نظمت المجموعة الاستشارية للتنمية الاجتماعية والبشرية ظهر امس ورشة عمل ل (تقييم تطبيق اتفاقية السلام الشامل) تستمر ليومين، قدمت في يومها الأول ورقتان، (معوقات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل ومآلات المستقبل) من اعداد وتقديم الدكتور صفوت صبحي فانوس، (الخلاف بين الشريكين وأثره على تنفيذ اتفاقية السلام الشامل) من إعداد وتقديم الدكتور علي أحمد السيد، (الصحافة) تعرض في ما يلي ابرز ما جاء في الورقتين: الخرطوم : التقي محمد عثمان attagi mohammed [[email protected]] بعد ان قدم لورقته بالقول ان اتفاق السلام الشامل شكل تطورا هاما في طبيعة الدولة السودانية وتركيبة نظام الانقاذ اذ انهى الاتفاق حربا استمرت منذ الاستقلال «باستثناء عشرة اعوام سلام بين 1972 1983» وحظي الاتفاق بتأييد معظم القوى السياسية في الشمال وبالتالي القبول بمبدأ حق تقرير المصير للجنوب، والذي يفتح البال الى احتمال استقلال جنوب السودان. اضافة الى ان اتفاق السلام احدث تطورا في تركيبة نظام الانقاذ من نظام سلطوي الى نظام يسمح بالتعددية الحزبية وما يصاحبها من حريات في التنظيم والتعبير وامكانية التبادل السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة، يتناول الدكتور صفوت فانوس اسباب تعثر تنفيذ اتفاق السلام الشامل محددا ذلك في : اولا، صعوبة ان لم يكن استحالة التوفيق الايدولوجي بين المشروع الحضاري ومشروع السودان الجديد مما ادى الى التباعد والتنافر بين النظام الاسلامي في الشمال والنظام العلماني في الجنوب، ويوضح ان اهمية الايدولوجية السياسية تنبع من كونها مصدر القيم والمفاهيم والتقاليد والقوانين التي تحكم حركة الدولة والمجتمع. ويقول ان تجربة الاعوام الماضية اثبتت ان الشريكين ليس لديهم الرغبة او القدرة في تقديم التنازلات الضرورية للتقريب بين المشروعين، ضاربا المثال ب، رفض المؤتمر الوطني ان يكون هنالك نافذة لنظام مصرفي تقليدي في الشمال ورفض الحركة الشعبية لقيام نافذة لنظام مصرفي اسلامي في الجنوب.. ثانيا، ان بعض قيادات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لا يثقان في حسن نوايا وجدية الطرف الآخر في الالتزام بانفاذ السلام الشامل، ويشدد فانوس على ان عملية بناء الثقة ضرورة لا غنى عنها لتحقيق السلام والديمقراطية المستدامة. ثالثا، عدم فعالية، ان لم يكن غياب المرجعية الداخلية لحسم الخلاف السياسي رابعا، اثبات الايام صدق مقولة «الشيطان في التفاصيل» اذ اصبحت تفاصيل العديد من القوانين المنصوص عليها في الاتفاقية محل جدل وخلاف بين الشريكين مما ادى الى الفشل في الالتزام بالجداول الزمنية في الاتفاقية. خامسا، التحالفات الداخلية والخارجية للشريكين التي لعبت دورا سالبا في تعميق ازمة الثقة بينهما حيث تحالف كل طرف مع خصوم الطرف الآخر. وينتقل فانوس الى الحديث عن الانتخابات وحق تقرير المصير باعتبارها اهم القضايا التي يوجد حولها عدم اتفاق بين الشريكين طارحاً عدة اسئلة للنقاش منها، هل ستدعم الحركة ترشيح الرئيس عمر البشير لمنصب الرئاسة، ام ستقدم مرشحها، ام ستدعم مرشح المعارضة؟ مع من ستتحالف الحركة الشعبية؟ هل ستنضم الحركة الشعبية لتحالف المعارضة الشمالية اذا ما قررت الاخيرة مقاطعة الانتخابات؟ هل اصبح خيار الوحدة الجاذبة خيارا تجاوزه الزمن؟ وتتواصل الاسئلة، هل سينجح الشريكان في التفاوض والاتفاق حول ترتيبات الانفصال خاصة في : حقوق المواطنين الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، حقوق القبائل الرعوية في الرعي عبر «الحدود الجديدة»، تقسيم الاصول والديون بين الشمال والجنوب، تقسم الموارد النفطية التي تنتج في الجنوب وتمر وتصدر عبر الشمال وموقع الاتفاقات الموقعة مع الشركات النفطية الاجنبية، فضلا عن ترسيم الحدود والوضع في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ومستقبل ابيي. ومن بين كل الاسئلة يجيب فانوس على السؤال الخاص بقضية الوحدة او الانفصال قائلا، الحركة الشعبية ستتبنى خيار انفصال جنوب السودان ولكن ليس للاسباب المعلنة، مثل تطبيق الشريعة الاسلامية في الشمال ومعاملة الجنوبيين كمواطنين من الدرجة الثانية، بل لسبب آخر اكثر اهمية جوهرية وهو السيطرة على الموارد والاستفادة بالعائد المادي من هذه الموارد لبناء دولة جنوب السودان.مشيرا الى ان السبب الرئيس للحرب بين الجنوب والشمال هو الموارد الصراع حول الثروة والسلطة، مشددا على ان الحديث حول مآلات المستقبل يجب ان يكون حول شروط استدامة السلام من خلال تفعيل مبدأ «حسن الجوار» مستشهدا باستقلال السودان عن مصر عام 1956م حيث استمرت العلاقات الشعبية والرسمية بين السودان ومصر وغلب عليها طابع التعاون والمصلحة والامن القومي المشترك في اغلب الاوقات. ويقول ان نموذج العلاقات السودانية المصرية يزخر بالدروس التي يمكن الاستفادة منها في تبيان طبيعة العلاقة بين الشمال والجنوب «في حالة استقلال الاخير». ويختم فانوس بالقول ان الهدف الاهم في علاقة شمال وجنوب السودان هي استدامة السلام وعدم العودة للحرب مرة ثالثة، ويضيف (اذا كان استقلال الجنوب هو الطريق الى السلام فلتتفاوض الحركة السياسية الشمالية والجنوبية حول شروط السلام من خلال فتح الحدود وتبادل المصالح والمنافع ونقل نموذج الحريات الاربع في العلاقات السودانية المصرية) في الورقة الثانية (الخلاف بين الشريكين وأثره على تنفيذ اتفاقية السلام الشامل) يتناول الدكتور علي السيد القضايا التي أثرت على تنفيذ الاتفاقية ويحددها في ست قضايا، اولاها نتائج التعداد السكاني (حيث شككت «الحركة الشعبية في صحة نتائج التعداد الرسمي للسكان) الذي من خلاله يتحدد تبعا له نصيب الجنوب من السلطة والثروة وتحديد الدوائر الجغرافية للانتخابات المقبلة. ويقول السيد إن تحفظات الحركة الشعبية ومفوضية التعداد التابعة لها حيال نتائج التعداد لم تكن مقنعة، حيث قال كبير المستشارين بلجنة المراقبة مستر (بالي ليهو هلا) الخبير العالمي الذي يعمل مديرا لجهاز الاحصاء في جنوب افريقيا: «إن التعداد في السودان كان ناجحا بل هو النجاح بعينه»، ولم تجد تحفظات الحركة تأييدا من مجموعة العمل الفنية ولا من المانحين السبعة ولا صندوق الاممالمتحدة للسكان ولا لجنة المراقبة والمتابعة القومية ولا من خبرائها في السودان. وثانيها، الانتخابات ويقول السيد ان العبرة ليس بإجرائها فحسب، ولكن بعواقبها ونتائجها التي ستتمخض عنها، ومدى انعكاسها إيجابيا على البلاد حاضرا ومستقبلا، ويؤكد ان معطيات الواقع الآن تشير الى عدم تهيؤ اطراف اللعبة السياسية فعليا وجديا للدخول في تنافس سياسي حقيقي يؤدي الى فرض واقع سياسي جديد معافى يخرج البلاد من دائرة الاضطراب الى دائرة الاستقرار. ويتحدث السيد بالنصوص القانونية في ثالث القضايا، قانون الاستفتاء وفي رابعها، ترسيم الحدود – اما في خامسها، أبيي فيقول (رغم ان اتفاقية نيفاشا كانت قد حددت موقفها تجاه ابيي من خلال بروتوكولات خاصة، الا ان الحكومة السودانية رفضت توصيات لجنة الخبراء الخاصة بأبيي واتهمتها بأنها تجاوزت تفويضها في القضية، لكنها وافقت على تحويل القضية الى محكمة العدل الدولية التي فصلت فيها في 22 يوليو 2009، وقضت بتقسيم المنطقة بين طرفي النزاع بشكل وجد رضا الطرفين في وقت كانت التحذيرات تنساب من ان الصراع فيها سيتجدد ولا يمكن حسمه في الوقت القريب ، وبعد قرار المحكمة تبقى على شريكي الحكم تنفيذ قراراتها بالسرعة المطلوبة وبذلك يكون ملف ابيي قد طوي غير ان الحركة الشعبية اصرت علي اعداد قانون بشأن استفتاء ابيي بعد قرار ترسيم واجيز هذا القانون مؤخرا الا انه ارجأ الخلاف الجوهري ليحسم عن طريق مفوضية يتفق عليها الطرفان. ثالثها، الوحدة والانفصال ويقول ان قيادة الحركة الشعبية منقسمة بين مؤيد للوحدة ومؤيد للانفصال، مشيرا الى ان الكفة ترجح حتى الآن لمصلحة الانفصال بين القواعد في الجنوب وذلك لأسباب تاريخية ونفسية ومصلحية، ولكن القيادات الجنوبية قد تكون اقرب للحفاظ على الوحدة، مؤكدا انه اذا ما حزمت الحركة الشعبية امرها ونزلت بثقلها مع خيار الوحدة كا نادى بذلك زعيم الحركة والنائب الاول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي عقد في منتصف نوفمبر 2008، فإن خيار الوحدة سيكون هو الراجح عند الاستفتاء بحكم سيطرة الحركة التامة على مقاليد الامور في الجنوب. ويدلف السيد الى تقديم مقترحات وحلول، الأول تمديد اجل سريان الاتفاقية بالابقاء على الالتزامات المنصوص عليها مع اعادة النظر في الآجال الموضوعة للترتيبات وتنفيذ البنود، وخصوصا الأجل الموضوع للانتخابات وللاستفتاء، اذ ورد في الاتفاقية والدستور بما يمكن طرفيها من مراجعة تلك التواريخ. الثاني، تأجيل الانتخابات لمدة كافية اخرى تعكف خلالها القوى السياسية لدراسة النظم وكفالة الحقوق والحريات العامة والعدالة في الحكم على ان تتم هذه الدراسات والترتيبات وفق جدولة زمنية معقولة تكفل دقة وفاعلية الدراسات، كما تكفل جدية وحقوق الاطراف المختلفة وحمايتهم من التباطؤ والتلكؤ في انفاذ المطلوبات. الثالث، تأجيل الاستفتاء لمدة كافية وطويلة يتم خلالها اشاعة ثقافة السلام والتعايش في تأن وصبر، باعتبار انه هدف يصلح به حال الطرفين اندماجا او انفصالا، وتطبيق اتفاق نيفاشا واعطائه الفرصة كي يبرز خيراته وانعكاساته الايجابية على السودان ومواطنيه، ولإتاحة الفرصة للداعين الى الوحدة ان يعلنوا عن دعوتهم، وللداعين للانفصال كي يقدموا مبرراتهم وحججهم، ومن حق الشعب السوداني في الشمال والجنوب ان يعرف الخيارات المتاحة امامه والداعين إليها. الرابع، الاسراع في تنفيذ اتفاقية السلام في كل بنودها عدا (الانتخابات والاستفتاء) ، مع السعي الجاد لتحسين جوانبها ومعالجة القصور فيها، وتلمس ما افرزته التجربة والواقع، واستكمال نظم وترتيبات الانتخابات والاستفتاء. الخامس، استكمال البناء السياسي والدفع به للأمام، والاسراع في دفع عمليات التنمية في الجنوب والشمال والغرب والشرق السوداني وذلك بدعم مشاريع التنمية وتوعية المواطنين. السادس، توقيع اتفاقية خاصة بين الشريكين استنادا على قوة ودستورية اتفاقية نيفاشا لتحديد مدى زمني جديد ومستقبلي، لا تؤثر عليه ضغوط الحرب ولا ضغوط الحكم والسياسة، لتنفيذ عمليتي الانتخابات والاستفتاء، واقناع المجتمع الدولي بقبول الطرفين بهذه الخطوة لتحقيق مصالح ومكاسب البلاد العليا.