47776137-1061-4ec5-9987-0315625ecc58-1024×1024    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    باكستان تجري تجربة إطلاق صاروخ ثانية في ظل التوترات مع الهند    ((آسيا تتكلم سعودي))    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ما هي محظورات الحج للنساء؟    الهلال يعود للتدريبات استعدادًا لمواجهة الشمال    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالفيديو.. قائد لواء البراء بن مالك يهدي الطالبة الحائزة على المركز الأول بامتحانات الشهادة السودانية هدية غالية جداً على نفسه إضافة لهاتف (آيفون 16 برو ماكس) ويعدها بسيارة موديل السنة    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    السعودية تستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا"    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان الشاعر صالح عبدالسيد ابو صلاح .. بقلم: د. محمد عبدالله الريّح
نشر في سودانيل يوم 21 - 02 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
سعدت غاية السعادة وانا اتسلم مسودة ديوان الشاعر المغفور له صالح عبد السيد ( ابو صلاح ) من نجله الاستاذ عبد المنعم ابو صلاح وهو يعبر لي عن رغبة أسرة الشاعر الكريمة بأن اقوم بكتابة مقدمة لديوانه الذى يزمعون نشره . ومصدر سعادتى أن هذا شرف عظيم لى أن اكتب مقدمة لشاعر فى قامة وشموخ ابو صلاح والذى يعادل وحده قبيلة كاملة من الشعراء والمبدعين .
إن رؤى شعر ابو صلاح والاطلاع على قصائده مجتمعة تتيح فرصة نادرة للغوص فى جمالياتها وبدائعها .ولقد تقمصتنى روح الفراشة وانا اتنقل من زهرة الى زهرة فأرتوى من رحيق هذه الحديقة الشعرية الوارفة التى مزاجها من تسنيم .
يقول الاستاذ محمود امين العالم :
العمل الشعرى بأكمله له دلالات أربع : دلالة لغوية ودلالة موسيقية ودلالة بلاغية ودلالة فنية .وهذه الدلالة الاخيرة (الفنية ) هي فى الواقع الثمرة الحقيقية للتعبير .
وتتحقق هذه الدلالة الفنية بمقدار تحقق الارتباط الضروري بين هذه العناصر المكونة جميعاً لهذا العمل الشعرى من كلمات وجمل ودلالات مختلفة.
هذه الصياغة اراحتنى جداً لأنها تتيح لى رؤية شعر ابو صلاح من خلال تلك الدلالات فى اطار بيئته وزمانه الذى ظهر فيه .
لقد امتلك الشاعر ابو صلاح ناصية البيان وخرج منها بمعادلة انتظمت جميع اشعاره ..تلك المعادلة التى حدد اركانها جون كوكتو قائلاً:
( الفن ليس طريقة معقدة لقول اشياء بسيطة ، بل طريقة بسيطة لقول اشياء معقدة ) وليس هناك ابسط من هذه الكلمات التى قالها ابو صلاح فى قصيدته ( جوهر صدر المحافل ) حين يصيغ قانونا ًابدياً فى كلمات شعرية قليلة :
وبحر الشوق ما ليهو ساحل.
كلمات قليلة الا أن إيحاءاتها الشعرية والموسيقية تمسك ببعضها كبلاغ فلسفى ... وهذا بالضبط ما قصده كوكتو عندما وصف الفن بأنه ( طريقة بسيطة لقول اشياء معقدة ) .ولو تأملت فى مسيرة الاغنية السودانية ستجد أن ذات المعنى ورد ولكن بشكل معقد افقده الكثير من اشراقاته الداخلية فمثلاً فى اغنية ( بتروح ما بترجع )
نجد:
وبحار اشواقنا الماليها قيف
والمعروف أن (( القيف )) ينتمى للنهر ولا ينتمى للبحر ولكن الساحل هو الذى ينتمى الى البحر . ثم نجد فى تعبير اخر :
والشوق يطول
ويطول ...
ما ليهو حد
ما ليهو قيف
وكلها لا تحمل تلك الطاقة الشعورية الداخلية مثل:
وبحر الشوق ما ليهو ساحل
تلك سمة رئيسية فى اشعار ابو صلاح ... التعبير الفنى الذى يكاد أن يصبح قولاً مأثوراً لأيجازه ولأحتوائه على طاقة شعورية كامنة للتعبير عن الفرح المطلق أو الحب المطلق ..التعبير عن قمة الشعور الاسمى .
ولكى نصل الى حقيقة تفرد ابو صلاح لا بد من معرفة الظروف التى صاغت بيانه الشعري... ففى تلك الايام التى عاشها ابو صلاح .. كان هناك عدد من فحول الشعر واساطينه امثال الشاعر ابراهيم العبادي ومحمد ودالرضي وسيد عبدالعزيز وعبيد عبدالرحمن وعمر البنا وخليل فرح واحمد حسين العمرابى ومحمد على عبد الله الامى وغيرهم. وكانت الساحة لا تسلم قيادها إلا الى الذين يثبتون مقدرة فائقة فى الابداع الشعرى الغنائى. ووصلت الى ما كان يسمى ( بالمضاربة ) وهى المنافسة فى اعلى درجاتها
يقول الشاعر سيد عبد العزيز فى ذكريات مسجلة :
( فى سنة 1927 ودى الغنوة الأنا دخلت بيها المضاربة وكانت المناسبة – انا كنت فى المضاربةالاولانية ما دخلت... اصدقائي احمد عبد الرحيم العمرى وعبيد عبد الرحمن ومصطفى بطران ومحمد الرضي دخلوا فى المضاربة دي . انا واحمد بنمشى بيوت الالعاب وعمر البنا كان الفنان وأول ما عمر يقول اغنية من اغانى المضاربة القديمة احمد ينفعل ويتشاكل معاهم.. بعدين يوم من الايام جابوا غنوة من صالح (ابو صلاح) بتقول:
فرع البان البرنع يقود
نظم افكارى ولبسن عقود
فيها بيت بقول :
فرع البان المانع اللسان اغزر رمشك نشابو سان
انت تفوقى الحور الحسان وانا كيف لا اغلب زملاى لسان
قام احمد حسين العمرابي قال لى لازم ترد للغنوة دى –
قال لى لازم ترد عشان عندك فنانين وفعلاً انا فى الزمن داك كان عندي كرومة وناس بخيت عمر وناس عبد العال بريمة واحدين فى اب روف وواحدين فى الموردة وواحدين فى برى .
قمت عملت :
فرع البان المال بالزهور
ام دى الحياة وزينة الزهور
وقلت فيها:
ياالاماتو حور بنحر ليك العزال نحور
اما البفوق زملاه البحور دى حسبو نجم السدور
ما سجله الشاعرسيد عبد العزيز يدل على أن تلك الساحة كانت حامية .. ولا يثبت فى حلبتها الا جهابذة الشعراء وقد تحكر الشاعر ابو صلاح فى وسطها فلم يزحزحه عن مكانته أحد وذلك لقدرته الفائقة فى نظم القصيدة والتى امتلك بها زمام المبادرة فى كل مضاربة كانت.. إلى أن اعلنت الهدنة بين الشعراء وتمت المصالحة ولكن الشاهد أن تلك المضاربة كان لها الفضل فى غربلة الساحة من ادعياء الشعر والابداع ولم يبق الا الشعراء الكبارالذين ننهل من ابداعهم والذين صاغوا مزاجنا ووجداننا الفنى والشعرى.
فى ذالك العصر كانت القصيدة ذات منهج وشكل معين وأهم ما كان يميزها هو أنها كانت تعيش حياة غنائية.
لم تكن وظيفة القصيدة أن تكتب لتقرأ.. بل كانت تكتب لتغنى ولهذا جاءت فى شكل لا يصلح للقراءة والهمس جاءت وهى تحمل موسيقاها الداخلية ولحنها المستتر. وكان على عباقرة الفن فى ذلك الوقت امثال كرومة وسرور أن يوصلوا ذلك للجمهور ..
فمثلاً قصيدة مثل ( لحظك الجراح) وهى تعد من درر ابو صلاح ...قصيدة (مغناة) ولا يمكن أن تكون قصيدة تصلح للالقاء الشعرى ... لأن شكلها ومنهجها غنائى:
لحظك الجراح..
ازاى فيه
وفيه الطرب والراح ..
منايا زهرة الافراح..
للقلوب شراح
مبتعد شى عجيب مسجون وعنده سراح
بى ضاق الكون
لا اجد لو براح منى فارق وشال نوم عيوني وراح
عمرى اضحى مباح فى الغرام لا اقصد غير لقاك ارتاح
وهكذا...
كما إن الطاقة النغمية المنتشرة على نطاق مثل هذا الغناء نجدها تثير فى الشاعر نفسه وفى شعراء اخرين الرغبة فى مجاراتها على نحو ما
فنجد ابو صلاح ياتى بمثل هذا التنغيم الشعرى فى قصيدة اخرى تقول كلماتها :
الطريف الشايل سيف رمش جراح
نما فى در الفاطر والمسك والراح
جفنى مالك ساهر وين منامك راح
شوقى يصبح زايد وجدى ماله براح
يا بليب طيبة يالهزار الفاح
ليك اصير متشكر لو تعيرنى جناح
وقد طرق الشاعر سيد عبد العزيز هذه المعانى فى قصيدته التى مطلعها :
مسوا نوركم وشوفوا
المن جبينا صباح
الصباح إن لاح
لا فايدة فى المصباح
الى أن يقول فى شى يشبه وقع الحافر على الحافر
اشتكيت للقمرى
لو يعيرنى جناح
ويستمر هذا النغم الآسر يشد اشعار الشعراء فنجد فى قصيدة اخرى :
هات لينا صباح
يطلع الفجر
يخجل المصباح
....
الغرام شراح
للصدور لكن
للقلوب جراح
حبيبى ...
قالوا اهل الحب
فى الزمان الراح
نشوة الاشواق
احلى من الراح
فى جميع الاشعار التى نبتت فى تلك البيئة الابداعية نجد أن المعانى قد تتكرر فى قصيدة واحدة او فى عدة قصائد ولكن بتشكيل مختلف ... وهذا فى منظور الدراسات البنيوية تعتبر (بني مفتوحة متوازية ذات طبيعة تكرارية تكمن وظيفتها فى تكثيف التجربة الشعورية او الرؤية الجوهرية فى القصيدة)
ويعتبر (بارت) أن الادب او فى هذا المجال الشعر الغنائي يحيل بعضه الى بعض ويحاكى بعضه بعضاً ويرجعه فى عملية إجترارية متصلة فمثلاً تجد عند ابو صلاح :
خلى العيش حرام ما دام أرى الموت يحل
ما بين الرميش فوق الطريف الكحيل
أو :
طرفو سيف يتلامع قبال الوتر والقوس والنبال
لو يصادف شم الجبال باللحاظ فى الحال قلقلا
أو :
فوق الجمال وقلنا وصابنا رمش العين
شفنا السيوف تتجرد من عيون واسعين
أو :
إذا ادار لحظو على جبل دكالو
ولو بسم انزل دمع السحاب أبكالو
أو :
صابنى سيف لحظك والطريف نعسان
ليك رشرش قاطع جندل الفرسان
أو :
من حيو السباع تنتر ومن رمشو السهم فاطر
سيف يسحب لى سيف لحظو واخر بالسلاح غافر
ونجد عند ابو صلاح أيضاً :
حبك يمزج اعضاي اجمالي لو كنت يمين يهواك شمالي
ثم نجد :
حواسي تحسد نظري لحسنكم تطمين
وشمالي تاخدو الغيرة إذا جلست يمين
فى ذلك العصر وفى تلك الحقبة التى نطلق عليها فترة حقيبة الفن كان جميع الشعراء يتداولون مصطلحات محدودة وهى المناطق التى تثير الشعور بأحساس جمالى عند الشعراء وذلك عندما يتطرقون لوصف المرأة .. كلمات مثل الطرف والخدود والوضيب (الشعر) الديس ويقصد به الشعر أيضاً والارداف والضمير والصدر او الصدير – الكتف او الكتيف – الرشرش – العين المقل –الفاطر – الفاه – الشفايف الخ هذه النقاط الملهبة للشعور... ويتكرر ورود هذه (الثيمات) فى العديد من القصائد بأشكال مختلفة ودرجات شعورية متفاوته.. وهنا ياتى دور الغناء والموسيقى الداخلية للقصيدة لأستيعاب تلك المعانى المتكررة فى احداث اثر وجدانى جديد.
لقد اخذ بعض المهتمين بدراسة هذه الحقبة على هذه القصائد وصفها الحسي الدقيق وعدوه عيباً ينقص من قدرها الفني ... لانها حولت المرأة الى نقاط حسية ملتهبة تثير الشهوة ولاترتفع الى شرفات السمو والطهر ... ولكن الذى يتمعن فى ذلك الشعر يجد إن الشعراء يلجأون الى الوصف الحسى ليصلوا الى قيمة عاطفية راقية ... أى تصوير الحب والصبابة تصويراً معنوياً يرتفع به من أرضية وصف العاطفة المجردة الى القيمة المطلقة ويتجلى هذا فى معظم قصائد ابو صلاح .. فمثلاً :
شعرو حاكا الغيم حاجبو هلالو فر بسمو نغيم والبروق لالو
مافى مانع لو قتلي حلالو افدي جوز تفاح صدرو لولالو
الوصف الحسى هنا يقود الى النزوع الى الاعلى الى الاكمل الى القبول بالموت الى الارتفاع للفداء ... وتلك قيم مطلقة ... وإذا رجعنا الى الشعر الجاهلى وكمثال توقفنا عند قول الاعشى :
هر كولة فنق درم مرافقها
ثم
تمشى الهوينا كما يمشي الوجي الوحل ..
هذه صورة لأمرأة لا تعيش الا فى خيال الشاعر ولاتوجد في دنيا الواقع .. اذ أن المعروف أن نساء الجاهلية ونسبة لنمط الحياة التي اعتدن عليها التى تتطلب من المرأة أن تعمل وتتحرك وليس لديها وقت للراحة ، كن نساء رشيقات القوام ، رفيعات الاجسام ولاتوجد بينهن الهركوكة الفنق الدرم مرافقها والتى تمشى الهوينا كما يمشى الوجى الوحل ... ولكن الشاعر كان يصور تلك الاشواق الى الصورة المثالية للمرأة ، ذلك العنصر المفقود الذى يعيش حياة خاصة داخل قوافى وأوزان الشعراء وكذلك نجد عند شعراء الحقيبة ذلك التصوير الفنى الرفيع الذى يرسم شخصيات هى فى النهاية تجسيد بالكلمات للصورة المثلى للمرأة فى ذلك العصر ...كما فى (موفورة النفل ) للشاعر محمد ود الرضى:
يا موفورة النفل الهيبة الكست الحفل
فيقول:
النافر نافر قدل يمشي خطوة الريل أو أقل
في الأرداف رم الجدل شفنا الجور والعدل
مثل ذلك الوصف ولعدم وجود كميرات تصوير فيديو وفيديو كليب فإنه يقوم مقام تلك الكميرات التي تفعل فعلها في الفضائيات اليوم.
وابو صلاح كشاعر اعتاد أن يلتزم لزوم ما لا يلزم فى قصائده مدلاً على قدرته وسعة ادواته التعبيرية فنجد فى كثير من الاحيان أن القافية تتكون من ثلاثة حروف بالاضافة لحرف الروي الذى تلقي فيه القافية بعض ترحالها ... فمثلاً فى اغنية (يارشا يا كحيل) تجد الكوبليه الاول يعكس تلك القدرة الفائقة للشاعر ابو صلاح فتزدوج القافية فى صدر البيت وفى عجزه كالتالى :
يا الأمرضنى وما طباني فى خديدك يلوح نور رباني
نيران اشواقك لاهباني واسهام الحاظك ناشباني
ومن ضمن الحالة التاعباني مهضوم كشحك صدرك باني
يتهادى يميل خصرك باني
فنجد أن كلمة (باني ) التى تتكون من ثلاثة حروف بالاضافة الى حرف الروى تتردد فى المقاطع السبعة التي ينتهي بها الكوبليه الاول وكل كلمة لها دلالاتها اللغوية والموسيقية مثل:
طباني، رباني ، لاهباني ، ناشباني ، التاعباني ، باني . (لزوم ما لا يلزم).
إن لغة الشعر ومفرداته عند ابو صلاح لغة طيعة سلسة القياد تنتظم كل كلمة فى مكانها وكأنها قد وضعت له وحده.
وهذا التفرد فى القدرة الابداعية هو سمة من سمات اشعارابو صلاح المتعددة الوجوه والاغراض حتى فى اشعاره فى ( المديح ) أو اشعاره التى كان يجاري فيها الشيخ عبد الرحيم البرعي أو ابن الفارض فى تناوله للدوبيت ... إنه يقيم علاقة جدلية بين الشكل والمضمون يكون ناتجها شعراًغنائياً رائعاً فى اعلى درجات الكمال الفنى .
وهذه فقط اضاءة سريعة لشعر متفرد لشاعر متفرد امتلك ناصية هذا الفن فترك بصماته الواضحة الى يومنا هذا فاصبح إنتاجه الابداعى صوت الفن الغنائى السوداني على مر العصور . ويحتاج الى دراسة اوسع تاخذ فى اعتبارها جماليات تلك القصائد مقارنة لها بالقصائد الشبيهة فى عصرها وتأثيراتها على فضاء الفن سابقاً ولاحقاً.
د. محمد عبدالله الريّح

حاشية طريفة:

في القصيدة التي أشرت لها (يا رشا يا كحيل ) هناك يختم الشاعر كوبليه بكلمة (يا بستاني) ولكن أحد المستمعين صاح مستنكراً : ( يبوس تاني؟ هم في الأول خلوه يبوس ليه... عشان يجي يبوس تاني؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.