تمر علينا هذه الايام الذكرى المئوية لأستشهاد السلطان على دينار بن زكريا بن السلطان محمد الفضل بن السلطان عبدالرحمن الرشيد، الملقب بعلي دينار (القوي الذي لا يصارع والحار في تعامله) لأنه لم يرمه أحد من أنداده على الأرض منذ صغره، سواء على مستوى المصارعة العادية للأطفال أو التدريب على المبارزة. ولد السلطان على دينار بقرية شاواية بالقرب من الملم (جنوب غرب الفاشر) عام 1864م، وشكلت الاحداث الرهيبة لمعركة منواشي التي أُستشهد فيها السلطان ابراهيم قرض ، شخصيته حيث شارك في عمليات جهادية منواصلة وهو ما يزال صبيا. حفظ السلطان على دينار القران في صباه الباكر وتولي قيادة الفور ونُودي به سلطانا عليهم وهو لم يزل يافعا. قرر السلطان على دينار اللجوء الى العمل السياسي لاسترداد السلطة بعد ان حصدت الحروب ستة من سلاطين الفور وآلآف من الابرياء، خاطب أمير المهدية على دارفور الامير محمود ود احمد راغبا في محاورته حقنا للدماء التي أوريقت. وحطت رحال السلطان على دينار بالفاشر في 13 اكتوبر 1891م، فشمله عفو الخليفة عبدالله الذي طلب منه التعاون مع عامله عبدالقادر ود دليل. لكن العلاقة بينهما ساءت وزُج به في السجن فتدخل محمود ود احمد وطلب اخراجه من السجن وارساله الى الابيض. ومن الابيض ذهب السلطان على دينار مع محمود ود احمد الى ام درمان وكان في صحبته عددا من خاصة رجاله وابقى على عدد منهم في دارفور سعيا منه الى اي عمل يؤدي الى الاستقرار والامن. شارك على دينار بصفته قائدا عسكريا فذا في عدد من حروب المهدية ولا سيما جنوب كردفان. بعد هزيمة الانصار في كرري ، خرج على دينار ومعه عدد غفير من اتباعه من امدرمان وعلى علم الخليفة الذي أوصاه على جمع كلمة قبائل دارفور تحت يده وعدم التفريط في ذلك. وعند وصوله الى دارفور، كانت أولى اهتماماته إعادة الأمن والاستقرار وبسط سلطة الدولة، حيث استأنف الحركة العملية وإعاد فتح رواق دارفور في الازهر الشريف وكاتب مدير جامعة القيروان بقبول طلاب العلم من دارفور، وإعاد فتح الخلاوي وبنى العديد من المساجد وجدد بعضها التي اصابها الدمار ايام الحرب كما استأنف العمل في تعدين النحاس في حفرة النحاس بجنوب دارفور واستحدث طريقة عملية لإختزال اكاسيد النحاس وازدهر تعدين الحديد والتوسع الزراعي باستخدام الآلات بدلا من العمل اليدوي لتأمين القوت بالبلاد، وتوفير الملبس من زراعة القطن، كما عمد الى صك العملة الوطنية وتحديث الاقتصاد وتنويعه، بجانب ذلك اتجه الى الفن المعماري وشجع الرعية على بناء منازلهم من الطين بدلا من القش وذلك تفاديا لخطر الحرائق وبنى قصرا رئاسيا والذي تم افتتاحه في عام 1912م الذي اصبح ملتقى للسفارات والاتصالات بالعالم الخارجي. كان على دينار تقيا وورعا، وكان يصوم الجمعة والاثنين من كل اسبوع، وتميزت سلطنته بالمنحى الصوفي الزاهد الى الله وإحياء سيرة السلف الصالح وليالي الذكر والذاكرين ولاسيما في رمضان. واوقف الاوقاف في الحجاز خدمة للحجيج، وحفر ابار على ما بين المدينة ومكة وقفا لشرب حجاج بيت الله الحرام وارسل المحمل لكسوة الكعبة المشرفة. أما في المجال الحربي فقد عمل السلطان على دينار على تحديث صناعة بعض الاسلحة النارية وإعداد الذخائر بملء الظروف الفارغة المستوردة بالبارود، ونظم جيشه وفقا للتنظيمات العسكرية الحديثة المتعارفة عليها، وكانت له فرقة غنائية ونحاسية (موسيقى عسكرية) تقدم اعمال الجلالات العسكرية والتي ما زال الجيش السوداني يرددها " لا إله إلا الله محمد يا رسول الله، والاخر:دائم دائم الله، دائم كريم الله". كما اخمد كل حركات التمرد التي ثارت في دارفور بعد توليه الحكم من خلال سياسته الصارمة التي هدفت الى المحافظة على الامن والاستقرار. لم تكن الحكومة الاستعمارية في الخرطوم راغبة في توريط نفسها في صراع مع السلطان على دينار بسبب عدم توفر المال والرجال ووعورة الطريق ولا مواصلات تعينها على غزو دارفور المتمردة القصية، ومن ثم اثرت الاذعان الى توصيات اللورد كرومر، المندوب البريطاني السامي في القاهرة، حيث ارشدها على قبول السلطان على دينار سلطانا على دارفور، شريطة ان يعلن ولاءه التام الى سيادة الحكومة برفع العلمين على سرايا قصره بالفاشر، ويدفع جزية سنوية تقدر بخمسمائة جنيه استرليني، وذلك تعبيرا عن ولائه المشكوك في أمره. يبدو ان السلطان علي دينار قد تعامل مع هذا الواقع بوعي سياسي متقدم، يقضي بابقاء شعرة معاوية موصولة بينه وبين صناع القرار السياسي في الخرطوم، ولذا لم يسمح لأي مسئول حكومي بزيارة الفاشر، ولم يشد الرحال الى الخرطوم بغية تلقي النصح على موقفه الغامض. قبيل الحرب العالمية الاولي، بدأت العلاقات تتوتر بين السلطان على دينار وحكومة السودان، وفي هذا الجو المشحون بالترغب والحذر، ارسل ونجت باشا خطابا يخطر فيه السلطان على دينار بإندلاع الحرب ضد المانيا ويحثه على وقوفه صفا في جانب الحلفاء. في هذه الاثناء، بدأ السلطان إتصالاته بالخليفة العثماني في استانبول والشيخ محمد المهدي السنوسي في جنوب (ليبيا). واعلن السلطان انحيازه ووقوفه الى جانب السلطان العثماني ودول المحور في الحرب مما اثار الحاكم العام وحرك حملة للقضاء عليه. ودارت عدة معارك، بدأت من منطقة جبل الحلة وانتهاءا بالمعركة الحاسمة في منطقة برنجية والتي عرفت (بسيلى – على بعد 23 كليومتر شمال من مدينة الفاشر ) لكثرة ما سال فيها من دماء، فقد سطر ابناء دارفور ملحمة سودانية باسلة، قدموا ما يزيد على اربعة آلآف شهيد دفاعا عن العقيدة والكرامة. وانتهت المعركة بهزيمة جيش السلطان على دينار وتحرك ومعه جماعة من اتباعه غربا نحو جبل مرة ليعد لجولة اخرى ضد الغزاة الانجليز وكانت تسعى خلفه قوات العدو حتى كان استشهاده عقب صلاة الفجر في 6 نوفمبر 1916م حيث كان يؤم المصلين من اتباعه في منطقة كولمي، قرب جبل جباه – جوار زاري وقابا وأرولا في محافظة وادي صالح التي عاصمتها مدينة قارسيلا. ولا يزال قبره هناك يرتاده اهل السودان تعبيرا عن دوره البطولي وأستشهاده دفاعا عن الوطن والعقيدة. العقاد الحاج ادم مترجم/ استاذ جامعي الإمارات العربية المتحدة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.