حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من اسهامات الراحل محمود صالح عثمان صالح في مجال الترجمة .. بقلم: بروفيسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه
نشر في سودانيل يوم 04 - 03 - 2016

من اسهامات الراحل محمود صالح عثمان صالح (1939 - 2014) في مجال الترجمة .. بقلم: بروفيسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه
توطئة:
حرصت أن أقدم هذه الورقة (والتي تليت نيابة عني) في الندوة العلمية 6/2/2016 المقامة ضمن فعاليات تأبين الراحل محمود صالح والذي أقيمت فقراته بين الخرطوم وأم درمان خلال الفترة 5-7/ 2016 بطريقة مبتكرة خرجت عن النمط المعلوم في احتفالات التأبين.
كان اليوم الأول رياضياً تخللته الأغاني الوطنية ومما ميزه مشاركة الأطفال، فئة اهتم بها كثيراً الراحل محمود. خصص اليوم الثاني للندوة العلمية التي أقيمت في قاعة اتحاد المصارف بالخرطوم وأدارها البروفيسور عبد الغفار محمد أحمد وقدمت فيها إلى جانب ورقتي ورقة ضافية وافية عن الراحل العزيز، بعنوان: الأستاذ محمود صالح عثمان صالح 1939 - 2015 ، تجربة العطاء وعطاء التجربة قدمها البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك. وصاحب الندوة معرضاً توثيقياً بالصور والكتب للراحل..وإفادات مسجلة من بعض أهل وأصدقاء وأحباء الفقيد. وجهز مكان بالحديقة لاستقبال الحضور رافقه كرم الضيافة وهي صفة تحلى واشتهر بها الراحل محمود. وختمت فعاليات اليوم الثاني بعرض رائع من فرقة عقد الجلاد تضمن أغنية المبدع محمود شريف "يابا مع السلامة" . وخصص اليوم الثالث لحفل أقيم بنادي ودنوباوي قدمته فرقة كلية الموسيقى بجامعة السودان.
فاتني شرف الحضور إلا أن الإفادات التي وصلتني أكدت أن مناسبة التأبين خرجت بصورة تليق بقامة الفقيد العزيز وما قدمه لأهله وأصدقائه ووطنه حيث عددت اسهاماته ومآثره في جميع المجالات. وأبانت الصور المرسلة اكتظاظ القاعة بحضور مكثف من كل ألوان الطيف برز فيها العنصر النسائي والشباب. وقد زين مآثر الفقيدالأستاذ الياس فتح الرحمن في الكتيب الأنيق الذي صدر عن دار مدارك، وحوى ما كتب عن الفقيد عند وفاته وعند تأبينه. فتهنئة حارة للجنة المنظمة للاحتفال ولمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي الذي سيبقى كما كان ظلاً ظليلاً للمثقفين السودانيين بجميع انتماءاتهم الفكرية. والرحمة والمغفرة لفقيدنا الراحل المقيم.
اسهام الراحل العزيز في الترجمة:
من المعلوم أن تاريخ السودان عبر حقبه المختلفة يزخر بكم هائل من المصادر والمراجع المكتوبة باللغة الانجليزية ولغات أجنبية أخرى، أصبحت الحاجة ماسة جداً إلى ترجمتها وتعريبها خاصة في زمن يشهد تدهوراً مريعاً في مستوى اللغة الانجليزية في بلادنا. وهذا ما التفت إليه وتنبه له الراحل العزيز محمود صالح وجعله يرفد المكتبة السودانية بترجمات لوثائق وكتب مهمة بعضها قام بها بنفسه وأخرى أسندها إلى آخرين، صدرت عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان. وفيما يلي نورد أمثلة لهذه الوثائق والكتب المترجمة.
الوثائق البريطانية عن السودان 1940 – 1956
The British Documents on the Sudan 1940 - 1956
كان أول اهتمام لمحمود صالح بعد قيام مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في عام 1998 تحرير وثائق بريطانية عن السودان قدما لها بروفيسور بيتر ودورد استاذ العلوم السياسية بجامعة "ريدنق" نشرت في 12 مجلداً في أكتوبر عام 2002 عن شركةرياض الريس للكتب والنشر، بيروت. وتم تدشينها في حفل نظمه مركز عبد الكريمميرغني الثقافي تحت إشراف محمود بلندن في مباني وزارة الخارجية البريطانية، في 22 يوليو 2002م. ولاختيار المكان مدلولاته فالسودان في عهد الحكم الثنائي كان يتبع لوزارة الخارجية البريطانية، وهذه الوثائق مصنفة تحت رمز F.O. وهو اختصار ل Foreign Office (وزارة الخارجية). كما دشنت الوثائق أيضاً في حفل أقيم بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم عام 2002 عقب صدور مجلدات الوثائق.
تورد مجلدات الوثائق البريطانية النص باللغة الانجليزية تقابله الترجمة إلى اللغة العربية. وفي تقديمه لمجلدات الوثائق البريطانية عن السودان يقول الراحل محمود صالح: "يأتي في طليعة أهداف مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في أمدرمان دوره المتنامي في جمع وحفظ وتوثيق التراث السوداني الهادف إلى ردم الفجوة بين الماضي والحاضر. كما يهدف في الوقت ذاته إلى تيسير الحصول على هذه المصادر والمراجع للباحثين والطلاب وغيرهم من أفراد المجتمع، دون أن تترتب على هذه الخدمة أي تكلفة مادية." ويقدر كم الوثائق التي تم جمعها وتصنيفها ب 243 وثيقة مدونة في 1287 ورقة تم انتقائها بعناية من 4500 ورقة.
ونقدم في الآتي على سبيل المثال لا الحصر شيئاً يسيراً مما تشمله هذه المجلدات. توجد في المجلد الأول بعض مراسلات حاكم عام السودان هدلستون وسكرتيره الإداري نيوبولد من جانب، ووزير خارجية بريطانيا هاليفاكس وسفير بريطانيا لامبسون في القاهرة من جانب آخر، وقادة الحركة الوطنية السودانيين من جانب ثالث. وتوجد في المجلد الثاني رسائل متبادلة بين الحاكم العام هدلستون والسكرتير الإداري جيمس روبرتسون ووزير الخارجية أنتوني ايدن وسفير بريطانيا لدى مصر. جمع المجلد الثالث مراسلات للحاكم العام روبرت هاو تتعلق بالمفاوضات المصرية البريطانية 1946 – 1947 وبروتوكول صدقي – بيفن، وقضية السودان أمام الأمم المتحدة والوضع في جنوب السودان. وتضمن المجلد الرابع تقرير مارشال وتوصياته فيما يتعلق بالحكم المحلي في السودان. واحتوى المجلد الخامس على مراسلات بين روبرتسون ومايال وكيل حكومة السودان في لندن والسفير البريطاني لدى مصر استيفنسن ووزارة الخارجية البريطانية تتعلق بمطالب الحكومة المصرية ومخاوف الإدارة البريطانية في السودان وحكومتها في لندن. وفي المجلد السادس مراسلات تتعلق بلقب الملك فاروق خلال النصف الأول من عام 1952 وحتى قيام الثورة المصرية في 23 يوليو 1952. أما المجلد الثامن فقد ضم مراسلات خاصة بتحليل نتائج الانتخابات البرلمانية في السودان وتقييم السياسات الحزبية وطموحات السيد عبد الرحمن المهدي الملوكية. وتضمن المجلد التاسع مقابلات تمت بين مستشاري الحاكم العام والمفوض التجاري البريطاني في الخرطوم من جهة والوزراء والقادة السودانيين من جهة أخرى، والتقارير والتحليلات لأحداث أول مارس 1954. وتضمن المجلد العاشر تقرير خبير الري عن مياه النيل ومداولات لجنة السودنة بالإضافة إلى المقابلات بين الموظفين الانجليز والسياسيين السودانيين. ويضم المجلد الحادي عشر مراسلات بين المفوض التجاري البريطاني في السودان وحكومته في لندن ومكاتبات بين وزير الخارجية البريطاني ووزير المستعمرات البريطاني، ومراسلات بشأن انقسام الوزارة السودانية والمناورات السياسية التي أدت إلى الاستقلال وأخرى عن الأحزاب الجنوبية. وفي المجلد الثاني عشر والأخير أدرجت فهارس منها خاص بالمحتويات وآخر الإعلام العام لكافة المجلدات لتسهيل مهمة الباحث في الوصول إليها.
هذه الوثائق وليس كما ذكر عنها في بعض المواقع الالكترونية المجموعة الكاملة للوثائق البريطانية عن السودان، بل جزء يسير جداً من تلك الوثائق ركز فيها على موضوعات مهمة غلب عليها الطابع السياسي الذي كان غالباً في تلك الفترة وذلك بعد قيام مؤتمر الخريجين عام 1938 وحتى استقلال السودان عام 1956. وانتقدتمجموعة الوثائق من قبل البعض بأنها كانت انتقائية. فقد أشار أحد المتحدثين في حفل تدشين الوثائق بقاعة الشارقة إلى أن الوثائق لم تشمل ذكراً لنضال الأستاذ محمود محمد طه ضد الاستعمار رغم أن الإدارة الحاكمة اضطرت إلى إرسال فرقة عسكرية من الخرطوم لإخماد المقاومة التي قادها في رفاعة. إلا أن هذه الحادثة لم ترد بسبب تحامل من محمود أو مركز عبد الكريم ميرغني على الفكر الجمهوري كما يوحي المقال الذي كتبهطه إسماعيل أبو قرجة رداً على خالد المبارك في مقاله الذي نشرته صحيفة "الرأي العام" في عددها بتاريخ 18 نوفمبر 2002 تحت عنوان (مفكرة سودانية بريطانية.. محمود محمد طه وأنصاف الحقائق) مرتكزا فيه على نقد المتحدث في ندوة الشارقة. وقفز أبو قرجة إلى نتائج مجحفة وغير متوازنة عندما ذكر "لقد كشف مقال الدكتور خالد المبارك عن أن الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، راعي مركز عبد الكريم ميرغني، ربما تورط في تزييف التاريخ السوداني باتباع النهج القديم الذي درج عليه جل المؤرخين السودانيين". فالأستاذ محمود صالح ركز كما اتضح من عرض المجلداتعلى الوثائق وعلى الأحزاب التي أثرت تأثيراً فعلياً ومباشراً على التطورات السياسية خلال الفترة التي غطتها الوثائق. ، وما أصدره زعيم الحزب الجمهوري الأستاذ محمود محمد طه بشأن الاستقلال متاح ومتوافر بدار الوثائق القومية بالسودان وكذلك الحادثة التي أشار إليها المتحدث. كما أن طبيعة محمود صالح الداعمة المساندة للباحثين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية تدحض هذا الاتهام عن محمود صالح.
ما يهم في الأمر أن محمود صالح سلط الضوء على أهمية تلك الوثائق كما قدم للباحثين في تاريخ السودان الحديث ترجمة من الانجليزية إلى العربية قام بها نفر من الأكاديميين السودانيين، ذكر فضلهم محمود بقوله "ويسعدني أن أشير بكثير من التقدير إلى أن الأساتذة الأفاضل الذين شاركوا في ترجمة هذه الوثائق، وقد أقبلوا على هذا العمل بقدرات متميزة، وانتماء للوطن، وحماسة بينة، وتفانٍ غير محدود ... وهم: البروفسور حسن أحمد إبراهيم، رئيس شعبة التاريح والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، والبروفسور محمد سعيد القدال، رئيس شبعة التاريخ بجامعة عدن، اليمن؛ والدكتور خالد المبارك، زميل معهد الدراسات الشرق-أوسطية في جامعة كمبردج، والبروفسور فيصل عبد الرحمن علي طه، أستاذ القانون الدولي، شعبة القانون جامعة الخرطوم، وحالياً المستشار القانوني لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ والدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه، قسم التاريخ، جامعة الخرطوم؛ الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك، مركز الدراسات الشرق-أوسطية والإسلامية، جامعة بيرقن، النرويج."وما يهم أيضاً أن محمود لفت النظر إلى الإخفاق في توفير نسخ من الوثائق الموجودة خارج السودان بالداخل إذ لا يوجد مشروع منظم ترعاه الدولة لتصويرها وإيداعها بدار الوثائق القومية.
تفتح ترجمة الوثائق البريطانية عن السودان سؤالاً يتردد كثيراً حول اخفاق دار الوثائق المصرية في جعل الوثائق المصرية بشأن السودان متاحة للقراء برغم انقضاء المدة الزمنية للكشف عنها وصعوبة الحصول على إذن الدخول إلى هذه الدار والتعقيدات التي تلازم ذلك. كما أن دار الوثائق القومية بالقاهرة لا زالت تتقيد بمرور خمسين عاما للكشف عن الوثائق بينما خفضت دار الوثائق العامة بلندن ودار الوثائق القومية بالخرطوم المدة إلى ثلاثين عاما. التفت محمود صالح لهذا الأمر عندما ذكر في مقدمة التحرير أن هذه الوثائق تمثل وجهة النظر البريطانية وأن الصورة تكتمل بتوافر الوثائق المصرية والسودانية.
كتاب السودان:
أختار محمود أن يترجم بنفسه كتاباً قيماً لشخصية إدارية مثيرة للجدل أدت أدواراً مهمة بل مصيرية في تاريخ السودان الحديث وتدرجت في المناصب الإدارية وصولاً إلى منصب السكرتير الإداري. هي شخصية السير هارولد ماكمايكل . ويأتي الكتابالمترجم ضمن عدد من الكتب التي ألفها ماكمايكل عن السودان. وقد تُرجم اثنان منها ونشرا بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي هما "تاريخ العرب في السودان"، ترجمه في جزأين سيد محمد علي ديدان وصدر عن مركز عبد الكريم ميرغني عام 2012، و قبائل شمال ووسط كردفان، ترجمه سيف الدين عبد الحميد، وصدر أيضاً عام 2012.
صدر كتاب "السودان" عام 1954 وصدرت النسخة المترجمة في أكتوبر 2006. وقد قدم أحمد إبراهيم أبوشوك مراجعة وافية شاملة للكتاب المترجم نشرت بموقع سوادنيز أون لاين الالكتروني ، أبان فيها أهمية الترجمة بقوله "وُلد كتاب السودان ميلاداً جديداً، أخرج النص التاريخي ومعطياته من غياهب الإنجليزية إلى رحاب العربية، التي جعلت مادته متاحةً للسواد الأعظم من أهل السودان، فلا جدال أن هذه النقلة المعرفية ستسهم في إندياح دائرة القُرَّاء، وسماع الرأي والرأي الآخر، مدحاً وقدحاً في محتويات الكتاب". كما قدمتُ له عرضاً بمجلة كلية الآداب، جامعة الخرطوم.
تبدأ ترجمة الكتاب بمقدمة المترجم التي جاءت بسيرة موجزة لماكمايكل ووصف لمحتويات الكتاب المترجم. والكتاب كما وصفه المترجم يتكون من ثلاثة أقسام أهمها في نظر المترجم القسم الثاني الذي يتعلق بكل الانجازات التي حققها البريطانيون في السودان في مجال البناء والتعمير والري والزراعة والتعليم والصحة والإدارة والاقتصاد وتطور المؤسسات الدستورية وخلافه. ويعلق المترجم على القسم الثالث الذي خصصه ماكمايكل للسائل السياسية بأنه الأمتع لأنه يروي كيف تسببت الأحداث الداخلية والمؤثرات الخارجية والصراع المصري البريطاني في تمكين السودان من الوصول إلى مرحلة الحكم الذاتي وتقرير المصير. كما طرح ماكمايكل أسئلة مهمة بعضها يرتبط بتطورات الأوضاع في السودان عقب الاستقلال مثل "هل يا ترى سيبرهن التعليم والخبرة العملية التي تلقاها السودانيون خلال فترة نصف القرن الوجيزة على أنها أساس متين يسندهم في تصريف أمورهم بحكمة واعتدال، أم ستنحط نزعاتهم الوطنية إلى طموحات شخصية وطائفية وضيعة وذاهلة عن احتياجات البلاد الحقيقية؟ "
كيف أعد السودان الحديث:
وهو ترجمة رائعة قام بها الراحل محمود صالح لكتاب The Making of the Modern Sudan الذي يجمع أوراق ومراسلات السير دوجلاس نيوبولد أحد أهم الرجال المتميزين الذين عملوا في السلك السياسي السوداني الذي التحق به عام1920 حتى وفاته بالخرطوم في23 مارس1945 . وقد كتب ك.د.د.هندرسون محرر الكتاب "في صلاة الجنازة في كاتدرائية الخرطوم يوم 24 مارس وبعد ذلك في المقبرة، تجمّع عدد غفير من كل الطبقات والجاليات، سودانيون وأقباط، بريطانيون ويونانيون وسوريون وأرمن، ليقدموا عزاءهم وتقديرهم للراحل. لقد أدركوا أنه ناضل من أجلهم ومن أجل السودان إلى أن انهارت قواه ولم يتمكن من مقاومة تسمم الدم. لقد ظن أطباء القاهرة أن سنه تربو على الستين، في الوقت الذي كان عمره خمسين فقط، كل ذلك بسبب الإجهاد من نشاطاته المتعددة". وواضح أن محمود أدرك الشخصية المتفردة لدوغلاس نيوبولد ومن ثم حرصه على انتقاء هذا الكتاب ليترجمه بنفسه. ويدلل على ذلك أيضاً اهتمام محمود بأن يترجم كتاب ،Khartoum Perspectives الذي صدر في طبعته الانجليزية عام 2001 بتقديم من محمود ومقدمة من الدكتور حسن أبشر الطيب وتحرير من دونالد هاولي. ويحتوي على محاضرات عامة ابتدرها نيوبولد وكانت تقدم في مركز السودان الثقافي بالخرطوم في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرينلجمهور من البريطانيين والسودانيين. ومن بين محاضرات الكتاب محاضرة قدمها نيوبولد في 30 مايو 1940 عنوانها: "البعد الإنساني للثقافة" وترجم الكتاب إلى العربية عام 2006 وأخذ عنوان "آراء وأفكار من الخرطوم".
شغل نيوبولد منصب السكرتير الإداري لحكومة السودان منذ عام 1939، وإبان توليه منصب السكرتير الإداري قدمت مذكرة مؤتمر الخريجين الشهيرة في أبريل 1942 والتي طالبت بالاعتراف بحق الشعب السوداني في تقرير المصير عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقام المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1944 في عهد نيوبولد. والشخص الذي أعد الكتاب المترجم وحرره للنشر ك. هندرسون الذي عمل أيضاً بخدمة السودان السياسية وتعرف على نيوبولد عندما كان يعمل مساعد مفتش مركز النهود بين الأعوام 1930 – 1936 وكان نيوبولد مدير مديرية كردفان بين الأعوام 1932 –1938. وتواصلت المعرفة عندما عمل هندرسون بمكتب السكرتير الإداري بين الأعوام 1938 – 1944.
وصل الشمال والجنوب
. يندرج هذا الكتاب ضمن الكتب التي عهد الراحل محمود بترجمتها إلى آخرين، فقددفع إعجاب الأكاديميون النرويجيون بجامعة بيرقن بمحمود وصفاته وملكاته أن يهدوا له في عيد ميلاده السبعين كتاب "وصل الشمال والجنوب " وهو مجموعة مقالات علمية في تخصصات مختلفة، وقد أعد هذا الكتاب أصدقاء محمود في الشمال البعيد رمزاً وتقديراً لرجل من الجنوب أحبوه وعاشروه. فقد أسرهم محمود بشخصيته الطيبة البسيطة ولطف معشره.
جاء في مقدمة الكتاب التي أعدها محررا الكتاب هنريت هافساس – تاساكوس واليكساندروس تاساكوس " محمود صالح من الجنوب: ولد محمود صالح في أم درمان في 4 يونيو 1939. وكان الابن الأوسط لأسرة تتكون من ثلاثة أبناء وثلاثة بنات. وفي 24 ديسمبر 1961، وفي عمر الثانية والعشرين، تزوج محمود من فكرية، الابنة الوسطى في أسرة تكونت أيضاً من ثلاثة أبناء وثلاث بنات. رزق محمود وفكرية بابنين، أمير وأسامة. أكمل محمود تعليمه الأولي والثانوي في السودان. وبعد حصوله على شهادته من كلية كمبوني في الخرطوم، سافر محمود إلى الشمال، إلى انجلترا، حيث درس الاقتصاد والإدارة في جامعة بريستول. تخرج في عام 1963، وانضم مباشرة في السودان إلى أعمال الأسرة التجارية عثمان صالح وأبنائه. وبالرغم من أنه عاش معظم حياته بالخارج وأصبح بالتالي شخصية عالمية إلا أن محمود بقي سودانياً في الصميم. تقاعد محمود في عام 1994 ووقعت مسئولية إدارة أعمال الأسرة على أبنائه كي يتمكن محمود من التفرغ الكامل لاهتمامه الرئيس – الأدب.. وأسس في عام 1998 مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في مسقط رأسه، مدينة أم درمان. وهو حتى الآن رئيس المركز الفخري وراعيه. ومنحته جامعة الخرطوم في عام 1994 الدكتوراه الفخرية في الآداب تقديراً لمجهوداته في التوثيق ونشر وثائق السودان التاريخية".
جاء في مقدمة الكتاب أيضاً: "ربط شغف محمود القوي بدراسات السودان بين محمود وبيرقن، أحد المراكز المرموقة للبحث عن السودان.ومن إسهاماته الأخيرة في ترقية دراسات السودان إيداعه مجموعة كتبه عن السودان والتي لا تقدر بثمن في بيرقن عام 2006. يقضي محمود وقته الآن بين أعماله في مصر والسودان في الجنوب وأسرته (أبنائه وأحفاده) في لندن في الشمال. وأخيراً وليس آخر، فهو زائر متردد على بيرقن. وقد أعد هذا الكتاب أصدقاؤه في الشمال البعيد هدية منهم إليه في عيد ميلاده السبعين". وتمضي المقدمة لتقول "دٌرستْ شعوب وتاريخ وبيئة السودان في بيرقن لأكثر من أربعين عاماً. وخلال العشر سنوات الأخيرة ارتبط محمود بتلك المجموعة من الباحثين في صور متعددة: مبادراً وداعماً وملهماً ولكن وأكثر من ذلك كصديق عزيز جداً. نريد أن نوضح لمحمود تقديرنا بغزارة لرفقته ولحكمته – سواء قابلناه في الشمال أو الجنوب – ومن ثم ولدت فكرة أن نهديه مجموعة من دراسات بيرقن عن السودان أو دراسات سودانية من بيرقن!"
تضمن الكتاب الذي حرص محمود على أن يترجم إلى اللغة العربية مقالاً عن الصلة بين بيرقن والسودان كتبته ماريان بو، أحد المنظمين للمؤتمر العالمي السابع للدراسات السودانية الذي استضافته بيرقن عام 2006، وأثناء هذا المؤتمر فاتح محمود صالح أندرس بيركلو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط آنذاك برغبته في نقل مجموعة كتبه إلى جامعة بيرقن. المقال الثاني الطبقات الاجتماعية الهرمية واللاطبقية: التجارة التبادلية الباكرة على امتداد النيل كتبته هنريت هافساس– تاسكوس طالبة دكتوراه " مادة تناسب تاجر ناجح كمحمود" كما جاء في مقدمة المحررين . وتحدثت فيه عن بداية التجارة التبادلية العابرة للحدود الرئيسة في وادي النيل وأهمية التجارة كواحدة من العوامل التي تؤدي إلى الفوارق الاجتماعية والمركزية السياسية. والمقال الثالث: النوبة القديمة: طريق طهوي تبادلي بين إفريقيا والشرق الأدنى، كتبته راندي هالاند أستاذة آثار إفريقيا والشرق الأوسط. واستهلت الفصل بقولها " منذ أن أودع محمود صالح مجموعة كتبه الضخمة عن السودان في جامعة بيرقن حوالي خمس سنوات خلت، أصبح يزور مدينتنا بانتظام. أكثر الأوقات متعة في زياراته الحديث أثناء العشاء في مطاعم بيرقن والتي لم أسمع عن وجودها إلا نادراً. سرعان ما اكتشفت أن محمود كان خبيراً بالمطامع في مختلف أجزاء العالم.وأنه عالم بتلك المطاعم التي تستحق التردد عليها. يبدو مدهشاً للبعض أن شخصاً من السودان الجاف لديه هذه المعرفة العالمية والإدراك للمطاعم العالمية".
المقال الرابع: السودان كحدود في القرن التاسع عشر كتبه أندرس بيركلو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط. يتناول المقال الحدود العثمانية على النيل السوداني ويوضح ومن نظرة حدودية أن النوبة كانت منطقة جاذبة للتوسع المصري. كتب لايف مانقر أستاذ علم الإنسان المقال الخامس: الثورة الدينية والشجاعة القبلية والقلق الاستعماري في جبال النوبة في السودان الإنجليزي المصري. واستهل الفصل بالقول "تقدم هذه الورقة على شرف محمود صالح. وكمثل هدايا عيد الميلاد يتوجب أن يكون هناك عنصر مفاجأة. ولكن كيف لي أن أفاجئ رجل أمضى حياته في جمع الكتب وأنواع أخرى من المادة تعرب عن حبه للسودان، قرأها جميعاً وأبان إمساكاً بناصيتها متفوقاً على كثير من الأكاديميين؟ وكانت هدية لايف لمحمود نصاً صغيراً نسخه من المادة التي وجدها في مجلس مدينة تلودي، جنوب جبال النوبة، وهي قصة بعنوان "كيف أفسدنا المصريون" .
المقال السادس عن الرعاة في دنيا العولمة كتبه قونار هالاند أستاذ علم الإنسان الممتاز في جامعة بيرقن. استهل قونار المقال بما ذكره الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال" عن التوتر الذي يعيشه الشاب السوداني المتعلم بين القيم والمعاني المثبتة في السيطرة الاجتماعية لعالمه المحلي وفرص الاختيار في دنيا عالمية جد مختلف فيها القيود الاجتماعية. ويقول "تمكن محمود صالح وهو صديق للطيب صالح من مزج المشاركة في عالمين؛ المحلي والعالمي. وعبر حياة طويلة وكرجل أعمال شارك في دنيا تجارة العولمة وفي قطاعات مختلفة من الحضارة العالمية. وعلى كل لم يؤثر ذلك في اعتداده بهويته السودانية يتمثل في جمعه لواحدة من أجود المجموعات في العالم تتعلق بالسودان". المقال السابع: الأغاريق في السودان الحديث قصة مهداة إلى نيانيا با ومحمود صالح كتبه اليكساندروس تاساكوس، باحث دكتوراه في جامعة هيومبولدت (برلين) لكنه يرتكز على محور الشمال – الجنوب: بيرقن – أثيناالخرطوم. يحكي المقال عن تاريخ حياة إمرأة يونانية (غير تقليدية) من واو اسمها فوتيني يولو – مايسترللي من خلال مقابلة أجراها تاساكوس معها في الزهور، ضاحية في الخرطوم. المقال الثامن والأخير عن مجموعة محمود صالح في بيرقنأعده بول ولسون جامع الكتب القديمة النادرة وتوم جونسون أمين مكتبة جامعة بيرقن. أورد بول ولسون كيفية اللقاء مع محمود الذي اشترى الكتب منه. يختم توم المقال بالقول " ويعني ذلك أن بإمكاننا الأمل في زيارات أكثر من صديقنا العزيز جداً محمود صالح، الذي يأتي بانتظام مراقباً لتنشئة مولوده ولإلهاب الحماس في كل من الأساتذة والموظفين، والطلاب من النرويجيين والسودانيين". ولم يكن يدري أن الموت سباقاً ويتربص ليأخذ محمود يوم السبت الموافق 15 نوفمبر 2014. لكن ستبقى مكتبة محمود في بيرقن متكأً للعلماء والباحثين ورمزاً للمحبة التي تربط بين بيرقن وكل من زارها ودرس بها من السودانيين، ورمزاً لوصل الشمال والجنوب.
وبعد فإن اهتمام محمود صالح بالترجمة ينبع من فهمه لأهمية الترجمة في التواصل الثقافي والعلمي، وينبه بذلك الغافلين عن أهميتها. وليت مجهودات محمود في هذا المجال تستمر وأن يتواصل مشروع الترجمة ولا يتوقف برحيل محمود الأبدي.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.