حقيقة الواحد يأسي على حال السياسية السودانية التي تقودها الحركة الاسلامية، ناسي لأنها عند الاخر تعبر عنا كسودانيين رغم انفنا. لقد وصلت الزلة ان يستدعي البشير كما يستدعي اصغر جندي في الجيش او اصغر طفل في المنزل يستدعى الى الدول العربية كتمومة جرتق ليس الا ويأتي ليطبل لتلك الدول ويقول ما تريده هي، فهو في الحقيقة مرفوض عند كل الدولة وقد مر بكثير من المواقف المحرجة من جانب السعودية او مصر او غيرها من الدول العربية، ولذلك عندما استدعته مصر ليس لانها غيرت موقفها السياسي ولكن لم تستدعيه الا بعد ان تعزر توصلها الى تسوية مع اثيوبيا فحاولت استغلال الموقف السوداني من خلال استغلال رئيسه العاجز، ويتم ركله بعد ذلك عندما لا تجد منه نفع، كذلك تعترض السعودية طائرته ويعود خائبا لعدم سماحها له بالطيران فوق اراضيها رغم علمها بان من في الطائرة هو الرئيس السوداني ثم تستدعيه بعد ذلك ليوافق على ضرب اليمن ويقول انها حرب شرعية، لماذا كل هذه الزلة والمهانة التي لا يقبلها راعي الضان في الخلا لنفسه او لبلده؟ لا نقول ذلك ونحن ناسي على حال البشير، فمن اغتصب السلطة بليل واصبح يسعي في البلد قتلا وتشريدا لاهلها وجوعا وافقارا وفسادا وافسادا، ذلك ليس بإنسان ياسي على حاله، ولكن ناسي على حال هذا الوطن وانسانه الذي رغم محاولاته الكثيرة في التمسك بكرامته الا ان جماعة الحركة الاسلامية ابت الا ان تسومه الذل والهوان. السودان وسياسية عدم الانحياز: انقسمت السياسة السودانية منذ الاستقلال الى سياسة داخلية واخرى خارجية، وان فشلت السياسة الداخلية فشلا زريعا في ايجاد تعريف واحد للإنسان السوداني تقوم عليه الخطط السياسة التي اصبحت تخضع لسياسة الامر الواقع، الا ان سياسته الخارجية كانت من انجح السياسات بتبنيها موقف عدم الانحياز، وقادت بصيرة الانسان السوداني نتيجة لعدم انحيازه ذلك الى استيعاب مشاكل الاخرين وايجاد افضل الحلول لها دون المساس سيادة تلك الدول. وكان الانسان السوداني مسؤولا او انسان عادي محل احترام الجميع ويجد كل التقدير، وقد رسخ من عاشروا تلك الشعوب من السودانيين شخصية الانسان السوداني الواعي، ولذلك لم تحدث احتكاكات فكرية بين شعوب تلك المناطق والسودانيين الموجودين بها الا خلال حكم الحركة الاسلامية الذي اصبح يتدخل في شؤون الدول الاخرى وينحاز الى طرف دون الاخر. ونجحت تلك السياسة سياسة عدم الانحياز لعدم فرض نخب محددة رؤيتها على الجميع ماعدا الترابي، فكان السودان على مسافة واحدة بين كل الافكار اذا كانت علمانية او شيوعية واذا كانت سنية او شيعية. رؤية الترابي: افترض الترابي ان هنالك فكر اسلامي متجاوز للفكر السني والشيعي ونصب نفسه نبي لذلك الفكر، ولكن ما لم يدركه الترابي ان كل ما فعله هو نقد لاجزاء من الفكر هنا وهناك وليس صياغة رؤية كلية متجاوزة الفكر السني والشيعي. فلا يكفي نقد حديث الذبابة او إمامة المرأة وغيرها من الفتاوى الجزئية لقول الفرد بانه يمتلك رؤية مختلفة. وحاول الترابي الاستفادة من اسلام المجتمع السوداني المختلف عن الاسلام السني والشيعي ليخدع الشعب السوداني بامتلاكه رؤية مختلفة. وعندما اعياه نشر فكره ولفت الانظار لما يقول منذ ستينات القرن الماضي انقلب على النظام الديمقراطي المشارك به حتى يستغل موارد الدولة لنشر فكره ذلك، وحاول تجميع الجماعات السنية والشيعية تحت مظلته بامكانيات الدولة حتى يوهم نفسه بانه استطاع نشر فكره وتجاوز الانقسامات القديمة بين سنة وشيعة، ولكن انقلب السحر على الساحر والحوار على شيخه نتيجة لعدم امتلاك الترابي رؤية كلية حقيقية واضحة، بل كانت اراءه عبارة عن بتر لأجزاء من رؤية الاخرين تثير الاشكال اكثر من ان تضيف جديدا. بعد ذهاب الترابي تطابقت الحركة الاسلامية مع الفكر السني تماما واصبحت تبتعد شيئا فشيئا عن الاسلام الشيعي او عن اسلام المجتمع السوداني عندما اعياها المجتمع برفضه لكثير من افكار الفكر السني، فتركت المجتمع السوداني في كثير من بقاع السودان ليدير شئونه بنفسه وتفرغت لخدمة اعضائها المادية والاهتمام بمشاكل الفكر السني في الخارج. فأصبحت جماعة تختلف في عاداتها وتقاليدها في افراحها واتراحها عن المجتمع السوداني رغم محاولات المجتمع الدائمة على احتوائهم بادواته الخاصة. الاسلام ازمة الفكر العربي: ان دوامة الازمات التي دخل فيها الواقع العربي والظاهرة على السطح في الوقت الحالي ترجع الى الرؤية التي صاغتها النخب العربية لفكرها باعتباره رسالة الهية، واصبحت بعد ذلك تعبد ذلك الفكر وتقدسه وتحرسه من أي نقد يمكن ان يوجه له، فرغم اختلاف الازمات الا انها في الاخير ازمة واحدة هي ازمة فكر ورؤية كلية. فاذا تمظهرت تلك المشكلة في شكل الحكم او صراع بين سنة وشيعة فهي في الاخير ترجع الى استنزاف الفكر العربي لكل ادواته من اجل المحافظة على مجتمعه، واصبح في حاجة الى فكر جديد وادوات جديدة تستوعب مرحلة التحولات الحالية ولكن من اين ياتي ذلك والنخب في وادي اخر لا تعير صرخات المجتمعات التي تقتل بعضها بعضا وتبيد بعضها بعض وتسبي بعضها البعض الاخر. هي اذا ازمة واقع ونخب عربية أي كان من الاولى بها العرب ولكن العرب كما الغرب صدروا لنا افكارهم حتى اصبحت جزءا من الواقع، فاهتمامنا بنقد الفكر العربي المسمي اسلامي او بنقد الفكر الغربي يرجع الى تأثيرهم المباشر على الواقع والانسان السوداني. فالنخب العربية السابقة صاغت قيم وعادات المجتمع العربي وحتى رؤيته للاخر فكرا وقدمتها للمجتمع وللمجتمعات الاخرى باعتبارها رسالة الهية واجبة الاتباع، ولم تفعل النخب اللاحقة سوى الاستمرار بترديد تلك الرؤية وتحديدا كلياتها المتمثلة في النظر الى الاخر وبعض العادات والتقاليد التي قيل انها جاءت من السماء. الفكر الفلسفي العربي: قامت الفلسفة العربية على استيعاب الرسالة المحمدية من داخل الوعي المجتمعي، فصاغت النخب العربية الوعي المجتمعي كمفاهيم واستوعبت من خلاله الرسالة المحمدية. فالإسلام اذا هو رؤية فكرية عربية يختلف تماما عن الارشاد الإلهي الذي جاءت به الرسالات الارشادية. فيختلف الفكر العربي الاسلامي عن استيعابنا للإرشاد الإلهي كليتا أي من ماهية الاله والى اخر ذلك الفكر، فالإله في الارشاد هو اله متعالي على الوصف والانحياز والعلاقات المباشرة مع المجتمعات او مع الامكنة، اما في الفكر العربي الاسلامي هو اله فاعل ينحاز الى مجتمع ومكان وياتي بقيم تفضيلية ويحب ويكره. وكذلك في مفهوم الرسالات وكيفية استيعابها، فالفكر العربي الاسلامي يقول ان الرسالات هي كلام الله وان اللغة العربية هي لغة مقدسة لتعبير الاله من خلالها وان الرسالة المحمدية تحتوى على تعاليم دينية ودنيوية وان تلك التعاليم اذا لم تطبق حرفيا يعني ذلك عدم الالتزام بالاوامر الإلهية، اما رؤيتنا للرسالات الالهية هي رسالات ارشادية مسببة نتيجة لقصور النخب عن استيعاب مجتمعاتها واستيعاب الاخر وجاءت لإرشاد الانسانية بمغزي الحياة ككل واستخدمت القيم والمفاهيم المجتمعية لتوصيل تلك الرسالة اذا كانت عادات او لغة، فهي اذا ليست كلام الله والاله يتعالى عن الكلام بلغة انسانية وارسل الاله الارشاد بلغات انسانية عدة محاولا توصيل رسالته، فليست هنالك لغة تعبر عن الاله ولكن ارشد الانسانية بكل اللغات. كذلك لا توجد قيم سلوكية محددة يفضلها الاله عن غيرها وذلك لطبيعة الانسانية المتحولة، فتختلف معني الانسانية وبالتالي يختلف سلوكها باختلاف مراحل تحولاتها، ولكن عند لحظة الرسالة يستخدم الاله كل الادوات المجتمعية للإرشاد الى المعاني المرادة فليست الغاية السلوك ولكن الغاية المعني المراد حتى تستطيع الانسانية استيعاب المعاني الكلية او المعني الجزئية لذاتها. وكذلك تم وصف الرسالة المحمدية بالرسالة الاسلامية باعتبارها الرسالة الوحيدة الكاملة ولا توجد رسالة اسلامية غيرها واستخدمت النخب العربية ذلك الوصف عندما وجدت ان الاله يستخدمه في ارشاده، وحقيقة لا اصف نفسي بانني مسلم بل كل من يتوغل في معرفة الفرق بين الرسالة الارشادية الالهية والفكر العربي الاسلامي يجب ان يحتاط من وصف نفسه بانه مسلم، فالمسلم هو من يعبد الفكر العربي وليس الارشاد الالهي، فانا مؤمن بالارشاد الالهي، فلفظ مسلم كما هو معلوم اطلقه الخليل ابراهيم على من يعبد الاله الواحد ويترك عبادة الاصنام، وقد احتاط حتى الاله على لفظ مسلم عندما وجد انه يستخدم للدلالة على اله فاعل وليس الاله المتعالي الحقيقي وفضل عليه لفظ الايمان (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)). فالإسلام هو كل انسان يعبد الله الواحد ولا يعبد الاصنام اما الايمان هو كل انسان يعبد الاله المتعالي، فكما انحرفت الرسالة اليهودية والمسيحية انحرفت الرسالة المحمدية عن ادراك معني الاله المتعالي وكذلك انحرفت عن مغزى الارشاد الالهي. اخيرا: تلك كانت اجزاء بسيطة من نقد الفكر العربي الاسلامي وكذلك الاختلاف بين الارشاد الالهي والاسلام العربي وستتواصل المقالات، ولكن قبل ذلك نتمني ان تدرك النخب العربية او السودانية حجم المأزق التاريخي الذي نوجد به وحاجة المجتمعات الى نخب حقيقية واعية بأهمية المرحلة، فلا يكفي ان نعالج الاعراض اذا كانت سياسية او اقتصادية او غيرها ونترك المرض الحقيقي وهو الفكر العربي الذي وصل الى مرحلة العجز الكامل. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. /////////