بقلم بروفيسور مصطفى عبد الله محمد صالح كلية الطب، جامعة الملك سعود، الرياض، السعودية ترجمة بروفيسور عوض محمد احمد كلية الطب، جامعة نجران، نجران، السعودية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ● نشر هذا المقال بالانجليزية في مجلة طب الاطفال السودانية العدد الثاني من المجلد 13 للعام 2013م نشأة حسيب و تاهيله العلمي ولد البروفيسور منصور علي حسيب في عام 1910 في بلدة القطينة لاب كان يعمل قاضيا فيها هو الشيخ علي حسيب، الا ان اصولهم تعود الى شمال السودان حيث كان اجداده يقيمون في بربر و يرتبط نسبهم بالمجاذيب و هم اساتذة القران و العلوم الدينية المعروفون في مدينة الدامر. تلقى حسيب مراحل تعليمه الاولى في بربر و عطبرة و بورتسودان، ثم كلية غردون التذكارية التي كانت وقتها المدرسة الثانوية الوحيدة. التحق بعدها بكلية كتشنر الطبية التي تخرج منها عام 1934م بدرجة الامتياز في الطب الباطني. بعد تخرجه ولج حسيب مجال الخدمات الطبية حيث عمل في عدة مستشفيات الى ان ابتعث لاجراء دراسات عليا في مجال الاحياء الدقيقة (و هذا فرع طبي يؤهل صاحبه للعمل في مجال التحاليل الطبية في المختبرات). عاد حسيب من البعثة و قرر التفرغ لتطوير مجال التحاليل الطبية و الصحة العامة. صار حسيب اول سوداني يتولى منصب مدير معمل استاك (1952- 1962م). استطاع حسيب في معمل استاك تدريب اعداد كبيرة من الاطباء من الاطباء و التقنيين و مساعدي المعامل في مضمار طب المختبرات، و اصاب في ذلك نجاحا ملحوظا الى ان قامت فيما بعد مؤسسات منفصلة لتدريب المختصين في التحاليل الطبية مثل برنامج الدراسات الطبية في علم الامراض (جامعة الخرطوم) اواخر السبعينات، و تاسيس كلية المختبرات الطبية في منتصف الستينات لتخريج تقنيين بدرجة الدبلوم العالى. في عام 1965م تم منح حسيب زمالة كلية الاطباء الملكية لعلم الامراض و بعدها باربع سنوات نال زمالة الكلية الملكية للباطنية. حسيب باحثا علميا ان البحث العلمي الممتاز هو جوهرة التاج في عطاء البروفيسور حسيب و هو ما هيأ له فيما بعد الابواب في كلية الطب و المجلس القومي للبحوث و ما ناله من اعتراف دولي بجهوده ممثلا في جوائز رفيعة و ميداليات من بعض الدول. كان اهتمام حسيب بالبحث العلمي ملاحظا منذ فترة مبكرة من عمره المهني، حيث نشر في عام 1940م بعد ست سنوات فقط من تخرجه مقالا علميا في المجلة الطبية البريطانية و هي لا تنشر الا بحوثا علمية فائقة الجودة و غالبا لباحثين كبار في السن و التجربة. نشر حسيب اربعين بحثا كباحث اول، و عددا اكبر كباحث مشارك و هذا امر نادر حتى اليوم. اضافة الى جودة بحوث حسيب من ناحية تقنية، فان حسيب كان يحرص على نشرها في مجلات محكمة ذات سمعة طيبة (بل اعلى المجلات جودة على الاطلاق) مثل نيتشر و لانست و المجلة الطبيةالبريطانية، مما لم ينجزه عالم سوداني اخر حتى الان الا في حالات قليلة. كما انه نشر بعضا من ابحاثه في المجلة الطبية السودانية و هي دورية لها احترامها و بدات الصدور منذ عام 1953م و كان حسيب من ضمن محرريها الاوائل. و امتدت يد حسيب الحانية و الماهرة الى مجلة طلاب كلية الطب و هي مجلة الحكيم و امدها بمقالاته العلمية. اضافة لذلك نجح حسيب في فتح المجال امام الاطباء السودانيين للولوج في مجال البحث العلمي من خلال فتح ابواب معمل استاك لاجراء الاختبارات العلمية و هي عصب تلك البحوث. كانت ابحاث استاك ذات طبيعة عملية و موجهة نحو مشاكل المجتمع انذاك و هي الاوبئة و الامراض المتوطنة. بالاضافة الى الابحاث الفردية التي يبتدرها الباحثون بانفسهم كانت هناك بحوث تجرى لاكتشاف سبب وباء معين او اجتراح وسيلة معينة للسيطرة عليه. من امثلة هذه البحوث ما تم اجراؤه عام 1938م في منطقة الجزيرة اثناء انتشار وباء الجدري، حيث تم تجميع عينات من المرضى و تزريعها في نوع معين من القرود في معمل استاك و استطاع حسيب بالاشتراك مع البروفيسور هورقان تطوير لقاح للتطعيم الجماعي ضد الجدري ساهم في كبح جماح الداء. في عام 1950م كتب و نشر حسيب تقرير حالة علمي عن محاولة ناجحة لعلاج مريضة شابة تعاني من الحمى المالطية بعقار الكلورامفنكول (مضاد حيوي)، بعد ان تعذر علاجها بعقاقير اخرى. بحث اخر تجلت فيه مهارات حسيب البحثية العالية تم اجراؤه بين جبال النوبة الشرقية و منطقة قوقريال (حاليا جزء من دولة جنوب السودان)، و شمل طيفا واسعا من السكان (دينكا و بقارة و نوبا). كان هدف البحث دراسة مرض الحمي الصفراء و امكانية انتشارها شمالا. تم جمع الاف من عينات الدم من المواطنين و بعض الحيوانات المحلية مثل القرود. تمت الدراسة تحت رعاية عدة جهات منها وزارة الصحة و وحدة ابحاث البحرية الامريكية في مصر و مؤسسة روكفلر الخيرية و توصلت لنتائج حسنة اسهمت في محاصرة المرض. شملت اهتمامات حسيب البحثية مجالات اخرى مثل امراض الكلازار و عمى الانهار و البلهارسيا و شلل الاطفال و حتى ضربة الشمس و الاجهاد الحراري. في عام 1970م تم بقرار جمهوري تاسيس المجلس القومي للبحوث. و في عام 1973م تم تعديل قانون المجلس لتقسيمه الى اربعة مجالس فرعية كان من ضمنها مجلس للابحاث الطبية و اختير حسيب رئيسا له. كان من ذروة انجازات حسيب ضمن انشطة المجلس البحثية هو قيامه بتجارب ناجحة لتطوير لقاح ضد مرض السحائي (و قد كان وباءا فتاكا في ذلك الزمان). شمل البحث الكثر من 20 الف شخص، و كان مدعوما من وزارة الصحة و جامعة الخرطوم و المجلس القومي للبحوث و وحدة ابحاث البحرية الامريكية. و قد وافت المنية حسيب قبيل نشر نتائج البحث في 1973م. و قد اثبت اللقاح فعاليته في كبح جماح وباءخطير ضرب البلاد في 1988م. كان تتويج عطاء حسيب البحثي و المهني هو حصوله على جائزة شوشة في 1973م (بفترة قصيرة قبل وفاته). و هي من الجوائز العلمية الرفيعة. قدمت له الجائزة في احتفال مهيب اقيم خصيصا من قبل منظمة الصحة العالمية للشرق المتوسط. كانت جائزة شوشة تمثل خير ختام لحياة كلها عطاء للناس و تمثل ايضا اعترافا عالميا بانجازات حسيب في مجالات المهنة الطبية و البحث العلمي و التعليم الطبي. حسيب و التعليم الطبي في الفترة من 1938 و حتى 1962م عمل حسيب كاستاذ متعاون مع كلية طب جامعة الخرطوم. كان حسيب يدرس او يساعد في تدريس عدد من الكورسات مثل الاحياء الدقيقة و علم الامراض و الطب الشرعي و الصحة العامة. في عام 1963م اختير كاول سوداني لعمادة كلية الطب قام ايضا حسيب بتاسيس علاقات دولية للكلية مع مؤسسات اكاديمية اوروبية و افريقية عادت بفوائد كبيرة للكلية. فاقام علاقات مع الكليات الملكية البريطانية بمختلف تخصصاتها و مع مدرسة لندن للصحة العامة و طب المناطق الحارة. و بصفته عميدا في الكلية اختاره الافارقة كسكرتير لجمعية كليات الطب الافريقية في عام 1965م. كما كان حسيب وراء انعقاد اول مؤتمر دولي عن التعليم الطبي في السودان في نفس تلك الايام برعاية منظمة الصحة العالمية للشرف الاوسط (ايمرو) و تم فيه قيام رابطة كليات طب الشرق الاوسط و انتخب حسيب عضوا في لجنتها التنفيذية. حسيب و مجتمعه بعيدا عن الطب امتد عطاء حسيب كواطن صالح و مخلص لمجتمعه خارج نطاق المهنة الطبية. كان لحسيب اسهامه الكبير في مؤتمر الخريجين سواءا كفرد او من خلال عضويته في اللجنة التنفيذية. ساهم حسيب في الجهود لتاسيس المدارس الاهلية. عمل حسيب كرئيس لمجلس بلدي ام درمان (مقتفيا اثر عبد الحليم محمد الذي عمل رئيسا لبلدية الخرطوم). و في هذا المنصب، كما في البحث العلمي لازم التجويد حسيب فعمل على اقامة علاقات دولية للمجلس فزار المانيا الغربية (قبل الوحدة) بدعوة من الهير ويلي براندت عمدة مدينة برلين الغربية (قبل توحيدها مع برلين الشرقية اخريات الثمانينات). كما انه بصفته هذا شارك بنشاط في فعاليات الترحيب بالملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا اثناء زيارتها التاريخية للسودان في فبراير 1965م. الرحيل الحزين توفي البروفيسور حسيب في سبتمبر 1973م وفاة مفاجئة ضاعفت من الحزن على رحيله. كانت وفاته صدمة كبيرة للمهنة الطبية في السودان و خارج السودان. كانت حياة حسيب كلها خيرا لاهل السودان و للمهنة الطبية مما تم تفصيله اعلاه. شكر يتقدم الكاتب بالشكر لكل من الدكتور حاتم حسيب (استشاري امراض الصدر) و الدكتور عادل حسيب استاذ الفيزياء في جامعة الملك سعود لامداده بمعلومات مفيدة و مجموعة من الصور سهلت كتابة هذا المقال. كما يتقدم الكاتب بالشكر للدكتور عبد الجليل محمد عبد القادر .