السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو ردود عقلانيه على دعاوى الإلحاد ومذاهبه ... بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 02 - 06 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
تمهيد: ظاهره الإلحاد فى المجتمعات المسلمة : هذه الدراسة هي محاوله لتقديم ردود عقلانيه على دعاوى الإلحاد والمذاهب الالحاديه الغربيه ، وهى تنطلق من مسلمه مضمونها أن الإسلام يشكل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة ،لان الأمم والشعوب المسلمة تكونت في ظل الإسلام كدين وحضارة ، واستنادا إلى هذه المسلمة فإننا نرى أن مشكله الإلحاد غير مطروحة في المجتمعات المسلمة على المستوى الجماهيري ، وان كانت مطروحة على المستوى النخبوي ، فعلى مستوى الجماهير المسلمة فانه " لا يرد سؤال أو تساؤل أو حوار أو جدل حول وجود الله ، فمحال في أن يتصور احدهم ولو تصورا أن ثمة من يلحد أو يشرك بالله..."( د. عصمت سيف الدولة، مذكرات قرية ،دار الهلال ، ص66 ص70)، وطبقا لهذا المستوى فقد فشل – وسيفشل – الإلحاد في المجتمعات المسلمة في" أن يفتح ثغره في جدار الرفض الحضاري، أو أن يغرى بشرا أو أن يكسب أرضا ". لكن مشكله الإلحاد مطروحة على مستوى النخبة من المثقفين والمتعلمين، وهى تساهم في استمرار – وتعميق – مشكله تحول بعض المثقفين والمتعلمين فى المجتمعات المسلمة من طليعة لمجتمعاتهم ، إلى نخبه معزولة عن مجتمعاتها،وبالتالي تصبح هذه النخب احد أسباب استمرار تخلف النمو الحضاري لمجتمعاتهم ، لأن المثقفين والمتعلمين هم قاده التطور في كل المجتمعات.
اولا: دعاوى الإلحاد والرد عليها:
الرد على دعوى تعارض الإيمان بالغيب مع العلم والتفكير العلمي : فهناك دعوى أن الإيمان بالغيب (والذي يتضمن قضيه إثبات وجود الله تعالى ) يتناقض مع العلم والتفكير العلمي، وبالتالي فان الإلحاد ( الذي مضمونه إنكار أو الشك في وجود الله تعالى ) يتسق مع العلم والتفكير العلمي. والرد على هذه الدعوى يتضمن عده نقاط:
الإلحاد أجابه – خاطئة من ناحية ميتافيزيقية –غيبيه — على اسئله تطرحها الميتافيزيقا ولا يطرحها العلم : إن الإلحاد هو اجابه – خاطئة من ناحية ميتافيزيقية – غيبيه – كما سنوضح لاحقا- على اسئله تطرحها الميتافيزيقا ، ولا يطرحها العلم ، هذه الاسئله هي: كيف بدأ الوجود؟ وكيف سينتهي؟ وماهية القوة التي تحركه؟ والاجابه على هذه الاسئله غير قابلة للتحقق بالتجربة والاختبار العلميين ، وان كانت قابله للتحقق بالاستدلال والبرهنة العقلية من ناحية معرفيه (عقليه – منطقيه ). يقول د. عصمت سيف الدولة (ولكل إنسان أعلن هذا أو أنكره، اجابه خاصة علنية أو خفيه،على ما تطرحه الميتافيزيقا من اسئله عن سر الوجود ، إن لديه قوه ما ، مهما يكن اسمها ، فهو يسند إليها ما لا يعرف سببه ، وهو يؤمن بصحة إسناده إيمانا غيبيا، لأنه لا يستطيع أن يثبته علميا ، وفى مشكله الالوهيه بالذات ليس الملحدون اقل إيمانا من غيرهم، غيرهم يؤمن بان الله موجود ، وهم يؤمنون أن الله غير موجود، وكلهم عاجزون عن إثبات إيمانهم بالاختبار والتجربة العلمية، وكلهم فيما يؤمنون متدينون ، واقلهم وعيا بمدى تدينه أو بمدى تعصبه الديني ، أولئك الذين يوهمون أنفسهم أنهم قد حلوا مشكلة الدين عندما أنكروا وجود الله ) ( النظرية، الجزء الأول ، ص 83 ).
اسبقيه الإيمان – الغيبي- على الاستقراء- التجريبي – العلمى : و الإيمان بالغيب كأساس للدين (أو الميتافيزيقا بالمصطلح الفلسفي الغربي) سابق كل نشاط علمي ، ذلك أن العلم بما هو الكشف عن القوانين الموضوعية ، التي تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان، يقوم على التجربة والاختبار العلميين ،ولكنه في ذات الوقت يقوم على مفاهيم سابقة على التجربة العلمية ، وبالتالي غير خاضعة لها مثل الموضوعية والحتمية، فهي مسلمات غيبيه – ميتافيزيقية بهذا المعنى ....
اسبقيه اتصال وليست اسبقيه انفصال : غير أن اسبقيه الإيمان الغيبي( الذي هو أساس الدين )على الاستقراء التجريبي( الذي هو أساس العلم) – هي اسبقيه اتصال وليست اسبقيه انفصال، بمعنى أنها اسبقيه تقوم على أساس الإقرار بوجود علاقة بينهما وليس نفى وجود اى علاقة بينهما.
العلاقة بين الدين والعلم علاقة تكامل و تحديد وليست علاقة تناقض وإلغاء: وتتمثل اسبقيه الاتصال هنا في كون العلاقة بين الدين( القائم على الإيمان الغيبي) والعلم ( المستند إلى الاستقراء التجريبي )، هي علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة تناقض وإلغاء ، اى أن الدين بالنسبة للعلم ، بمثابة الكل للجزء ،يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه ، فكل من الدين والعلم يتناولان – من ناحية معرفيه – ذات الوجود، لكن على مستويات متعددة (أي منظور إليه من جهات متعددة)، فالدين يتناول الوجود على مستوى ماهوي أي يجيب على السؤال ما هو الوجود؟ (أي ماهية القوة التي تحرك الوجود، بداية الوجود، نهايته)، أما العلم فيتناول الوجود على مستوى كيفي، أي يبحث في ضوابط الحركة في الكون واتجاهاتها. لذا فان لكل من الدين والعلم مشاكل خاصة يحاول أن يضع لها حلول، ومنهج خاص لحلها ، دون أن يعني هذا أنها قائمة بذاتها ومستقلة عن المشاكل التي يطرحها واقع الناس المعين في الزمان والمكان، بل يعني أن هذه المشاكل ما هي إلا محصلة لتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين لكن على مستوى معين (أي منظور إليها من جهة معينة).فالدين يتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين ، ولكن على مستوى معين ، اى منظور إليها من جهة معينة ،هي علاقتها من حيث جزء من الواقع المحدود بالمطلق، فالمطلق لا يلغي المحدود بل يحده، وبه تصبح حركة الإنسان ليس مجرد فعل غائي ، اي مجرد تطور يتم خلال حل المشاكل التي يطرحها الواقع المعين ، بل تتحول إلى فعل غائي محدود بفعل مطلق (الربوبية) وغاية مطلقة (الإلوهية)، أي كدح إلى الله بتعبير القرآن، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها ،وطريقة العلم بها ، ويحدد نمط الفكر الذي يصوغ هذه الحلول، كما يحدد أسلوب العمل اللازم لتنفيذها، كما أن للدين منهج خاص في تناوله لهذه المشاكل ، يقوم على التسليم بصحة الوحي ، اى يقوم على الإيمان بما هو التسليم بصحة مجموعه من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ،لا يمكن إثباتها بالتجربة والاختبار العلميين، ولكن من الممكن البرهنة علي صحتها عقليا ، لأنها مطلقه عن قيود الزمان والمكان، وهذه المفاهيم والقيم والقواعد الكلية مصدرها الوحي كوسيلة لمعرفه عالم الغيب ، المطلق عن قيود الزمان والمكان ، فهو يستند إلى الوحي كوسيلة تحدد ولا تلغي الحواس كوسيلة لمعرفه عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان. أما العلم فيتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين ، لكن على مستوى جزئي عيني، أي منظور إليها من جهة معينة هي البحث في قوانين تحول الطبيعة وتطور الإنسان ،والتي لابد أن تأتي حلول هذه المشاكل على مقتضاها لتكون صحيحة.وهذه المشاكل الخاصة تقتضي منهج خاص في تناولها هو المنهج العلمي، والذي يتصف بخصائص أو مراحل معينة هي أولا: الملاحظة أي مراقبة مفردات الظاهرة ورصدها خلال حركتها ، ثانيا:الافتراض: أي محاولة افتراض قانون لتلك الحركة من أطوارها على قاعدة واحد في ظروف مماثلة، ثالثا: التحقق: إذ الممارسة هي اختبار مستمر لصحة القانون.
ظاهره التناقض بين الدين والعلم طارئة وتاريخيه وليست أصليه وذاتيه: بناءا على ما سبق فانه لا يمكن أن يحدث تناقض بين الدين والعلم ، مادام كل منهما مقصور على تناول مستوى معين من مستويات الوجود (أي ينظر إلى الوجود من جهة معينه) ، و يتناول مشاكل خاصة ويلتزم بمنهج خاص لحلها ، ولا يتجاوز ذلك إلى تناول مستوى الوجود الذي يتناوله الآخر، (أي ينظر إلى الوجود من الجهة التي ينظر منها الآخر ) ، او يتناول المشاكل الخاصة بالآخر ، أو يتبنى المنهج الخاص الآخر.وهذا يعنى أن التناقض بين الدين والعلم طارئ وتاريخي " مرتبط بتجاوز اى منهما لمجاله المعرفي " ، وليس أصلى وذاتي " فهو لا يحدث في حاله التزام كل منهما بمجاله المعرفي "، ونجد نموذج لهذا التجاوز في ما حدث في أوربا في العصور الوسطى، حين جعل بعض رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية بعض النظريات العلمية جزء من الدين المسيحي، وحين ثبت خطئها حدث تناقض (زائف) بين العلم والدين.
الرد على دعوى تجاوز الإسلام لمجاله المعرفي بتناوله لمظاهر الطبيعة وتفسيرها: وهنا نجد دعوى مضمونها تجاوز الإسلام لمجاله المعرفي ، بتناوله لكثير من مظاهر الطبيعة وتفسيره لبعض هذه المظاهر ، وهذه الدعوى يترتب عليها دعوى أخرى هي أن العلاقة بين الإسلام كدين والعلم هي علاقة تناقض وإلغاء.
الخلط بين النص القرانى ومذاهب تفسيره :هذه الدعوى تقوم على أساس الخلط بين النص القرانى بما هو وضع الهي ثابت ، ومذاهب تفسيره كاجتهاد انسانى متغير بتغير الزمان والمكان
أولا: النص القرانى والآيات العلمية والكونية : ففيما يتعلق بالنص القرانى ، فان غاياته في الآيات العلمية والكونية هي أولا: هداية الناس إلي الله تعالى، واتصافه بالربوبية والإلوهية، وذلك من خلال الاستدلال القرآني ،القائم على الانتقال من عالم الشهادة (مقدمة)، إلي عالم الغيب (نتيجة).ثانيا: هداية الناس إلي العلم ، واستخدام العلم في تسخير الطبيعة ، باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة في مجال العلم ، ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين:
الأصول : هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها ، والتي يمكن اعتبارها غايات، يتحقق من خلالها غايات النص القرآني في الآيات الكونية والعلمية السابقة الذكر، وتتضمن هذه الأصول الآيات الكونية القطعية الدلالة(التي لا تحتمل التأويل)، المتضمنة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية ، وهي بمثابة أدله لإثبات إعجاز القران ، وفى نفس الوقت أمثلة مضروبة للناس ، من أجل حثهم على البحث العلمي في السنن الإلهية ،التي تضبط حركه الوجود التسخيرى "الطبيعي" والاستخلافى "الإنساني"، وليس الاكتفاء بما في القرآن. و كما تتضمن الآيات التي تبين أسس المنهج العلمي ، كتقرير أن الكون ومفرداته ذو وجود موضوعي مستقل عن معرفتهم، وقابل للمعرفة بالحواس والعقل والدعوة إلي معرفته، اى قاعدة الموضوعية كما في قوله تعالى ﴿ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم﴾ (الذاريات: 20- 21) ، وتقرير أن حركة هذا الكون منضبطة بسنن لا تتبدل، اى قاعدة السببية كما فى قوله تعالى﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ﴾ (فاطر:3 )...الخ.
الفروع : وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها ، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول ، وتتضمن هذه الفروع الآيات الكونية الظنية الدلالة(التي تحتمل التأويل) ، والآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة.
يترتب على ما سبق أن النص القرانى لم يتجاوز مجاله المعرفي ، في آياته العلمية والكونية ، وبالتالي فان علاقته بالعلم ليست علاقة تناقض وإلغاء.
ثانيا :مذاهب تفسير الآيات الكونية والكونية: أما مذاهب تفسير الآيات الكونية والعلمية فهي مذهبين :
المذهب الأول:رد الأصل إلى الفرع: وهو المذهب الذي لا يميز بين آيات الأصول ، والمتضمنة للآيات الكونية القطعية الدلالة، وآيات الفروع والمتضمنة للآيات الكونية الظنية الدلالة ، هذا المذهب يقوم على محاوله استنباط كل النظريات العلمية من القران الكريم وليس من الكون ، وهو هنا يخالف غايات النص القرانى في الآيات الكونية ، والتي تتضمنها آيات الأصول ، المتضمنة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية ، وهى انها بمثابة أدله لإثبات إعجاز القران ، وفى نفس الوقت أمثلة مضروبة للناس ، من أجل حثهم على البحث العلمي في السنن الإلهية ،التي تضبط حركه الكون، وليس الاكتفاء بما في القرآن، وهذا المذهب يقوم بتأويل النص القرآني ليتفق مع النظريات العلمية الجديدة، وهو ما يترتب عليه اعتبار أن العلم هو الأصل (المطلق ) والقران هو الفرع (المحدود)، فضلاً عن أن النظريات العلمية (كشكل من أشكال المعرفة الإنسانية) محدودة بالزمان والمكان نسبية فيهما لذا تحتمل الصواب والخطأ ، وبالتالي فإن اعتبار هذا المذهب أن هذه النظريات جزء من القرآن يؤدي إلي نسبة هذا الخطأ إليه. وإذا كان هذا المذهب يحاول إثبات صحة النص القرانى وعدم تعارضه مع العلم، فانه – في واقع الأمر- يؤدى إلى الإيحاء بان النص القرانى يتجاوز مجاله المعرفي ، وبالتالي فان علاقته بالعلم هي علاقة تناقض وإلغاء ، وقد وجه كثير من علماء الإسلام النقد لهذا المذهب ، يقول الإمام الشاطبى (جاءت الشريعة على معهود العرب ،وما تعرفه من علوم ولم تخرج مما ألفوه ، وان كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القران الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكره المتقدمين والمتأخرين... وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا اعرف بالقران وعلومه وما أودع فيه ولم يبلغنا أن تكلم منهم احد من شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام التكاليف وأحكام الاخره... وقال المراد بقوله تعالى ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ باللوح المحفوظ)، كما وجه الإمام الغزالي النقد إلي بعض الذين حاولوا الانتصار إلي أو نقض بعض النظريات العلمية من منطق ديني وليس من منطلق استقرائي "حسي" استدلالي "عقلي" (القسم الثاني ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين... كقولهم أن كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوءه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جني على الدين وضعف أمره ،فإن هذا أمر تقوم على براهين هندسية وحسابية ،لا تبقى معها ريبة في من يطلعه عليها.. ومن ظن وإذا قيل له أن هذا على خلاف الشرع لم يسترب في الشرع، وضرر الشرع بمن تنصره بغير طريقة ، أكثر ممن يطعن عيه بطريقه).
المذهب الثاني: رد الفرع إلى الأصل: وهو المذهب الذي يميز بين آيات الأصول، التي تتضمن أسس المنهج العلمي ، والدعوة إلى استعماله ، والآيات الكونية القطعية الدلالة ، والتي هي بمثابة أمثله مضروبة للناس، لاستعمال هذا المنهج العلمي ، للكشف عن السنن الالهيه في الطبيعة والإنسان، وآيات الفروع التي تتضمن الآيات الكونية ظنية الدلالة ( تحتمل التأويل)، والتي يمكن تفسيرها بما ينتهي إليه البحث العلمي ،من نظريات أثبت صحتها بالتجربة والاختبار، مع تقرير أن هذا التفسير اجتهاد انسانى محدود، يحتمل الصواب والخطأ ، وطبقا لهذا تصبح هذه النظريات العلمية هي جزء من هذا التفسير، وليست جزء من النص القرانى .هذا المذهب يبرز حقيقة أن النص القرانى في أن النص القرانى لم يتجاوز مجاله المعرفي ، في آياته العلمية والكونية ، وبالتالي فان علاقته بالعلم ليست علاقة تناقض وإلغاء ،ولكنها علاقة تحديد وتكامل
موقف الإسلام الايجابي من العلم على المستوى التطبيقي : أما على المستوى التطبيقي فقد ظهر الإسلام في منطقه يسود فيها التخلف العلمي ، ممثلا في سيادة أنماط التفكير الخرافي فيها حينها ، وعندما جاء الإسلام هدى الناس إلي أصول منهج البحث العلمي، وترك لهم الاجتهاد في وضع فروعه واستعماله، ولم يحتاج المسلمون إلي كثير من الوقت لاحتلال المراتب الأولى في كثير من العلوم، كما ساد انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير والحركة. غير انه نتيجة لعوامل داخليه وخارجية متفاعلة ، دخلت هذه المجتمعات فى حاله من تخلف النمو الحضاري بكل أشكاله ، فظهر نتيجة لذلك تخلف النمو العلمي فى هذه المجتمعات ، ممثلا في شيوع نمط تفكير مختلط (علمي/ خرافي ) فيها.
الرد على دعوى تعارض الإيمان بالغيب مع العقل والعقلانية : وهناك دعوى أن الإيمان بالغيب (والذي يتضمن قضيه إثبات وجود الله تعالى ) يتناقض مع العقل والتفكير العقلاني، وبالتالي فان الإلحاد ( الذي مضمونه إنكار أو الشك في وجود الله تعالى ) يتسق مع العقل والتفكير العقلاني. والرد على هذه الدعوى يتضمن عده نقاط:
اسبقيه الإيمان على الاستدلال : إن الإيمان بالغيب كأساس للدين (أو الميتافيزيقا بالمصطلح الفلسفي الغربي) سابق كل نشاط عقلاني" فلسفي "، ذلك أن التفكير العقلاني – ومن أشكاله التفكير الفلسفي – يستند إلى المنهج الاستدلالي – الاستنباطي ، والاستدلال – أو الاستنباط هو عمليه الانتقال " الصوري "من مقدمه عقليه إلى نتيجة عقليه ، وهو ينطلق من مسلمه ، اى مقدمه "مسلم "بصحتها ، لأنها غير قابله للتحقق من صحتها بالتجربة والاختبار العلميين " لأنها مجرده وليست عينيه "، ولأنها سابقه على عمليه الاستدلال وبالتالي غير خاضعة لها " فعمليه الاستدلال مقصورة على الانتقال منها إلى النتيجة" . وعقليه هذه المقدمة متصلة بشكلها (صورتها) ، اى كونها خاضعة لمعيار الاتساق " المنطقي "، وليست لها صله بمضمونها (مصدرها)، اى لا يلزم ضرورة ان يكون مصدر هذه المقدمة العقل (كما ترى الفلسفة العقلانية ألغربيه ) إلا في حاله الأفكار الفطرية ، فقد يكون مصدرها الحواس كما في حاله تناولها لعالم الشهادة (وهو الأمر الذي قررته الفلسفات التجريبية الغربية ) ،وقد يكون مصدرها الوحي في حاله تناولها لعالم الغيب(وهو الأمر الذي قررته الأديان والفلسفات الدينية ) ، بناء على ما سبق فان كل مذهب فلسفي- بما في ذلك المذاهب التي تدعى رفض الميتافيزيقا والدين – إنما ينطلق من مسلمات – ميتافيزيقية – غيبيه – لأنها غير قبله للنفي أو الإثبات بالتجربة العلمية "باعتبار أنها نظريه " ،وسابقه على النشاط الاستدلالي لواضعه ،" باعتبار أن الاستدلال مقصور على استنباطه نتيجة معينه من مقدمه معينه يسلم بصحتها.
تعدد أبعاد الوجود الانسانى وتفاوت درجه شمولها هو عله الاسبقيه المعرفية للإيمان بالغيب : ومرجع هذه الاسبقيه المعرفية للإيمان بالغيب (الذي هو أساس الدين )على الاستقراء الحسي (الذي هو أساس العلم ) والاستدلال العقلاني (الذي هو أساس العقل ) أن للوجود الانسانى أبعاد متعددة ، متفاوتة في درجه الشمول، فكل بعد بالنسبة للبعد الذي يليه بمثابة الكل للجزء ، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه ، وهذه الأبعاد هي البعد الروحي" الذي يتناوله الدين" ، فالبعد العقلي" الذي يتناوله التفكير العقلاني من أشكاله التفكير الفلسفي "، البعد الوجداني " الذي يتناوله الفن والأدب"، البعد المادي العضوي و الغريزي " الذي يتناوله العلم.
الإلحاد اجابه خاطئة من الناحية الميتافيزيقية – الغيبية ، وخاطئة أو لا يمكن القطع بصحتها من الناحية المعرفية : بناء على ما سبق فان الإلحاد –كما سبق ذكره – هو أجابه على اسئله تطرحها الميتافيزيقا ، فهي اجابه ميتافيزيقية – غيبيه من هذه الجهة، ومن جهتي أنها غير قابله للإثبات او النفي بالتجربة العلمية لأنها مجرده ، وإنها سابقه على الاستدلال ، فالاستدلال هو الانتقال من مقدمه (مسلم بصحتها ) إلى نتيجة، وهذه الاجابه خاطئة من الناحية الميتافيزيقية – الغيبية، اى لا تتطابق مع حقيقة الوجود الغيبي المتضمن لوجود الله تعالى . أما من الناحية المعرفية فان هذه الاجابه الميتافبزيقيه – الغيبيه قد لا يليها استدلال عقلي، وهنا يكون الإلحاد اعتقاد ذاتي مرجعه عوامل ذاتيه " شخصيه " ، وموضوعيه " اجتماعيه متعددة ، وليس نتيجة لازمه لاستدلال عقلي صحيح " موضوعي"، وهنا لا يرقى الإلحاد إلى أن يكون اجابه عقلانيه – موضوعيه من الناحية المعرفية (العقلية – المنطقية) ، كما أن هذه الاجابه الميتافيزيقية – الغيبية – قد يليها استدلال عقلي لإثبات صحتها- من ناحية العقلية المنطقية ، وهنا نجد احتمالين : الأول كون هذا الاستدلال خاطئ ، وهنا يكون الإلحاد اجابه خاطئة – من الناحية المعرفية ( العقلية- المنطقية ) ، الاحتمال الثاني كون هذا الاستدلال صحيح ، وهنا يكون الإلحاد اجابه ناقصة، لان الاستدلال يستند إلى معيار الاتساق " عدم التناقض ، بينما إثبات صحة أو خطاْ هذه الاجابه يحتاج – بالاضافه إلى معيار الاتساق من الناحية المعرفية (العقلية- المنطقية) – إلى شكل من أشكال معيار التطابق مضمونه التطابق مع الوجود الغيبي ، وبهذا فان هذه الاجابه الناقصة تظل غير قابله للتحقق ( لا يمكن القطع بصحتها) في هذا الوجود الشهادى ، لان موضوعها هو الوجود الغيبي. وبناء على ما سبق فان الإلحاد هو اجابه خاطئة من ناحية ميتافيزيقية – غيبيه ، وأجابه خاطئة آو على اقل تقدير لا يمكن القطع بصحتها من ناحية معرفيه (عقليه منطقيه )..
اسبقيه اتصال وليست اسبقيه انفصال : واسبقيه الإيمان الغيبي( الذي هو أساس الدين )على الاستدلال العقلي( الذي هو أساس التفكير العقلاني والفلسفي) – هي اسبقيه اتصال وليست اسبقيه انفصال، بمعنى انها اسبقيه تقوم على أساس الإقرار بوجود علاقة بينهما وليس نفى وجود اى علاقة بينهما.
العلاقة بين الدين والعقل علاقة تكامل و تحديد وليست علاقة تناقض وإلغاء: وتتمثل اسبقيه الاتصال هنا في كون العلاقة بين الدين" القائم على الإيمان بالغيب والإقرار بوجود الله تعالى" والعقل والتفكير العقلاني ومن إشكاله التفكير الفلسفي ، هي علاقة تحديد وتكامل ، وليست علاقة تناقض وإلغاء، اى أن الدين بالنسبة للعقل والتفكير العقلاني ، بمثابة الكل للجزء ،يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه ، فكل من الدين والتفكير العقلاني يتناولان – من ناحية معرفيه – ذات الوجود، لكن على مستويات متعددة (أي منظور إليه من جهات متعددة)، فكما سبق ذكره فان الدين يتناول الوجود على مستوى ماهوي أي يجيب على السؤال ما هو الوجود؟ (أي ماهية القوة التي تحرك الوجود، بداية الوجود، نهايته)، أما التفكير العقلاني فيتناول الوجود على مستوى لماذي (أي الإجابة على السؤال لماذا (اى غايات الوجود الإنسان كالحق والخير والجمال..) فالمشاكل الفلسفية مثل (الوجود، أو المعرفة أو القيم). لذا فان لكل من الدين والتفكير العقلاني مشاكل خاصة يحاول أن يضع لها حلول، ومنهج خاص لحلها ، دون أن يعني هذا أنها قائمة بذاتها ومستقلة عن المشاكل التي يطرحها واقع الناس المعين في الزمان والمكان، بل يعني أن هذه المشاكل ما هي إلا محصلة لتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين لكن على مستوى معين (أي منظور إليها من جهة معينة).فالدين كما سبق ذكره يتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين ، ولكن على مستوى معين ، اى منظور إليها من جهة معينة ،هي علاقتها من حيث جزء من الواقع المحدود بالمطلق، فالمطلق لا يلغي المحدود بل يحده، وبه تصبح حركة الإنسان ليس مجرد فعل غائي ، اي مجرد تطور ، بل تتحول إلى فعل غائي محدود بفعل مطلق (الربوبية) وغاية مطلقة (الالوهية)، أي كدح إلى الله بتعبير القرآن، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها ،وطريقة العلم بها ، ويحدد نمط الفكر الذي يصوغ هذه الحلول، كما يحدد أسلوب العمل اللازم لتنفيذها، كما أن للدين منهج خاص في تناوله لهذه المشاكل ، يقوم على التسليم بصحة الوحي ، اى يقوم على الإيمان بما هو التسليم بصحة مجموعه من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ،لا يمكن إثباتها بالتجربة والاختبار العلميين ، لأنها مطلقه عن قيود الزمان والمكان ، ولكن يمكن إثبات صحتها بالاستدلال العقلي بما هو انتقال الذهن من حكم إلى آخر لعلاقة ضرورية بينهما.قال تعالى (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) (البقرة:242)، وهذه المفاهيم والقيم والقواعد الكلية مصدرها الوحي كوسيلة لمعرفه عالم الغيب ، المطلق عن قيود الزمان والمكان ، فهو يستند إلى الوحي كوسيلة تحدد ولا تلغي العقل كوسيلة لمعرفه عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان. أما التفكير العقلانى فيتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين ،لكن على مستوى كلي مجرد ، أي منظور إليها من جهة معينة هي الأصول الفكرية (الكلية، المجردة) لهذه المشاكل،وهذه المشاكل الخاصة تقتضي منهج خاص لتناولها هو المنهج الفلسفي يتصف بخصائص معينة هي العقلانية، المنطقية، الشك المنهجي، والنقدية.
موقف الإسلام الايجابي من نمط التفكير العقلاني: تأكيدا لما سبق فقد اتخذ الإسلام كدين موقفا ايجابيا من التفكير العقلاني وخصائصه . فمن خصائص التفكير العقلاني الموقف النقدي ،القائم علي تجاوز كل من موقف القبول المطلق والرفض المطلق، إلي الموقف القائم علي البحث عن أوجه الصواب وأوجه الخطأ في الرأي المعين، وأخذ ما هو صواب ورفض وما هو خطأ، وهذا الروح النقدية حث عليها الإسلام كما في قوله تعالي (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ،وقوله (صلى الله عليه وسلم) (لا يكن أحدكم إمّعة يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا ألا تتبعوا إساءتهم). ومن خصائص التفكير العقلاني الشك المنهجي ، القائم علي عدم التسليم لصحة فكرة معينة لا بعد التحقق من كونها صحيحة ،هذا النوع من أنواع الشك يمكن أن نجد نموذجا له في القرآن كما في قوله تعالى( فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين .فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين .فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) (الأنعام:76 – 78)،كما استخدمه الإمام الغزالي كما في كتابه المنقذ من الضلال .ومن خصائص التفكير العقلاني الاستناد إلي العقل كوسيلة للمعرفة، وقد حث الإسلام علي إعمال العقل كوسيلة للمعرفة ، بما لا يتناقض مع الحواس والوحي كوسائل أخرى المعرفة ، قال تعالى( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]،وقال تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. [الأعراف:179].ومن خصائص التفكير العقلاني المنطقية ،اى الاستناد إلي المنطق بما هو أنماط التفكير السليمة المستندة إلي قوانين التفكير وأهمها قانون عدم التناقض ، والذي أشار إليه القران الكريم قال تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] .
تلازم الإيمان بالغيب والاستدلال العقلي في القران الكريم : كما تتمثل اسبقيه الاتصال بين الإيمان الغيبي والاستدلال العقلي في رفض القران الكريم الإقرار والتسليم بالوجود الغيبي(عالم الغيب المتضمن لوجود الله تعالى ) بدون برهان أو دليل ، وربطه بين هذا التسليم والإقرار وشكل من أشكال الاستدلال العقلي (الانتقال من مقدمه عقليه إلى نتيجة عقليه) ، القائم على الاستدلال بالوجود الشهادي المحدود (الكون)،على الوجود الغيبي المطلق (المتضمن لوجود الله تعالى)،قال تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يعقلون) (البقرة: 164). وبناءا على هذا فان المفهوم الاسلامى يقوم على – وبالتالي يدعوا إلى- البرهنة على وجود الله تعالى ، ولكنه يستند في برهنته على إثبات وجود الله تعالى على شكل من إشكال الاستدلال الذي يسبقه شكل من أشكال الاستقراء (الانتقال من مقدمه حسية إلى نتيجة عقليه) مضمونه النظر في الكون وقال تعالى(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) (الحج: 46)، وهنا نجد احد أوجه الاختلاف بين المفهوم الاسلامى والفلسفة الغربية العقلية منذ أرسطو لأنها حاولت البرهنة على وجود الله تعالى استنادا إلى شكل من أشكال الاستدلال الذي لا يسبقه اى نوع من أنواع الاستقراء، فجاءت براهينها مستند إلى معيار الاتساق دون معيار التطابق مع الواقع .
التمييز بين الوجود والماهية: كما يميز الإسلام كدين بين وجود (عالم الغيب) وكيفيه –خصائص – عالم الغيب ،فالأول يمكن للعقل أن يدركه ويبرهن عليه ،أما الثاني فلا يمكن للعقل أن يتصوره إلا بالوحي ، لذا تضمن الإيمان بالغيب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، قال تعالى(يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)،وفي الحديث القدسي (تفكروا في مخلوقاتي ولا تفكروا في ذاتي فتهلكوا).وهنا نجد احد أوجه الاختلاف بين المفهوم الاسلامى والفلسفة الغربية العقلية التي لم تتميز في برهنتها على وجود الله تعالى بين الوجود والماهية، اى ترى إمكانية إدراك أو تصور العقل لوجود وماهية عالم الغيب ،لأنها تنظر إلى العقل باعتباره وجود مطلق ، وليس فاعليه معرفيه محدودة تكوينيا بالسنن الالهيه في إدراكه لعالم الشهادة، و تكليفيا بالوحي في إدراكه لعالم الغيب كما في المفهوم الاسلامى .
موقف الاسلام الايجابي من العقل على المستوى التطبيقي : أما على المستوى التطبيقي فقد ظهر الإسلام في منطقه يسود فيها التخلف الفكري، ممثلا في سيادة أنماط التفكير الاسطورى فيها ، ثم جاء الإسلام فهدي الناس إلي أعمال العقل، وانشأ المسلمون نتيجة ذلك أنماط متعددة من التفكير العقلاني الذي لا تناقض الأيمان أو الوحي ، وان كانت تناقض بالتأكد نمط التفكير الأسطوري. غير انه نتيجة لعوامل داخليه وخارجية متفاعله دخلت هذه المجتمعات فى حاله من تخلف النمو الحضاري بكل أشكاله ، فظهر نتيجة لذلك تخلف النمو الفكري ممثلا في شيوع نمط تفكير مختلط (عقلاني /اسطورى ) فيها .
الرد على دعوى عدم امكانيه البرهنة العقلية على وجود الله تعالى : وهناك دعوى عدم امكانيه البرهنة العقلية على إثبات وجود الله تعالى ، و هذه الدعوى تتناقض مع حقيقه أن المفكرين والفلاسفة ،على مر العصور، قد أوردوا الكثير من أدله وبراهين إثبات وجود الله تعالى ، ومرجع هذا التعدد تعدد الأساليب والطرق التي استخدموها لإثبات وجود الله تعالى، ومن أهم هذه الادله :
الدليل الغائي : قال به سقراط وأفلاطون، ومضمونه أن لكل شيء في الطبيعة غرضا، لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود موجود غير مادي، يتجاوز الطبيعة وينظم كل الظواهر على نحو منسجم دليل الحركة: ووضعه أرسطو و مضمونه: أ- الحركة تحتاج إلى محرك.ب- الحركة والمحرك متزامنان.ج- كلّ محرك إما أن يكون متحركاً وإما أن يكون ثابتاً.د- كل موجود جسمي متغير ومتحرك.ه- التسلسل والدور في الأمور المترتبة غير المتناهية محال .النتيجة: تنتهي سلسلة الحركات إلى محرك غير متحرك.
الدليل الكوني(دليل العلية): وقال به أرسطو أيضا ، ومضمونه أن الله موجود باعتباره العلة الأولى لكل الأشياء والظواهر .
الدليل الوجودي: وقد وضعه أنسلم ومضمونه: انه لا شك أن كل إنسان مهما كانت درجته ، يستشعر في عقله ضرورة أن يكون هناك موجود ليس هناك من هو أكمل منه.وفكرة الكمال تظل ناقصة ما لم يوجد لها مقابل في الخارج، ولكي تكون هذه الفكرة كاملة لابد وأن يكون هناك موجود في الخارج غاية في الكمال لا يوجد من هو أكمل منه.وهذا الوجود الأكمل على الإطلاق هو الذي نطلق عليه اسم الله(د. طه حبيشي/ أدلة الفلاسفة على وجود الله تعالى).
الدليل الأنطولوجي: وقال به ديكارت يعرف أيضا بالبرهان ألسببي، و يعتمد على مبدأ أنه : إذا وجد أي شيء فلابد من وجود شيء آخر هو سببه بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وقد وجد ديكارت من بين أفكاره الفطرية فكرة الكائن الكامل اللامتناهي، التي لا يمكن أن يكون هو سببها لأنه شاك فهو ناقص، إذ أن الشك ينطوي على النقص، ولما كان ما هو ناقص لا يمكن أن يكون سبباً لما هو كامل ،فمن المحال أن نحصل على فكرة الكمال اللامتناهي من تراكم أفكار أشياء متناهية، لأن المتناهيات لا يمكن أن تؤدي إلى لا متناهي. وأخيراً لما كان الوجود الموضوعي الصوري للفكرة لا يمكن أن ينشأ من قبل كائن موجود بالقوة حسب، بل من قبل كائن له وجود صوري وفعلي أيضاً، فإنه ينبغي أن نستنتج أن سبب فكرة الكمال اللامتناهي هو كائن كامل لا متناهي بالفعل وهو الله. فالله باعتباره الكائن الكامل اللامتناهي موجود ضرورة.
الدليل الهندسي: وقال به ديكارت أيضا ومضمونه انه كما أن فكرتنا عن المثلث تستتبع أن تكون زواياه الداخلية مساوية لقائمتين ( 180 درجة ) ، كذلك فإن فكرتنا عن الله باعتباره كائناً كاملاً متناهياً تستلزم وجوده بالضرورة. وعليه فإذا كان من التناقض أن نقول أن الزوايا الداخلية للمثلث لا تساوي قائمتين، فمن التناقض كذلك أن نقول أن الله غير موجود، لأن الوجود متضمن في ماهية الله على نحو ما تكون مساواة الزوايا الداخلية للمثلث لقائمتين متضمنة في تعريف المثلث.
الدليل الاخلاقى : وقد وضعه كانط الذي يرى استحالة البرهنة نظريا على وجود الله ، ولكن يمكن البرهنة على وجوده من ناحية أخلاقيه، إذ يرى أن للإنسان شعور فطرى بالعدالة، والعدالة تقتضى أن يثاب المحسن ويعاقب المسيْ، ولكن في الحياة نجد أن هناك محسن لا يثاب ومسىْ لا يعاقب،لذا لابد من وجود يوم آخر يعاقب فيه هذا المسىْ ويثاب فيه هذا المحسن ، ولابد من وجود اله يوجد هذا اليوم ويحاسب فيه الناس ويحقق العدالة.
دليل الإمكان والوجوب : وقال به ابن سينا ، ويتكون من مقدمات ثلاث هي:المقدمة الأولى: إنّ موجودات هذا العالم ممكنة الوجود، وهي ذاتاً لا تقتضي الوجود؛ إذ لو كان واحد منها واجب الوجود لتم إثبات المطلوب المقدمة الثانية: كل ممكن الوجود فهو محتاج في وجوده إلى علّة تمنحه الوجود. المقدمة الثالثة: استحالة الدور والتسلسل في العلل .النتيجة: إنّ كلّ واحد من موجودات هذا العالم _ الممكنة الوجود حسب الفرض _ يحتاج إلى العلّة الفاعلية، ويستحيل أن تمتد سلسلة العلل إلى ما لا نهاية، ولا يمكن أيضاً الدور؛ إذن لابدّ أن تنتهي سلسلة العلل من ناحية البدء إلى علّة ليست محتاجة إلى علّة, وهي التي نسميها واجب الوجود، وهو المطلوب
دليل الخلق والاختراع: وهو دليل أورده المتكلمين المسلمين ، ومضمونه إن وجود المخلوقات بعد العدم دليل على وجود الخالق ، وذلك لافتقار المخلوق إلى الخالق قال تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون)،ويرتكز هذا الدليل على فكرتين بديهيتين الأولى: حدوث المخلوقات ، وهذا معلوم بالمشاهدة في آحاد الحيوان والنبات ، وبالضرورة العقلية في سائر المخلوقات ، لأنها مسخرة ، والمسخر مخترع من قبل غيره ضرورة.والثانية : حاجة المحدَث إلى محدِث : وهذه الفكرة معلومة بضرورة العقل، فالمحدَث لابد له من محدِث لا يفتقر إلى غيره، وهو الله تعالى.
دليل العناية: وقد أورده أيضا المتكلمين المسلمين ،ومضمونه أن ما في الوجود من مظاهر العناية بالمخلوقات عامة، والإنسان خاصة، هي دليل على وجود الخالق. ويدخل في هذا الدليل كثير من صور الاستدلال، منها :أ / دلالة الإتقان : فكل مخلوق يحمل من كمال الإتقان ما يدل على وجود خالقه وكمال ذاته وصفاته، قال تعالى ( صنع الله الذي الَّذِي َأتقنَ كُلَّ شيء). ب/ دلالة التناسق : فالعالم كله يخضع لسنن كونية متناسقة ، ثمرتها الاتساق بين المخلوقات، والاتساق مع وجود الإنسان ، قال تعالى ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ).
الدليل الانثربولوجى : ومضمونه انه لا وجود لمجتمع بلا دين ، وكما يقول د. عصمت سيف الدولة فان الإلحاد " ليس إلا دين الملحدين يقوم فيهم بوظيفة الدين ".
دليل المحدودية : وأخيرا نقترح دليل أخر ، يستند إلى كل من الاستقراء التجريبي والاستدلال العقلي (المنطقي) ، اتساقا مع استناد القران الكريم إلى شكل من أشكال الاستدلال الذي يسبقه شكل من أشكال الاستقراء ،ويستفيد هذا الدليل من العديد من الادله التي أوردها المفكرين والفلاسفة لإثبات وجود الله تعالى ، والتي سبق ذكرها،ومضمون هذا الدليل هو:
ثبوت المحدودية الجزئية للكون بالاستقراء: يمكن أن نثبت بالاستقراء أن الكون محدود من عده جهات ومنها:
أولا : المحدويه الزمانيه والمكانية: فهو محدود بالوجود في المكان والحركة خلال الزمان،وبالتالي خاضع للتغير في المكان، والتحول(الطبيعي ) ، و التطور(الانسانى) خلال الزمان .
ثانيا : المحدودية السببية: كما أن حركته محدود بالسببية ، اى خاضعة لقوانين موضوعيه "كليه ونوعيه "، وهذه القوانين قائمه على أساس السببية، اى تحقق الأثر بتحقق السبب ، وتخلفه بتخلف السبب.
ثالثا: المحدودية الفردية : والكون مركب من أنواع يتصف إفرادها بالمحدودية ،فالنوع الانسانى مثلا يتكون من أفراد يتصف وجودهم الفاعل والغائي بالمحدودية(الميلاد ، الموت)، فهو فعل غائي محدود. .
الانتقال من المحدودية الجزئية إلى المحدودية الكلية للكون بالاستنباط: ومن الاستقراء السابق ، الذي يثبت أن الكون محدود من عده جهات (المحدودية الجزئية ) ، يمكن أن نستنبط أن الكون محدود من كل الجهات (المحدودية الكلية )،لان القول بان الكون محدود من جهة أو جهات معينه، وغير محدود من جهة أو جهات أخرى ينطوي على تناقض منطقي"كونه محدود وفى ذات الوقت مطلق "
الاحتمالات المنطقية لكيفية إيجاد الكون المحدود: أما كيفيه إيجاد هذا الكون المحدود فتخضع لفرضيتين :
الفرضية الأولى : أن عله إيجاد الكون وجود محدود ، وتنطوي هذه الفرضية على ثلاثة احتمالات هي:
الاحتمال الأول: أن يكون الكون غير محدود " مطلق "، وهذا الاحتمال – كما ذكرنا في النقطة السابقة – ينطوي على تناقض منطقي ، مضمونه أن يكون الكون محدود وفى ذات الوقت مطلق
الاحتمال الثاني : وان الكون وجد بالصدفة ، وهذا الاحتمال يتناقض مع حقيقة أن ألصدفه هي مفهوم ذاتي – انسانى –اى مرتبط بوجود الإنسان- في حين أن وجود الإنسان تالي لنشاه الكون- فهو آخر الموجودات نشاه (بعد الجماد والنبات والحيوان )، ومضمون الصدفة كمفهوم ذاتي – انسانى هو كل حدث يحدث دون معرفه إنسانيه مسبقة، ودون قصد انسانى، ومن هذا التعريف يتضح لنا أن الصدفة هي قصور في ألمعرفه (حدوث الحدث دون معرفه مسبقة )، وقصور في الاراده (حدوث الفعل دون قصد )، فهي دليل على محدودية الوجود الانسانى، بأبعاده المتعددة " المعرفية والاراديه ..." والخلق والإيجاد كمال، وبالتالي لا يمكن أن تكون الصدفة – بما هي قصور – عله نشاه الكون.
وبثبوت خطاْ الاحتمالات الثلاثة التي تشكل الفرضية الأولى يثبت خطاْ هذه الفرضية .
الاحتمال: الثالث:أن يوجد الكون المحدود وجود آخر محدود ، وهذا الاحتمال خاضع للتسلسل (الدور) ، ذلك أن هذا الوجود الأخر المحدود مفتقر في إيجاده – بحكم كونه محدود- إلى وجود آخر ، أما أن يكون محدود أيضا وهنا تتسلسل الحجة إلى مالا نهاية ، وإما أن يكون مطلق .
الفرضية الثانية : أن عله أيجاد الكون وجود مطلق،وبالتالي غيبي اى غائب عن حواس الإنسان ، يتصف بالفاعلية (الربوبية) ،والغائية (الالوهيه).
إثبات مفهوم التوحيد (التعدد صفه الوجود المحدود): والوجود المحدود- المحسوس- يتصف بالتعدد ، أما الوجود المطلق فهو وحده الذي يتصف يتصف بالوحدة ، لأنه لو تعدد لأصبح " محدودا" بغيره ،..وبهذا يثبت مفهوم التوحيد الذي مضمونه إفراد الوجود المطلق -الغيبي – والذي عبر عنه القران بمصطلح القيوميه – لله تعالى .
التحديد التكويني والتكليفى : وهذا الوجود المطلق الغيبي يحد الوجود " المحدود" للكون تكوينيا وتكليفيا .
أولا : التحديد التكويني : ويتمثل في أن القوانين الموضوعية (الكلية والنوعية ) ، التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة والإنسان، هي- طبقا لمستواها الميتافيزيقي – الغيبي – شكل تكويني للظهور صفاتي للفعل المطلق ( الذي عبر عنه القران بمصطلح الربوبية) في عالم الشهادة . فهى طبقا لهذا المستوى سنن إلهيه وليست قوانين طبيعيه .
ثانيا:التحديد التكليفى: ويتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي جاء بها الوحي ، والتي ينبغي إن تضبط حركه الوجود الانسانى " فردا وجماعه" باعتبارها شكل تكليفى للظهور صفاتي للفعل المطلق (الربوبيه )،وهذا التحديد التكليفى يستند إلى التميز بين وجود (الوجود المطلق الغيبي) وماهيته ( اى خصائصه )، فالأول يمكن للعقل أن يدركه ويبرهن عليه ، أما الثاني فلا يمكن للعقل أن يتصوره إلا بالوحي.
الوجود الانسانى و ضرورة الإيمان بالغيب: وطبقا للتحديد التكويني والتكليفى للوجود الانسانى ، يتحول هذا الوجود من مجرد فعل غائى " مجرد تطور " إلى فعل غائى محدود تكوينيا وتكليفيا بفعل مطلق"الربوبية " وغاية مطلقه " الالوهيه" اى يتحول إلى كدح إلى الله تعالى بالتعبير القرانى ،وهنا تبرز ضرورة الإيمان بالغيب – أو ضرورة الميتافيزيقا بتعبير كانط " للوجود الانسانى لأدراك هذه الغاية المطلقة(الالوهيه)، وهذا الفعل المطلق (الربوبيه ).
القران ومعياري الاتساق " المنطقي" والتطابق " الواقعي ": كما استند القران الكريم في إثبات صحته ، وكونه وحى من عند الله تعالى إلى معياري الاتساق المنطقي كما فى قوله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] .والتطابق الواقعي كما في قوله تعالى(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) (الحج: 46)،ومضمون الأخير اتساق القران مع القوانين الموضوعية ، التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة والإنسان.
الرد على دعوى أن تعارض الدين مع نظريه التطور العضوي هو تعارض مع العلم : وهناك دعوى أن نظريه التطور العضوي " التي مضمونها القول بوجود تطور في عالم الأحياء، اى أن التركيب المادي (العضوي) الحالي للكائنات الحية، لم يكن كذلك منذ بداية وجود هذه الكائنات الحية، ، بل أنه محصله تطور عضوي عبر مراحل زمنيه طويلة ، وطبقا لآليات متعددة " هى نظريه علميه، وبالتالي صحيحة ، فهي تمثل العلم والحقيقة العلمية ، وبالتالي فان كل ما يتعارض معها كالدين القائم على مفهوم الخلق يتعارض مع العلم والحقيقة العلمية، والرد على هذه الدعوى يتمثل فى تقرير حقيقة أن مفهوم التطور العضوي كان موجودا في التراث الفلسفي الغربي (الاغريقى)، لكن داروين نقل هذا المفهوم من مجال الفلسفة إلى مجال العلم عندما التزم بالمنهج العلمي في تناوله للمفهوم، غير أن انتماء المفهوم للعلم لا يعنى بأنه صحيح بالضرورة ، حيث أن ما هو علمي هو محصله تطبيق المنهج العلمي على الظاهرة المعينة ، لكن ما هو علمي قد يكون صحيحا إذا وافق الواقع والسنن والقوانين التي تضبط حركته، وقد يكون خطاْ أذا خالف هذا الواقع والسنن والقوانين التي تضبط حركته، وهنا نشير إلى أن نظريه التطور العضوي هي نظريه علميه (بمعنى أنها محصله تطبيق المنهج العلمي في ظاهره الصلة بين الأنواع)، لكنها تنطوي على قدر كبير من الخطأ لعده أسباب أهمها :أولا: أنها تتناقض مع قوانين علم الوراثة ، التي تثبت أن لكل كائن حي خريطة وراثية مختلفة عن الخريطة الوراثية للكائنات الأخرى، ثانيا : أن الطبيعة حتى في عالم الأحياء تتحول ولا تتطور ، غير انه يجب تقرير أن نظريه التطور العضوي رغم أنها تنتمي إلى مجال العلم، إلا أنها تنتمي إلى فروع التي تنطوي تحت مجال فلسفه العلم(اى المفاهيم الكلية المجردة السابقة على البحث العلم في الظاهرة المعينة)،أكثر من انتمائها إلى فروعه التي تنطوي تحت مجال العلم التجريبي(اى الظواهر الجزئية العينية والقوانين التي تضبط حركتها)، لأنها لا تبحث في نوع معين في زمان ومكان معينين ، بل تبحث في الصلة بين كل الأنواع في كل زمان ومكان، فهي تعميم في الزمان والمكان، هذا فضلا عن أنها افتراض وليست قانون علمي تثبت التحقق من صحته بالتجربة والاختبار العلميين. ويترتب على ما سبق أن تعارض الدين مع نظريه التطور العضوي ( لانه يلزم منها منطقيا نفى وجود فاعل مطلق اوجد الكائنات الحية المختلفة،أو نفى فاعليه هذا الفاعل المطلق،بصرف النظر عن الاعتقاد الذاتي لمن يعتقد بصحة هذه النظرية ) لا يترتب عليه تعارض الدين مع العلم.
ثانيا: نقد المذاهب الالحاديه الغربية ..
أولا: نقد المذاهب الإلحادية اليونانية:
ا/ المذهب ألايوني: يستند المذهب الايونى إلى تفسير مادي للوجود ، يفترض أن هناك ماده أولى صدرت منها سائر الموجودات ، وقد افترض أعلام هذا المذهب أنها لا تخرج من احد العناصر الاربعه " الماء النار التراب الهواء" ، ولكنهم اختلفوا في ماهية هذه المادة الأولى.
نقد المذهب ألايوني: أهم أوجه نقد التفسير المادي للوجود ، الذي قال به المذهب الايونى ، هو النقد الذي وجه إليه الفيثاغورثيين ، ومضمونه تناقض هذا التفسير من جهة انه إذا كانت المادة الأولى ، تشترك مع باقي الموجودات المادية في صفه المادية والحسيه، فكيف تكون مصدر وجود هذه الموجودات المادية، اى كيف تكون سابقه عليها في الوجود، فمبدأ الوجود يجب أن يكون مبدأ غير مادي، والعناصر الاربعه إنما ترمز إلى حالات الوجود المادي " السيولة الطاقة الصلابة والغازية"، والقول بها يشير إلى ان العلم في تلك الفترة، لم يصل بعد الى مرحله تحليل الوجود المادي إلى ذرات، كما سيحدث لاحقا في الفلسفة الذريه ، كما ان قول المذهب الايونى بماده أولى صدرت عنها سائر الموجودات هو انعكاس لواقع لعلامه القبلي ، اى أن للقبيلة أصل واحد تنحدر منه يتمثل في صله الدم.
ب/ المذهب الذري : أما المذهب الذرى فيستند إلى تصور مادي مضمونه أن
الوجود مكون من ذرات تتحرك في فراع ، ويرى لوقيبوس أن من تجمع هذه
الذرات تتكون الأشياء، ومن انفصالها يحدث فنائها ، وهذا التجمع والانفصال يحدث بالصدفة حسب تصوره، إما ديمقريطس فقد اتفق مع لوقيبوس في أرائه وعبر عن هذا بقوله( الحقيقة تنقسم إلى وجود" ذرات" ولا وجود" فراغ") ، لكنه يشبه الذرات بحروف هجاء الكون لان الاختلاف بين الأجسام يرجع إلى اختلاف الذرات المكونة لهذه الأجسام في:1-الحجم2-الشكل3-الوضع4-الترتيب،كما أن اختلاف الكلمات يرجع إلى اختلاف الحروف المكونة لها في الحجم(ا-ب) أو الشكل(ا-ع)أو الوضع(ت-ث) أو الترتيب(مع-عم).
نقد المذهب الذري: وهكذا فان المذهب الذرى يستند الى تصور الى " ميكانيكي "يفسر نشاه الكون – على الأقل عند لوقيبوس – بفعل الصدفة ، في حين أن ألصدفه هي مفهوم ذاتي – انسانى –اى مرتبط بوجود الإنسان-في حين أن وجود الإنسان تالي لنشاه الكون- فهو آخر الموجودات نشاه (بعد الجماد والنبات والحيوان )، ومضمون الصدفة كمفهوم ذاتي - انسانى هو كل حدث يحدث دون معرفه إنسانيه مسبقة، ودون قصد انسانى، ومن هذا التعريف يتضح لنا أن الصدفة هي قصور في ألمعرفه (حدوث الحدث دون معرفه مسبقة )، وقصور في الاراده (حدوث الفعل دون قصد )، فهي دليل على محدودية الوجود الانسانى، بأبعاده المتعددة " المعرفية والاراديه ..." والخلق والإيجاد كمال، وبالتالي لا يمكن أن تكون الصدفة - بما هي قصور - عله نشاه الكون، وهذا النقد السابق ربما هو الذي يفسر أن ديموقريطس حاول تفسير نشاه الكون ، استنادا إلى تشبيه الكون بالكتاب" فالذرات هي حروف هجاء الكون"، لكنه لم يجب على السؤال: هل يوجد كتاب لم يقم احد بكتابته ؟ ، فضلا عن تصوره للذرة يخالف التصورالعلمى المعاصر للذرة الذي وضع أساسه روزرفورد عام
1911 .
ج/المذهب السوفسطائى : أما المذهب السوفسطائى فينكر وجود اله أو يشكك في وجوده ، استنادا إلى نظرية معرفة حسية (تجعل الحواس وسيلة المعرفة اليقينية ) ذاتية ( تتغير بتغير عقول الأفراد ) نسبية (تخضع للتغير والتطور بتغير المكان والزمان ) .واستنادا إلى شكل من أشكال الشك المطلق .
نقد المذهب السوفسطائى : وهكذا فان الإلحاد فى المذهب السوفسطائى، مرتبط بنفي وجود معرفة موضوعية ، ليصبح هو الأخر مجرد معرفه ذاتيه نسبيه -غير يقينية ، فهو شكل من أشكال الشك المطلق- المذهبي ، الذي يبدأ بالشك وينتهي بالشك - ، الذي هو أخد خصائص التفكير الاسطورى، والذي لا يمت بصله إلى التفكير الفلسفي – العقلاني ، والقائم على الشك النسبي – المنهجي ، الذي يبدأ بالشك وينتهي باليقين .
د/المذهب الابيقوري: أما ابيقور فيرى أن تحقيق الطمانينه " الاتراكسيا "
، يتم بالتحرر من المخاوف الثلاثة ،ومنها الخوف من الالهه، وهو ما يتحقق عنده من خلال استناده إلى التصور اليوناني للالهه، والذي يقول أنها موجودة في جبل اولمب، ولا تعرف شيئا عن العالم ولم تخلقه .
نقد المذهب الابيقورى : وهكذا فان ابيقور دعا إلى تحرر من الخوف من الالهه ، ولكنه في ذات الوقت اقر بالتصور اليوناني للالوهيه، والقائم على تعدد الهه، وإنكار الربوبية ، والتشبيه والتجسيم,
ثانيا: نقد المذاهب الإلحادية الأوربية الحديثة:
ا/ المذهب الفيورباخى: يرى فيورباخ في كتاب "ماهية المسيحية" أن الإنسان هو الذي خلق الإله على صورته ومثاله ، فهو إنما بعبد نفسه حين يعبد الإله، دون أن يدور في خلده انه قد انتزع من نفسه خير ما فيها، لكي يزيد من خصب تلك الصورة المثالية التي ابتدعها لنفسه، فالدين عنده مجرد وهم ينسب الإنسان بمقتضاه كمالاته الخاصة، إلى موجود اسمي يظن انه متمايز عن وعيه الخاص، وتبعا لهذا فان الإله عنده ليس إلا الإنسان المثالي الذي ينبغي أن يكون.
نقد المذهب الفيورباخى: إن حديث فيورباخ يقع في إطار التصور الانسانى للإله ، وبالتالي كان ينبغي أن يبقى مقصورا على نقد التصور التشبيهى للإله ، الذي يتصور الإله على صوره الإنسان ، لأنه يقوم على امكانيه تصور الإنسان للإله ، وبالتالي لا ينسحب على التصور التنزيهي للإله ، والذي يقوم على عدم توافر امكانيه تصور الإنسان للإله، والذي يرفض كافه أشكال التشبيهه والتجسيم ، لكن فيورباخ قام بتعميم خاطئ ،أطلق فيه حكما إجماليا على جميع الأديان ، دون تفصيل أو تمييز بين الأديان ، ومرجع هذا ان فيورباخ لم يكن استثناءا من الأوربيين، الذين عرفوا الدين من خلال المسيحية المحرفة ، ألقائمه على تصور تشبيهي للإله، يقوم على الحلول والتثليث، فكانت هي الدين بالنسبة إليهم .
ب/ المذهب النيتشوى: أما نيتشه فيستند إلى مفهوم اراده القوه ، حيث يرى وجوب هدم أصنام "الدين والفلسفة والأخلاق والعقل"، والتي هي عنده بمثابة سلطات خارجية، أرادت ان تستبعد الإنسان، وتخنق اراده القوه الكامنة فيه، وهو يرى أن الناس يتمسكون بفكره الإله لأنها تغطى نقائصهم، وتسد حاجاتهم وتمدهم بتفسيرات حين تعوزهم الادله، ويرى نيتشه ان واجب الفيلسوف أن يثور على هذه الفكرة السهلة، التي تكشف عن ضعف الناس وخوفهم من الحياة ، وهنا يعلن نيتشه موت الإله ، ويضع بدلا عنه فكره الإنسان الأعلى .
نقد المذهب النيتشوى: إن فكره موت الإله التي يستند إليها نيتشه تضرب بجذورها في المسيحية المحرفة، التي تقوم على صلب وقتل المسيح باعتباره ابن الإله، لذا فان حديث نيتشه يندرج أيضا تحت إطار التصور التشبيهى للإله، الذي يقوم على امكانيه تصور الإنسان للإله ، والدليل على هذا أن فكره الإنسان الأعلى ، الذي يتصف بقيمه واحده هي القوه ماهى إلا تصور"ذاتي" يعكس تمجيد القوه عند أوربا ، التي يسود فيها حينها نزوع استعماري ، لاستعمار الشعوب وامتصاص ثرواتها ، دون وازع قيمي أو ديني.
ج/ المذهب الماركسي : أما المذهب الماركسي فينطلق من فلسفه ماديه، ترى أن المادة وحدها لها وجود حقيقي، أما الفكر" الانسانى" مجرد انعكاس لحركه المادة، أما الفكر المطلق " الإله " فينكر المذهب الماركسي وجود ه ، فهو يرى أن المادة :أزليه، أبديه، لم يخلقها احد، و لا توجد ثمة قوه فوق أو خارج العالم، وانطلاقا من المنهج المادي التاريخي يرى ماركس أن تعلق المؤمن بالسماء هو انعكاس لضيق الواقعي، ومن جهة أخرى احتجاج ضد هذا الضيق الواقعي، وعلى هذا فان الإنسان عند ماركس هو الذي يصنع الدين ، وليس الدين هو الذي يصنع الإنسان، فالدين عند ماركس هو مخدر للطبقة الكادحة، تقدمه الطبقة المستغلة من احل إخضاعها لها ، من خلال الصراع الطبقي، فالدين عند ماركس هو أفيون الشعوب، ويجب ان يستمر الصراع الطبقي، حتى انتصار الطبقة الكادحة، وإلغاء نظام الطبقات ، وسيادة العدل ، وهنا لن يعود هناك حاجه إلى الدين حسب ماركس ، فبتعبير ماركس فان " مطلب التخلي عن الأوهام، هو مطلب التخلي عن الشرط الذي يحتاج الأوهام.
نقد المذهب الماركسي: إن تحليل كارل ماركس يتفق مع واقع أوربا الذي لم ينكره العديد من رجال الدين المسيحي، فموريس تشارلس كنجزلى، احد كبار رجال الدين المسيحي في انجلترا يقول (إن الإنجيل قد استعمل كجرعةالأفيون، لإبقاء المقهورين صابرين)، لكن كارل ماركس - شانه شان باقيالفلاسفة الأوربيين - قام بتعميم خاطئ ،أطلق فيه حكما إجماليا على جميع الأديان ، دون تفصيل أو تمييز بين الأديان، وكاْن هناك دين واحد أو رؤية واحده للدين ، ومرجع هذا التعميم الخاطئ ْ سببين : السبب الأول أن ماركس – مثل فيورباخ وباقي الفلاسفة الأوربيين الملحدين - لم يكن استثناءا من الأوربيين، الذين عرفوا الدين من خلال المسيحية المحرفة ، ألقائمه على تصور تشبيهي للإله، يقوم على الحلول والتثليث، فكانت هي الدين بالنسبة إليهم ،والسبب الثاني أن ماركس انطلق من فلسفه ماديه تعتبر أن للمادة وحدها وجود حقيقي ، وتنكر الوجود الحقيقي- المستقل - للفكر الذاتي(الانسانى) - فهو عندها مجرد انعكاس- أو الفكر المطلق (الإله )- فهو عندها غير موجود. كما أن تقرير المذهب الماركسي أن المادة ( أزليه، أبديه، لم يخلقها احد، و لا توجد ثمة قوه فوق أو خارج العالم) هو تقرير ميتافيزيقي لأنه إجابة- خاطئة من ناحية البرهنة العقلية-- على الأسئلة التي تطرحها الميتافيزيقا: كيف بدأ الوجود؟ وكيف سينتهي؟ وماهية القوة التي تحركه؟ وهذه الإجابة غير قابلة للتحقق بالتجربة والاختبار العلميين أي ميتافيزيقية.وبالتالي فان المذهب الماركسي يتناقض مع ذاته ، حين يصف المذاهب الفلسفية والديني التى تقر بوجود اله بأنها ميتافيزيقية ، كما انه لا وجود لما اسماه بعض الماركسيين" الإلحاد العلمي " لان الإلحاد هو اجابه -خاطئة من ناحية البرهنة العقلية- على سؤال تطرحه الميتافيزيقا ، ولا يطرحه العلم.
ثالثا: نقد مذاهب الإلحادية الغربية المعاصره :
ا / المذهب الوضعي المنطقي: أما المذهب الوضعي المنطقي فيرى أن هناك نوعين من القضايا (ذات المعنى):القضايا التحليلية: وهي القضايا التي يكون محمولها تكرار لموضوعها (مثل 1+1=2) فالموضوع (1+1) مجرد تحليل للمحمول (2) فهي تحصيل حاصل.
القضايا التركيبية: وهي القضايا التي يضيف محمولها جديد لموضوعها وهذا الجديد يمكن التحقق منه بالتجربة مثل (السماء ممطرة). وهي قضايا العلوم التجريبية.
أما باقي القضايا - ومنها القضايا الميتافيزيقية- فهي فارغة من المعنى.
مبدأ التحقق: كما تستند هذه المدرسة إلى مبدأ التحقق الذي مضمونه أنه (لكي تكون القضايا ذات معنى يجب توافر إمكانية من كونها صادقة أو كاذبة) وبالتالي فان أي قضية لا تتوافر إمكانية التحقق من صدقها أو كذبها فهي غير ذات معنى.
الموقف من الميتافيزيقا: وترى الوضعية المنطقية أن القضايا الميتافيزيقية (الغيبية) لا يمكن إرجاعها إلى القضايا التحليلية فقولي (النفس خالدة) نجد أن المحمول (الخلود) ليس تكرار للموضوع (النفس) كما لا يمكن إرجاعها إلى القضايا التركيبية، ففي القول السابق لا يمكن إرجاعها نجد أن للمحمول خلود لا يمكن التحقق من صدقه أو كذبه بالتجربة.وانتهوا من هذا التحليل إلى أن القضايا الميتافيزيقية لا يمكن وصفها بالصدق أو الكذب فهي بالتالي فارعة من المعنى.
نقد المذهب الوضعي المنطقي:
ا/ ضرورة الميتافيزيقا: وقد وقعت الوضعية المنطقية في إشكالية أن محاربة الميتافيزيقا هو في الوقت ذات شكل من أشكال الميتافزيقا، وهذا الأمر يتضح من أن مبدأ التحقق لا ينتمي إلى نوعي القضايا ذات المعنى (التحليليةوالتركيبية) وبالتالي يصبح طبقاً لمنطق هذه المدرسة خالي من المعنى أي قضية ميتافيزيقية ،وهذا ما يؤكد ضرورة الميتافيزيقا كما أشار كانط من قبل، أي أهمية الإيمان بالغيب للإنسان، فلكل إنسان إجابة على الأسيلة التي تطرحها الميتافيزيقا كيف بدأ الوجود؟ وكيف سينتهي؟ وماهية القوة التي تحركه؟ هذه الإجابة غير قابلة للتحقق بالتجربة والاختبار العلميين أي ميتافيزيقية.
ب/ نزعة علمية متطرفة: ومرجع محاربه الوضعية المنطقية للميتافيزيقا أنها نزعة علمية متطرفة ، ترى أن وجود العلم لا يتحقق إلا بإلغاء الفلسفة والدين، وهو الأمر الذي لا يمكن فهمه، إلا في سياق الصراع الذي دار في الفكر الغربي ، بين العلم المستند إلى الحواس كوسيلة معرفة أساسية و والاستقراء "الانتقال من مقدمات تجريبية إلى نتائج عقلية" كمنهج، والفلسفة "المقصود بها الفلسفة اليونانية أو أهم فلاسفتها الذين يرون أن العقل وسيلة المعرفة الوحيدة " التي تستند إلى الاستدلال "الانتقال من مقدمات عقل إلى نتائج عقلية" كمنهج المعرفة الوحيد، والدين "المقصود به الديانة المسيحية كما تصورتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي حرمت البحث العلمي بناءاً على الاعتقاد أن مصدر المعرفة العلمية هو الكتب المقدسة لا الواقع المادي والقوانين الموضوعية التي تضبط حركته".
ج/الاقتصار على الحواس: ومرجع هذه النزعة العلمية المتطرفة عند الوضعية
المنطقية أنها اقتصرت على الحواس كوسيلة وحيدة للمعرفة ،ومبدأ التحقق
كمعيار وحيد للمعرفة، دون الانتباه إلى إمكانية إضافة وسائل أخرى كالعقل والوحي تحدد المعرفة الحسية ولا تلغيها.
ب/المذهب الوجودي (السارتري): أما جان بول سارتر فينطلق من فلسفه ذاتيه مطلقه تنفى وجود اى قيم مطلقه ، وهو يرى أن فكره الإله ليست وليده تأمل الطبيعة أو تقرير المجتمع ، بل هي الحد الأقصى لنزوع الإنسان للتعالي، ولكن هيهات أن تحقق هذه الرغبة، ففكره الإله عند سارتر متناقضة لأنه من المستحيل على الموجود في ذاته، أن يستحيل إلى موجود في ذاته ،كما يرى سارتر أن فكره الإله تتعارض مع فكره الحرية .
نقد المذهب السارتري : يمكن اعتبار الوجودية- الملحدة- ، رده فعل عاطفيه ذاتيه على ما لاقاه الإنسان الاوربى من حربين عالميتين، أدتا إلى تشكك الأوربيين في الدين، وهو ما أدى بها إلى السقوط في هوة الذاتية المطلقة ، التي تنكر وجود اى قيم أو وجود موضوعي أو مطلق وقد قام سارتر بمراجعه ونقد موقفه الذاتي المطلق في كتاب (نقد العقل الجدلي) دون ان يتراجع عن الإلحاد،وهو ما يدل على أن الإلحاد هو اعتقاد ذاتي ، مرجعه أسباب متعددة ذاتيه وموضوعيه ،وليس نتيجة لازمه للاستدلال العقلي ، كما أن الوجودية - الملحدة - تعتبر نفسها فلسفه معارضه للميتافيزيقا، في حين أن مبدأ اولويه الوجود على الماهية، الذي تستند إليه كافه المذاهب الوجودية هو مبدأ ميتافيزيقي.وأخيرا فان الاراده الالهيه تحدد الاراده الانسانيه ولكن لا تلغيها،وبالتالي فان الدين (الصحيح ) يقرر ضوابط (تكوينيه"أوامر ونواهي الوحي"وتكوينيه "السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود" ) للحرية بهدف تنظيمها،ولا يضع قيود عليها بهدف إلغائها، فالحرية الانسانيه محدودة و ليست مطلقه.
خاتمه ( نقد عام ) : وهكذا نخلص إلى أن التيار الالحادى الغربي الحديث والمعاصر بمذاهبه المتعددة ،هو فعل رد على التصور التشبيهى للإله ، الذي ورثته أوربا أولا من تصور اليونانيين لآلهتهم ، قوى لا تنفك تلغى اراده الإنسان وتحطم قوانين الطبيعة ، وثانيا من المسيحية المحرفة القائمة على الحلول والتثليث ، فكان هذا التيار الالحادى بمذاهبه المتعددة، ثوره ضد الكنيسة التي احتكرت العلم والفهم والحكم دون الناس ، ولكن هذا التيار لم يستطيع الانتقال من مرحله رد الفعل العاطفي الذاتي(المتمثلة في رفض التصور التشبيهى للاله ) ، إلى مرحله الفعل العقلاني الموضوعي(المتمثلة في الإقرار بالتصور تنزيهي للاله)،ومرجع هذا أن أعلام هذا التيار لم يكونوا استثناءا من الأوربيين، الذين عرفوا الدين من خلال المسيحية المحرفة ، ألقائمه على تصور تشبيهي للإله، يقوم على الحلول والتثليث، فكانت هي الدين بالنسبة إليهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.