شاهد بالفيديو.. والي نهر النيل: (سنهتم بالسياحة ونجعل الولاية مثل جزر المالديف)    عدد من الوزراء يؤدون القسم أمام رئيس مجلس السيادة    قرعة الكونفدرالية الأفريقية تكشف مواجهات صعبة للأندية السودانية..الزمالة السوداني يواجه نظيره ديكيداها الصومالي، بينما يخوض الأهلي مدني اختبارًا صعبًا أمام النجم الساحلي التونسي    ثنائي ريال مدريد مطلوب في الدوري السعودي    يعني شنو البروف المنصوري في طريقه الى السودان، عبر السعودية، وياخد أيام    مجلس الإتحاد المحلي الدمازين الرصيرص يجتمع ويصدر عددا من القرارات    موسى حسين (السودان): "المشاركة في بطولة "شان" توتال إنيرجيز حُلم طفولتي وسأسعى للتتويج بلقب فردي بقوة"    شاهد بالفيديو.. في تصرف غريب.. فتاة سودانية تقتحم حفل رجالي وتجلد نفسها ب"السوط" بعد أن رفض الحاضرون الإستجابة لطلبها بجلدها أسوة بالرجال    شاهد بالصور والفيديو.. وسط حضور جماهيري مقدر العافية تعود لشيخ الإستادات السودانية.. إستاد الخرطوم يشهد مباراة كرة قدم لأول مرة منذ إنلاع الحرب    شاهد بالفيديو.. ردد: "شكراً مصر".. طفل سوداني يودع القاهرة بالدموع ويثير تعاطف الجمهور المصري: (ما تعيطش يا حبيبي مصر بلدك وتجي في أي وقت)    شاهد بالفيديو.. ردد: "شكراً مصر".. طفل سوداني يودع القاهرة بالدموع ويثير تعاطف الجمهور المصري: (ما تعيطش يا حبيبي مصر بلدك وتجي في أي وقت)    شاهد بالفيديو.. القيادي بالدعم السريع إبراهيم بقال يهرب إلى تشاد ويظهر وهو يتجول في شوارعها والجمهور يسخر: (مرق لا زوجة لا أطفال حليلي أنا المآساتي ما بتتقال)    شاهد بالصور والفيديو.. وسط حضور جماهيري مقدر العافية تعود لشيخ الإستادات السودانية.. إستاد الخرطوم يشهد مباراة كرة قدم لأول مرة منذ إنلاع الحرب    وزير الثقافة والإعلام والسياحة السوداني: بحثنا مع الحكومة المصرية سبل دعم الجالية السودانية في مصر في مجالات التعليم والإقامة    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    "الكتائب الثورية" .. إقامة أول مباراة كرة قدم في استاد الخرطوم الدولي منذ اندلاع الحرب    كارثة تحت الرماد    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    رئيس المخابرات حمل رسالة ساخنة.. أديس أبابا تهدد بورتسودان    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    وسط غياب السودانيين عنه.. فشل اجتماع الرباعية في واشنطن ل "فرض حل خارجي" للأزمة السودانية    ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدقا هل الحضارة الإسلامية حضارة نقلية أم مبتدِّعة ؟ .. بقلم/ محمد علي طه الملك
نشر في سودانيل يوم 04 - 08 - 2015

قد يبدو السؤال من الوهلة الأولى مثيرا للحميّة الدينية ، وربما انحيازنا للثقافة العربية وتراث أساطينها غير أن السؤال جدير باعمال النظر فيه ومراجعته على ضوء مؤلفات عديدة كان لها السبق في التأسيس لمفهوم الحضارة الإسلامية ، ولهم أسانيدهم المدعومة بمنطق بعض المدارس الفلسفية ، غير أن عرض المفهوم على ضوء منجزات الحضارة الإسلامية بوجه خاص في المجال التطبيقي ، يدفع بالتأكيد لمثل هذا التساؤل . بدءًا يجمل عرض التعريفات التي أوردتها المدارس الفلسفية لمصطلح الحضارة ، قبل الانتقال لمناقشة السؤال والإجابة عليه . تعريف مصطلح الحضارة Civilization : تباينت تعريفات المصلح بين المدارس الفلسفية ، ولكن قبل عرض تلك التعريفات تجدر الإشارة للإلتباس الذي يحدثه التقارب أو التداخل بين مصطلح الحضارة و مصطلحات أخرى مثل الثقافة والمدنية ، هناك طائفة من الباحثين تطلق لفظة الثقافة على تنمية الذوق الرفيع ، وبعضهم الآخر يطلقه على نتيجة هذه التنمية أي على مجموع عناصر الحياة ، أشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات ، كذلك يطلقه بعضهم على نتيجة هذا الاكتساب ، أي على حالة التقدم والرقي التي وصل إليها المجتمع ، وإذا كان بعض العلماء يطلق لفظ الثقافة على المظاهر المادية ، ولفظ الحضارة على المظاهر العقلية والأدبية ، فإن بعضهم الآخر يذهب إلى عكس ذلك فيقرر أن لفظ الحضارة يدل على جملة المظاهر المادية ، بينما تدل الثقافة على مجمل النشاطات العقلية والروحية) (1). وإذا كانت الثقافة لدى بعض المفكرين أوسع من الحضارة ، فإن البعض الآخر يرى أن الحضارة أوسع من الثقافة ، لأن الحضارة عندهم هي الثقافة مضافاً إليها القوة التي بدونها تصبح الحضارة عبارة عن طور دفاعي عن الوجود الثقافي. ويؤكد أصحاب هذا الرأي على الفكرة التالية: (إن الحضارة تقوم على فكرة حضارية، ذات كيان متناقض ، وغير متطابق في كل جهاته ونقاطه مانحة إياها الحياة ، ويطلقون على هذه الفكرة الحضارية اسم (روح الشعب) أو (روح الأمة) والتي تطبع بطابعها المميز، ولا تنهض على هذه الفكرة الحضارية ، من وجهة نظرهم إلا حضارة واحدة.) (2). لتوضيح أكثر لصور التباين بين تعريفات العلماء والباحثين ، أعرض ما ذهبت إليه مجموعتين المانيتين الأولى من أنصارها كل من (راتناو ، و توماس )، حيث عرّفا الحضارة بأنها (مجموعة من المظاهر الفكرية التى تسود المجتمع ) وهما بذلك قصرا التعريف على الجوانب الفكرية المعنوية ، بما يطابق تعريف الثقافة ، أما المجموعة الأخرى ومنها كل من (ماكفر وشفيستر وادوارد تايلور) عرفوا الحضارة بأنها (ما توصل اليه مجتمع من المجتمعات فى الفنون والعلوم والعمران ) وهؤلاء بدورهم يقصرون التعريف على الناتج المادي للأمة فيصبح تعريفهم متداخلا مع المدنية (3). في الواقع وإن كان بعضهم قد وحد بين الحضارة والثقافة ، أو بين الحضارة والمدنية ، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن يتطابق مصطلح الحضارة مع كلا المصطلحين أو مع أحدهما ، بحيث يصعب النمييز بينهما ، وبالمقابل فإننا لا نستطيع أن نفصل بين هذه المصطلحات الثلاثة فصلاً تاماً ، لأنها مرتبطة ببعضها أشد الارتباط ، على ذلك يمكن القول بأن العلاقة بين هذه المصطلحات قائمة على أساس التداخل والتمايز في آن ، ولإزالة شيء من الالتباس القائم بين هذه المصطلحات المتداخلة من جهة ، والمتمايزة عن بعضها من جهة أخرى ، قال بعض الباحثين : (إن الثقافة تشمل الجانب الروحي والفكري والمعنوي من نشاط الفرد والجماعة ، في حين أن الجانب المادي العملي يقع تحت عنوان المدنية ، ويتمثّل في الحرّف والمهن والزراعات والصناعات المختلفة ، والأدوات والتجهيزات التي يحتاج إليها فيها ، وكل ما يلزم الإنسان في معاشه وحله وترحاله وسائر مناشطه العملية والترويحية ، أما حضارة أمة من الأمم فهي تعني مجموع مكونات ثقافتها ومدنيتها ، إن الثقافة تشكل روح الحضارة وعقلها وقلبها ووجدانها ، بينما تشكل المدنية مادتها وجسمها وهيكلها ، إذاً الثقافة ليست الحضارة وإن جزءأ منها ، وليست المدنية بل هي باعثتها والموجهة لها ، خلاصة هذا الشرح للعلاقة بين الحضارة والثقافة والمدنية تبلغنا نتيجة مفادها أن لكل حضارة مكونين رئيسين هما الثقافة والمدنية (4). يقول الباحث جمال الحمداوي في ورقته المعنونة (المقاربة الثقافية أساس التنمية البشرية) من المعروف أن الحضارة هي نتاج بشري مرتبط بالجهد الإنساني ، والعمل الدؤوب في زمن تاريخي وهي من شقين مادي (تكنولوجي) يشتمل على كل ما أنتجه الإنسان عمرانيا وتقنيا وآليا لإسعاد البشرية وشق ثقافي (كلشر) ، بحيث تشمل الحضارة كل ما هو معنوي وروحي وقيمي من أفكار ودين وفنون وعادات وطقوس ، وكل ما خلفته البشرية من تراث وآثار مادية ومعنوية ومنقولة وعالمية . ولعل من أوائل الذين قدموا تعريفا جامعا للحضارة العلامة ابن خلدون (5) ، إذ عرفها بأنها ( نمط من الحياة المستقرة ينشئ القرى والأمصار ، ويضفى على حياة أصحابه فنونا منتظمة من العيش والعمل والاجتماع والعلم والصناعة وإدارة شئون الحياة ، والحكم وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية) ويعرفها( توينبي ) بأنها ( مجموعة الأفكار والرؤى والقيم السائدة التي توجه الإنسان ، والتي تترك بصماتها وتلقي بظلالها على المنظومة الذهنية وأساليب وطرق التفكير لدى الإنسان ، وعلى الدولة والمجتمع ، وهي سمة المجتمع بما يحتويه من أفكار ومبادئ وعادات وتراثيات ، وطبيعة الحياة من الجهة النظرية والفكرية والعملية ، فالحضارة هي مجمل ما يحتويه الإنسان من ثقافة )(6). يلاحظ من التعريفات الأخيرة الجمع بين العنصرين المعنوي والمادي بما يجعل التعريفات أكثر كمالا وهو نفسه التعريف الذي بنت عليه العديد من المصادر ، حيث جاء تعريفها في معجم اكسفور : The process by which a society or place reaches an advanced stage of social development and organization. وعرفها ( وول ديورانت) مؤلف موسوعة قصة الحضارة قائلا : ( الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي ، وتتألف من عناصر أربعة هي موارد الاقتصاد والنظم السياسية والتقاليد الأخلاقية ومتابعة العلوم ) (7). من على مشاكي تلك التعريفات ، نطل لمناقشة السؤال المطروح حول مدى تطابق وتوافق منجزات الإسلام كدين ، واجتهادات علماء المسلمين مع مصطلح الحضارة ، حتى نتبين ما للوصف الشائع ( الحضارة الإسلامية ) من مصداقية تاريخية . كثيرون هم من عامة الكتاب والعلماء ، درجوا على إسباغ وصف الحضارة الإسلامية ، على منجزات التراث العربي والفكر الديني واجتهادات علماء المسلمين ، منذ أن أكتملت رسالة الإسلام وتوقف الوحي ونهض إثرها المسلمون ، فكيف جاء تعريفهم للحضارة الإسلامية : يعرفها الدكتور أحمد عبد الرازق بأنها : ( مجموعة من المفاهيم عند مجموعة من البشر وما ينبثق عن عن المفاهيم من مثل وتقاليد وأفكار ونظم وقوانين تعالج المشكلات المتعلقة بأفراد هذه المجموعة البشرية بعبارة أخرى مختصرة هي جميع مظاهر النشاط البشري الصادر عن تدبير عقلي ) (8). يلاحظ من مقدمة التعريف أعلاه ميولا نحو التعريف العام لمصطلح الحضارة ، على الرغم من استخدام لفظ (مفاهيم ) عوضا عن عن عبارة (جهد بشري ) لدى الباحث جمال الحمداوي ، غير أنه عاد في مختصره وأضفى معنً أوسع باستخدام عبارة ( نشاط بشري ) . في ذات السياق يعرف الدكتور أحمد شلبي الحضارة الإسلامية بأنها ( ما قدمه الإسلام للمجتمع البشري من فكر يرفع شأنه وييسر أمور حياته ، ونقول للمجتمع البشري وليس للمجتمع الإسلامي فحسب ، إذ أن الإسلام قدم مآثره للبشر جميعا ، وبعض هذه المآثر يتضح مع غير المسلمين أكثر مما يتضح مع المسلمين (9) ) . واضح من تعريف الدكتور أنه يعزي مفهوم الحضارة الإسلامية للإسلام كعقيدة ، متفاخرا بمآثر الإسلام على البشرية بحيث اقتدى بها غير المسلمين ، وعلى نسق مغاير ورد تعريف آخر يقول (بأنه مجمل ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ في الجوانب الروحية والأخلاقية فضلا عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية ) . جوهر الفارق بين التعريفين أن التعريف الأخير يسبغ الجانب الاجتماعي على مفهوم الحضارة الإسلامية ، دون إغفال للجانب الثقافي الروحي والجانب المادي الذي أشار إليه بالاكتشافات والجوانب التطبيقية ، غير أن التعريفين يعليان شأن الجانب المعنوي الروحي ، لكونهما عماد تشكيل الشخصية المسلمة ، أما الجانب العلمي التطبيقي ، فلا جدال من أن علماء المسلمين من أمثال الرازي وابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم والفارابي وغيرهم من التطبيقيين والفلاسفة ، كانوا يقتبسون من علوم حضارات أخرى قديمة ، كاليونانية والرومانية وقبلهما الفرعونية ، حيث تأثر علماء المسلمين في عصر الازدهار والترجمة بالفلسفة الإغريقية تأثراً واضحاً وأصبحت الفلسفة الإغريقية تمثل مصدراً من مصادر الثقافة الإسلامية في عصرها الذهبي من هنا كان علماء المسلمين يتميزون بسعة الأفق والتكوين الموسوعي في بنائهم الفكري ، فكان الواحد منهم فقيهاً في الدين متقناً لفنون الجدل والكلام أديباً طبيباً كيميائيا رحالة جغرافيا (10) ، وكان عطاؤهم و جهدهم تطويرا لفنون حضارات أخرى ومعمارهم ، أسبغوا عليه أسلوبا جديدا يوافق تعاليمهم الدينية فبدا مستقلا . جاء عن الفيلسوف ( توينبي ) قوله : أن الباحث في الحضارة الإسلامية سيجد نفسه أمام حضارة لها خصوصيتها الذاتية وهويتها المتميزة ، كما أن لها نقاطاً تتقاطع بها مع الحضارات الأخرى ، وجاء في مقدمة الدراسة التي أعدها الباحث زياد عبد الكيم نجم : إنها حضارة جمعت بين الدين والدنيا ، وبين الروح والمادة بلا إفراط أو تفريط، ، وكانت الوسطية من أهم سمات هذه الحضارة ، والتي آمن بها أبناؤها كمنهج فكري ، وجسدوه سلوكاً عملياً في شتى مناحي حياتهم خصوصاً في طور نموها وازدهارها ، مما جعل الحضارة الإسلامية محط أنظار الكثير من الباحثين، سواء أكانوا من أبناء هذه الحضارة أم من أبناء حضارات أخرى ، حيث تم تناولها بالدراسة والبحث من قبل مفكرين ومؤرخين وباحثين من اتجاهات فكرية متعددة ، فأتت هذه الدراسات بآراء متنوعة ومختلفة ، وصل بعضها إلى حد التناقض ، حيث قرأ كل منهم هذه الحضارة من موقعه ، وفي ضوء الأيديولوجيا التي يعتنقها ، فوقع الكثير من دارسيها ولا سيما من أبنائها بين ضربين من المواقف ، رغم التدرج قرباً وبعداً بينهما ، فقد ذهب فريق نحو تعظيم الذات ونفي الآخر، فبقي أسيراً لألق الماضي وسحر بريقه ، وذهب الفريق الثاني إلى تضخيم الآخر وتقزيم الذات ، بعد أن رأى ما وصلت إليه الحضارة الغربية الحديثة ، وما آل إليه واقعنا اليوم (11 ). يبدو من ذلك أن الحضارة الاسلامية ، معني بها المنجز الروحي والمادي للمجتمع الاسلامي و نظم الخلافة الإسلامية ، أما الإسلام فهو دين وليس حضارة ، بمعنى أن الإسلام هو منظومة قيم وقوانين ناظمة للمجتمع فلو عُزّل الجانب الروحي لن يبقى سوى نظم الخلافة الإسلامية ، وهي نظم مبتدعة إستمدت شرعيتها من مبدأ الشورى القرأني من جانب ، واقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم تيمنا بما بايعه عليه اصحابة من جانب آخر، مع ذلك هنالك شق يتعين الوقوف عنده وتقديره بشفافية وتجرد . معلوم أن نهضة المسلمين في عصور إزدهارهم ، كان زمانها التاريخي في العصور الوسطى المتقدمة والمتأخرة ، وإلى قدر ما حتى سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية ، ذاك هو الحيز الزماني الذي يمكن التعويل عليه في وجود حيوي لحضارة إسلامية ، حتى وإن كانت مقتبسة في شقها المادي ، أما أن رغبنا البحث عن دور الحضارة الإسلامية كعطاء ومنجز خلال القرون الثلاثة الماضية منذ القرن التاسع عشر فلا نجد لها توقيعا يلفت الانتباه ، الأمر الذي جعل المسلمين منذ ذلك الوقت مجرد أمة متلقية ناقلة ومستهلكة لفكر ومنجزات الآخرين ، سواء كانوا من ملتهم من السلف أو من خارجهم . على ضوء ما سلف ، يمكن القول أن إستخدام مصلح الحضارة الإسلامية في هذا العصر، لا يشير سوى لنوع من إنعاش ذاكرة التاريخ بحضارة فقدت ريادتها ، وأضحت حضارة بايتة في شق إسهامها المادي ولم يبق من شقها الثقافي ما يعول عليه سوى الجانب الروحي
المتعلق بالرسالة ، فهل يمكن التعويل على فرضية وجود صراع بينها وبين حضارة القرن الحالي ؟ في تقدري إن كانت الحضارة الإسلامية معنية ضمن ما عرف بصراع الحضارات ، فالمراد بالتأكيد لن يكون سوى منجزها الثقافي الروحي ، بحسبانه المنجز الوحيد الذي ظل يتمدد على حساب سواه من عقائد لا بقوة عطاء أومنجزات معتنقيه الحضاري ، بل بسر خصائص ذاتية أودعها الله فيه ، إن الله يهدي بنوره من يشاء ، ومتمّ نوره ولوكره الكافرون ، فلمسلمون فقرهم جلي عند المقايسة مع واقعهم العصري ، فقراء حتى فيما يتعلق بتنقيح اجتهادات أسلافهم الفقهية المتداولة من أوان إزدهار الحضارة ، فتراكمت الأسئلة المعرفية وهي أسئلة في غاية الحساسية ، جاوبت عليها حضارة العصر ، بينما إنقسم حيالها المسلمون بتعددهم المذهبي ، بين منصرف عنها ورافض لها أو راض عنها . عمدة القول أن المسلمين لم تعد لهم حاجة في هذا العصر ، لبذل جهودهم في التنقيب عن دورهم الحضاري الماضوي المعروف سلفا ، فهو تاريخ لن تنكره البشرية ، أما القول بإحياء حضارة أفلّت أو في طريقها للافول ، لا يعدو كونه كمن يتمنى العودة لمرابع الصبا بعد هرم ، ولعل تجارب البشرية لم تثبت بعد حياة للشيء بعد موات . علينا كمسلمين أن نقلع عن هز شجرة التاريخ ، وأن نركز أبحاثنا عن وسيلة تدمجنا في حاضرنا بمدلولاته المعبرة عن العصر ، دون بعد أو انفكاك عن رسالة القرآن وقيمه العقدية ، بحسبانها الرسالة الروحية الباقية ما بقي لهذا الوجود من بقية . ختاما ليست غايتي من هذا البحث أن أثبط روح البحث والتقصي التاريخي لتراث ومنجزات الحضارة الإسلامية ، كضرب من ضروف المعرفة التوثيقية ، غير أنني أنتقد التعويل عليها كدافع لنهوض الأمة فالأمم لا تنهض باجترار ما ضيها كيفما كان زاهرا ، بل بتقييم حاضرها و البحث فيما يسعى بها نحو رقيها ، ولا رقي سوى بمقدار ما تقدمه من مثل وقيم إنسانية ومنجزات تسعد البشرية ، فهل بمقدورنا تقديم منجز بشري يضاهي منجزات العصر ونحن جلوس على مقابر التاريخ ؟ ........... مراجع 1 صليبا ، جميل ، المعجم الفلسفي ، الجزء الأول ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1978 م. 2 حميدان ، إيمان ، فلسفة الحضارة عند هربرت ماركيوز ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق ، 2005 م. 3 زيادة، معن، الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول، معهد الإنماء العربي، بيروت، ط ،1986م. 4 زياد عبد الكريم نجم / أرنولد توينبي / نظرية التحدي والاستجابة الحضارة الاسلامية نموذجا . 5 ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ، ط2 ، 1988 م. 6 زياد عبد الكريم نجمم / أرنولد توينبي / نظرية التحدي والاستجابة الحضارة الاسلامية نموذجا . 7 قصة الحضارة، الجزء الأول، ترجمة: زكي نجيب محمود، مطابع الدجول، القاهرة ، ط 5 ، 1971 م. 8 أحمد عبد الرازق أحمد : الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ، القاهرة : دار الفكر العربي، 1990. 9 أحمد شلبى : موسوعة الحضارة الاسلامية / الجزء الاول ، الطبعة السادسة 1989 . 10 فلسفة التربية / د . محمد عبد الرءوف عطية كلية التربية جامعة ام القرى . 11 زياد عبد الكريم نجم / أرنولد توينبي / المرجع أعلاه.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.