيب.
وقد كان محظوراً على اي أحد منا ان يقول اي شئ، موجباً او سالباً، بحق الطيب صالح في حضور طلحة، فهو الوحيد المأذون له ان يتكلم عن الرجل وحياته. وقد حدثني طلحة ذات مرة ان الطيب قال له: "انت خليفتي". ثم كررها مرة ثانية. وفي المرة الثالثة سألته: "يا طلحة انت روائي؟ بتكتب روايات"؟ فاستغرب للسؤال، ثم اجاب: لا. وهنا سألته: "نان الطيب صالح لما قال ليك انت حتكون خليفتو، كان بقصد خليفتو في شنو بالضبط"؟
مات الطيب صالح، تغشت قبره الشآبيب الرطاب، ولكن الشاعر محمد الفيتوري موجود. ولا اعرف ان كانت ظروف الفيتوري الصحية قد سمحت له هو ايضا ان يبلغ طلحة بأنه (خليفته) ام لا.ولكن طلحة تولى الخلافة على اية حال، شاء الفيتوري ام أبى.
(2)
لم اكن قد تنبهت الى ان الفيتوري هو (محمية) طلحة جبريل الجديدة، ونطاق اختصاصه. وفي عماهة هذا الجهل، دخلت قبل اسبوعين منطقة محظورة، يُمنع فيها الاقتراب او التصوير، إلا بموجب إذن طلحوي، فكتبت مقالاً بعنوان (الفيتوري: ذهب المضطر نحاس). وقديماً قيل "الجاهل عدو نفسه"!
وهكذا فقد برز لي حبيبنا طلحة بمقالٍ مدمدم، وضع على رأسه عنوان (رداً على مصطفى البطل). ثم أعلم الناس في العنوان الجانبي انه خرج شاهراً كيبورده، لا لينافح عن الفيتوري، وإنما ليدافع عن (القيم)، التي أهدرتها أنا وغيري، وعطنّاها في التراب والطين.
ولو كان طلحة قد دعاني لخرجت معه في غزوته بغير تردد، وهو يعلم أنني انتسب الى قوم لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا. ثم أنه ليس هناك اشرف من الدفاع عن (القيم). ومن أهدر (القيم) حريٌ بأن يؤخذ الى منصة القصاص، أو على الاقل ان يُضرب على رأسه بالبرطوش.
فما هي إذن تلك (القيم) التى أهدرناها، إذ تنكبنا الطريق واخفقنا في التزام جادتها؟
واحدة من القيم هي: (عدم جواز نسبة الروايات الى الموتى، ثم استخدامها في مواجهة الاحياء). وقد كاد طلحة ان يقيم ملطمة بسبب اهداري لهذه القيمة السامية، ولكنه آثر ترفعاً منه ان يكف عن الجدال فكتب: "لا أود ان أجادل البطل في رواية منسوبة الى فنان غاب عن الناس". وتلك لعمري مكرمة طلحوية تدل على أصالته، وعلو (القيم) التي يستمسك هو نفسه بعروتها.
ولكن هناك مشكلة صغيرة في أمر هذه (القيمة) المهدرة، اعني الاستعانة بالموتى لهدم الأحياء. وهي أن مقالي موضوع الجدل، والذي ما يزال رابضاً على الصفحة الاخيرة من صحيفة (السوداني)، وعلى منبر سودانايل، لا توجد فيه اي رواية منسوبة لأى فنان، غائباً عن الدنيا كان ام حاضراً. الجزئية التي يتحدث عنها حبيبنا طلحة في مقاله عن قصيدة (اصبح الصبح) منسوبة في واقع الامر للشاعر محمد الفيتوري نفسه، إسماً وذاتاً وعينا. الفقرة في مقالي تقول بلغة عربية ناصعه: (ثم أنه صرح في حوار صحفي منشور عن غناء الفنان للقصيدة بما يلي: "ذكر لي وردي انه فرغ من تلحين الكوبليه الأول، فلم اعطه المتبقى من أبياتها إلا بعد ان أقسم لي انه لن يشدو بها الا عندما اغادر السودان")! الذي صرح إذن هو الشاعر الحاضر محمد الفيتوري، وليس الفنان الغائب محمد وردي!
الحمد لله إذن إن هذه (القيمة)، التي هي في طليعة اسباب الغزوة الطلحوية، ثبت أنها صاغ سليم. وأنها في الحفظ والصون.
ثم الحمد لله مرة ثانية، أن (القيم) الاخرى في اغلبها لم أكن أنا مُهدرها. وانما أهدرها آخرون، فخرج طلحة ليرد لها شرفها. من هؤلاء الاستاذ الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين، فقد سأل طلحة رجات أرماز، الزوجة المغربية للفيتوري، بشأن أمر منسوب له، فنفته. والقول ما قالت رجات ارماز!
الرزيقي أمره مع طلحة أمرٌ عجب. كتب هذا الحبيب بصفته رئيسا لاتحاد الصحافيين السودانيين بيانا قصيرا، بعد عودته -هو والامين العام للاتحاد - من المغرب، وردت فيه اشارة الى (نية) الاتحاد تخصيص منزل للشاعر الكبير في منطقة ام درمان تكريما له. ومعلوم ان اتحاد الصحافيين يسعي بالتنسيق مع الاجهزة الحكومية المختصة لإكمال مشروع اسكاني خاص بالصحافيين في مدينة ام درمان. هذه المنازل إما انها لم تشيد اصلاً، أو هي قيد التشييد. والكلمات تحديداً كما وردت في نص البيان الاصل من الوضوح بمكان، بحيث لا يخطئها القاري. تقول كلماتها بغير لبس: (سيتكفل الاتحاد ببناء ..). وتلك، لمن يعرف العربية صيغة مستقبلية.
ولكن حبيبنا طلحة يقول لنا بأنه سأل السيدة رجات أرماز، وأنها أنكرت استلام منزل في ام درمان. ثم أقام ملطمة جديدة ينعي فيها هلكة القيم بين يدي الرزيقي، وأنعم عليه في اطار الملطمة بكلمة (هراء). هذا مع ان بيان الرزيقي لم يقل أساساً ان هناك منزلاً تم تسليمه للمذكورة. ولكن ماذا يفعل الرزيقي مع طلحة و(قيمه)؟
(3)
التخليط والتفحيط في غزوة الدفاع عن (القيم) كثير، لا نملك له الوقت والطاقة. ولكنني املك من مساحة هذه الصفحة ما قد يسمح لي فقط بنقاط قليلة:
منها أنني وجدت نفسي في غاية السعادة كون ان صاحبي هذا أقر واعترف اخيراً بأن الرئيس السابق جعفر نميري لم يسقط الجنسية السودانية عن الفيتوري، وان كل ما تردد عن هذا الامر لم يعد ان يكون من قبيل الخزعبلات التي تملأ حياتنا العامة. والحق ان طلحة كان من اولئك الذين جالدوني جلاداً حول هذا الامر.
أذكر أنني كتبت قبل عامين مقالاً في صحيفة (الخرطوم) بعنوان (تلفوني مراقب)، سخرت فيه من ادعاء كثير من السودانيين، تصنعاً للحيثية والاهمية، ان هواتفهم مراقبة من قبل السلطات. كما تطرقت لعدد من الخزعبلات من شاكلة ان النميري سحب جنسية الفيتوري عقاباً له على معارضته للنظام. ولا زلت احتفظ برسالة شخصية من العزيز طلحة يعنفني فيها ويبكتني على ذلك المقال، ويؤكد لي ان نظام النميري أسقط الجنسية عن الفيتوري فعلاً، وان تلك حقيقة مؤكدة!
المثير للانتباه في المقال الطلحوي، هو ان هذا الحبيب يقول بأنه هو شخصياً - ولا أحد غيره - أجرى حواراً مع الفيتوري قبل ثلاثين عاماً، وتحديداً في العام 1985، وأن الفيتوري نفي في ذلك اللقاء أن النميري سحب جنسيته، واوضح له الاسباب التي بموجبها قام باسترجاع جنسية أبيه، اي الجنسية الليبية.
وذلك هو العجب العجاب بعينه. أيجوز أن حبيبنا طلحة نسي ما سمعه في ذلك اللقاء من نفي؟ أم انه اختار عن وعي، فطفق يزعم مع الزاعمين ان الحكومة السودانية سحبت عن الفيتوري جنسيته، على ظن من الوهم أنهم بذلك يعبرون عن وفاء للرجل الذي يحبونه، ويعظمون تاريخه، ثم يحشونه حشواً - لا يهم الصدق او الكذب - بالبطولات والتضحيات، ثم يصورونه بعد ذلك في صورة المناضل الثوري؟! ألم اقل لك - أعزك الله - أن صاحبي هذا إذا احبك قتلك!
وفي ظني ان الفيتوري لا يحتاج لكل هذا الافتعال. للرجل من زاد المجد كشاعر مؤثل ما يكفي حاجته من تحقيق الذات ووعد الخلود الابداعي، ولا نحسبه أراد اكثر من ذلك. وأميل الى الظن أننا لو تركناه لحاله لما ركب مراكب الادعاء، ولعاش كما يعيش الناس، صادقاً مع نفسه وصادقاً مع الاخرين.
والمراقب لتاريخ الفيتوري يلاحظ ان حياته تشبه جبة الدرويش، ترتفع فيها أنجم اليمين واليسار، فهو يتفاعل مع كل نقطة في مسيرته مع الواقع الذي يجد فيه نفسه. ولا أظن أبداٌ ان الفيتوري ابتغى ان يكون ثورياً يسارياً، بل ربما كان زاهداً في السياسة في جملتها وتفصيلها. ولعله الاقرب الى اديبنا الكبير الراحل الطيب صالح، في انفتاحه على الدنيا والناس والتيارات المختلفة في الحياة العامة.
في السودان أيد الفيتوري الحكم العسكري الاول بقيادة الفريق ابراهيم عبود، ودعمه بفكره وفنه، وخدم مؤسساته الاعلامية. وهو مؤلف انشودة (الثورة البيضاء) في تمجيد نظام انقلاب 17 نوفمبر. ذلك النشيد الذي لحنه الموسيقار برعي محمد دفع الله وغنته المجموعة. وهو نفسه الذي كتب قصيدة عصماء في رثاء الراحل عبد الخالق محجوب. ثم هو نفسه الذي حضر الى الخرطوم وكرمته رئاسة الجمهورية، ورآه ملايين السودانيين على شاشة التلفاز وهو يقرأ بعض ابيات الشعر في مدح الرئيس عمر البشير، ويلقي كلمة ضافية في الثناء عليه والتنويه بمزاياه. ثم رأوا الرئيس البشير يوشح صدره بوسام رفيع. قبلها، لم يكن الفيتوري معادياً للنميري ولا نظامه، ولم يظهر العداء له الا بعد ان عاداه الرئيس القذافي.
(4)
الغريب انه بخلاف ما يزعم الرهط من مقاولي الثورية وحائكي قمصانها ومختلقي رموزها فإن الفيتوري نفسه لم يدع أبداً انه كان مدركاً لتفاعلات انتفاضة اكتوبر 1964 واعترف بكل شجاعة في حوارات منشورة انه لم يشارك في الثورة. وذكر بعظمة لسانه عدة مرات ان نشيد (اصبح الصبح) لا علاقة له بثورة اكتوبر وانه نشيد قديم كتب قبل الثورة بأعوام. وكان الفنان الراحل محمد وردي نفسه قد لحنها بكلماتها الاصلية التي تمجد نهضة افريقيا، وتهيأ لتقديمها في مؤتمر وزراء المالية الأفارقة في الخرطوم، لولا ان حالت الانتفاضة دون إنفاذ ذلك التدبير.
وقد أبدى الفيتوري ندمه لاحقاً على تنصله من انتفاضة الشعب في اكتوبر وعدم مشاركته فيها، فكتب قصيدة "لو لحظة من وسني / تذهب عني حزني / تحملني ترجعني لعيون وطني"، وغناها وردي، فكانت كفارته عن التخاذل الاكتوبري. ألم أقل لكم ان الفيتوري، في مبتدأ الامر ومنتهاه، انسان .. مجرد انسان!
(5)
وددت لو تخلي حبيبنا طلحة عن وهم (نظرية المؤامرة) التي يحشو بها كثير من المتعلمين في السودان رؤوسهم، ويحسبونها ضرباً من العلم النافذ والرؤية الثاقبة التي يقيضها الله للأذكياء، وليس هو في حقيقة الامر الا ابتلاء، ابتلى الله به طائفة من عباده، الذين يعجزون عن رؤية الأشياء في اشكالها والوانها الحقيقية، او لعلهم لا يرغبون في ذلك.
والحق انني لم اعرف هل اضحك ام ابكي عندما قرأت عند صاحبي هذا وصفاً لمقالي القصير في أخيرة (السوداني)، الذي لم يتعد خمسمائة كلمة، ضمنتها بعض تساؤلات حول قضية الفيتوري، بأن جهات اخرى (غيري) ربما تكون هي التي صاغته. انظر الى هذه العبارة المهولة: (تراودني الكثير من الشكوك حول ان المقال يمكن ان يكون قد كتب من محبرة اخرى). ثم نزيدك من الخير الطلحوي: (هناك من يريد اغتيال الرموز بل محوها. ذلك لن يحدث لأن ذاكرة الشعوب أقوى من ذاكرة حكامها)!
سبحان الله! أيجوز ان يكون الفيتوري واحداً من الشخصيات التي كلفني جهاز الأمن والمخابرات في السودان باغتيالها؟
لا ادري ما الذي اصاب صديقي طلحة، فورد ذلك المورد المشين، وهو يعلم عني ان صدري يضيق بمثل هذه الترهات التي يلتمس بعض المتنطعين من خلالها وهم النقاء الثوري. ويتصنع البعض الاخر عبرها الاحاطة بالرهيب والمهيب من الأسرار، والله يعلم ان الواحد منهم لا يُحسن ان يفرق بين أسرار الفلك وأسرار بابكر.
ولأنني أحسبه في زمرة أصدقائي الأقربين فإنني أدعوه الى ان يبتعد عن سكة اتهام الآخرين، عند اول خلاف في الرأى، بأنهم أدوات في ايدي قوى خفية ذات اهداف مستترة وغير ذلك من شغل الخبال وعوار الخيال. تلك سكة خطرة، اولها ندامة وآخرها ندامة. وانت الشاهد ايها الصديق انه قد وقف أمامي - قبلك - آخرون يعبثون بمثل هذه الالعاب النارية، فاشتعلت النار في ملابسهم، وكادوا يهلكون هلاكا، لولا رحمة الله بهم.
(6)
ما الذي أتى بنا الى هنا؟ مالنا بسيرة الفيتوري، وكيف جئنا اليها في الأساس؟ الحق انني وطائفة من الأصدقاء ارتبنا في أمر تلك الحملة الالكترونية المنظمة لجمع الاموال تحت ستار توفير العلاج للشاعر الفيتوري، أقال الله عثرته.
سيل يتلوه سيل من الرسائل الالكترونية يغزو الحواسيب في اركان العالم الاربعة. تحمل الرسائل ارقام حسابات في بنوك مختلفة. احيانا تحمل الحسابات اسم زوجة الفيتوري المغربية رجات أرماز، واحيانا تحمل اسم ابنته، أشرقت، التي علمنا مؤخراً انها لم تتجاوز الخامسة عشر من العمر، ولكننا لم نعلم ان هناك مصارفاً في اوربا والشرق الاوسط وشمال افريقيا تسمح للقصر بفتح حسابات بالعملات الاجنبية.
وقد بلغنا من كثيرين في الولايات المتحدة وكندا انهم بادروا بالفعل بإيداع تبرعات مالية في هذه الحسابات المصرفية المريبة. آخر هذه الرسائل الالكترونية، وقد تميزت باخراج فني متفرد، أحالها اليّ الصديق الصحافي الدكتور عبد المطلب الصديق مدير صحيفة (الشرق) القطرية وهي تحمل كالمعتاد ارقام حسابات الكترونية مختلفة عن تلك التي حملتها الرسائل الاخرى التي وصلتنا في الولايات المتحدة، وتحث من تلقوها على المشاركة في حملة جمع الاموال لعلاج الشاعر الكبير.
من وراء هذه الحملة التي انطلقت منذ ثلاث سنوات، وما يزال ليلها في ما يبدو طفلا يحبو؟ من يجمع الاموال تحت دعوى علاج الفيتوري؟ ثم اين تذهب هذه الاموال؟
من هنا جاء المقال الاول. والى هنا يعود هذا المقال الثاني، الذي نرد به على حبيبنا طلحة. غاية مبتغانا ان نثير بعض الاسئلة حول اوضاع بدا لنا منها الشذوذ وغرابة الأطوار. وقد أردنا في دائرة مداولاتنا الضيقة أن نزيح عنها خمارها بشىء من الرفق، عسى الا نصيب أحداً بأذى، فنكون من الظالمين. ولكن طلحة يأبي علينا إلا ان نخرج من الرفق الى الغلظة.
لا بأس. بإمكانك يا طلحة، يا حبيب، بدلاً من ان تصدع رؤوسنا، باتهامات (المؤامرات الخفية لاغتيال الرموز)، وتوزعها مجاناً على اصدقائك الاقربين، بإمكانك أن تفعل ما هو اكثر (قيمة) وفائدة. أبحث معنا عن اولئك الذين يقفون وراء مشروع الفيتوري الاستثماري؟ أو بالاحري، الذين يستثمرون اسم الفيتوري ويجمعون الأموال من وراء ظهره؟!
ودمت لأخيك، ودام (الحب) و(الوفاء)!
نقلاً عن صحيفة (السوداني)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.