زي جديد تريعة البجا جبل اولياء    الخبير محمد صالح وداعة :حتى لا تظلمو اللجنة الفنية بالاولمبية لم نجتمع بخصوص التضامن والمشاورات اقرب للشخصية    الوكيل بوزارة الشباب والرياضة الاتحادية:دكتور حمد النيل :تم تقليص البعثة من (83) الى (45) فرد والسباحة كانت ضمن الاتحادات المختارة ولكن !    إيطاليا إلى الملحق والنرويج تتأهل    قوات السجون تنظم دورة تدريبية للعاملين في مجال سجلات النزلاء لقوات السجون ولاية الخرطوم    انسحابات للجيش في مناطق بالسودان..خبير عسكري يكشف تفاصيل    حملة بقيادة القائد محمد نور جربو وقادة منطقة الكدرو العسكرية    ابراهيم شقلاوي يكتب: المكتبة الوطنية .. جدلية الحرب والوعي    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بنزيما متردد بشأن مستقبله مع الاتحاد    الخرطوم تقرر ترحيل مواقف المواصلات بصينية السوق المركزي    شاهد بالفيديو.. قوات درع السودان بقيادة "كيكل" تسيطر على مدينة "بارا" و "الدراعة" يرسلون رسائل شديدة اللهجة ويتوعدون "الدعامة"    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان الصاعد "يوسف مدني" يواصل إبداعه في تقليد المطربة إنصاف مدني بأغنية "الزول دا ما دايره"    شاهد بالفيديو.. أحد أقارب الممثل مؤيد جمال يفتح النار على الكوميديان عوض شكسبير ويتهمه بإرسال جنجويد لمؤيد من أجل تهديده والتحقيق معه    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    شاهد.. ناشطة الدعم السريع الشهيرة "أم أشواق" تنهار من البكاء وتعلن تخليها عن "القضية" ومساندة المليشيا    إسرائيل تكشف رسميا عن خطتها على حدود مصر    "خسرنا بالسحر".. مدرب نيجيريا يتهم الكونغو بممارسة "الفودو"    خالد عمر: تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لا تتعارض مع "الرباعية"    الملك فيصل العجب    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    عزمي عبد الرازق يكتب: كامل إدريس .. هل فشل في المهمة؟    زيدان يقترب من تحقيق حلمه    روسيا.. سجن إماراتي 6 سنوات بتهمة محاولة تهريب صقور مهددة بالانقراض    الأولى منذ 7 سنوات.. محمد بن سليمان إلى واشنطن    أمم إفريقيا أول خطوات ليفربول لإبعاد صلاح    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    ضربة روسية قوية بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة في أوكرانيا    الالعاب الإلكترونية… مستقبل الشباب في العصر الرقمي    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفيسور حسن مكي: مشروع علي دينار في مقاومة الإستعمار
نشر في النيلين يوم 22 - 11 - 2014

لعل علي دينار من أواخر حكام العالم الإسلامي الذين قاوموا الزحف الاستعماري ، واستخدم في ذلك مهاراته السياسية والدبلوماسية والعسكرية, ولكن في النهاية ابتلعه المد الإستعماري في ظروف الحرب العالمية الثانية – والدراسات عن تجربة ومشروع علي دينار شحيحة ، أذكر منها دراسة البروفيسور / سيداحمد العقيد ثم مقالات هنا وهناك – ولكن هنا أستعرض دراسة ثيوبولد A.B.Theobold وهي بعنوان "علي دينار " آخر سلطان في دارفور 1898 / 1916
Ali Dinar , Last Sultan of Darfur 1898 – 1916 الصادرة من دار نشر Longman 1965
ولثيوبولد له عدة كتب عن السودان وكغيره من الذين عملوا في جهاز الخدمة البريطانية ختموا حياتهم ، بتسجيل تجاربهم ، وقد رأيت لكتابه عن علي دينار ترجمة قبل سنوات ولكن لا أدري هل رأت النور ككتاب مطبوع أم لا ؟
ربما ولد علي دينار بين عامي 1865 – 1870 وكان ظهوره الأول في دارفور وهو صبي مع خاله أبوالخيرات في ظروف ما بعد الغاء الزبير باشا بعد معركة منواشي لسلطنة دارفور وضمها للسودان المصري في عام 1874 في عهد الخديوي إسماعيل ، وقتل أبوالخيرات في ثورة أبوجميزة بالقرب من زالنجي وأصبح الأمير علي دينار بذلك الوريث المطالب بعرش دارفور إبتداء من عام1890 وكان عمره في حدود25 عاما. وبما أن السودان أصبح تحت حكم الخليفة عبدالله ، فقد طلب منه ممثل الخليفة عبدالله ، محمود ود أحمد أن يعلن ولاءه للمهدية ويأتي للفاشر ولكنه كان يتملص بشتى الأعذار ، إذ كان يخشى مصير أعوان المهدي الذي سجنهم أو قتلهم الخليفة كمحمد خالد زغل ، والشيخ على مابو والشيخ الزهراء وشيوخ الكبابيش والهواير والعبابدة والشايقية والشكرية والجعليين والأشراف ولكنه في النهاية سلم أمره لله وذهب في 3 أكتوبر 1891م مستسلما للفاشر وعمره حوالي 26 عاما ومعه 40 طبنجة و7 من الخيل ومن بعدها للخليفة في أم درمان ، وهكذا فقد دخل المهدية مرغما وليس عن اختيار .
قضى علي دينار طفولته وصباه في ظروف صعبة ، فهو ابن العائلة المالكة التي أصبحت لاجئة ونازحة في بيئة دارفور الصعبة ، ومعظم السكان يعيشون على حافة الفقر والضروريات ووسط تقلبات وفوضى بين القبائل المحلية المقيمة والقبائل الوافدة والقبائل شبه الرحل ومابين هذه القبائل من الصراع والحروب على الماء والمراعي والسلطة .
ينحدر الفور حسب رواياتهم من عرب بني هلال وانتشر الإسلام وسطهم في الحقبة السلميانية " سليمان سولونج 1640 م . وهناك إشارات لوجود آثار مسيحية تدل على تأثر دارفور بممالك النوبة النيلية المسيحية ، دخل الزبير باشا دارفور عام 1874 وإن ظلت مناطق جبل مرة التي لجأ إليها علي دينار تحت حكامها من الفور شبه مستقلة ، ثم أصبح النمساوي سلاطين باشا حاكما عليها وكان عمره 36 عاما فقط وحكمها لمدة عشر سنوات إلى ان وقع في الأسر المهدوي 1884 وعمره 39 عاما , وحتى ونجت الذي حاول إنقاذ غردون كان عمره في الحملة 23 عاما وأصبح حاكما عاما على السودان وعمره 38 عاما.
وفي أم درمان وتحت قبضة حكم الخليفة ، تعرف علي دينار على سلاطين باشا وأصبح صديقا له، وكلاهما له تصفية حسابات مع المهدية ، دينار يريد الرجوع لحوش آبائه وسلاطين كذلك كان جالسا على هذا العرش بإسم الخديوية ، وما أن لاحت فرصة العودة لاستعادة عرش أجداده ، في ظروف معركة كرري ، ولى علي دينار مع ثلة من خلصائه وجهة صوب دارفور ، وفي دارفور اتخذ الفاشر عاصمة – وسرعان ما دخل في حروبات ضد المعاليا والزيادية والرتي والرزيقات والكبابيش وأسر المئات وصادر الأنعام والمحاصيل وفرض الأتاوات وابتداء من أغسطس 1951م أصبح قبلة للقادة المهدويين الرافضين لحكم كتشنر ، فجاء إليه سجناء الرجاف من قبل الخليفة محمد خالد زنقل وعثمان أبو قرجة وعربي دفع الله حاكم الرجاف ومعه ستمائة مقاتل بكامل عدتهم .
سعى علي دينار لأن يبني علاقات مع السلطات الإنجليزية الغازية في الخرطوم ويلعب على التوازنات حتى لايدخل في مواجهات مع الإنجليز في السودان أو الفرنسيين في وداي وتشاد الحالية . كان يعتذر عن استقبال أي مسؤول إنجليزي بشتى الأعذار ، ولذلك لم تطأ رجل مسؤول إنجليزي الفاشر في حقبته ، كما كان متوجسا من السنوسية وحينما أستأذنه الأستاذ محمد المهدي السنوسي للحج عبر دارفور في عام 1905م اعتذر عن ذلك لأن بلاده غير آمنة ولكن ظلت علاقاته مفتوحة ، وكان يستورد منهم السلاح.
نجح علي دينار في حمل الإدارة البريطانية على تبني أجندتها القائمة على إبعاد فرنسا من دارفور والتقى في عام 1910 بسلاطين ممثل حكومة السودان بالقائم بأعمال سفارة فرنسا في القاهرة واتفقا على تهدئة بين فرنسا وعلي دينار وألا تهاجم فرنسا قبائل التاما والمساليت وأن لا يقوم علي دينار بإيواء الفارين من سلاطين وداي الذين رفضوا الإنصياع للإستعمار الفرنسي .
ولكن لم يلتزم الفرنسيون بالهدنة واشتعلت الحرب مرة أخرى بين المساليت وفرنسا وقتل الفرنسيون السلطان تاج الدين في 9 نوفمبر 1910 بعد معارك ضارية كما اعتقلت القوات الفرنسية قادة المقاومة كدود مرة ، واغتالت ناظر الزغاوة وأصبح ثلث دار المساليت في يد الفرنسيين بالإضافة إلي دار قمر وسيبلا وتاما . ولعل ما حدث في دارفور في بدايات القرن الماضي يعيد نفسه في أوعية جديدة من حروب أهلية وتدخلات دولية لها جذورها وحتى لا نثقل على القاريء نكتفي بهذا ونواصل في الحلقة القادمة.
قلت في الحلقة الماضية: لعل علي دينار من أواخر حكام العالم الإسلامي الذين قاوموا الزحف الاستعماري ، واستخدم في ذلك مهاراته السياسية والدبلوماسية والعسكرية, ولكن في النهاية ابتلعه المد الإستعماري في ظروف الحرب العالمية الثانية – والدراسات عن تجربة ومشروع علي دينار شحيحة ، أذكر منها دراسة البروفيسور / سيداحمد العقيد ثم مقالات هنا وهناك – ولكن هنا أستعرض دراسة ثيوبولد A.B.Theobold وهي بعنوان "علي دينار " آخر سلطان في دارفور 1898 / 1916 Ali Dinar , Last Sultan of Darfur 1898 – 1916 الصادرة من دار نشر Longman 1965 ولثيوبولد له عدة كتب عن السودان وكغيره من الذين عملوا في جهاز الخدمة البريطانية ختموا حياتهم ، بتسجيل تجاربهم ، وقد رأيت لكتابه عن علي دينار ترجمة قبل سنوات ولكن لا أدري هل رأت النور ككتاب مطبوع أم لا ؟
وأشرت إلى أ، علي دينار نجح في حمل الإدارة البريطانية على تبني أجندتها القائمة على إبعاد فرنسا من دارفور والتقى في عام 1910 بسلاطين ممثل حكومة السودان بالقائم بأعمال سفارة فرنسا في القاهرة واتفقا على تهدئة بين فرنسا وعلي دينار وألا تهاجم فرنسا قبائل التاما والمساليت وأن لا يقوم علي دينار بإيواء الفارين من سلاطين وداي الذين رفضوا الإنصياع للإستعمار الفرنسي .
ولكن لم يلتزم الفرنسيون بالهدنة واشتعلت الحرب مرة أخرى بين المساليت وفرنسا وقتل الفرنسيون السلطان تاج الدين في 9 نوفمبر 1910 بعد معارك ضارية كما اعتقلت القوات الفرنسية قادة المقاومة كدود مرة ، واغتالت ناظر الزغاوة وأصبح ثلث دار المساليت في يد الفرنسيين بالإضافة إلي دار قمر وسيبلا وتاما . ولعل ما حدث في دارفور في بدايات القرن الماضي يعيد نفسه في أوعية جديدة من حروب أهلية وتدخلات دولية لها جذورها .ونواصل في هذه الحلقة ما انقطع من حديث .
عن كتاب of Dur For Theo bold :Lat Sultan كما ذكرنا، فإن علي دينار كان لا يتجاوز الثامنة من عمره، حينما أصبح لاجئاً مطاردًا – مثلت مثل السيد/ عبد الرحمن المهدي بعد القضاء على المهدية، وعلي دينار بعد قضاء الزبير باشا على سلطنة دارفور في عام 1874م، ثم بعد سيطرة المهدويين على دارفور جاء على دينار إلى أم درمان لمبايعة خليفة المهدي وعمره حوالي 23 عاماً في عام 1890م، ثم ما لبث أن نجح في استعادة ملك أجداده بعد معركة كرري، وكان عمره حينها 33 عاماً، ونجح في بسط سيطرته على دارفور على الرغم من مقاومة قبائل الرزيقات وبني هلبة والزيادية والبرتي والمعاليا وغيرهم لحكمه .
وأنهكت حروب دارفور علي دينار واضطرته لمهادنة الإنجليز وكان يدفع لهم إتاوة سنوية حتى يتركوه وشأنه، ثم ما لبثت دارفور أن تعرضت لهجمات الفرنسيين والتي امتصها المساليت وذهب في حروبها السلطان تاج الدين شهيداً. واشتكى السلطان على دينار للسلطات البريطانية عدوان الفرنسيين واقترحت الحكومة البريطانية على الحكومة الفرنسية التحكيم الدولي لحسم تبعية دار تاما والمساليت والقمر لوداي أو دارفور، ولكن قبل أن تكتمل إجراءات ذلك، انفجرت الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914م بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والمحور ألمانيا وتركيا .
بينما كانت بريطانيا مشغولة بخصميها ألمانيا وتركيا، كان علي دينار مشغولاً بحروب دارفور حيث مثل الرزيقات الخصم الرئيسي له وكان على دينار مصممًا على تدمير الرزيقات وغزاهم وسباهم عدة مرات. ولم يخلُ علي دينار من آفات العقل السوداني، أي الشعوذة، حيث كان خائفًا من السحرة المحليين وأصحاب الطلسم والعمل، وأطاح بأحد قواده لهذا السبب كما كان علي دينار متشككاً في نوايا الحكومة البريطانية، بينما كانت الحكومة البريطانية حريصة على الاحتفاظ بشعرة معاوية وكسب ولائه.
ودرج علي دينار على إرسال مبلغ خمسمائة جنيه سنوياً للإدارة البريطانية وكان يدفعها على شكل عاج وأبقار وأنعام وأحياناً نمور وقرون وحيد قرن وحراب وآنية فضية. ونجح علي دينار في تصنيع الذخيرة وضرب عملته الخاصة، بينما كانت الإدارة البريطانية ترسل له الأقلام والدفاتر وبنادق صيد الفيل والحبر والطبول ولوازمها.
وكان من مهددات دولة علي دينار الفكي الحصيني الذي تدثر براية المهدية في كبكابية وفشل علي دينار في اختراقها وظلت هذه الدولة قائمة لمدة عشر سنوات في كبكابية بعد سقوط المهدية .
بدأت لهجة خطابات علي دينار تتغير تجاه الإدارة الإنجليزية مع إعلان الحرب العالمية ودخول بريطانيا وفرنسا الحرب ضد تركيا وألمانيا، وسعى الحاكم العام البريطاني لاختبار ولائه، حيث قام بإرسال سفر الولاء الذي مهره السيدان علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والسيد الشريف الهندي، ولكن كان رد علي دينار حمَّال أوجه، حيث ذكر بأن شرفها لهم وهو ليس مسؤولاً عن مشاعرهم وولائهم للإنجليز واتهم الإنجليز بأنهم غيروا وبدلوا في الإسلام وأن الله سيحكم بينه وبينهم . نكتفي بهذا ونواصل في الحلقة القادمة.
قلت في الحلقة الماضية: بينما كانت بريطانيا مشغولة بخصميها ألمانيا وتركيا، كان علي دينار مشغولاً بحروب دارفور حيث مثل الرزيقات الخصم الرئيسي له وكان على دينار مصممًا على تدمير الرزيقات وغزاهم وسباهم عدة مرات. كما كان علي دينار متشككاً في نوايا الحكومة البريطانية، بينما كانت الحكومة البريطانية حريصة على الاحتفاظ بشعرة معاوية وكسب ولائه.
وأشرت إلى أن علي دينار درج على إرسال مبلغ خمسمائة جنيه سنوياً للإدارة البريطانية وكان يدفعها على شكل عاج وأبقار وأنعام وأحياناً نمور وقرون وحيد قرن وحراب وآنية فضية. ونجح علي دينار في تصنيع الذخيرة وضرب عملته الخاصة، بينما كانت الإدارة البريطانية ترسل له الأقلام والدفاتر وبنادق صيد الفيل والحبر والطبول ولوازمها.
وكان من مهددات دولة علي دينار الفكي الحصيني الذي تدثر براية المهدية في كبكابية وفشل علي دينار في اختراقها وظلت هذه الدولة قائمة لمدة عشر سنوات في كبكابية بعد سقوط المهدية .
وقلت إن لهجة خطابات علي دينار بدأت تتغير تجاه الإدارة الإنجليزية مع إعلان الحرب العالمية ودخول بريطانيا وفرنسا الحرب ضد تركيا وألمانيا، وسعى الحاكم العام البريطاني لاختبار ولائه، حيث قام بإرسال سفر الولاء الذي مهره السيدان علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والسيد الشريف الهندي، ولكن كان رد علي دينار حمَّال أوجه، حيث ذكر بأن شرفها لهم وهو ليس مسؤولاً عن مشاعرهم وولائهم للإنجليز واتهم الإنجليز بأنهم غيروا وبدلوا في الإسلام وأن الله سيحكم بينه وبينهم .نواصل في هذه الحلقة بقية الحديث.
في 3 فبراير 1915م، كتب وزير الحربية التركي أنفر باشا Enver خطاباً طويلاً لعلي دينار، مجّده فيه ثم دعاه للثورة على بريطانيا والانضمام للكفاح المسلح ضد الكفار، وكتب كذلك علي دينار خطابًا مطولاً للسيد علي الميرغني يحكي فيه تظلّمه ويبث شكواه من الإدارة البريطانية في السودان .
أصبح هناك هاجس قوي وسط الحكم الإنجليزي بخطورة انقلاب علي دينار وأن يصير مهديًا جديداً في تلك الأصقاع النائية، بل وتوقع ناظر الكبابيش علي التوم ذلك، هنا رسمت الإدارة البريطانيا خطوطًا جديدة للتعامل مع علي دينار ومناهضة دعواه ودعاياته الدينية ضد الإدارة الاستعمارية. وأخذت الإدارة البريطانية في الظهور بمظهر المنقذ والمخلص لشعوب دارفور من جور السلطان واضطهاده، كما وثقت الحكومة من علاقاتها وتحالفاتها مع القبائل العربية المعادية لعلي دينار مثل الرزيقات والهبانية وبني هلبة والبقارة والرزيقات والكبابيش، بينما اتجهت الإدارة البريطانية لخصوم علي دينار، اتجه علي دينار للسنوسية وراسل الدولة العثمانية.
كتب علي دينار في عام 1916م للشريف يوسف الهندي، قائلاً إن السلطان محمد رشاد الدين وأولاد السنوسي أرسلوا له ما يفيد بانتصاراتهم على الإيطاليين وأمدوه بالسلاح والأسرى كما كتب للسيد أحمد الشريف صاحب السجادة السنوسية وقائد المقاومة ضد الإيطاليين يطلب نصرته لاستعادة السودان من حكم الكفار .
بدأت الإدارة البريطانية في تجهيز العدة للقضاء على دولة علي دينار، بتجهيز محطات الإمداد بالماء والوقود على طول الطريق إلى الفاشر وشراء الجمال بالآلاف وتجهيزها بالأحمال والمؤن لمطلوبات الحرب. وحضر حاكم عموم السودان السيد ونجت بنفسه للنهود ليتأكد من الجاهزية، وتم تحديد 11 مارس 1916م لإعلان وبدء الحرب ضد على دينار، حيث تم الدفع بألفي مقاتل مجهزين بالأسلحة الفتاكة الحديثة كما تمت الاستعانة بطائرتين لإلقاء المنشورات وقذف قصر علي دينار واستخدامها في الحرب النفسية لإبراز تفوق الحكومة، ويعني ذلك استخدام الطائرة لأول مرة في حروب الإنجليز في إفريقيا جنوب الصحراء.
وفي خطاب علي دينار الأخير للسلطات التركية ذكر لهم بأن دارفور أصبحت مسلمة قبل فتح استنبول، وأنه ظل يرسل المحمل لمكة كل سنتين منذ عام 1900.
تم نقل الطائرتين وتجميعهما في النهود باللواري والجمال، وفي 12 مايو 1915 ألقت الطائرات بحمولتها من المنشورات والقذائف في الفاشر بينما كان الناظر علي التوم قد تقدم بمقاتليه المائتين من الكبابيش واحتل جبل الميدوب، ثم تقدمت جيوش الحكومة واحتلت مليط في 18 مايو 1916 – ثم تقدمت جيوش الإدارة البريطانية صوب الفاشر، وفي المعركة الأولى شارك حوالي 3.600 مقاتل للسلطان على دينار ولكن تمت هزيمة جيش علي دينار واستشهاد ثلاثمائة من رجاله، بينما فقدت الحكومة 5 قتلى، ولكن الخسارة الكبرى لعلي دينار أنه فقد أهم قائدين له. ومع أن مقاتلي علي دينار أصابوا قائد إحدى الطائرتين في صدغه إلا أنه نزل بطائرته بسلام في النهود .
وأخيرًا، وتحت قيادة الضابط الإنجليزي هدلستون تحركت القوات في 5 نوفمبر 1916م إلى جوبي في معركة ضد السلطان علي دينار الذي فر من الفاشر إلى نواحي جبل مرة حيث دارت معركة صغيرة، قتل على إثرها السلطان ابن السلطان علي دينار، بطلقة اخترقت جبهته، وكان بجانبه ابنه محمد فضل وحسين وسيف الدين، وأصبح قصر السلطان علي دينار مقر السلطة الجديدة وأن هذا القصر قصراً بحق وحقيقة محاط بالأسوار والأبواب والحدائق وأن بيت الخليقة بأم درمان أشبه بالراكوبة بالنسبة إلى قصر على دينار.
وفي يناير1917 أصبحت دارفور جزءًا من السودان المصري ومثل السير ماكمايكل حكومة السودان في صلح فرساي 1919 وفي إطارها تمت صفقة فرنسية بريطانية تم إلحاق دار قمر والمساليت بالسودان بينما ذهبت منطقة التاما لفرنسا وأصبح وادي هور الفاصل بين وداي ودارفور.
ماذا كسبت دارفور من حكم الإدارة البريطانية .
إن كان سودان وادي النيل قد كسب الالتحاق بالمستقبل في ظل الإدارة الإنجليزية حيث تم مد خطوط السكك الحديدية حتى الأبيض، وقيام مشروع الجزيرة وخزان سنار والزراعة الآلية وكلية غردون التذكارية والتعليم الحديث، وبينما كان السودان الشمالي يدخل في نادي التحديث، ظلت دارفور مكبلة ومنسية وقابعة في صراعاتها وحروبها إلى أن تم إعلان استقلال السودان – ولذا لا عجب أن خلى مؤتمر الخريجين من متعلمي دارفور إلا استثناءات، وهذا حديث طويل .نكتفي بهذا ونواصل في الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.