"من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الإسلام دين إرهابي يدعو لقتل الغربيين؟ ... بقلم: د. مصطفى الجيلي *
نشر في سودانيل يوم 14 - 01 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قد يبدو هذا السؤال ساذجا وبسيطا لدى النظرة الأولى ولكن بقليل من التأمل يتضح أنه مهم وعملي ويكاد أن يمس حياة كل فرد.. فالسؤال يدور بإلحاح في أذهان الملايين حول الكوكب ويتطلب الإجابة السريعة والصريحة والواضحة.. ما زاد من أهمية السؤال، عنف ما يسمى بالدولة الإسلامية وقتلها الأبرياء، وفي ذات الوقت كفاءتها في استقطاب أعداد كبيرة من الشباب المتعلم.. فنشأ نتيجة لذلك حوار محتدم ومتصاعد وسط الشعوب المسلمة عبر الفضائيات والمنابر الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي..
لتركيز الضوء على قلب المشكلة، ومحاصرة الحوار، ثم لكشف النواحي التطبيقية، سنختصر المسألة في ثلاثة أسئلة عملية تخص أسس "الدولة المسلمة"،ونعني بها التي تتبني الإسلام كما هو متعارف عليه في المؤسسات الدينية ومناهج التعليم، بما في ذلك تطبيق الشريعة الإسلامية..
ثلاثة الأسئلة هي: (1) هل يعتبر الجهاد في الاسلام واجبا أساسيا؟ (2) هل من واجب الدولة المسلمة فرض الجزية على المسيحيين واليهود ومحاربة اللادينيين؟ (3) هل يعتبر المسيحي أو اليهودي أو اللاديني مواطناً من الدرجة الثانية في الدولة المسلمة؟
الإجابة على هذه الأسئلة في الفهم الإسلامي السائد، الذي يدرس وينشر ويتداول في كل المؤسسات الدينية كالأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، والجامعات الإسلامية، وكليات الشريعة، ووزارات الشؤون الدينية هو بالايجاب المؤكد، والمسنود بنصوص الآيات والأحاديث.. فالجهاد واجب أساسي لكل مسلم، والمسيحي أو اليهودي لا يتساوى مع المسلم في الدولة المسلمة، وعليه دفع الجزية، ولا يحق له تولي أمور المسلمين، أما اللاديني، فلا وضع له في الدولة المسلمة إلا القتال أو الاسلام.. الإجابات على الأسئلة تظهر حجم المشكلة الفكرية وتضع الجميع في حالة من الحيرة والعجز.. هذا المقال محاولة لالقاء أضواء وسط هذه العتمة..
في الإجابة على السؤال الأول، جاء في القرآن فرض الجهاد: "فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [التوبة: 5].. وورد أيضا: "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ" [التوبة: 14] وفي الأحاديث النبوية ورد: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مات على شعبة من النفاق" (صحيح مسلم – كتاب الجهاد)..
وفي الإجابة على السؤال الثاني، ورد: "َقاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِاليَومِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ " [التوبة:29]. "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [الأنفال: 39].. والحديث عن جبير بن حيية، ذكر فيه: "فأمرنا نبينا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا، أنه من قتل منا صار إلى الجنة ونعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم"، (صحيح البخاري - كتاب الجزية )..
وللإجابة على السؤال الثالث، طلب المواددة والمناصرة من غير المسلمين منهي عنها بنص القرآن: "يَٰأَيُّهَا 0لَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ 0لْيَهُودَ وَ0لنَّصَٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ 0للَّهَ لاَ يَهْدِى 0لْقَوْمَ 0لظَّٰلِمِينَ" [المائدة:51]، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" [آل عمران:118]، وقال: "لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِ0للَّهِ وَ0لْيَوْمِ 0لآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ 0للَّهَ وَرَسُولَهُ" [المجادلة: 22].
في مواجهة مثل هذه النصوص يحاول كثير من المفكرين المسلمين إبجاد تبريرات من منطلقات الحداثة والمعاصرة، وخلص كثير منهم للفصل بين الدين وسياسات الدولة.. آخرون ذهبوا يستنكرون حتى على فكرة السؤال نفسه، مبرئين الإسلام مما يقال عنه، وما يمارس باسمه، ويستدلون على ذلك بآيات القرآن المنسوخة الحكم من أمثال "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ" [النحل: 125] كما سنشرح بعد قليل.. حجج الحداثيين هذه تجد قبولا من المسلمين خاصة وسط المجتمعات التي تعيش في الغرب حيث تزيح عنها الشعور بالحرج في مشاركتها غير المسلمين بلادهم مع الشبهة أن دينهم "يدعو لقتل الغربيين".. ورغم ذلك فحجج الحداثيين لا تصمد كثيرا أمام النصوص القرآنية والأحاديث الصريحة التي يواجههم بها المتشددون عبر أي حوار..وعلى أيسر تقدير فاجتهاداتهم لا تملك أن تنفي ادلة خصومهم وقوة برهانها.. ولا عبرة بمن يحاول التطفيف من وضوح النصوص ويلجأ لتشتيت المعنى، فالنبي (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) قد شرح هذه النصوص شرحا عمليا بتطبيقها..
وفي حقيقة الأمر، فإن جميع التنظيمات الإرهابية من أمثال داعش والقاعدة والأخوان المسلمين، من حيث الفكرة، إنما يحملون صورة للفهم الذي تقوم عليه، اليوم، سائر الدعوات الإسلامية، وسائر المؤسسات الدينية، كما ذكرنا.. وتلاميذ هذه المؤسسات من الفقهاء، والقضاة الشرعيين، ومعلمي مناهج الشريعة، جميعا، لا ينشرون إلا مثل هذا الرصيد من الأفكار.. وبتدقيق أكبر فإن التنظيمات الارهابية عموما لا تختلف عن المؤسسات التي تبدو معتدلة الا من حيث أنها تنظيمات لها فعالية الحركة "المنظمة"، وحماس الشباب، وإسراعهم بالقضايا لنهاياتها المحتومة.. فتنظيم جماعة الأخوان المسلمين مثلا، تنظيم نشط في التنفيذ، وفاعل في أقامة جسور التواصل والتحالف والدعم، بين هذه التنظيمات والمؤسسات الإسلامية.. وكل أو جل قيادات التنظيمات الارهابية، من داعش وقاعدة وبوكوحرام، قد كانوا أعضاء نشطين في تنظيم الأخوان المسلمين..
كذلك لا تملك المؤسسات الدينية: كالأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، والجامعات والكليات الإسلامية، ووزارات الشؤون الدينية أجابات وافية تؤكد للشباب، أو حتى تشككهم، في أن ما تقوم به داعش والقاعدة ليس هو الاسلام.. أكثر من ذلك، فإن كل ما تقوم به داعش من تصرفات شائهة وعنيفة يجد سنده في الشريعة الإسلامية.. على سبيل المثال، الحديث النبوي "لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ!" حديث صحيح في أمهات الكتب..وكذلك جواز الاغتيالات السياسية، وقتل من آذي الله ورسوله، حتى أن من يدعو لعدم قتل من يؤذي الله ورسوله، فإنه أيضا كافر، على قاعدة " من لم يكفر الكافر فهو كافر"؛ قال النووي في "روضة الطالبين": "مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ".؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، [آل عمران: 85]".
خلاصة الأمر،أن محاولات الرد على المتطرفين غير ممكنة لرجال الدين ولا للمؤسسات الاسلامية التقليدية ليس فقط لأن "فاقد الشيء لا يعطيه"، ولكن لأنهم هم من أسس، ونشر، ودرس، ودافع عن هذه المواد في مقررات الدراسة وفي الكتب الدينية، وعبر وسائل الإعلام..كذلك فاشل من يحاول دحض حجج التطرف بوسائل المنطق والمعاصرة ومتطلبات الحياة الحديثة إذ أن ذلك يعتبر في ذات نفسه خروجا عن الدين ويستحق الداعون له أشد أنواع العقاب – كالقتل والذبح-- حسب منطق هذا النوع من التفكير التجريدي..
من طليعة الأطروحات التي تخالف الجانبين المذكورين، كتابات المفكر السوداني الأستاذ محمود محمد طه، والذي أسس حركة فكرية واسعة في السودان وكتب أكثر من ثلاثين كتابا.. وعلى خلاف المفكرين الحداثيين فهو يعتمد المصادر الأصلية للإسلام – القرآن والحديث-- وجسد العمل بدعوته في نفسه كما جسده تلاميذه وتلميذاته إلى حد كبير، وكتب تلاميذه أكثر من ثلاثمئة كتاب ومنشور في الفترة (1945-1985)، أما الآن فقد بلغ عدد كتبهم ومقالاتهم الآلاف..
القرآن، عند الأستاذ محمود، به منهجان مختلفان أختلافا جذريا.. منهج مبني على السلام والحرية والمساواة ورد مفصلا في القرآن المكي، ومنهج يأمر بالحرب والوصاية في الحكم، ولا يساوي بين الرجل والمرأة، ولابين المسلم وغير المسلم، كما يسمح بتكاثر رأس المال في القرآن المدني.. هذا لا يمنع وجود بعض التداخلات بين المنهجين؛ هذه الازدواجية في القرآن ظنها المستشرقون "تناقضا" حينما لم يفهموا فكرة المنهجين هذه..
القرآن المكي يدعو إلى أصول الإسلام.. يدعو لاحترام رأي كل ذي رأي "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [النحل: 125] ويدعو إلى الحرية والمساواة في الأديان "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ.. وَلَا أَنَاعَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ.. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ.. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.." [الكافرون: 1-6] ويدعو لمساواة الرجل والمرأة أمام القانون "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.." [البقرة: 228].. كما يدعو للمساواة في توزيع الموارد "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ"، [البقرة: 219] ويدعو للسلام وتعطيل الجهاد "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [البقرة: 256]. الحديث النبوي يقول "لكل شيء قلب وقلب القرآن يس"؛ والعارفون قالوا: "ويس لها قلب، وقلبها "سلام قولا من رب رحيم"..هذه مقتطفات فقط للتدليل المختصر والسريع على منهج القرآن المكي..
أما القرآن المدني فقد نُسخَت فيه الأصول "السلام والحريات والمساواة"، التي نزلت في القرآن المكي، لتحل محلها الفروع.. فرض الجهاد "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ"، [الأنفال: 39]، "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" [الأنفال: 60].. وفرضت وصاية الرجل على المرأة "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم...".. وسمح القرآن المدني بتراكم رأس المال "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا"] التوبة:103 [؛ حيث أن الزكاة هي ربع العشر (2,5 %).. هذه مقتطفات مختصرة تبين منهج القرآن المدني الذي بنيت عليه مفاهيم التنظيمات والمؤسسات الإسلامية التقليدية..
والأستاذ محمود لا يدعو للإنتقال من النص المدني إلى النص المكي، باجتهاد شخصي، أو وفقا لاحتياجات العصر، وإنما مستندا على مصادر القرآن والسنة، ومن ذلك أن النبي جاء بالرسالتين وفصلهما وبينهما بأفعاله وأقواله.. تاريخيا، بدأت رسالة الإسلام بالأصول (وهي السلام والحريات والمساويات) في مجتمع صغير بمكة، ثم عندما فشل المجتمع في تقبل وتطبيق ذلك، هاجر المسلمون للمدينة وتنزلت التعاليم إلى فروع الاسلام (الجهاد والوصاية وتراكم رأس المال) لتوافق حاجة المجتمع البدائي وقتها..
تقوم فكرة الأستاذ محمود على مفهوم "حكم الوقت"، الذى يقرر أن الدين واحد منذ الأزل "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ" [الشورى: 13]؛ والحديث "خير ما جئت به أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله"، بينما تشاريع الأمم تختلف باختلاف حكم الوقت، وحكم الوقت يقوم على مقتضى الزمان والمكان.. فما كان حلالا في شريعة آدم أصبح حراما في شريعة نوح مثلا، وما هو محلل عند موسى لم يعد شريعة عند النبي - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - .. وعليه يدعو الأستاذ محمود للانتقال من نص فرعى فى القران المدنى، كان حكيما مفصلا على حاجة وطاقة المجتمع فى القرن السابع الميلادى فخدم غرضه حتى استنفده، الى نص أصلى فى القران المكى، كان أكبر من طاقة القرن السابع، فنسخ، بمعنى أرجئ للتطبيق مستقبلا، وهو يوافق طاقة وحاجة عصرنا الراهن..
وبذلك يقول إن الجهاد، والوصاية، وعدم المساواة بين المسلم وغير المسلم، وبين الرجل والمرأة، جميعها ساقطة، حيث أن حاجة المجتمع الحديث وطاقته لا تفي بها إلا آيات الأصول (أقرأ: السلام والحريات والمساويات).. منذ بداية الخمسينات، نبه الأستاذ محمود إلى أن حكم الوقت سيفرض الوحدة على البشرية جميعها، ولكن ذلك لن يكون إلا بعد أن تبرز وتفهم الإختلافات.. كتب في عام 1953: "وهذا الكوكب الصغير الذي تعيش فيه الإنسانية وحدة جغرافية، قد ربط تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطا ألغى الزمان، والمكان، إلغاء يكاد يكون تاما، حتى لقد أصبحت جميع أجزاء المعمورة تتجاوب في مدى ساعات معدودات للحدث البسيط يحدث في أي جزء من أجزائه.. يضاف إلى ذلك، أن هذا الكوكب الصغير معمور بإنسانية واحدة، متساوية في أصل الفطرة، وإن تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين.. فينبغي والحالة هذه، بل إنه، في الحقيقة، ضربة لازب، أن تقوم فيه حكومة واحدة، تقيم علائق الأمم على أساس القانون، كما تقيم حكومات الأمم – كل في داخليتها – علائق الأفراد على أساس القانون.. وذلك أمر مستطاع، بل هو أمر لا معدى عنه.. فإن المتتبع لتطور الحياة يعلم جيدا أن مسألة الوحدة العالمية هي نهاية المطاف المحتومة، في أوانها.. على كل حال، مسألة الوحدة مسألة زمن فقط.. وقد كانت عصبة الأمم، عقب الحرب العالمية الأولى، خطوة عملية في هذا الإتجاه.. وها هي هيئة الأمم الحاضرة خطوة أخرى.. ولا يزال، بيننا وبين الحكومة العالمية، خطوات، عديدات، واسعات.."، (لقراءة المزيد يمكن زيارة موقع الفكرة الجمهورية على الانترنت www.alfikra.org).
من الطبيعي والمتوقع حسب "حكم الوقت" أن تبرز الخلافات ويظهر التطرف والعنف حيث أنها تمثل الخطوات المحتومة تجاه التخلص من عوائق أقامة الوحدة العالمية.. أحداث 11 سبتمبر، مثلا، كانت هناك محاولات قبلها وهناك محاولات تمت بعدها، بمعنى أن الحدث كان لا بد أن يتم شكلٌ منه، بصورة من الصور، في حكم الوقت، ولذلك فقد حذر الأستاذ محمود منذ وقت مبكر من الهوس الديني ونوه إلى أنه سيكون خطرا عالميا: ورد في كتاب "الهوس الديني يهدد أمن ووحدة الشعوب" (طبعة 1980): "إن الهوس الديني الذي انطلق من عقاله في البلاد الإسلامية يجب ان يواجه بما يوقفه عند حده، ويكشف زيفه، ويحصن الشعوب ضده، ولذلك فإن أي موقف سلبي تجاه هذا الهوس يعتبر جريمة في حق الإسلام، وفي حق الإنسانية، لا تغتفر.. ولكن يجب أن نعي جيدا أن الردع القانوني وحده لا يكفي لاجتثاث هذا الهوس من جذوره، ولا هو بكاف بتخليص الشباب الواقع تحت تضليله.. وإنما يجب ان يصحب ذلك نشر للفهم الواعي للإسلام، وليس هذا بميسور في (البلاد الإسلامية) الآن.. ولكنه في السودان مبذول، بفضل الله، ثم بفضل الفكر الجمهوري الذي يضطلع دعاته بواجبهم في نشر الوعي الإسلامي، رغم المعوقات التي توضع في طريقهم من قبل أجهزة الإعلام المختلفة"..
فإذا عرفنا أن الأستاذ محمود قد حكم عليه بالردة عن الإسلام ونفذ عليه حكم الإعدام في 18 يناير 1985 فقط بسبب أفكاره هذه، وأن ذلك كان بتدبير الاخوان المسلمين بالسودان وكان بتأييد الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، والجامعات الإسلامية، ووزارة الشؤون الدينية، عرفنا إلى أي مدى أن هذه المؤسسات لا تملك حلا ولا تفهما لمشكلة الإرهاب، وأنها هي نفسها طرف أصيل فيه..

* أستاذ بكلية التربية جامعة الخرطوم، سابقا..
* أستاذ مشارك، معهد اللغات مونتري كاليفورنيا، حاليا..

مصادر
. القرآن الكريم.
. الأستاذ محمود محمد طه (1974) "إعداد الإنسان الحر: خطاب إلى الدكتور توريز بوديت مدير عام منظمة اليونسكو" الكتاب الثاني من سلسلة رسائل ومقالات، الطبعة الأولى، الأخوان الجمهوريون، أمدرمان.
. الأخوان الجمهوريون 1980 الهوس الديني يهدد أمن ووحدة الشعوب، الأخوان الجمهوريون ، أمدرمان.
. النووي،أبو زكريا يحيى بن شرف (1991م /1412ه) روضة الطالبين وعمدة المفتين. المكتب الإسلامي
. البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (1993م/1414ه) صحيح البخاري.دار ابن كثير.
. مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (2006م/1427ه) صحيح مسلم. دار طيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.